في ذكرى تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي
7 نيسان: قبل وبعد 1947
البعث والقانون التاريخي للأمّة العربية: اكتشاف الماضي واستشراف المستقبل
أ. د. محمد مراد
باحث في التاريخ السياسي والعلاقات الدولية – لبنان
ثلاثة أرباع القرن مضت على الحدث – المفصل في تاريخ الأمّة العربية، حدث تخطّى في أهميته ومدلولاته العميقة كلّ الأحداث التي شهدتها وتلك المتوقّعة أن تشهدها هذه الأمّة على مدى مسارات تكوينها التاريخي لآلاف السنوات الماضية، وكذلك لما هو قادم من السنوات الآتية. إنّه السابع من نيسان 1947, يوم الولادة الميمونة للثورة العربية مع إطلاق حزبها العظيم البعث العربي منطلقاته الفكرية الثورية النهضوية التي ارتكزت الى جدلية التكامل والتفاعل بين مثلّث (المبادئ – الثوابت) في الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية.
تميّز البعث باعتماده منهجية بحثية تقوم على التشبيك والتقاطع والتكامل بين ثلاثة مناهج حاملة لنظريته القومية. الأول: تاريخي عمودي يغوص في المراحل التكوينية للأمّة العربية، الثاني: استقرائي – استنتاجي للتجارب السابقة، وتعيين عوامل الاندفاع والتراجع في حراكها الزمني، والثالث: استشرافي – آفاقي لمستقبلها من خلال الالتزام النضالي بقضية “بعث الأمّة ” من خلال تأمين مقوّمات نهضتها وتقدّمها المستدام ارتكازاً الى تحقيق وحدتها القومية وتحررها من الداخل والخارج وبناء مجتمعها الوحدوي الاشتراكي.
شكّلت الخلاصات الاستنتاجية للمنهجية المشار اليها المرتكزات البنائية لعقيدة البعث الفكرية والنضالية، وهي عقيدة انفرد بها دون غيره من الحركات والأحزاب والتشكّلات السياسية العربية وغير العربية. فالنظرية البعثية لم تأت من اسقاطات فلسفية وأيديولوجية جاهزة أو وافدة، وإنّما هي صياغات استلهامية من واقع الأمّة العربية، صياغات جاءت بعد استقراء عميق ودقيق لمسار الأمّة في حراكها التاريخي الطويل. كان الواقع العربي والبيئة العربية هما المنطلق، وعلى أساسهما كانت النظرية القومية للبعث، وهي نظرية تعتمد الثورية الانقلابية والنضالية الجماهيرية لقيام مجتمع الأمّة القومي الوحدوي التحرري الاشتراكي.
كانت الترجمة النضالية للعقيدة البعثية مبدأً راسخاً وثابتاً في مسيرة الحزب الذي شكّل, وما يزال, طليعة النضال القومي التحرري في غير ساح من ساحات المواجهة المستمرة بدءاً من اعتماده الكفاح المسلّح خياراً استراتيجياً لتحرير فلسطين منذ لحظة اغتصابها من قبل الصهاينة, مروراً بمواقفه القومية الطليعية الدافعة باتجاه الوحدة العربية, والتي لاقت ثمارها في تجربة الوحدة المصرية – السورية 1958, ودعمه لسائر حركات التحرر الوطني العربية في غير قطر عربي, وصولاً الى بناء تجربته الرائدة وطنيا وقوميا في العراق في ظلّ ثورة 17 تموز المجيدة, وهي التجربة التي أغاضت أعداء البعث والأمّة العربية من المستعمرين الأمريكيين والغربيين والصهاينة , وكل الحاقدين على العروبة وعلى الرسالة الانسانية الحضارية للأمّة العربية.
احتشدت القوى المتآمرة على تجربة تموز الرائدة, وراحت تكثّف من حروبها العدوانية بهدف إجهاضها ومحوها, فشنّت عليها حروبا متلاحقة بين 1980 – 2003 , بدءا بحرب الثماني سنوات, مرورا بحربي التدمير والحصار اللتين تزعمتهما رأسمالية الذروة الأمريكية المتحالفة مع رأسماليات الغرب الاستعماري والصهيونية والرجعية العربية, وصولاً الى اسقاط التجربة بالاحتلال الأنكلو – أمريكي المباشر في التاسع من نيسان 2003 , حيث تمكّن المحتلون من إسقاط بغداد ومعها نظام البعث الوطني – القومي , ليفتح هذا الاسقاط المنطقة العربية برمّتها أمام سلسلة من الحروب الداخلية التي ما تزال متفجّرة في غير قطر عربي تمهيداً لقيام سلسلة من الفدراليات أو الكونفدراليات الطائفية والمذهبية والاثنية والجهوية الانفصالية, كلّ ذلك بهدف اصطناع بديل لوحدة الأمّة القومية التي نادى بها البعث كمشروع خلاص تحرري يفتح الطريق أمام النهضة العربية الواعدة .
توهّم أعداء البعث بأنّ سقوط بغداد – العروبة في 9 نيسان سيكون نهاية لوجود أمّة عربية خصّت على أن تكون خير أمّة أخرجت للناس, فالأعداء والحاقدون والعملاء الدائرون في فلكهم, لم يدركوا أنّ بغداد هي ابنة 7 نيسان , هي ابنة البعث الذي لا يعرف الموت ولا الفناء, بل هو حيّ مخزون بروح الحياة والبقاء, هو خالد بالنضال بخلود شهدائه الأبرار, بخلود قاماته القيادية الاستثنائية الشامخة ميشيل عفلق , أحمد حسن البكر, صدّام حسين, عزّة ابراهيم, طه ياسين رمضان , طارق عزيز, عبد المجيد الرافعي وغيرهم الكثير الكثير من قوافل الشهداء والمناضلين المستمرة . لقد توهّم طغاة العصر من معتنقي الأيديولوجية الاستعمارية المتوهمة بحكم العالم، من المحافظين الجدد المنبهرين بالنظرية النازية الشتراوسية (نسبة الى شتراوس)، توهموا أن إسقاط بغداد يفتح الطريق لإسقاط البعث وتجربته التاريخية الفكرية والثورية، لكنهم لم يعتبروا من الغزو المغولي الذي سبقهم بتدمير بغداد – الرشيد بهدف محوها واجتثاثها، لكنها، عادت وفاجأت العالم بولادتها من جديد، وظهورها عروس العواصم زاهية بعروبتها العصية على الموت والمحو والاجتثاث. هي بغداد النابضة بروح الرسالة الخالدة التي خصّتها بها السماء لقيادة الإنسانية على مبادئ السلام والحرية والنهوض الدائم.
ستبقى بغداد – ابنة السابع من نيسان – خارج حسابات النازية الاستعمارية الجديدة – نازية القرن الحادي والعشرين، وهاهم النازيون الجدد يدخلون اليوم مأزقهم التاريخي في التراجع الانحداري المتجه بسرعة نحو السقوط الحتمي.
ستعود بغداد العروبة والبعث، بغداد ابنة السابع من نيسان، قلعة للشموخ والانتصار، ويعود معها البعث العظيم ليصنع فجر الأمة العربية ويقودها لتأخذ حضورها الانساني بين الأمم، وتسهم برسالتها الخالدة في نشر السلام الانساني خلوا من الاستعمار والتسلط والقهر..
عاش السابع من نيسان موعدا مع البعث المتجدد الخالد، وعاشت بغداد حلّة زاهية ببعثها وعروبتها المنتصرة دائما في التاريخ..