مشروع قانون الجنسية العراقية
كارثة قد تقضي على الهوية الوطنية والعمق العربي
ناصر الحريري
أثار مشروع قانون التجنيس سيء الصيت المقدَّم لبرلمان المنطقة الخضراء رفضاً واسعاً لدى أبناء الشعب العراقي، وطرح العديد من التساؤلات عن جدوى طرحه والمسوغات التي تبرر إعادة تقديمه إلى البرلمان مرة أخرى بعد رفضه سابقاً.
إن مشروع القانون الذي قدمه حزب الدعوة العميل ممثلاً بحكومة السوداني يشكل ضربة قاتلة لما تبقى من العراق بعد الاحتلال الامريكي الايراني له عام 2003، لأن هذا المشروع يشكِّل قنبلة موقوتة سيؤدي انفجارها إلى إحداث دمار ديمغرافي هائل ليس في العراق الذي سيقضي على الهوية الوطنية والقومية له وحسب، وإنما ستمتد آثاره المستقبلية إلى أقطار عربية أخرى.
حيث يضم مشروع القانون نصوصاً تسمح بتجنيس من أمضى عاماً واحداً فقط في العراق أو من تزوّج من عراقية، أو من قدم ما يثبت أنه من أصول عراقية، وكل ذلك من دون اية ضوابط تحصن البلد وهويته، وتحمي تركيبته الاجتماعية ومستقبل أجياله أسوة ببقية الدول سواء في الوطن العربي أو في العالم.
وبالتأكيد فإن هناك بعض الجهات التي تسعى إلى تمرير هذا القانون الذي يسمح للأجنبي بالحصول على الجنسية العراقية بعد مرور سنة واحدة فقط، حتى وإن دخل العراق بطريقة غير شرعية، وهو ما يعتبر تلاعباً واستخفافاً صريحاً بقدسية الوطن وتركيبته ومعايير الانتماء إليه.
وقبل كل ذلك فإن مشروع القانون بصيغته المقدمة لبرلمان المنطقة الخضراء يشكل تهديداً واضحاً وصريحاً لكل ما هو عراقي، وله آثار سلبية مدمرة لحياة العراقيين، فهو يهدد السلم المجتمعي والنسيج الاجتماعي والديمغرافي للعراق، ويقيناً لم ولن يكون له أي أثر إيجابي مهما قُدّمَت له من مبررات ومسوغات مشبوهة، فالعكس هو الصحيح.
فالمشروع لا يمكن أن يكون ذا فائدة للعراق والعراقيين، وبالتأكيد ليس للأمة العربية، لأنه يجعل من العراق ساحة (لكل من هبَّ ودَب) للحصول على الجنسية العراقية والتمتع بكل الحقوق التي يكفلها له الدستور العراقي، وهو ما يؤكِّد أن هذا المشروع هو عبارة عن مخطَّط استراتيجي خبيث تقف وراءه جهات محلية وإيرانية ودولية، منها سياسية واجتماعية إضافة إلى ميليشيات متنفذة في الحكومة ولاؤها المطلق للنظام الإيراني وليس للعراق. وهو وسيلة خبيثة جديدة للعبث بأمن العراق ومقدراته ومستقبل أجياله، من خلال التغيير الديموغرافي الذي تقوده طهران من أجل إنهاء وجود الشعب العراقي الأصيل واستبداله بأجناس أخرى، إيرانية وأفغانية وباكستانية وغيرها من الجنسيات لكي تفصل العراق تماماً عن حاضنته العربية.
قراءة أولية لمشروع القانون:
ومن خلال القراءة الأولية لمشروع القانون فإننا نلاحظ التساهل المريب واللامبالاة الغريبة والغير مسبوقة في ايّ من دول العالم في منح الجنسية العراقية. وسنحاول تسليط الضوء فيما يلي على بعض الفقرات الملغومة ذات العلاقة، الواردة في مشروع القانون، علماً بأنه يوجد غيرها العديد.
فمشروع القانون يعتبر على سبيل المثال أن:
- (من وُلِدَ خارج العراق ولا جنسية له، عراقي الجنسية إذا اختارها خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد).
إن وجود هكذا نص وخلوه من أي ضوابط، يفتح المجال والفرصة لمنح مجهولين، لا معرفة بأصولهم، وتوجهاتهم الفكرية وقيمهم الاجتماعية للحصول على الجنسية العراقية.
