نعي المناضل الجزائري عثمان سعدي
بحزن عميق وأسىً بالغ تلقينا في مكتب الثقافة والإعلام القومي نبأ وفاة المناضل الجزائري والقامة العروبية السامقة الدكتور عثمان سعدي يرحمه الله تعالى بعد تاريخ نضالي وفكري امتد عقوداً طويلة كانت حافلة بالمنجزات والمواقف الوطنية والقومية المشرّفة.
لقد قضى الفقيد شطراً كبيراً من عمره مدافعاً شرساً عن عروبة الجزائر ومقاتلاً صلباً عن الهوية القومية وفي مقدمتها اللغة العربية في مواجهة حركات التغريب والفرنسة لهذا القطر العربي العزيز، موظفاً كل قدراته في سبيل خدمة اللغة العربية ونشرها في الجزائر وفي عموم اقطار المغرب العربي. وعني الدكتور سعدي بتأكيد عروبة الجزائر عبر التاريخ من الجانبين التاريخي والثقافي، وقدّم دراسة تاريخية تثبت عروبة سكان الجزائر، منذ القدم، بما فيهم الأمازيغ الذي يعد واحداً منهم بحكم انتمائه القبلي.
لقد نشأ الدكتور سعدي في بيئة وطنية منذ صباه وتجسّد وعيه المبكر ضد الاحتلال الفرنسي حينما ترك المدرسة النظامية الفرنسية وهو في سنوات فتوته وشبابه المبكر ليلتحق بمعهد عبد الحميد بن باديس لينهل من معين ما يقدمه من دروس العلم الممزوج بالوطنية وبحب العروبة والاسلام ثم التحق بكلية الآداب في القاهرة عاصمة مصر العروبة.
وكان انتماء هذا المناضل الصلب المبكر إلى صفوف جبهة التحرير الوطني إبان ثورة التحرير الجزائرية الكبرى عاملاً حاسماً في تزويده بهذه الروح المثابرة والإرادة العزوم التي تواصلت طيلة حياته فكان باسلاً في كل المعارك التي خاضها ضد تيارات التغريب والفرانكوفونية ومحاولات عزل الجزائر عن محيطها العربي، حيث رأى في العروبة بصفتها الحضارية التي عمّقها الإسلام هوية جامعة لكل القاطنين في هذه الأرض الممتدة من أقصى شرق الوطن العربي في العراق إلى أقصى مغربها في موريتانيا، ورأى فيها هوية حضارية عابرة لكل التقسيمات الإثنية والطائفية والمناطقية.
كما اعتبر أن قضية التعريب في الجزائر قضية كفاح شعب ضد الهيمنة الفرانكوفونية مؤكداً أن استمرار هيمنة اللغة الفرنسية على إدارة الدولة هناك يعدُّ تهديداً للسيادة الوطنية ولاستقلال البلاد.
لقد جمع فقيدنا الكبير قوة الشكيمة التي حازها من نضاله في جيش التحرير الوطني الجزائري، والانتماء الحضاري للأمة العربية التي آمن بها عبر مسيرته العلمية والنضالية، والقدرات السياسية من خلال عمله سفيراً للجزائر في العراق وسوريا وغيرها من الأقطار العربية، وقبلها ممثلاً لجبهة التحرير الوطني، مع الثقافة العالية من خلال اهتمامه بالجوانب البحثية والعلمية وفق المعايير الأكاديمية الرصينة. فكان شخصية متميّزة ثرية بحق يفتخر بها أبناء العروبة ويعتزون بما قدمته من نتاجات وما أعلنته من مواقف وما خاضته من معارك فكرية دفاعاً عن الأمة العربية وقيمها وتاريخها ولغتها.
إن مكتب الثقافة والاعلام القومي إذ ينعى فقيد العروبة والجزائر، المجاهد الدكتور عثمان سعدي ويترحّم عليه يتقدّم إلى شعبنا في الجزائر الذي كان الفقيد أحد أبرز رجالاته ومناضليه، بخالص التعزية مقرونة بالثقة الكبيرة من أن القيم الرائدة السامية التي جاهد من أجلها هذا المناضل الكبير ستبقى حاضرة وحيّة على الدوام بين أبناء هذا القطر العزيز وفي كل اقطار الوطن العربي، وستبقى منجزاته في خدمة اللغة العربية والهوية العربية الحضارية دافعاً صادقاً وينبوعاً مُلهِماً لكل الجهود التي تبذلها الاجيال لحماية عروبة الجزائر واقطار الأمة العربية وتأكيد استقلالها في مواجهات دعوات التغريب والفرانكفونية والطائفية والتشتيت وكل محاولات سلخ أبناء الأمة العربية عن هويتهم وارثهم الحضاري.
مكتب الثقافة والإعلام القومي
3/12/2022