خالدون في سبيل البعث
من سجل النضال القومي المجيد
حزب البعثُ العربي الاشتراكي هو حزبٌ قوميٌّ وُلِدَ من رحم معاناة الأمة من أجل تحقيق وحدتها وحريتها ونهضتها، لتمارس دورها الحضاري بين الأمم بما يَليق بمكانَتِها الكبيرة وإمكاناتها الهائِلة وتأريخها المجيد. وهو فِكرٌ رَصينٌ وراسخٌ، ونَهجٌ ناضجٌ ومُتقدمٌ ينير درب مناضليه وجماهيرَه في كفاحهم لتحقيق أهدافه الاستراتيجية الكبرى في الوحدة والحرية والاشتراكية. وحزبٌ هكذا هي أهدافه، قومية تقدمية انسانية، لا ينهض برسالَتِه الحضارية العِملاقة في بعث أمة بكاملها، الاّ نوعية خاصة من أبناء الأمة المناضلين في صفوفِه، من الذين آمنوا بحقِّ أمتهم في النهضة والتقدُّم لتحتَّل مكانتها الكبرى بين الأمم، فوهبوا حياتهم لتحقيق رسالته، خائضين في سبيل ذلك نضالاً ضروساً وتضحيات جسام لتأصيل الأهداف النبيلة للبعث، وقيمه ومبادئه السامية. انَّهم صُنَّاع الحياة ومستقبل الامة، ورجال العطاء والفداء من أجل تحقيق وحدة أمتهم العربية المجيدة. هكذا هُم مناضلو البعث على امتداد وطنهم العربي الكبير من المحيط الى الخليج.
يسعى هذا الباب الى القاء الضوء على محطات من السجلّ الخالد لمناضلي البعث في الوطن العربي، الذين شكَّلوا رايات عالية ستبقى تنير درب أجيال وأجيال من ابناء الامة في نزوعها نحو الوحدة والحرية والتقدم. ومن تلك الرايات الرفيق عبد الله سلام ناجي من جيل الرواد المؤسسين لحزب البعث العربي الاشتراكي في قطر اليمن.
عبد الله سلام ناجي
المناضل والأديب والشاعر
يحي محمد سيف – اليمن
بمناسبة الذكري السنوية ال(24) لرحيل فقيد البعث والحركة الوطنية والأدبية اليمنية الرفيق المناضل والاديب والشاعر الاستاذ /عبد الله سلام ناجي طيب الله ثراه واسكنه فسيح جناته، وبهذه المناسبة الاليمة سوف نتحدث وبإيجاز شديد عن بعض المحطات الحياتية والنضالية والشعرية والادبية لهذا المناضل والاديب والشاعر الملتزم والمتميز في نضاله وسلوكه، الذي عاش حياة المبدأ فلم يساوم بعقله ولم يدفن ضميره في صدره، ولم يطأطئ رأسه لقوى التخلف والفساد والإفساد، المنحاز ابداً لجماهير الشعب ومطالبها الاساسية وقضاياها الجوهرية، و بسبب هذه المواقف المبدئية الراسخة، حاربته الحكومة في لقمة عيشه واقصته من وضيفته .
فالفقيد الراحل الاستاذ عبد الله سلام ناجي، هو مناضل وطني وقومي تقدمي، وقائد بعثي من جيل الرواد المؤسسين لحزب البعث العربي الاشتراكي في قطر اليمن وهو اديب وشاعر وناقد وكاتب صحفي.
الانتساب للبعث
ولد في اواخر الثلاثينيات من القرن العشرين في قرية – صبران – محافظة تعز وكان له شرف الانتساب لحزب البعث العربي الاشتراكي عام ١٩٥٦م في مدينة عدن، وكان أحد أبرز الاعضاء والكوادر فيه من المؤسسين المخلصين لوطنهم وشعبهم اليمني وأمتهم العربية. تمكن بما كان يملكه من قدرة فائقة على الحوار والاقناع ولما كان يتمتع به من ثقافة واسعة، ويتميز به من أخلاق عالية، أن يكسب الكثير من الشباب المتطلعين للنضال الثوري ويضمهم لصفوف حزب البعث العربي الاشتراكي، الذين أصبح العديد منهم من الكادر المتقدم في الحزب سواء في مرحلة التأسيس او ما بعدها.