- (الجنسية العراقية ستمنح لمن وُلِدَ في العراق من أب أو أم غير عراقيين، دون تحديد مدة إقامة مقدم الطلب).
ولو قارنا هذا النص مع قوانين دول المنطقة والوطن العربي نجد أنه لا توجد أية دولة منها تمنح الجنسية للمولود بعد ولادته مباشرة، إذا كان أبواه غير مجنسين بجنسية البلد.
- (المشروع يمنح وزير الداخلية حق قبول تجنس غير العراقي وإن لم يُقِم بصورة مشروعة في العراق إذا كان مهجراً قسراً ومقيماً لمدة سنة واحدة).
إن هذا الإجراء يشكل خطورة كبيرة لأنه يؤثر بشكل فعال في عملية التغيير الديموغرافي للشعب العراقي بهدف سلخه عن أمته العربية وإلى الأبد. خاصة وأن وزراء الداخلية في العراق هم إما من أحزاب ولائية تخضع وبشكل مطلق للنظام الإيراني، أو إنها تخضع لسيطرة المليشيات العراقية. وإذا ما تمت مقارنة صلاحياتهم مع صلاحيات وزراء الداخلية في دول العالم نجد أنه لا يوجد قانون في تلك الدول يعطي صلاحية لوزير الداخلية في قضية الجنسية من دون ضوابط صارمة.
- (المشروع يمنح الجنسية لغير العراقي المتزوج من امرأة عراقية إذا أقام سنتين في العراق) .
إن إقرار هذه المادة دون ضوابط أكثر صرامة، يفتح المجال واسعاً أمام التلاعب القانوني والشرعي، والاستهتار في قدسية الأخلاق والقيم الاجتماعية، لأنه سيفتح المجال للمتاجرة في قضية مقدّسَة هي الزواج والمؤسَّسة الزوجيّة التي هي نواة المجتمع، ويجعلها عُرضة للبيع والشراء بين طرفي الزواج، وهذا ستكون له آثار سلبية هائلة على القيم الأخلاقية للمجتمع العراقي، ويقع وبالاً على أسس تربية النشء الجديد وطبيعة الأجيال المستقبلية.
قوانين الدولة العراقية ذات الصلة:
إن هذا القانون ينسف كل القوانين التي أصدرتها الدولة العراقية الوطنية منذ تأسيسها قبل أكثر من قرن من الزمان. وإذا ما تمت مراجعة القوانين السابقة ذات الصلة نجد أنها تتمتع بضوابط رصينة تقيِّد هذا الموضوع وتحفظ للعراق هويتَه وانتماءه العربي الأصيل.
وفيما يلي نلقي نظرة سريعة على بعض القوانين التي صدرت قبل الاحتلال وحتى بعده، والتي حددت شروط منح الجنسية العراقية وهي:
1- قانون رقم 43 لسنة 1963 . تضمنت المادة (8) منه أن للوزير أن يقبل تجنس الأجنبي بشروط بلوغه سن الرشد ودخل العراق بصورة مشروعة وأقام فيه مدة لا تقل عن عشرة سنوات متتاليات سابقة على تقديم الطلب.
2- قانون رقم 46 لسنة 1990، وبشأن المدة المطلوبة لمنح الجنسية للأجنبي فقد تضمنت المادة (8) الفقرة (ثانياً وثالثاً) ما يلي : إذا دخل العراق بصورة مشروعة وكان مقيماً فيه عند تقديم الطلب مدة لا تقل عن عشر سنوات .
3- قانون رقم 26 لسنة 2006 الذي تضمن ذات النصوص التي وردت في القانونين آنفاً، باستثناء تعديلات هامشية غير ذات أهمية. وبالنسبة لتجنس الأجنبي فقد ورد في نص المادة (6) الفقرة ( ب و ج ) : شرط أن يكون قد دخل العراق بصورة مشروعة وأقام فيه بصورة مشروعة مدة لا تقل عن عشر سنوات متتالية سابقة على تقديم الطلب .
