اتِّفاق بِيكِين لِلْمُصَالَحَةِ الفِلَسْطينيَّة
وَبابِ الخُروج مِن المَأْزِقِ الرّاهِن
أحمد علوش – لبنان
هل تنجح الصين في تحقيق المصالحة الفلسطينية ووضع حد حاسم ونهائي للانقسام الحاد والمرير من الافتراق والاقتتال وتبادل الاتهامات، أم أن هذا الاتفاق يضاف إلى غيره من الاتفاقات السابقة التي بقيت حبراً على ورق. وكانت الحسابات الفئوية تتقدم على المصلحة الوطنية وتتمحور حول التفاصيل الكثيرة والمعقدة بحيث أصبح الفلسطينيون غیر مبالين بما يعلن على هذا الصعيد ، وتشاؤم يسد كل أبواب الأمل في الخروج من المأزق إلى الانفراج الوطني الذي يعيد القضية إلى حيوية أهدافها الاستراتيجية والمرحلية.
التفاؤل في اتفاق بيكين هذه المرة يعود إلى جملة عوامل الأول خطورة ما تتعرض له القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني من مخاطر الإنهاء والتصفية وحرب الإبادة. أما الثاني فهو شعور كل طرف من الأطراف المعنية بحجم المأزق الذي يواجهه على الصعيدين الذاتي الخاص، والموضوعي العام، خاصة ان العدو الصهيوني لا يرفض فقط حل الدولتين وإنما يرفض الاعتراف بأي جزئية من الحقيقة الفلسطينية، والكل الصهيوني يجمع على رفض الفلسطينيين وإبادتهم وتهجير من يستطيع منهم. فهو يرفض “حماستان” و”فتحتان” كما يرفض وجود السلطة ودورها. ولا تجد بين الصهاينة في الكيان الاغتصابي وعلى كل المستويات ما يرفض أو يستنكر حرب الابادة والتجويع حتى أولئك الذي يطالبون بإعادة الأسرى الصهاينة من غزة، ونتنياهو كان واضحاً في رده على محكمة العدل الدولية عندما وصف الضفة الغربية بورث من الآباء والأجداد.
أما العامل الثالث فهو ثقل الصين ودورها الساند للقضية الفلسطينية، والصين التي يزداد وجودها في المنطقة على الصعيد الاقتصادي والتجاري الذي لا بد أن ينعكس حضوراً سياسياً بعد نجاحها في عقد ما يسمى “الاتفاق” الإيراني السعودي الذي يتعثر، تؤكد حضورها على مستوى القضية الفلسطينية وهي استضافت حواراً فلسطينياً في نيسان الماضي وترعى حوار اليوم. كما أن السفير الصيني جال على كل القوى والفصائل الفلسطينية بين الجولتين، كما أن موسكو كانت تتحضر لاستضافة حوار بعد أن جرت جولة مماثلة في وقت سابق.
المتفائلون يرون أن ثقل موسكو وبعده ثقل بكين ليس عبثياً وأن السياسة الصينية التي تتميز بالهدوء والثبات والخطوات المحسوبة لا بد أنها استندت إلى معطيات للإقدام على هذه الخطوة وهي لا تعمل سياسة رفع العتب والاستعراض.
اتفاق بكين نص من بين نقاطه العديدة على :
- تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية والالتزام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس طبقاً لقرارات الأمم المتحدة، وضمان حق العودة بموجب القرار 194.
- حق الشعب العربي الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وإنهائه.
- تشكيل حكومة وفاق وطني فلسطيني بتوافق بين الفصائل وبقرار من الرئيس تتولى البدء بتوحيد المؤسسات كافة في أراضي الدولة الفلسطينية وإعادة إعمار غزة.
- التمهيد لإجراء انتخابات عامة بأسرع وقت.
- تفعيل الإطار القيادي الموحد للشراكة في صنع القرار السياسي لما تم الاتفاق عليه في وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني الموقعة في 4 ايار 2011 في القاهرة.
كما أشارت بعض المصادر أن المجتمعين وضعوا جدولاً زمنياً للبدء بتنفيذ الخطوات التي تم اتفاق عليها.
اتفاق المصالحة تم في ظل أجواء ملبدة في المنطقة فالحديث عن وقف لإطلاق النار وتبادل أسرى ومحتجزين تحيط به شكوك كبيرة وكثيرة فحرب الإبادة في غزة تزداد عنفاً واتساعاً. كما أن الوضع في الضفة ليس أقل خطورة وهو في تصاعد مستمر وأميركا التي تعيش اضطراباً سياسياً بعد تنحي بايدن قد أربك حسابات نتنياهو ولكن سواء قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية أو بعدها فهي لن تتراجع عن المشاركة والمباركة لحرب الإبادة على الفلسطينيين. ونتنياهو الباحث عن مستقبله السياسي يقترب أكثر من أيديولوجيته الدينية والعنصرية المتطرفة. خاصة وأنه حلم بأن يكون ملك ملوك إسرائيل لذلك فهو لن يتراجع عن حرب الإبادة في غزة ويخطط لوضع الضفة الغربية بين فكي الإبادة والتهجير. وفي خطوة لاحقة قد يفكر في التخلص من عرب الأرض المحتلة عام 1948 ظناً منه أنه بذلك يستطيع تحقيق الهدف الصهيوني الأكبر “نقاء الدولة العبرية”.
أما على الصعيد العربي فالحركة الجماهيرية العربية عاجزة ومقيدة، والرهان على الأنظمة ليس في محله وإذا كانت الأنظمة متواطئة وضعيفة ومرتبطة وعميلة فالرهان عليها كمن يقبض الربح.
على المستوى الدولي فان القضية الفلسطينية تتقدم إلا أن الحلول الاخرى ومنها حل الدولة تتراجع والمكسب الأساسي في اتساع حجم التأييد الشعبي للحق الفلسطيني أما أميركا ودول الغرب فما زالت في واد آخر وهي مع العدو الصهيوني مؤيدة وداعمة ومشاركة.
على الجميع ان يفهم أن مستقبل فلسطين يتقرر على أرض فلسطين وليس في مفاوضات قد تجري في عُمان أو أي مكان آخر بين هذا الطرف الإقليمي أو ذاك والولايات المتحدة الأميركية. فالثمن سيكون حينها على حساب الفلسطينيين وكل العرب وعندها لن ينفع الندم.