مكتب الثقافة والإعلام القومي
تلقينا مع شعبنا العربي في مصر ،وجماهير امتنا العربية ،والمسلمين في العالم اجمع ، وبأسى بالغ ، نبأ الجريمة المروعة التي أدت إلى استشهاد أكثر من ثلاثمائة انسان ،وجرح وإصابة أكثر من مائتين من المصلين في مسجد الروضة ،شمال سيناء ،أثناء تأديتهم لصلاة الجمعة . بعد أن حول القتلة المتجردين من أي وازع ديني او اخلاقي ،قدسية المكان وعظمة اليوم عند المؤمنين ،إلى ساحة لارتكاب هذه المجزرة البشعة ، مما زاد من حدة واتساع نطاق الشجب والادانة لهذا الفعل العدواني الجبان المسيء لقيم الدين والإيمان ،والمزعزع للأمن والاستقرار في هذا القطر العربي العزيز .
واننا في الوقت الذي نشارك فيه شعبنا العربي في مصر التعازي والمواساة مبتهلين الى الله تعالى أن يحفظ مصرالعروبة وشعبها الأبي، فان جسامة هذه الجريمة يجب ان تدعونا الى التامل في الدروس والعبر التي يمكن ان تستنبط منها لكي ننهض من بين المحن والالام ونحن اكثر قوة وكفاءة على مواجهة التحديات . ومن بين اهم هذه الدروس درس أن العنف والعنف المضاد ، والمعالجات الامنية البحتة التي تتم بمعزل عن المعالجات المجتمعية المتكاملة معها ، لا تصلح كخيار وحيد في مواجهة هذا العنف الارهابي الاجرامي . ناهيك عن محدودية قدرتها على تحقيق التوافق الوطني عبر تحقيق المصالحة وحسم الخلافات ،والتمسك بتجذير الديمقراطية المتزامنة مع تحقيق الإنجازات التنموية لصالح كافة فئات الشعب ،وتعميق ممارسات التعددية السياسية والفكرية ، وصيانة حقوق الإنسان.
ومما يضاعف من أهمية هذا التحول النوعي المطلوب ، هو ان تنامي العنف والإرهاب المتستر بالدين الإسلامي الحنيف غطاء ، و الذي يستغل التطلعات الوطنية ،وافرازات التطور غير المتوازن ،وعدم مراعاه التمايزالشاسع في البنية المجتمعية التي تهدد الوحدة الوطنية والتعايش بين شرائح المجتمع ، يجعل كل ذلك وسيلة مناسبة للتدخلات الخارجية ، تحرف سلمية الانتفاضات الشعبية ،وتقطع الطريق أمام تطورها النوعي نحو تحقيق أهدافها الوطنية وافاقها القومية والتحررية ومضامينها الاجتماعية ،وتصبح مدخلا للمزيد من التازيم بهدف حرف الصراع عن مجراه الاساسي ،وتبديل أولوياته ، وصولا الى تحقيق المزيد من الثغرات القاتلة في الامن القومي العربي ، واحداث تدمير ممنهج لروابط الوحدة الوطنية ،و زعزعة مقومات الوجود الوطني من الاساس ،وهدم مفهوم الدولة ومرتكزاتها ، و محو كل ما أنجزته التجارب الوطنية في التاريخ المعاصر . وكل تلك النتائج السلبية تحث على الاسراع في استخلاص الدروس وتحويل المعاناة إلى مفاعيل وعي ، يفشل تحول العنف المغطي بالدين ،إلى خزين استراتيجي من القنابل الموقوته في ايدي الدول الطامعة في ثروات أمتنا العربية ومواردها ، وتهدد بها وحدة وسلامة اقطارها ، فتحرك مسمياته المختلفة كيفما تشاء ومتى ما تشاء ، ثم تستحدث الجديد من تلك المسميات ، موفرة الغطاء اللوجستي لدخولها وانسحابها وفقا لمصالحها وتوجهاتها .
ورغم انكشاف زيف ارتباط كل ذلك بالدين الإسلامي الحنيف، ولا سيما بعد كل ما جرى في الموصل الحدباء و العديد من المدن العراقية الاخرى ، اضافة الى بشاعة التدمير والتهجير الذي شهدته تدمر وحلب والعديد من البلدات والمدن في سوريا، وفي ليبيا ، إلا أن مخاطره قد ازدادت ضراوة ،بعد انكشاف ،ارتباط كل ذلك بمخطط التقسيم والهيمنة الذي فتح غزو العراق الباب على مصراعيه لتنفيذه في الكثير من اقطار الوطن العربي .ان ذلك يجدد الاعتبار والتأكيد على أن معركة تحرير العراق ودعم مقاومته المسلحة وانتفاضة شعبة السلمية ، هي الطريق إلى تحرير فلسطين وكافة الأراضي العربية المحتلة ،مثلما هي الطريق إلى تصفية منابع العنف والإرهاب المتستر بالدين . ولا سبيل لتحقيق ذلك إلا بتوسيع جبهة النضال الجماهيري السلمي الديمقراطي، القادر على توحيد واستنهاض حركة الجماهير وقواها الحية وتوجيهها نحو فعل متصاعد ليكون النصر حليف نضال أمتنا ومقاومتها الباسلة وانتفاضة جماهيرها الظافرة.
مكتب الثقافة والإعلام القومي
٢٧ / تشرين الثاني / ٢٠١٧