أدى القسم الحزبي امامه العديد من المناضلين البعثيين الذين أصبحوا يشغلون مواقع مهمة في قيادة الحزب والدولة اليمنية. كما كان له إسهاماته النضالية المتميزة ضد الاستعمار البريطاني في جنوب الوطن اليمني والنظام الإمامي في شمال الوطن، ومن اجل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية تجسيداً لاستراتيجية حزب البعث النضالية في قطر اليمن، الذي كان القضاء على الاستعمار في الجنوب والإمامة في الشمال وإعادة تحقيق الوحدة اليمنية في إطار الوحدة العربية الشاملة من اهم اولوياته النضالية.
هو مثقف ملتزم، وانسان غزير العواطف والمشاعر الانسانية، يمتاز بدماثة الخلق وطهارة اليد، والعقل، وعفة النفس وصلابة الموقف المبدئي والعزوف شبه الصوفي عن اغراءات الدنيا وبهارجها.
عاش حياة المبدأ وعفة النفس، وعانى الكثير من التهميش والاقصاء الذي بلغ حد اعفاءه من وظيفته الحكومية كمهندس بشركة النفط اليمنية بصنعاء التي التحق للعمل بها عام ١٩٧٠م لأسباب سياسية، حيث استمر هذا الاعفاء حتى وفاته والذي عانى بسببه هو واسرته واولاده البؤس والحرمان وشظف العيش كغيره من المناضلين الحقيقين الشرفاء من مختلف الاحزاب والتنظيمات السياسية.
مؤهلاته العلمية
ابتدأ دراسته الاولى في (كُتّاب) قريته، كغيره من ابناء اليمن في تلك المرحلة
الموسومة بالجهل والفقر والتخلف والمرض في ظل نظام الإمامة في شمال الوطن اليمني. انتقل من قريته إلى مدينة عدن والتحق بالمدرسة الاهلية بالتواهي لمواصلة الدراسة. وبعد اكمال دراسته فيها انتقل للدراسة في كلية عدن. وبعد ان أكملها حصل على منحة دراسية إلى جمهورية مصر العربية (الجمهورية العربية المتحدة سابقا) لمواصلة دراسته الجامعية هناك وتمكن إلى جانب ذلك من مواصلة نضاله السياسي والحزبي في القطر العربي المصري الذي تمكن حزب البعث منذ منتصف الخمسينيات ومطلع الستينيات ان ينشط بقوة هناك وخصوصاً في ظل تحيق الوحدة بين القطرين العربيين مصر وسوريا التي كان لحزب البعث العربي الدور الابرز في تحقيقها. واستطاع أن يكون له خلايا حزبية سرية وعلنية حيث كان عدد الطلاب المنتسبين لحزب البعث في مصر في تلك الفترة كما يقول الباحث الاشتراكي والزعيم الطلابي حامد السقاف في كتابه (الرحلة الشامية – الجزء الثاني) يفوقون المئات ان لم يصل للآلاف موزَعين بين المدارس والجامعات في مدن القاهرة وطنطا والإسكندرية وبني سويف وحلوان. وان الطلاب البعثيين تمكنوا في مصر من إنشاء رابطة الطلاب اليمنيين عام ١٩٥٦ م وكان الرفيق المناضل /عبد الله سلام ناجي واحداً من قيادات البعث الطلابية التي برزت في مصر في تلك الفترة. ومنهم وفقاً للمصدر السابق: زين السقاف، ومحمد عبد الودود طارش، وعبد الرحمن فخري وعبد الجليل سلمان وقاسم سلام وعبد الوهاب محمود وانيس حسن يحي وعبد الدائم الحداد وعبده علي عثمان وسيف احمد حيدر وصالح البدح وعبد الصمد القليسي ويحي علي الارياني وعلي لطف الثور ويحي الشامي وجعفر عيدروس ومحمد عبد المجيد الخليدي وعبد الرحمن عبد الكريم الشرعبي وعبد الرحمن شجاع الدين وأحمد هادي وعبد الله الصايدي ومحمد الصايدي ونبيهه سلمان وهاني ناجي واحمد عبد الله عبد الاله وصالح البعداني وعبد المولى احمد وعبد الجبار راشد وعبد الله محمد نعمان وفيصل علي عايض ومحمد سعيد مخاشن .
