في ذكرى مولد القائد المؤسِّس القَائِد المُؤسِّس أَحمَد مِيشِيل عَفلَق قَائِدٌ ومُفَكِّرٌ من طِرَازٍ اسْتِثنَائِيٍّ  فِي الأُمَّة

في ذكرى مولد القائد المؤسِّس

القَائِد المُؤسِّس أَحمَد مِيشِيل عَفلَق

قَائِدٌ ومُفَكِّرٌ من طِرَازٍ اسْتِثنَائِيٍّ  فِي الأُمَّة

د.محمد رحيم آل ياسين

تصادف في هذا الشهر ذكرى ميلاد القائد المؤسس لحزب البعث العربي الاشتراكي الرفيق أحمد ميشيل عفلق.  وكُلّ الدُوَل والشُّعوب والأُمَم تَحتفي بميلاد مُفكّريها وعُلمائها وفلاسفتها باستمرار، وتَعمل على إقامة الاحتفالات الكبيرة، وتُخَصّص ساعات طويلة في إعلامها المرئي والمسموع، وفي صحفها ومجلاتها لهذه المناسبة. ونحن أبناء الأمة العربية حَريٌّ بنا أن نحتفل بميلاد المفكِّر والفيلسوف والأديب أحمد ميشيل عفلق، ابن الأمة البَّار الذي قدَّم لأمته ما يعجز عن تقديمه أيّ مفكِّر لأمته في العصر الحديث، وهو الذي أفنى حياته في خدمة هذه الأمة العظيمة، من خلال فكره النيِّر الخلَّاق، الذي جاء من خلال معاناته وآلامه بسبب ما تعيشه الأمة من ضعفٍ وهوانٍ وتَردٍ وانكفاء، حيث كان المؤسِّس الأمين للفكر القومي العربي، والذي يشكِّل علامة فارقة في تاريخ العرب في العصر الحديث. فبعطاء هذا المفكِّر من طرازٍ استثنائيٍّ خاص، بدأت صفحة جديدة، ومرحلة مشرقة من صفحات العِزّ والمجد والبطولة العربية. لذا فإن ميلاده لم يكن ميلاده عابراً، بل كان مولد رجُلٍ عظيمٍ وثائرٍ سلاحه الكلمة الفصل، والموقف الشجاع، والنظرة الجديد لواقع الأمة، التي تَستلهم كلّ حاجات الأمة ومتطلباتها، وتعيش معاناتها وآلامها، وتجد الحلول الناجعة لها. هذا المفكِّر والفيلسوف أنتجَ فكراً ونظريةً ليست محفوظةً بين طيَّات الكتب، وفي صفحات المجلات والصحف ولم تغادرها، بل هو فكرٌ حيٌّ واقعيٌّ وعمليٌّ كان من نتائجه الواقعية، ثورتان ظافرتان في العراق هما ثورة الثامن من شباط (عروس الثورات) في العام1963م والتي ستمرّ ذكراها في الأيام القادمة، وثور السابع عشر من تموز عام1968م.

 

القائد المؤسِّس واكتشاف قيمة الأمة ومنزلتها

والقائد المؤسِّس هو من أهَّم الشَّخصيَّات في تاريخنا المعاصر، فهو شخصيٌّة مفكِّرةٌ وقيادية من نوعٍ خاص، ساهم بشكلٍ فاعلٍ من خلال فكره القومي الوحدوي، وفلسفته العربية الخاصة في ايجاد أسباب النهوض بالأمة ومعالجة أمراضها المُستَحدَثة من قبل أعدائها المُتربصين بها، فدعا الى انبعاث الأمة من جديد، وإلى الثورة على واقعها المُجزَّأ. وقد اكتشف القائد المؤسِّس رحمه الله قيمة هذه الأمة وقدرها، ومكانتها بين أمم الأرض، وطريقها الخاص في بناء ذاتها، وما ترتبط به من روابط الإيمان بدورها التاريخي، وتحقيق رسالتها الخالدة، باعتبارها تحمل الأمانة التي أوكلها لها ربِّ العِزَّة والجلالة بحملها الى العالمين فقال : (انَّ الأمة التي يختارها القدر لتكون مسرحاً لمثل هذه التجربة البشرية السماوية، هي أمة حُكِم عليها وإلى الأبد، أن تكون متميِّزة عن باقي البشر)،أحمد ميشيل عفلق، في سبيل البعث،ج1،ص145.

