كتاب الشهر_ الفَرَاغُ الاسْترَاتِيجِيّ فِي الوَطَنِ العَرَبِيّ

   

بسم الله الرحمن الرحيم

برنامج

كتاب الشهر

للكتاب والقراءة أهمية عظمى في حياة الأمم والشعوب، وفي عالمنا المعاصر حيث تحتدم التحديات والمتغيرات في مختلف الاصعدة والمجالات ، اصبحت المعرفة احد اهم الاسلحة التي تتسلح بها الشعوب في كفاحها حتى اضحت حاجة جوهرية لا غنى عنها من اجل البقاء وتحقيق التطور والازدهار. وفي ظل عمليات التجهيل المنَظَم والمتَعَمَّد للاجيال الصاعدة من الشباب في وطننا العربي يحتل هذا الامر اهمية استثنائية. وتساهم العديد من الاصدارات العربية الحديثة في القاء الضوء على القضايا الملحة في وطننا العربي، وتنوير الرأي العام ونخبه الفكرية والثقافية، وتعميق الوعي لديها، فتشكل منارات هادية تضئ الطريق امام ابناء الامة ولا سيما اجيالها الصاعدة ، لتتزود منها بالمعرفة اللازمة لمواصلة الطريق في دفاعها عن خيارات الامة وحقها في الحياة  ومواصلة رسالتها الخالدة بين الامم. يسلط برنامج  ” كتاب الشهر ” الضوء على هذه الكتب ويتناول بعدها القومي وتأثيراتها ودورها في تعميق الوعي فيقدم خلاصات للنصوص الجديدة  في مجالات الثقافة القومية والفكر العربي المعاصر والتحديات الراهنة في مختلف المجالات ، تشترط الرصانة الموضوعية ،وتضمن  الفائدة العامة  لجميع القراء والمتصفحين . ولإثراء  النص وتعميق مضامينه ، يشرع  كتاب الشهر نوافذ للحوار العلمي وتبادل وجهات النظر .موضوع هذا الشهر عن الفَرَاغُ الاسْترَاتِيجِيّ فِي الوَطَنِ العَرَبِيّ وهو ملخص من عدة كتب عن الاستراتيجيات العربية  من تاليف د. عبدالوهاب القصاب .

الفَرَاغُ الاسْترَاتِيجِيّ فِي الوَطَنِ العَرَبِيّ

إعداد: د. عبدالوهاب القصاب

المقدمة

برز مفهوم “الفراغ الاستراتيجي في الوطن العربي” بوصفه توصيفًا لحالة غياب المشروع العربي الجمعي، وضعف القدرة على الفعل والتأثير في محيط تحكمه التنافسات الدولية والإقليمية. وقد قدّم د. عبدالوهاب القصاب هذا المفهوم بوصفه إطارًا نظريًا لتفسير تراجع الدور العربي وتنامي تدخلات القوى الخارجية.

 أولًا: مفهوم الفراغ الاستراتيجي

المقصود بالفراغ الاستراتيجي هو غياب أو ضعف فاعل رئيسي يمتلك القدرة والإرادة على إدارة التفاعلات الإقليمية، وتحقيق التوازن في بيئة مضطربة.  وفي السياق العربي، يشير إلى تآكل الوزن النسبي للدول العربية في بيئتها الجيوسياسية، بما أفسح المجال لقوى غير عربية لفرض توازنات جديدة.

 ثانيًا: الخلفيات التاريخية لتكوّن الفراغ في الوطن العربي

منذ تفكك الدولة العثمانية وتقسيم المشرق العربي، لم ينجح العرب في تأسيس توازن بديل وذلك لاستهداف كل المحاولات العربية في هذا المجال من قبل الغرب. فقد تم استهداف مشاريع الوحدة العربية، وأُضعِفت المحاور السياسية الكبرى (القاهرة، بغداد، دمشق) بشتى الطرق، فيما أثقلت التدخلات الأجنبية الكيان العربي الوليد.

 ثالثًا: مظاهر الفراغ الاستراتيجي الراهن

من اهم مظاهر الفراغ الاستراتيجي الحالي الذي يعاني منه الوطن العربي هي:

 انهيار دول مركزية في الوطن العربي هي (العراق، وسوريا، و ليبيا، واليمن)

  • غياب القيادة العربية الجماعية
  • هيمنة الأجندات الأجنبية في الملفات العربية
  • تصاعد النفوذ الإيراني والتركي والكيان الصهيوني
  • تفكك المواقف العربية حيال قضايا محورية (فلسطين، السودان، لبنان).

 رابعًا: العوامل البنيوية لغياب الفاعلية العربية

من العوامل البنيوية التي تؤثر بشكل كبير على الفاعلية العربية وتؤدي الى ضعفها هي :

  • ضعف النظام الإقليمي العربي.
  • فشل الدولة الوطنية في بعض الأقطار العربية، واستهدافها بشكل متعمَّد في البعض الاخر.
  • وجود تعارض مُفتَعَل للمصالح بين بعض الدول العربية.
  • الاعتماد المفرط على الخارج لضمان الأمن.
  • التدهور الاقتصادي والتنموي.

