البعث يرفض فكرة الأقاليم لأنها إحدى أهداف المحتل لتقسيم العراق
إن مصلحة العراق واحدة لا تتجزأ، وإنها ليست كما يتصورها أو كما يريدها بعض السطحيين او المرتبطين بالخارج، والناعقين بضرورة تقسيم العراق إلى أقاليم..
فمنذ وقت مبكر شخصت قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي مخاطر تجزئة العراق تحت ادعاءات فكرة إيجاد الأقاليم، والتي تنطوي على إنهاء العراق الوطن الواحد.
وقد أكدت قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي على ذلك في بيانها الذي أصدرته بتاريخ 13 كانون الثاني 2024، والذي أكدت فيه:
(أن وعي الشعب العراقي هو القوة الحقيقية القادرة على إحباط أي مسعى لتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم).
وحيث أن بعض الأشخاص من بسطاء التفكير، أو ممن لديهم مصالح شخصية، أو من الذين أصبحوا أداة لتحقيق أهداف خارجية أعادوا هذه الأيام ترويج هذه الأفكار الخطيرة على وحدة العراق.
لذلك نعيد نشر البيان المذكور، ونؤكد مرة أخرى إدانة البعث لهذه الفكرة حفاظاً على وحدة العراق.
بيان قيادة قطر العراق
( الأقاليم )
يا أبناء شعبنا العظيم
أيها المناضلون البعثيون
لم يكن مخطط تفتيت الوطن العربي، وليد الظرف الراهن، بل يرجع إلى أيام اكتشاف الغرب لخطورة الحضارة العربية العميقة بالقيم الروحية والإنسانية والثقافية، وبعد خروج أوربا بنهجها العدواني التوسعي، الذي بدأ في عصر النهضة الصناعية التي عاشتها أوربا بعد فترة مظلمة طويلة، انطلقت جحافل جيوش المستعمرين الهولنديين والبرتغاليين والاسبان، ثم تبعهم البريطانيون والفرنسيون لتُطبقَ على العالم القديم لا سيما الوطن العربي، وهنا يرصد المراقب أن القوى الاستعمارية ركزت كل جهدها العسكري على الوطن العربي، حتى قبل أن يُكتشف النفط فيه، وكأنها تستبطن موقفاً ثأرياً ساخناً لم تستطع قرون طويلة على تبريده، ويذهب بعض المفكرين إلى تفسير هذه الظاهرة بأنها ناتجة عن خشية الغرب من نهوض عربي جديد يعصف بالتجربة المادية للغرب.
ومن أجل استكمال حلقات التفتيت وترسيخها على أسس قانونية، وبموجب تفاهمات بين القوى المسيطرة على النظام الدولي بعد الحرب العالمية الأولى، فقد اتفق وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا، على تقسيم الوطن العربي الخارج لتوه عن سيطرة الدولة العثمانية، إلى كيانات مستقلة مع أنها تنتمي إلى قومية واحدة ودين واحد، فكانت اتفاقية سايكس بيكو من أخطر ما واجه الأمة من مشاريع الصراع بين أبناء الأمة الواحدة، استناداً إلى اختراع عصبيات جديدة طورها الغربيون استناداً إلى ما اكتنزوه من خبرة من مآسي أوروبا، التي لا توحد بينها لغة ولا يوحد بينها دين واحد، بل هو صراع مصالح متصادمة مفتوحة على كل الاحتمالات، من أجل ذلك كله، أصدر وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور، وعده المشؤوم ليهود أوروبا الذين ضاقت بهم القارة الأوربية فأرادت التخلص منهم، بدعم بريطانيا لليهود بإنشاء وطن قومي في فلسطين.
ولم تتوقف القوى الدولية المسيطرة على النظام الدولي القديم، الذي قضى نحبه في الحرب العالمية الثانية ونشأ على انقاضه النظام الدولي الجديد، ثنائي القطبية الذي يقود فيه الاتحاد السوفيتي السابق، المعسكر الشرقي، وتقود فيه المعسكر الغربي، الولايات المتحدة، فعند قيام إسرائيل عام 1948، كان الاتحاد السوفيتي أول بلد في العالم يعترف بها، وبهذا تصورت القوى الاستعمارية القديمة والجديدة، أنهما تمكنتا من الهيمنة على الشرق، بعد أن نجحت في الفصل بين آسيا العربية وأفريقيا العربية
ونجح المستعمرون في تحويل الكيانات القُطرية التي نشأت استناداً إلى اتفاقية سايكس بيكو، إلى كيانات مقدسة تتصارع فيما بينها على الهوية والحدود والثروات السطحية والباطنية.