اكتشف المفكِّر عفلق ما كان لهذه الأمة من وشائج وثيقة الصلة بالتاريخ العربي في ماضيهم المشرق، وتراثهم المجيد فقال :(تراثنا ليس شيئاً مضى وانقضى، ليس شيئاً للتاريخ وللمتحف، تراثنا هو سجّل عبقرية هذه الأمة، والثورة العربية التي لا تستلهم هذا التراث مقضيٌّ عليها بالفشل). نعم أهدى القائد المؤسِّس فكراً قومياً إنسانياً تقدمياً إلى أبناء الأمة، هذا الفكر قريبٌ من نفوس أبناء الأمة كقرب الجفن من العين، وهو يلامس مشاعرهم وضمائرهم في كل وقتٍ وظرفٍ ومكان. بينما كان أبناء الأمة ولا زالوا يجفلون من مقالات الحركات الإسلامية(الإسلامويين)، والأفكار المستوردة الأخرى منتهية الصلاحية، والتي كانت تعافها أنفسهم وتَشمئِزّ منها. وقد وجد أبناء الأمة أنَّ هذا الفكر يستجيب بكلّ قوّة لوجود هذه الأمة وحاجاتها ومتطلبات حاضرها ومستقبلها.

إنَّ القومية العربية التي كان ينشدها القائد المؤسِّس، هي حلم كلّ أبناء الأمة، وهي ليست دخيلة عليهم لا في الماضي البعيد ولا في الوقت الحاضر(البعث العربي حركة قومية تتوجَّه الى العرب كافَّة على اختلاف أديانهم ومذاهبهم). وأنَّ الرُّوح العربية قد امتزجت بالدين(الإسلام)، واتصلت الثقافة العربية بثقافة الإسلام وأصبحتا متلازمتين، لا تنفصل أحدهما عن الأخرى(وعروبة الإسلام لا تتعارض مع انسانيَّته وعالميَّته ومصدره السماوي بل تسمو بهذه الحقائق، وتتشرّف، وتزداد قوّة).

إنَّ أصدَق ما عبَّرَ عنه المؤسِّس هو ما كان يتحدّث به الى شباب الأمة وأجيالها الصاعدة، في التعبير عن مشاعره الخالصة، ورؤاه ومشاهداته في الواقع، بكل صراحة ووضوح، دونما عتمة أو ضبابية بل هي صراحته المعروفة الكاشفة للحقائق كما هي، دون مواربة أو تجميل للواقع العربي المتردي. كانت أفكاره رحمه الله أضواءٌ ساطعةٌ تُضيء الطريق للأمة، في أجواءٍ كانت مُحبطةٌ تعيشها الأمة آنذاك. لكنَّه في أحلَك الظروف وأقساها كان مُتفائلاً، مُتَحفِّزاً، واثقاً. لم يكن في أيِّ يوم من حياته، متشائماً أو يائساً، رغم كلّ الوقائع والأحداث التي تتعرّض لها الأمة وأهمَّها احتلال الصهاينة أرض فلسطين، وما كان يُلاقيه من جحودٍ وقطيعةٍ من المتمردين الذين انقلبوا على قيادته للحزب، خاصةً في سورية، بل كان شعلةً من التفاؤل والأمل اللذان كانا يملآن نفسه وقلبه.