وبعد أزمة الانفصال وقيام حكومة القطر العربي المصري بترحيل الطلاب العرب البعثيين من مصر ومنهم الطلاب اليمنيين وبالأخص منهم القيادات المكشوفة للاستخبارات المصرية، كان الاستاذ عبد الله سلام ناجي أحد القيادات الطلابية البعثية التي تم ترحيلها، وعلى إثر ذلك ذهب إلى الجمهورية العربية السورية لإكمال دراسته الجامعية حيث التحق هناك بكلية العلوم جامعة دمشق وتخرج منها مهندساً جيولوجياً.
أعماله الأدبية والشعرية الوطنية والقومية
والأستاذ عبد الله سلام ناجي كما أسلفنا هو أديب وشاعر مُبدع ومتميِّز في أعمالِه الشعرية ذات المضامين السياسية الوطنية والقومية، وهو بالمقابل أيضاً باحث وكاتب صحفي، له العديد من الدراسات السياسية والأدبية والنقدية والبحوث والمقالات الصحفية المنشورة في الصحف والمجلات المحلية والعربية وبالأخص منها مجلة (الحكمة اليمانية) لسان حال اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين الذي كان عضوا في الهيئة الاستشارية لها.
لقد وظف كتاباته ودراساته وابداعه الادبي في خدمة قضايا وطنه وامته العربية وزرع الوعي بين ابنائها وعمل على القضاء على واقع التخلف والجهل في مجتمعه ودافع عن حق الامة في النهضة والتقدم. وقد تحولت بعض اعماله الى رايات عالية في هذا المجال على الصعيد الوطني.
ومن أهم أعماله الأدبية والشعرية ملحمته الدرامية الشعرية (نشوان والراعية) التي أهداها إلى أطفال بلاده وإلى كل (نشوان يغمد خنجر الحقيقة في قلب كل ساحر). استطاع فيها وبكل اقتدار ان يجمع بين الاسطورة والحكاية الشعبية بأسلوب ادبي روائي ملحمي رائع تمكن من خلاله تصوير الواقع السياسي والاجتماعي من معاناة الإنسان اليمني عبر مراحل تاريخية من حياته، ورصد اندثار الإمامة وصعود حركة النهوض اليمنية، حيث تجسدت البطولة وعشقها المجتمع. وقد جسد في اعماله نموذج بطل (الشعب) العنيد والصلب الرافض للظلم والتخلف والعزلة وكل انواع الاستبداد دوما. واشاع قيم تحدي الصعاب وتجاوز المستحيل وتصميم الجيل الصاعد اللامحدود على إذابة السحر والخرافة والابتذال وتعميق الايمان بحقه في التقدم والنهضة.
وقد طبعت بعض اعماله الوطنية عدة طبعات، كما تم تأديتها كمسرحيات نظراً لأهميتها، ولما حظيت به من شعبية. ومن بين العديد من الاعمال، كان من أشهر مؤلفاته الشعرية والأدبية الوطنية والقومية الى جانب ملحمة (نشوان والراعية) ما يلي:
- ملحمة الدودحية
- رسالة من دثينة
- سلام للفهم
- الجبل
دعوة أخيرة
وافته المنية في ٢-٦-١٩٩٩م دون ان يملك حتى سكن لأولاده، مثله مثل الكثير من رفاقه المناضلين الشرفاء. ان هذه القامة البعثية والادبية والابداعية العالية يحتاج الحديث عنها الى كتاب خاص، ولأن اشاعة مبادئ بعث الامة ونهوضها من جديد وادامة روح الصمود بوجه التحديات الجسيمة التي تواجهها لا يتوقف عند النشاط السياسي وحسب، وانما يتعداه الى تفعيل رسالة الثقافة والادب والشعر والفنون الهادفة والراقية التي تخدم تلك الاهداف، لذا فإننا ندعو الى تنشيط البحث والتوعية بالتراث الثقافي الادبي الوطني والقومي لرفاقنا الاوائل الذين اشاعوا مبادئ البعث وعبّروا عنها من خلال تلك المجالات وساهموا في خلق الوعي والبيئة النهضوية للأمة في عموم الوطن العربي.