كتب المحرر السياسي الجنوب السوري والعبث الصهيوني بخطوطه

كتب المحرر السياسي

 

الجنوب السوري والعبث الصهيوني بخطوطه

انشدت الانظار خلال الايام الاخيرة الى الجنوب السوري الذي لم تنته احداثه الامنية التي تتنقل مابين السويداء وريفها وما يتاخمها من قرى تقع ضمن النطاق الاداري لمحافظة درعا التي تشكل مع السويداء والقنيطرة والجولان حتى اعلى قمم الشيخ مايعرف بالجنوب السوري هي التي تشمل كامل منطقة الحدود الجغرافية مع فلسطين المحتلة .

الملفت للنظر ليس حصول احداث امنية وصدامات عسكرية بين تشكيلات يغلب على بعضها  الطابع العشائري  والميلشياوي على بعضها الاخر. وهذه التشيكلات ليست حديثة التكوين بمعنى انها تشكلت  بعد سقوط النظام السابق ودخول سوريا مرحلة جديدة من حياتها السياسية ، اذ انها كانت موجودة قبل حصول التغيير مع تبدل في مصادر الإمرة والتوجيه والتغذية المالية والامداد التسليحي وصولاً الى التوظيف السياسي لادوار هذه التشكيلات استناداً الى مراكز التحكم والتوجيه المرتبطة بها.

لكن مايختلف هذه المرة عن  سابقاتها ، ان الانفجار الامني اتخذ بعداً خطيراً لم يحصل ان شهد مثيلاً له ، حيث انه في المرات السابقة كان الحراك السياسي والامني والعسكري من جانب الادارة السياسية التي تولت ادارة الحكم بعد سقوط النظام والمبادرات التي كان يقوم فيها الحريصون على وأد الفتنة  من  الاصدقاء والاشقاء من هم مواقع السلطة او ممن لهم حيثيات شعبية وتأثيرات سياسية على مكونات مجتمعية يراد الدفع بها الى اتون الصراع الذي يغذى بالمحفزات المذهبية والمناطقية ، قد نجحت في احتواء الصدامات التي شهدتها احياء قريبة من دمشق والتي حصلت في منطقة جبل العرب من السويداء الى ريفها.  ويبدو ان هذا الاحتواء للصدامات التي كانت تحصل لم يرح الذين يضمرون شراً بسوريا ويعملون على اسقاط وحدتها الوطنية وفي طليعة هولاء العدو الصهيوني الذي لم يخف يوماً مطامعه بسوريا اسوة بكل المحيط الجغرافي لفلسطين المحتلة. 

والعدو الصهيوني ، الذي لم ينتظر طويلاً بعد سقوط النظام السابق لفرض واقع سياسي وديموغرافي على سوريا يؤدي الى تمكينه من فرض مايعتبره اهدافاً اساسية لمشروعه التوسعي الذي تحكمه قواعد القضم الجغرافي اولاً ومن ثم الهضم الديمغرافي وصولاً الى فرض التهويد الشامل على مايقع تحت سيطرته وهيمنته والاصح فرض الصهينة على كل معالم الحياة في المناطق التي يسيطر عليها ويدخلها ضمن نطاق احتلاله، بادر  بشن اوسع  عملية عسكرية ضد سوريا منذ وضعت حرب تشرين ١٩٧٣ اوزارها، اذ ضربت طائراته ومسيراته وصواريخه كل القواعد والمعسكرات ومنصات الصواريخ بحيث باتت القدرات العسكرية النظامية لسوريا خارج الخدمة الفعلية من جراء التدمير شبه الشامل الذي طالها.  ولهذا اصبحت سوريا بعد تدمير قدراتها العسكرية بدون انياب ، وزاد الطين بلة ، ان الادارة السياسية للدولة السورية ارتكبت خطأً فادحاً باقدامها على تسريح الحيش السوري ، بحيث لم تعد لديها قوة مركزية تناط بها مهمة حفظ الامن تحت مظلة القانون. وبحل الجيش السوري اصبحت الدولة السورية بدون قوة عسكرية مركزية ، وهذا ما افسح المجال للاستعانة بتشيكلات يغلب عليها الطابع الميلشياوي في التصدي للمهام الامنية سواء المتعلق بها بالتجاوزات او بما تعلق بالتصدي للخلايا النائمة وفلول النظام وتنامي تدخل العدو الصهيوني في الشأن الداخلي تحت حجة حماية مكون اجتماعي استطاع ان يحدث خرقاً لهذه البيئة المجتمعية وعبر رموز دينية  في استحضار لتجربته مع الاختراق الذي حصل في لبنان بعد اجتياحه الاول عام ١٩٧٨ عبر ترميز سعد حداد ومن ثم ترميز وتنصيب انطوان لحد قائداً لما سمي انذاك بجيش لبنان الجنوبي .