 

المُؤسِّس ثائرٌ سلاحه حُبّه لأمته

وعندما نعيد قراءة تاريخ ويوميَّات هذا المفكِّر العملاق، وما كتبه خلال سنين عمره، فإنَّنا سنتبيَّن القيمة الانسانية الشامخة، والمحتوى الفلسفي والفكري التي يحملها هذا القائد العظيم، فهو ثائرٌ سلاحه فكره وحُبّه لأمته، وتصميمه ومثابرته وصبره وتضحيته في سبيل هذه الأمة العريقة، وكان يتوق شوقاً لوحدة أقطارها، وحلّ معضلاتها. وفي سبيل ادخال الثقة في نفوس شباب الأمة، وتعميق وعيهم، كان يعمل حثيثاً للالتقاء بهم، كيما يعرض عليهم مشروعه القومي الحضاري الانساني النبيل، فقد كان ينظر الى القومية العربية ويراها على أنَّها قومية انسانية متسامحة، وهي ليست قومية عنصرية، بل هي تقبل وبشغفٍ للتعايش مع القوميات الأخرى بل والانسانية جمعاء فقال :(انَّ الأمة التي ظهرت فيها رسالة بحجم رسالة الإسلام، ترفض الخنوع، وترفض التبعية الفكرية والحضارية….الأمة التي حملت الى العالم رسالة الإسلام لا يمكن أن تكون قوميَّتها سلبية، تعصبيَّة، عدوانيَّة، فقوميَّتها هي في الأساس أخلاقية انسانية تحمل مبادئ العدل والمساواة) .

إنَّ أفكار المؤسِّس ورؤاه الرصينة، لم تزل مُلهمة لأبناء الأمة، وكان أكبر برهان واختبار للقائد المؤسِّس على صلابة موقفه، وثبات نهجه وفي عدم تغيير ثوابته القومية والوحدوية، هي موقفه من اغتصاب الصهاينة للأراضي الفلسطينية والعربية الأخرى، فلم يرضَ بأيّ حوارٍ أو مفاوضات مع الكيان الصهيوني الغاصب بل كان مع الكفاح والنضال الذي يعيد لشعبنا الفلسطيني كامل حقوقه في ارضه واستعادة وطنه المغتصب، وكان يرى أنَّ فلسطين لا تحرّرها الحكومات بل العمل والكفاح الشعبي. بعكس ما يجري اليوم من تطبيع مُذلّ ومُهين مع العدو الصهيوني أقدَمت عليه بعض الأنظمة العربية. لذا فان حزبنا العظيم وفي مقدمته القيادة القومية تقدم خلاصة فكرها وَتوَجَّه المناضلين وجماهير الحزب لإبقاء جذوة النضال مشتعلة حتى تحرير فلسطين والى الوقوف بالضدِّ من هذا التطبيع وإلى مقاومته بكلّ قوّة، لأنَّه من ثوابت البعث التي لا يمكن التنازل عليها بأيّ حال من الأحوال.