وبعد أن حقق الغربيون جانبا مهما من أحلامهم في تفتيت الوطن العربي، وأقاموا كيانات قُطرية ترتبط بهم بديمومتها، انتقلوا إلى المرحلة الأكثر خطورة، وهي تفتيت المُفتت وتجزئة المجزأ، وكان طبيعياً أن تتجه أنظار الغرب إلى ما يظنون أنها أقوى الحلقات في الكيانات العربية، للبدء بتطبيق المرحلة الثانية من مشروع (التفتيت العربي)، فاتجهت البوصلة الغربية نحو العراق، فقد ذكرت الوثائق أن دافيد بن غوريون وهو أول رئيس لوزراء الكيان الصهيوني، كان قد وضع ومنذ عام 1952 مشروعاً لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات أو ثلاثة كيانات، وهي الكيان الكردي في شمال العراق والكيان السني في الوسط، والكيان الشيعي في الجنوب، وبقي المشروع حبيس أدراج حتى خرج إلى العلن في إحدى مراحل الحرب العراقية الإيرانية، من قبل الولايات المتحدة، وقد حذر من خطر هذا المخطط الرفيقُ الشهيد صدام حسين في إحدى خطبه في تلك الحقبة.
ربما كان اختيار العراق لبدء مخطط التفتيت الجديد، تعبيرا عن معرفة تامة بمكانة العراق وبقوة دوره في صنع الحضارة العربية الإسلامية، وصلابة رجاله وقوة شكيمتهم وصبرهم على النوائب، لهذا لم تتوقف مؤامرات الأعداء للوصول إلى الهدف المرسوم، وعندما رأى الغربيون أن العراق ماضٍ في برامج النهوض قطريا وصولا إلى إقامة تجربة قومية مشعة ومتينة، انتقلوا إلى خطة اختلاق أسباب النزاع مع العراق عبر خطوات مدروسة ومتعاقبة، ولما وصلوا في خططهم إلى طريق مسدود، تحولوا إلى سياسة المداخل بعد أن أخفقت كل خطط تحريك الدواخل، فجاءوا بجيوشهم الجرارة فشنوا عدوانين لا يقل أي منها عن حرب كونية شاملة، وانتهت محاولاتهم باحتلال العراق سنة 2003 بعد حصار ظالم استمر ثلاثة عشر سنة، فطفقوا فور بسط الهيمنة عليه، إلى تسليم مقاليده إلى أكثر أعدائه حقداً عليه وكراهية لأهله، أي إيران، ومنذ أول يوم لاحتلال العراق، تحول إلى ساحة اختبار لكل نوايا الشر التي يحملها الغرب والشرق على العراق، وفي المقدمة منهم إيران، فتم إيقاظ كل ما صنعته إيران من خبائث اختزنتها ضد العراقيين منذ أقدم العصور، فأثيرت النعرات المذهبية وتم تشطير المجتمع العراقي إلى مجتمع مكونات بدلاً من مجتمع المواطنة الواحدة التي يتساوى فيها العراقيون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
وحيثما انطلقت دعوات تشكيل الأقاليم في عراق الاحتلالين، علينا أن نرصد الدوافع والأسباب، لا بهدف تبريرها، وإنما لوضع المعالجات الناجحة، على الرغم من أننا لا يمكن أن نثق بأية خطوة تُقدم عليها السلطة المنصّبة من قبل الاحتلال، ولكن توعية الشعب المغيب عن الساحة وتحصينه بسلاح الوعي السياسي والفكري اللازم لمواجهة ما يقدم له من مشاريع تُصور له وكأنها قارب النجاة الذي يوصله إلى بر الأمان أهم واجب للقوى الطليعية، فالمخطط الجديد يهدف إلى زرع تناقضات جديدة ونزاعات مسلحة بين أبناء الشعب الواحد.
إن الحل الوحيد الذي يصلح للعراق ولغيره من الأقطار العربية، هو بناء دولة المواطن لا دولة المكونات، وأي تطوير للنظام الإداري يجب أن يساعد على استثمار الفرص الاقتصادية على أفضل الوجوه، هو ما يجب أن يتم العمل عليه لمنع التشرذم والتفتيت، ونحن على يقين من أن أبناء شعبنا العراقي العظيم لهم من الدراية والوعي السياسي، ما يقدرون على احباط كل ما من شأنه أن يضعف بلدهم ويحوله من بلد واحد إلى إرادات متنازعة، ولا شك أن احتكار سلطة القرار السياسي والسلاح، والاستئثار بالمال العام وتحويله إلى نهب وغنيمة للمتسلطين على رقاب العراقيين، من خلال سلطة الباطل التي مُنحت للتحالفات القائمة الآن، هو الذي يدفع بعض الأطراف لترفع سقف مطالبها باعتماد مشروع الأقاليم، ظنا منها أنه ستتحرر مما وقع عليها من ظلم، على الرغم من أن المتسلطين على مقادير العراق من كل الطوائف يجمع بينهم برنامج واحد هو التطابق في تقاليد العمل الرسمي.
ومع أن التشريعات التي أصدرها برلمان العملية السياسية، يضع قيوداً على إمكانية تحويله إلى واقع، إلا أن وعي الشعب العراقي هو القوة الحقيقية القادرة على احباط أي مسعى لتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم.
قيادة قطر العراق
لحزب البعث العربي الاشتراكي
بغداد 13 كانون الثاني 2024