شِبْلي العَيسَمِي مَسِيرَة فِدَاءٍ
لِلبَعث ولسُوريَا و الأُمَّةِ العَربيّة
ناصر الحريري
الرفيق شبلي العيسمي هو أحد أبرز القادة والقامات القومية في تاريخنا المعاصر والذي تحل في هذه الايام ذكرى اختطافه وتغييبه الاليمة والبشعة من قبل نظام الاسد البائد. وُلد في قرية إمتان بجبل العرب (محافظة السويداء) في الخامس من شباط 1925، ابناً لعائلة وطنية عريقة، وكان والده أحد مجاهدي الثورة السورية الكبرى. وانخرط في حزب البعث العربي الاشتراكي منذ تأسيسه، فانتسب إليه في الأربعينيات المبكرة ومثَّل بلده في مؤتمره التأسيسي عام 1947فكان عضوا مؤسساً للحزب. وخلال عقود من النضال السياسي أكد العيسمي التزامه بالقيم القومية والوحدة العربية والحرية، فأصبح أحد قادة الحزب التاريخيين.
النشأة والمسيرة البعثية
بفضل نضاله وفكره واجتهاده تولى الرفيق شبلي العيسمي مواقع متقدمة في حزب البعث وفي الحكومة السورية ايضاً، وانتُخِب أميناً عاماً مساعداً للبعث للفترة 1964 – 1992.
كما تولى حقائب وزارية بالغة الأهمية خلال سنوات الوحدة العربية السورية-المصرية وبعد ثورة 8 آذار 1963 في سوريا، حيث شغل وزارات الإصلاح الزراعي، والتربية والتعليم، والثقافة والإرشاد القومي في الفترة 1963–1966. وفي عام 1966 بلغ دوره ذروته في الدولة بتعيينه نائباً لرئيس الجمهورية السورية وعُيِّنَ في مجلس قيادتها.
بعد انقلاب حافظ الأسد على حزب البعث عام 1966، انتقل إلى العراق فمارس دوره كقيادي وطني في المنفى واستمر في قيادة التنظيم العروبي للبعث الشرعي في سوريا حتى غزو العراق سنة 2003، حيث انتقل إلى مصر.
المواقع والمحطات التاريخية
كانت حياة شبلي العيسمي مليئة بالملاحم النضالية، فقد اعتقل ثلاث مرات بين عامي 1952 و1966 في سجون الأنظمة المستبدة، وذلك لدوره النضالي الوطني والقومي، وحُكم عليه غيابيّاً بالإعدام في سوريا قبل أن يُخفّض الحكم إلى السجن المؤبد.
كان معادياً للديكتاتورية بكل أشكالها، فبعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة في سنة 1966، اختار المنفى فبقي في بغداد حيث واصل العمل من أجل التصدي لنظام الاسد ومن اجل تحقيق حرية سوريا ووحدة الأمة العربية وتحقيق مبادئ حزب البعث.
واستمر يناضل من خلال فعالياته في الحزب كما في الحياة العامة وساهم بتأسيس مدرسة الاعداد الحزبي في العراق وتدريس تاريخ الحزب لكوادر البعث. كما ساهم في اعادة نشر مؤلفات البعث وكتابة مذكراته.
كان للأستاذ العيسمي إسهامات فكرية مهمة أيضاً، فقد ألف كتباً حول تاريخ البعث ومبادئه، مثل كتاباته حول الوحدة العربية، وترجمت بعض مؤلفاته إلى عدة لغات، على سبيل المثال صدر كتابه “الوحدة، الحرية، الاشتراكية” بالألمانية وغيرها من اللغات.
مواقفه من الأنظمة الديكتاتورية
كان شبلي العيسمي مثالاً للرسوخ العقائدي والنزاهة أمام الفتن السلطوية، فقد دافع عن حرية الشعب في سوريا واصفاً نظام الاسد الذي حكم باسم البعث فيها بأنه قد “ابتعد عن مبادئ الحزب وتراثه الفكري والنضالي، ولا سيما فيما يتعلق بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية”.
وأضاف في كلمة له عام 2007 بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب: “ليس من العدل والإنصاف أن تُحسب مواقف ذلك النظام وتصرفاته على الحزب ومبادئه”.
إن ذلك التصريح الجريء يعكس تمسكه القاطع بمبادئ حزبنا في الحرية والقيم القومية التي ناضل من أجلها. وقد ظل الرفيق العيسمي معارضاً شرساً لنظام الأسد وداعماً حقيقياً لمطالب الشعب في القطر السوري بالحرية والكرامة.