وعندما نتحدَّث عن القائد المفكِّر كإنسان، فإنَّنا نجد كمَّاً هائلاً من الأخلاق الرفيعة، والسلوك القويم، التي يتحلَّى بها، بما يجب علينا كمناضلين في البعث أن نقتدي بها. وكان رحمه الله شجاعاً واثقاً، حينما يعرض رؤاه القومية التحررية الوحدوية، دون أن يخشى أعداء الأمة والبعث في الداخل والخارج، بل كان جريئاً مُقتحِماً لا يخشى في الحقِّ لومة لائم، يتحدَّث بهدوء القانعين الصابرين الواثقين من النصر، مهما طال الأمد بالهيمنة الغربية الاستعمارية، وظلم وجور الحاكمين المتسلطين على رقاب أبناء الأمة. كلُّ مَن قابله وتحدَّث معه، يراه متواضعاً، هادئاً فيقول (لا ندَّعي أنَّنا أوجدنا شيئاً جديداً، وانَّما كلّ ما فعلناه أنَّنا أصغينا لرُّوح الشعب، التقطنا الصوت العميق لضمير الشعب، التطلع الصادق لجماهير أمتنا العربية لأنَّها تُريد وتَتوق الى نهضة شاملة).  تنساب منه علامات مشرقة تدلّ على الأدب الجمّ، والثقة بالنفس، ولم يُشهَد عنه أنَّه كان انفعالياً، مُتَشدِّداً، أو مُتَعصّباً، لكنَّه يكتم غضبه في نفسه في أي حالة تَستفزه في فلسطين أو غيرها من قضايا الأمة، وكم كانت بهجته كبيرة عندما كان يسمع عن انتصارات الجيش العراقي الوطني الباسل في معركته الملحمية (القادسية الثانية) التي تصدّى فيها للعدوان الإيراني الفارسي على البوَّابة الشرقية للأمة. كان رحمه الله يتنبَّأ للأمة مستقبلاً واعداً إن هي سلكَت وعملت بأسباب النصر، بعد أن تمتلك قرارها المستقلّ، وتتحقَّق الوحدة بين أقطارها، وتُقرِّر مصيرها بنفسها، وقبل كلّ ذلك أن تمنح شبابها ومواطنيها الحرية في التعبير عن احتياجاتهم، وهمومهم، هكذا كان القائد المؤسِّس يرى مستقبل أمته مضيئاً ساطعاً، ولم يَرَه بلونٍ قاتمٍ أو مظلم.

لقد لَخَّصَ المؤسِّس رحمه الله في فكره قضية الأمة ومشكلاتها، وعلاجها، وارتفع بنفسه الى مستوى التَّحدي الذي تَتعرَّض له أمته، فكان هو الصورة المشرقة التي ينظر اليها أبناء الأمة، والتي تبعث على التفاؤل والأمل الكبير في تحرّر الأمة واستقلالها، وفي نهضتها، وانبعاثها الحضاري من جديد، وكان يُركِّز على القيَم الأخلاقية فيقول: (شعبنا العربي لا يتحرَّك، ولا يؤيِّد، ولا يندفع في النضال والتضحية الَّا وراء حركة فيها نفحة الرِّسالة، وتكون ميزتها الأولى الأخلاقية).. لم يكن المؤسِّس أحمد عفلق ليتحدَّث عن نفسه في أيّ موقف، بل كان يذكر رفاقه دائماً ويتحدَّث عنهم وعن نضالهم في مسيرة البعث الطويلة.

 

صلابة تكوينه النفسي والمعنوي

تَميَّزَ القائد المؤسِّس بصلابة تكوينه النفسي والمعنوي، وبقوة الارادة وعُمق المُثُل العليا في شخصيَّته عالية الكياسة والاتِّزان والتَماسُك والرَّزانة، وله ذكاءٌ حادّ وقُدرات استثنائية في التفكير والاستنباط والتحليل والاستشراف المستقبلي. كما أنَّه بارعُ في الحوار والنقاش، ولديه قدرة فائقة في الاقناع، فكان يصغي بلا تَعالٍ، ويحاور بلا وصاية في الرأي، بل يحاول جاهداً وبكلّ ثقة في اقناع مَن يحاوره، وهناك فرقٌ كبيرٌ بين الصراحة والمصارحة وبين الوصاية. كما أنَّه كان على مقدرة عالية في تفنيد أفكار خصومه من الحركات الإسلاموية، ومن المناهضين لأفكاره القومية، بأسلوب منطقي ومقنع وفي اتِّساق وتنسيق عاليِّين للحقائق التاريخية والدينية والاجتماعية.