 خامسًا: القوى الدولية والإقليمية وملء الفراغ

 من اهم الدول التي سعت الى ملء الفراغ الاستراتيجي في الوطن العربي مع الاشارة الى الاسلوب الذي اعتمدته كل منها لتحقيق هذا الهدف، هي :

 إيران: وذلك عن طريق تأسيس ومن ثم توظيف الأذرع غير الرسمية لها وهي (حزب الله، الحوثيون، الميليشيات العراقية، عدد من المليشيات في سوريا قبل سقوط نظان الاسد).

  • تركيا: التدخل العسكري المباشر في (سوريا، ليبيا)
  • الكيان الصهيوني: فرض وقائع جديدة من خلال التطبيع واستخدام القوة العسكرية.
  • الولايات المتحدة: انسحاب جزئي مما ادى الى خلق خلل في ميزان القوى.
  • روسيا والصين: حضور متنامٍ ضمن فراغ الفعل الغربي

 سادسًا: السيناريوهات المستقبلية ومخاطر استمرار الوضع

 يمكن ان نستعرض بعضا من السيناريوهات المحتملة وهي :

  1. السيناريو المتشائم: ويشمل حصول تفكك عربي متواصل، وصعود نفوذ غير عربي.

 2. السيناريو الواقعي: ويشمل استمرار الجمود الحالي وحصول ما يسمى ب توازن الفوضى اي ( حالة من عدم الاستقرار والنظام المتناقضين، حيث يحدث التغيير والفوضى بشكل مستمر، ولكن ضمن حدود معينة أو مع وجود أنماط خفية تحكمها. هو مفهوم يشير إلى أن بعض الأنظمة الديناميكية، على الرغم من مظهرها الفوضوي، قد تظهر سلوكًا دوريًا أو مستقرًا في بعض الأحيان).

 3. السيناريو الإيجابي: ويتضمن تحرك عربي مدروس لبناء توازن إقليمي داخلي.

 سابعًا: أبرز المستجدات

تشير التحليلات الحديثة إلى أن مفهوم “الفراغ الاستراتيجي” في الوطن العربي والمنطقة يشهد تطورات متسارعة نتيجة لتحولات في موازين القوى الإقليمية والدولية وكما يلي : 

  1. الشرق الأوسط : من الفراغ إلى الهيمنة

 تشير بعض التقارير إلى أن الحديث عن الفراغ الاستراتيجي في الوطن العربي فقد جدواه، خاصة بعد الحرب على غزة في أكتوبر 2023، والتي كشفت عن تراجع الدور العربي السيادي والأمني والعسكري، مما أفسح المجال لهيمنة استراتيجية للكيان الصهيوني، مدعومة بتنافس إيراني على النفوذ الإقليمي.  

2.الوجود الأمريكي في سوريا: إعادة تموضع

أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في أبريل 2025 عن خطة لخفض قواتها في شمال وشمال شرق سوريا إلى النصف، في خطوة تعكس تفضيل الإدارة الأمريكية تقليص الانخراط العسكري المباشر، والتركيز على تحقيق بيئة سياسية وأمنية تخدم مصالحها عبر وسائل غير عسكرية. 

3.التحولات في النظام الدولي: انقلاب استراتيجي

تشهد التغيرات المتسارعة في النظام الدولي تحولات جذرية قد تؤدي إلى فراغ استراتيجي في المستقبل، خاصة في مناطق مثل الوطن العربي والشرق الأوسط وأوروبا، وحتى داخل الولايات المتحدة الأميركية. هذه التحولات قد تعيد تشكيل خريطة القوى العالمية، وتؤثر على التوازنات السياسية والاقتصادية والعسكرية.  

 

ثامناً: نحو استراتيجية عربية للخروج من الفراغ

– فيما يلي اهم الاهداف التي يجب ان تُعطى اولوية قصوى من قبل العرب دولاً ومؤسسات وقوى سياسية تسعى الى اطلاق مشروع عربي يتضمن استراتيجية عربية للخروج من حالة الفراغ الخطير القائم، و هذه الاولويات هي :

 

  1. إعادة بناء النظام الإقليمي العربي على أسس وظيفية لا شعاراتية.
  2. إنشاء آلية أمن جماعي عربي.
  3. تعزيز التكامل الاقتصادي.
  4. صياغة سياسة خارجية موحدة تجاه الملفات الكبرى.
  5. دعم الدول العربية المنهارة لاستعادة سيادتها الوطنية.

 

الخاتمة

 في ظل هذه التطورات، يبدو أن الوطن العربي والمنطقة تمر بمرحلة إعادة تشكيل استراتيجي، حيث تتراجع بعض القوى التقليدية وتبرز أخرى، مما يستدعي مراقبة مستمرة لفهم تداعيات هذه التحولات على الأمن والاستقرار الإقليمي.

إن غياب المشروع العربي الجامع هو ما سمح بتكوّن هذا “الفراغ الاستراتيجي”، الذي أنتجه العرب أولًا، وسرعان ما تم ملؤه من قبل قوى غير عربية. ولا يمكن الخروج من هذا الوضع دون الاعتراف الصريح بالواقع، والانطلاق من مشروع واقعي يتجاوز الشعارات نحو أدوات القوة الفعلية.

 

المراجع

 

– كتابات د. عبدالوهاب القصاب حول الاستراتيجية العربية

– تقارير معهد الدراسات الاستراتيجية العربي

– وثائق الجامعة العربية

– تقارير مراكز دراسات دولية (RAND، IISS، Carnegie)

الخرائط التوضيحية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Author: nasser