درست القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذه الليلة بنقل السفارة الامريكية الى القدس واعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني وتداعياته على مجمل الأوضاع العربية، وأصدرت البيان التالي :
يا جماهير أمتنا العربية
في لحظة تعبر عن كل معاني الصلف الاستعماري والاستهتار بكل الحقائق التاريخية والمواثيق الدولية ذات العلاقة، أعلن رئيس إدارة الشر الأميركية دونالد ترمب قراره الأهوج بنقل السفارة الامريكية الى مدينة القدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني الغاصب، مُصدراً أوامره إلى وزارة خارجيته لترتيب تنفيذ القرار رغم انها مدينة عربية محتلة .وليس مستغرباً صدور مثل هذا القرار الآن من قبل الولايات المتحدة استغلالاً منها لأجواء الفوضى العارمة التي تجتاح الوطن العربي، والفراغ الهائل في المؤسسات الرسمية العربية على أعلى مستوياتها، حيث تدهورت كل معاني التضامن العربي وتراجعت بشكل خطير كل مؤسسات العمل العربي المشترك.
ولكي يتم تسهيل تمرير هذا المشروع الصهيوني في تفتيت وتدمير الوطن العربي وتهويد القدس، عاصمة دولة فلسطين العربية، فقد وكَّل النظام الإيراني بذلك حتى بات نظام الولي الفقيه في طهران اليد الضاربة لتنفيذ هذا المخطط الجهنمي، الذي ابتدأ أولى حلقاته بتدمير العراق وتهجير أهله وتغيير ديموغرافيته، بعد احتلاله من قبل إدارة مجرم الحرب جورج بوش، لتنتقل رياح الفتنة والخراب بعد ذلك إلى سوريا واليمن، بعد أن عاث هذه الفكر الظلامي المجرم في لبنان تخريباً وتدميراً، وهدّد عروبة واستقرار أقطار الخليج العربي وانتقل إلى شعبنا في المغرب العربي لينشر في ربوعه الآمنة سمومه الطائفية والعنصرية، وكذلك يفعل في القرن الأفريقي، ليكون، بحق، الوكيل الأكثر شراسة وخبثاً في تدمير الوطن العربي كله.
إن هذا القرار يؤكد أن الادارة الأميركية عازمة على نشر مزيد من الفوضى والإرهاب في الوطن العربي، ويكشف زيف ما قدمته للمسؤولين العرب طيلة الأشهر الماضية من وعود والتزامات، وعلى واشنطن ان لا تتوقع أن يمر قرارها هذا دون خسائر تدفعها هنا أو هناك، لأنها بهذا الإعلان تزرع مزيداً من عوامل الشر والفتنة والارهاب، ومن يزرع ذلك لن يحصد إلا شراً.
كما يؤكد إصدار هذا القرار أن مسيرة التسوية السلمية المزعومة لم تحقق للعرب، منذ زيارة الخائن أنور السادات لمدينة القدس ومروراً بكل المحطات الاستسلامية اللاحقة، أي مكسب، بل على العكس، فقد راكمت مسيرة الخنوع والاستسلام هذه من مكاسب العدو الغاصب المحتل، وضاعفت من خسائر العرب وهزائمهم، لتجعل من وهم ( السلام ) الذي تسوّقه الادارات الأميركية منذ 40 عاماً سماً زعافاً يتجرعه شعبنا العربي كل يوم.
إن القيادة القومية وهي تستنكر وتدين بشدة صدور هذا القرار الأحمق، فإنها تؤكد على أن الولايات المتحدة، وهي التي ترفع شعارات التحرر والسلام الزائفة، لم تقدم يوماً ما على خطوة سليمة في سبيل إنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية المحتلة كافة، بل كانت دائماً في صف العدو الغاصب، فعملت طيلة العقود السبعة الماضية على دعم آلته العدوانية وتزويده بأفتك أسلحة القتل والدمار التي تمكنت من خلالها عصابات المحتلين، الذين جمعهم المشروع الصهيوني العنصري التوسعي، من اغتصاب مزيد من الأراضي العربية في سوريا ولبنان والأردن ومصر، فضلاً عن مواصلة عدوانه الدائم على شعبنا العربي في فلسطين المحتلة.