كان المؤسِّس أحمد ميشيل عفلق رحمه الله يعيش مع عذابات أمة بكاملها، ويحمل همومها في نفسه، ويعاني في سبيلها الأمرين، لكنَّه لم يكتئب أو يظهر عليه الحزن، لأنَّه كان واثقاً من نفسه ومن رفاقه المناضلين ومن جماهير الأمة. وعندما يشعر بخطأ من أحد رفاقه، فإنَّه لا يَتمَلمَل أو يَتَضايق، بل يُقدِّم النصيحة والموعظة لرفاقه ويصفح عنهم. وفي تعامله مع أعداء البعث، كان في شجاعته واقدامه يتسم بالرصانة وبعد النظر وصاحبُ حكمةٍ واتزانٍ وعقلٍ راجح.

وشَكَّلت قضية فلسطين شغله الشاغل، وقضية وحدة الأمة، واستقلالية قرارها السياسي، ونهضتها وانبعاثها، ولو كان اليوم حاضراً معنا، لأضاف الى هذه القضايا الكبرى، قضية العراق المحتل، ولَحَثَّ المناضلين وجماهير الحزب وأبناء أمتنا العربية على البدء بتحرير العراق أولاً، فالعراق كان في قلب القائد المؤسِّس، وقد عاش فيه لسنواتٍ في ظل نظام البعث الذي كان يقود الدولة والشعب في العراق. ولَكان المؤسِّس رحمه الله مُبتَهجاً ومسروراً بالحراك الشعبي لأبناء الأمة من الشباب في الأقطار التي انتفضوا فيها على الحاكمين، ومنهم ثوَّار تشرين في العراق، والمنتفضون في السودان وفي اقطار الأمة الأخرى حيث يخوض الحزب وجماهيره غمار المسيرة الجهادية والنضالية المباركة حتى تحقيق الأهداف الكبرى للبعث، في وحدة الأمة وحريتها وتقدمها ورفاهيتها.

 

القضايا المصيرية الكبرى تفرز رجالاً كباراً  

مما شكَّ فيه أنَّ قضايا الأمة الكبرى تَنتَدِبُ رجالاً كباراً من نوعٍ وطرازٍ خاص، في فكرهم وتَوجّههم وأفعالهم، وهكذا هو القائد والمفكِّر أحمد عفلق، ورفاقه الذين شاركوه المسيرة النضالية، والذين أخلفوه بعد ارتقائه الى بارئه سبحانه والذين يستمدون من رمزية المؤسِّس وقيمته النضالية والانسانية حافزاً لهم ومعيناً في قيادة المناضلين والجماهير حتى يأذن الله بنصره المبين. فكما أعطى القائد عفلق لأبناء الأمة الدروس والعِبَر في استخلاص حقوقهم المهضومة، وفقاً للمبادئ والمعاني العظيمة التي جاء بها، فكذلك تعمل قيادة البعث اليوم وفق الظروف والمستجدات التي تعيشها الأمة اليوم.

إنَّ ما نحتاجه اليوم وفي ذكرى مولد القائد والمُفكِّر أحمد عفلق، هو أن ندرك أولاً قيمة المعاني والمبادئ والقيَم التي ناضل من أجلها المؤسِّس ورفاقه من الجيل الأول، وأن نَتمَسَّك بها ثانياً، قلباً وقالباً، فكراً وتطبيقاً، ونَعَضُّ عليها بنواجذنا ولا نحيد عنها، وأن لا نهدر منها شيئاً لأنَّها كُلٌّ مُتَرابطٌ ومُتَّصلٌ كسلسلة العُقد الثمين، ان انقطعت في أي مكان انفرَطت الجواهر وتَبَعثَرت.

