جَنِين تَنتَصِر على العُدْوان
جنين كما هي دائماً، صامدة مرفوعة الرأس لا تتغير. تعودت على صد العدوان والانتصار عليه دوماً، فقد كانت مركزاً لمقاومة الاحتلال البريطاني أثناء ثورة عام 1936 وفي حرب (سنة 1948) سقطت مدينة جنين بأيدي العصابات الصهيونية ولم تستغرق عملية تحريرها سوى عشرة أيام بقيادة العقيد عمر علي رحمه الله قائد الجيش العراقي حيث أرغمت عصابات الكيان الصهيوني على الانسحاب تحت ضربات أبناء العراق وأبناء جنين في تلاحم رائع بين أبناء الأمة.
وفي الأول من نيسان عام 2002 شنت قوات الاحتلال الصهيوني هجوماً واسعاً على مدينة جنين ومخيمها ضمن عملية ما سميت “السور الواقي” والتي أدت إلى احتلال الضفة الغربية من جديد حيث استبسل أبناء جنين وأبلوا بلاءً حسناً على مدى 15 يوماً من الحصار المحكم الذي تخلله قصف بالطائرات الحربية والعمودية وهجوم واسع بالدبابات.
ورغم ضخامة القوة المهاجمة والتي زادت عن الـ 5000 جندي و400 دبابة استطاع أبناء المقاومة الفلسطينية من قتل 13 جندياً وضابطاً في كمين واحد داخل مخيم جنين. وفي النهاية اضطرت قوات الاحتلال الانسحاب من المخيم بعد مقتل 50 جندياً وجرح أكثر من 70 آخر. وصمدت المقاومة وتجسدت الوحدة الوطنية وكانت في أبهى صورها واستمرت الثورة جيل يسلم جيل، فلم يستسلم الشيوخ ولم ينسى الأبناء.
واليوم المخيم وأهله الأبطال وفلسطين والأمة وأحرار العالم يفتقدون دعم أبناء الأمة العربية الأحرار وفي مقدمتهم العراق العظيم ونظامه الوطني والقومي، وعلى رأسه الرئيس الشهيد صدام حسين رحمه الله. حيث كان العراق لفلسطين السند والمعين فتم تقديم كل ما يلزم من معونات معنوية ومادية لأصحاب البيوت التي هدمها جيش الاحتلال النازي في مخيم جنين سنة 2002، رغم ضراوة الحصار الجائر الذي كان مفروضاً عليه.
والآن وبعد 21 عاماً من عملية ما سميت “السور الواقي” الصهيونية، شنت قوات الاحتلال هجوماً واسعاً شارك فيه 1000 جندي صهيوني وأكثر من 150 آليّة عسكرية واستخدمت فيه الطائرات الحربية والعمودية والمسيّرة في قصف منازل المواطنين الأبرياء، مدعية أنها تستهدف المقاومين الذين يشكلون “خطراً” على أمنها المزعوم، فقتلت 12 من أبناء المخيم الأبرار وجرحت المئات وشردت الآلاف. وعندما أيقنت أن عمليتها العسكرية فشلت في اقتلاع جذور الصمود والمقاومة، حولت حقدها وبساديتها المعروفة، إلى تدمير البنية التحتية للمخيم، باقتلاع خطوط المياه والكهرباء، مدمرة المنازل والشوارع، ومهجِّرة السكان تحت تهديد السلاح وإطلاق مئات القنابل المسيلة للدموع.
نعم هكذا هي جنين ومخيمها، صدت العدوان الصهيوني ودافعت بصمودها عن فلسطين وعن الأمة العربية بل وعن كل أحرار العالم.
وأمام هذا العنفوان المقاوم في جنين ومخيمها لأعتى قوة في العالم والمدعومة من مغول العصر وأتباعه من عرب الجنسية وفرس وغرب وصهيونية وامبريالية، توالت الإدانات والاستنكارات وتعابير القلق والانزعاج لاستخدام جيش الاحتلال القوة المفرطة ضد الفلسطينيين، وكلها لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا ترقى لحجم الدمار الشامل الذي خلفه جيش الاحتلال الذي يجسد النازية الجديدة في مخيم جنين، حيث استشهد 12 مواطن وجرح 123 منهم 20 جريحاً في حالة الخطر إضافة إلى تدمير 800 منزل وتدمير مساجد ومراكز صحية وغيرها.
فهل إن كل هذا التدمير والقتل والتهجير لا يستدعي أبسط الإجراءات والقرارات ذات الطابع العملي وبما يقترب ولو قليلاً من مستوى الحدث وحجم الجرائم المقتَرَفة بحق أبناء جنين، مثل عقد اجتماع للجامعة العربية كحد أدنى، أم أن هذا قد أصبح ممنوعاً على أعضائها؟
ورغم كل ذلك فإن فاشية جيش الاحتلال تحطمت على صخرة اللحمة الوطنية وتوحدت كل البنادق في وجه مغول العصر الجديد.
إن خير ما يجسِّد سر الصمود والمطاولة الفلسطينية هو ما عبَّرَت عنه إحدى خنساوات المخيم الماجدات للإعلام، موجهة كلامها بكل شجاعة وبطولة لجيش الاحتلال الصهيوني ومستوطنيه قائلة: ((أنجبنا أطفالاً أثناء حصاركم سنة 2002، وهاهم اليوم يجابهونكم ويطردوكم من المخيم)).
سيبقى صمود وبطولة أبناء ونساء وشيوخ جنين منارة يقتدي بها كل أحرار الأمة العربية وهم يقارعون الاحتلال والظلم والاستبداد والمخططات المعادية التي تستهدف وجود الأمة ومستقبل أبنائها.
وستبقى راية الصمود والمطاولة والتحرير مرفوعة عالية خفاقة في سماء جنين، وكل فلسطين تتناقلها الأجيال جيلاً أثر جيل.
مكتب الثقافة والإعلام القومي
7 تموز 2023