وإن القيادة القومية للحزب وهي تتوقف أمام التداعيات الخطيرة لهذا القرار فإنها تؤكد على أن هذا الإعلان لم يفاجئها، فلم يكن متوقعاً من إدارة ترامب الهوجاء إلا مزيداً من الإمعان في سياسات من سبقه من إدارات الشر في واشنطن، تلك السياسات التي تعادي تطلعات الشعوب نحو الحرية والعدالة، وتدعم كل القوى المعتدية والأنظمة الإرهابية المجرمة، وهي ذات السياسات المتعطشة للخراب التي أثارت الفوضى في معظم أقطار الوطن العربي وأغرقت أمتنا بمخططات الشرذمة والحروب الأهلية والفتن الطائفية والعنصرية، وسمحت للمشروع الفارسي العنصري الطائفي الارهابي أن يتوسع على حساب دماء العرب والمسلمين وآمالهم ومصائر أقطارهم، في تحالف إمبريالي صهيوني فارسي لا تخطئه العيون.
كما تؤكد القيادة القومية على ان إعلان ترمب لهذا القرار، لن يغير من المركز القانوني للقدس باعتبارها مدينة محتلة، وما يترتب على ذلك من نتائج وخاصة اعتبار “الكيان الصهيوني” هو سلطة احتلال وما يقدم عليه من تغيير وتبديل في معالم القدس الدينية والتراثية والثقافية هي باطلة بطلاناً مطلقاً، كما كل فلسطين والجولان ومزارع شبعا، وغيرها أراضٍ عربية محتلة، وأن الحق هو المنتصر مهما طال زمن العدوان والاحتلال.
ومن هنا فإن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي تطالب الأنظمة العربية أن تعمل بكل وعي وجدية لإسقاط هذا القرار وأن تعي حقيقة أن أميركا لن تكون صادقة أو جادة في وعودها المعلنة التي تقدمها لها، كما تطالبها باستخدام النفط سلاحاً في هذه المواجهة المصيرية، مذكّرة بالاتفاق التاريخي الذي توصل إليه العراق والمملكة العربية السعودية في آب / أغسطس عام 1980، حينما اتفق الرئيس الشهيد صدام حسين مع المرحوم الملك خالد بن عبدالعزيز على قطع كل أشكال العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية مع أي دولة تعترف بالقدس عاصمة للكيان الغاصب وتنقل سفارتها لهذه المدينة العربية المحتلة، وهو الاتفاق الذي عطَّل جوانب مهمة من مؤامرة تهويد القدس على مدى العقود الأربعة الماضية.
وعلى الأنظمة العربية ان تحذر من التعهدات الأميركية الزائفة، وان تتعظ من حقائق التاريخ القريبة منها والبعيدة، لأن من لم يتعظَّ من دروس الماضي، فإن النيران ستندلع في دياره عاجلاً أم آجلاً.
وتدعو القيادة القومية الزعماء العرب إلى أهمية التحرك السريع والفعال، وعلى كافة الصعد، من أجل المحافظة على مدينة القدس، وأن يكون العمل على حماية القدس من خلال وضع استراتيجية قومية شاملة لتحرير فلسطين، كل فلسطين من النهر إلى البحر ، وتحرير العراق من الاحتلال الفارسي حيث تكمن راس الافعى وتنطلق منه لبث سمومها في الوطن العربي ، والعمل من أجل حلول سياسية لكل القضايا العربية بإطفاء لهيب النار المشتعلة في سوريا واليمن وليبيا والسودان، ومواجهة المشروع الطائفي في لبنان، ومساعدة مصر على التصدي للارهاب الذي يستهدف أرواح المصريين ويقتات من دمائهم فالمعركة العربية واحدة وإن تعددت أوجهها.