كان القائد والمُفكِّر عفلق من طرازٍ استثنائيٍّ من الرِّجال في الأمة، فكما أنجبت في تاريخها التليد رجالاً كباراً خلَّدهم التاريخ، تُدرَّس سيرهم في المدارس والجامعات، كذلك أنجبت مفكِّراً وفيلسوفاً وأديباً لا يُشقّ له غبار. وسيأتي اليوم الذي تُدرَّس فيه سيرة القائد المؤسِّس في كل المدارس والمعاهد والجامعات في الوطن العربي الكبير. فالمؤسِّس كان من صنَّاع التاريخ في الأمة في عصرها الحديث، لم يفضِ فكره ورؤيته ونظريته القومية الوحدوية الى جمودٍ وانكفاءٍ في الرُّوح واختلال في المنهج. فقد ساهم رحمه الله بشكلٍ واعٍ وفاعلٍ في كتابة تاريخ الأمة المعاصر، ولن يستطيع كائن مَن كان أن يَحجُب عن الأجيال الحالية الصاعدة حقّها في استلهام مشروعه الحضاري

 

النهضوي، الذي سخر له عمره وهو يناضل من أجله. ورغم الاحباطات والتراجعات الكثيرة التي تلفّ الأجواء وتحيط بالأمة، ومنها الاحتلال الإيراني الفارسي لأرض الرافدين، والفتك بأهلها من قبل الميليشيات التابعة لأحزاب السوء العميلة، وتَغوّل أحفاد كسرى في الأراضي العربية في سورية ولبنان واليمن، وما يجري من تدمير لدولة ليبيا على أيدي العصابات المسلحة، نقول: رغم كل هذه الأوجاع والعذابات فإنَّنا لا نفقد الأمل لأنها المخاض العسير الذي يولد الخلاص والتَّغيِّير، فهذه الأمة لها تاريخٌ عريقٌ وحضارةٌ عظيمةٌ وتراثٌ راقٍ، ليس لها مثيل بين أمم الأرض وشعوبها. كتب المؤسِّس في احدى مؤلفاته، أنَّنا بحاجة الى ثورة على واقع الأمة المُتَردي والمُتَخلف فقال: (وهكذا بدأ طريق المستقبل العربي يزداد وضوحاً، فهو لا يمكن إلَّا من خلال الثورة باتِّجاه التقدّم، ولكن باستلهام الأصالة التي تُجسّدها ثورة الإسلام بواقعها العربي، وجوهرها الانساني، وأبعادها الحضارية).

 علينا اليوم كمناضلين في البعث وجماهيره الواعية الحيَّة أن نستمر في هذه الثورة حتى النصر المؤزَّر بإذنه تعالى. فالبعث لن يُهزَم، ولن تتوقف مسيرته النضالية، مهما تكالب أعداء الأمة عليه في الداخل والخارج، ولن تُسَدّ وتُغلَق عليه السُبُل والأبواب فهو غير معني بالحدود المصطنعة والأسلاك الشائكة التي أوجدها الاستعمار الأجنبي والحكومات العربية، فالبعث يعيش في نفوس ووجدان كلّ عربي أصيل، من الخليج العربي الى المحيط الأطلسي. من هنا فإنَّ الانصراف عن قوميَّتنا، وعدم التَمسّك بهُويَّتنا الجامعة كأمة عربية واحدة، هو الذي أوصل أمتنا الى ما وصلت اليه من ضعفٍ وهوانٍ وتطبيعٍ وتغوّلٍ لأبناء فارس في الأرض العربية، وهو ما خلَّف التشرذم والتَّبعثر في كيان الأمة الواحد. لذلك لابدّ من التمسّك بالمشروع القومي الحضاري النبيل الذي نادى به القائد المؤسِّس، فقد وقفت الأنظمة العربية بالضدِّ منه، لأنَّها وجدت أنَّ مصالحها تتقاطع مع هذا المشروع الحضاري النهضوي النبيل. 

الرحمة والخلود لرُّوح الرفيق القائد المؤسِّس أحمد ميشيل عفلق، وشهيد الحج الأكبر الرفيق القائد صدَّام حسين، والرفيق القائد عزة إبراهيم، ولشهداء البعث والأمة العربية..

ولبعثنا العِزَّة والمجد والنصر المؤزر دائماً ..

Author: nasser