قوانين العالم تحمي شعوبها وهوياتهم القومية:
لدى مراجعة قوانين الجنسية في العالم سواء في الدول العربية أو الأجنبية، نجد أن الجنسية لا تُمنح من قِبَل أي دولة في العالم لمن يقيم على أراضيها لمدة سنة واحدة فقط على الاطلاق، وإنما تشترط إقامة أطول بكثير مضافاً إليها ضوابط واضحة متعلقة بالهوية أو النسب أو توفر مَلَكات وكفاءات معينة يكون البلد في أمس الحاجة إليها وغير ذلك من الضوابط، وحسب طبيعة تلك الدولة وتاريخها وتركيبتها السكانية أو المخاطر والتحديات التي تواجهها سواء أمنية أو اقتصادية أو غيرها. مع وجود استثناءات قليلة ونادرة كأن يكون المتقدم صاحب استثمارات ضخمة تدعم اقتصاد البلد، أو من أصحاب المؤهلات العلمية العالية كأن يكون عالماً في مجال نادر، فبعض الدول لا تمانع في منح الجنسية لهؤلاء للاستفادة من علمهم.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، لمن يريدون منح الجنسية العراقية كيفما اتفق: ما هي الشهادات والخبرات العلمية للمرشحين لنيل الجنسية العراقية وفق هذا القانون؟ وماذا قدموا للعراق من خدمات متميزة وفائقة القيمة؟
وحين نطّلِع على كيفية تعامل دول العالم مع موضوع منح الجنسية باستعراض بسيط لأمثلة من قوانين منح الجنسية من قبل بعض الدول الأجنبية مثل أميركا وروسيا وألمانيا وانكلترا وفرنسا وإيطاليا واسبانيا وهولندا وبلجيكيا والمجر والبرتغال واليونان وتركيا وغيرها، نجد أن ضوابط تلك القوانين صارمة، مع ملاحظة بالغة الأهمية وهي أنه على الرغم من قوة تلك الدول من كافة النواحي وتمتعها بحصانة أمنية قويّة، فبعضها هي دول عظمى، وعلى الرغم من عدم وجود الخشية على لغتها وهويتها الأم، نقول على الرغم من كل ذلك فإنها تفرض العديد من الشروط التي يجب أن تتوفر في المتقدم للحصول على جنسيتها. وهذه الشروط تبدأ من اشتراط الإقامة الفعلية لفترات تتراوح من خمس إلى عشر سنوات حسب الدولة، إضافة إلى وجود شرط أن يكون أحد الأبوين للمتقدم من رعايا تلك الدولة، أو أنها لا تمنح المولود فيها الحق إلا بعد بلوغه سن الثامنة عشر، إضافة إلى عدم السماح بازدواجية الجنسية وحتمية توفر إلمام كاف باللغة والحياة في تلك البلاد، وغيرها من الشروط التي لا يتسع المجال لها. وكل ذلك لضمان حماية أمنها وقيمها ومجتمعاتها وهوياتها القومية. فما بالنا والعراق يعيش في أضعف حالاته وأكثرها هشاشة وهو يمر في ظروف الاحتلال الأمريكي الإيراني المركب؟!!
إن مشروع القانون هذا يلحق ضرراً ببنية المجتمع العراقي وهويته العريقة، فضلاً عن إحداث تغيير ديموغرافي يعود بالضرر على اللحمة الاجتماعية بعمقها الوطني والقومي.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الحالة لن تكون محصورة على العراق فقط على المدى القريب والبعيد. فهي تستهدف العراق بداية، ثم الانتقال بالتجربة إلى أقطار عربية أخرى وتحت شتى الذرائع والضغوط والمُسوِّغات.
لذا فإن المطلوب على المستوى الشعبي العراقي والعربي الوقوف بحزم ضد هذا المشروع، والتصدي لكل المحاولات التي تسعى من خلالها الأحزاب العميلة في العراق إلى إقراره بالصيغة التي تم تقديمها إلى البرلمان، لأن ذلك سيؤثر بشكل كبير على التركيبة السكانية، ويخلق مشاكل كبيرة قد تقضي على الهوية العراقية وطمس العمق العربي للعراق.
ومما يعمق الهوة ويزيد الكارثة هو أن الحدود مفتوحة مع إيران مما يعني تدفق الأعداد الكبيرة من الزوار الإيرانيين الغير مسيطر عليهم وتسربهم بالتالي عِبر العراق إلى أقطار عربية أخرى بشتى الوسائل، ولذلك فإن القانون سيتسبب بكارثة مجتمعية وديموغرافية هائلة للعراق وللأمة العربية عموماً.
إن إقرار هذا القانون، الفاقد للضوابط والمعايير الوطنية الصارمة في اكتساب الجنسية، يمثل ضربةً في الصميم للهوية الوطنية والعروبية، ولمستقبل العراق كبلد عربي حر ومستقل، وللنسيج الاجتماعي والأمن القومي العربي عموماً.
مكتب الثقافة والإعلام القومي