كما تدعو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي القيادة التركية إلى النهوض بواجباتها، باعتبارها الرئيس الحالي لمنظمة التعاون الاسلامي، وأن تكون قرارت القمة الاسلامية الطارئة المرتقبة في الاسبوع المقبل حازمة وقابلة للتطبيق العملي الفوري، بما يمنع تهويد القدس الشريف، مسرى الرسول الكريم وأولى القبلتين وثالث الحرمين.
وتؤكد القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي على أن القوى الحرة في العالم، وخصوصاً في أوروبا وآسيا، مطالبة اليوم، باتخاذ مواقف حازمة ضد القرار الأميركي الأرعن، ومنع الدائرين في الفلك الأميركي / الصهيوني من استغلاله لتغيير طبيعة مدينة القدس المحتلة، بالضد من كل الحقائق التاريخية والقرارات الدولية التي تؤكد أن القدس مدينة تقع تحت الاحتلال، والعمل على إيقاف سياسات الاستيطان وقضم الأراضي العربية المحتلة ضمن مخطط التهويد الظالم.
وترى القيادة القومية للحزب أن صدور هذا القرار، بما يمثله من تحديات خطيرة تستهدف واحدة من أقدس المدن العربية ، يجعل من العمل على فتح صفحة جديدة مع كل القوى والتيارات والشخصيات العربية ضرورة ملحّة للغاية، وبما يعزز من قوة ووحدة الشعب العربي في صراعه الشرس ومواجهته الكبيرة مع المشروعين الصهيوني العنصري والفارسي الطائفي، فكلا المشروعين يكمّلان بعضهما في تناغم تام، وإن ارتفع الصراخ بينهما أمام وسائل الاعلام، وكلاهما عازمان، بجد، على تدمير الأمة وتفتيتها وتحطيم كل مراكز القوة والنهوض فيها، ونشر الفتن والارهاب في ربوعها.
إن على كل القوى العربية الحية في الأمة، أن تتيقن من الحقيقة التي تؤكد أن المعركة ضد هذين المشروعين واحدة، وأن العدو الفارسي الصفوي ليس إلا الأداة الضاربة للمشروع الصهيوني في المنطقة، وإن الذي يحتل بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت والأحواز والجزر العربية الثلاث، ويهدد عروبة البحرين والخليج العربي لا يمكن أن يعمل على تحرير القدس، وغيرها من المدن العربية المحتلة.
كما تناشد الفصائل الفلسطينية كافة إلى الوحدة والائتلاف لمواجهة مؤامرة سلخ القدس عن عروبتها. وما الخطوة الأخيرة التي اتفقت عليها حركتا فتح وحماس في القاهرة سوى البداية التي نرجو أن تبلغ خواتيمها المأمولة، وإلا فانها ستكون خطوة مبتورة لا تصب في مصلحة فلسطين والقدس الشريف.
وتدعو القيادة القومية للحزب الشعب العربي الفلسطيني الذي لم يتنازل عن حقه في مقاومة المحتل طيلة عشرات السنين، أن يضغط على فصائل المقاومة التي تمثله ليسلكوا دروب الوحدة لمواجهة ما يُحاك ضد قضية القدس خاصة، وضد القضية الفلسطينية عامة، من مخططات صهيونية– أميركية، وإننا على ثقة تامة بأن الشعب الفلسطيني يدرك أن أكثر أنواع المواجهة تأثيراً هو استمرار المقاومة، بكل أشكالها، لذا فهو مدعو، اليوم، لإسقاط القرار الأميركي الأحمق بصموده وصبره وتوحده خلف راية تحرير فلسطين، كل فلسطين.
يا جماهير شعبنا العربي
إن القدس الشريف، أول القلبتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول العربي، صلى الله عليه وسلم، ومدينة المقدسات المسيحية، تناديكم، فانصروها، ولتكن فرصة تاريخية لوحدة الشمل العربي، وأعلنوها حركة لا تتوقف حتى إرغام الإدارة الأميركية على التراجع عن هذا القرار الذي استفز الأمة العربية وكل الشعوب التي تناضل وتقاوم الاحتلال.
القيادة القومية
حزب البعث العربي الاشتراكي
في ٦ / كانون الأول / ٢٠١٧