ولقد حذَّر مراراً من خطورة الأنظمة الأمنية والاستبدادية، ودعا إلى وجوب إخضاع أي حكم للمساءلة وإلى تمكين الأمة من تقرير مصيرها بوسائل ديمقراطية.
إن الرفيق الشهيد شبلي العيسمي، هو أحد القادة التاريخيين لحزب البعث العربي الاشتراكي، فلم يكن بعيداً عن نبض الجماهير السورية في الأيام الأولى لانطلاق الثورة السورية عام 2011، رغم تقدمه في السن وغربته الجسدية عن الوطن. فقد بقي متابعاً، مشخِّصاً بعمق للواقع السوري، ورافضاً بوضوح لنهج القمع والاستبداد الذي مارسه نظام بشار الأسد ضد شعبه. وموقفه المؤيد للثورة لم يكن مجرد تعاطف عابر، بل كان امتداداً طبيعياً لمسيرته السياسية والفكرية الطويلة في الدفاع عن الحريات وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
في كتاباته الأخيرة ومداخلاته قبل اختطافه الاجرامي، عبّر المناضل العيسمي عن تأييده العلني لمطالب الشعب في القطرالسوري في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، معتبراً أن النظام السوري الحاكم “ابتعد عن مبادئ حزب البعث وانقلب عليها”.
ودعا إلى تحرير الحزب من قبضة الأجهزة الأمنية، وإعادة الحياة السياسية إلى السوريين من خلال التداول السلمي للسلطة، وتحقيق المحاسبة العادلة.
وقد أيَّد الحراك الشعبي السلمي مؤكداً على وحدة سوريا ارضاً وشعباً، ورفضه القاطع للطائفية والتقسيم. لذا فرغم ابتعاده الجسدي عن سوريا في المنفى، مثّل شبلي العيسمي قيمة رمزية عالية للثوار وللبعثيين الأحرار، إذ وجد كثيرون في موقفه الشجاع برهاناً على أن البعث الحقيقي يقف إلى جانب الشعب لا فوقه، ومجرد إعلان دعمه للثورة، كان بمثابة صفعة سياسية كبيرة للنظام، لما يحمله العيسمي من وزن تاريخي ومصداقية نضالية وفكرية قومية.
في ربيع 2011، اختطفته عناصر من حزب الله في بلدة عاليه اللبنانية، في عملية وصفها كثيرون بأنها رسالة انتقام من صوته القومي النظيف، نُقِل بعدها إلى دمشق لتتولى مخابرات بشار الأسد تغييبه، حيث تعرض لتعذيب وحشي انتهى باستشهاده في أحد معتقلات النظام، مما جعل منه أول شخصية نضالية بعثية كبيرة تدفع حياتها ثمناً لموقفها الشريف من ثورة الشعب في سوريا.
في ذكرى يوم اختطافه يغمرنا الألم على فراق هذا الفقيد الشجاع الذي قدّم روحه في مواجهة الطغيان، وقدَّم حياته شهادةً تضيء دربنا في مواجهة الظلم والاستبداد.
الإرث القومي والوطني والقيم التي جسّدها
إن حياة وخُطى شبلي العيسمي تبقى منارةً في الثبات على القيم الوطنية والقومية التي رفع رايتها واستشهد من اجلها، فلقد كان نموذجاً للمناضل الذي لم يساوم على مبادئه يوماً، ولم يفرِّط في شرفه من أجل مناصب أو مكاسب شخصية.
إن في احياء ذكراه، تجديد العهد بحمل رسالة البعث وصون قيمه الوطنية والقومية في الوحدة والدفاع عن العروبة، والحرية والكرامة الاجتماعية والعدالة. حيث دعا في كتبه وخطبه إلى وحدة الأمة العربية وخدمة القضايا العادلة.
إن دماء شبلي العيسمي لن تذهب سُدى، فستظل حيةً في وجدان شعبه الوطني الواعي، يستنير من تضحياته دروساً في الصمود والإخلاص، ولتمضي الاجيال قدماً في نضالها من أجل وحدة الشعب والامة وكرامتها ضد كل أشكال الاستبداد.
فلنعمل على ترسيخ الرسالة التي ناضل من اجلها وقيم الثورة التي استشهد في سبيلها وهي: وحدة الأمة، وحرية الشعب، وعدالة المجتمع ، ولنعمل معاً بيقين وثبات على طريق ونهج البعث العظيم.