ولهذا فإن معرفة  البعد الحقيقي لارتفاع منسوب الانفجار الامني الذي شهدته السويداء مؤخراً وادى الى وقوع ضحايا بالمئات وتدمير مرافق حيوية وحياتية ، لا ينظر اليه من خلال مارافق تلك الاحداث من تجاوزات وانتهاكات للاعراف والكرامات الانسانية واستثارة المشاعر المذهبية ، وهذه كلها مدانة بكل المعايير الاخلاقية والوطنية والانسانية ويفترض مساءلة من اقدم على ارتكابها وتطبيق احكام العدالة الانتقالية ليس فقط على منتهكي حقوق الانسان ابان حكم النظام السابق وانما تطبيقها على كل من يقدم على انتهاك حقوق الانسان وحرياته وكراماته. ومثل هذه الانتهاكات تحصل في الاحوال المشابهة التي تضمحل فيها سلطة الدولة المركزية ويذهب التفلت الى مداه الاقصى. ومثل هذا الانتهاكات يكون بالامكان احتواء تداعياتها في ظل اعلان المواقف الرافضة لها والمؤكدة على مساءلة ومقاضاة مرتكبيها الى اية جهة انتمت .اما وان يسارع العدو الصهيوني الى رفع شعار الحماية لاهل السويداء ويهدد بالثبور وعظائم الامور ان لم يقدم  الحكم في سوريا على سحب قواته من السويداء ومحيطها ، وقد نفذ بعضاً من تهديده ويلوح بالمزيد ،فهذا يفضي تاكيداً وليس استنتاجاً بان العدو الصهيوني هو الذي يقف مباشرة وراء تفجر الاوضاع في السويداء ومنها الى كل الجنوب السوري. وهذا ليس حرصاً وحماية لمكون اجتماعي بعينه استطاع ان يحدث خرقاً في صفوفه عبر بعض الرموز الدينية وما يحيط بها  ، بل لايجاد ارضية لتدخل يبرره بتلبية نداء استغاثة ممن يملي عليهم توجيهاته .

ان من  يرتكب حرب ابادة جماعية في غزة ويدمر ويجرف المخيمات في الضفة الغربية ويحول جنوب لبنان الى ارض موات ويستمر بتصعيد عدوانه على الجنوب وكل العمق اللبناني ، “لاتستثيره عوامل الشفقة” على من تعرض لظلم اجتماعي في بلد عربي ،هذا لو سلمنا جدلاً ان مثل هذا الظلم حاصل.وهو إن  يكن حاصلاً فمهمة رفع الظلم  هي مسؤولية الدولة التي يفترض ان توفر الحماية لمواطنيها ومنها العيش بحرية وكرامة. 

ان العدو الصهيوني صعدّ من عدوانه على سوريا ، لانه يريد ان يرسم حدود مناطقه واغلفته الامنية بالنار في المناطق المتاخمة لفلسطين  ، ويبدو ان المفاوضات التي تجري في باكو عاصمة اذربيجان بين العدو وادارة الحكم السوري ، “ونحن بالاساس نرفضها وندعو للتصدي لكل اتفاقية او تطبيع مع العدو المحتل”، وصلت الى نقطة استعصاء بما يتعلق بالحزام الامني وعمقه الذي يريد العدو فرضه على الجنوب السوري. فهو تجاوز اتفاقية فك الارتباط وعاد واحتل كل المناطق التي انسحب منها عملاً ببنود تلك الاتفاقية ، وهو يبدو انه يريد ان يخرج الجولان ومنه قمة جبل الشيخ من نطاق التفاوض ويريد ضم محافظة السويداء ومعها محافظة درعا الى نطاق حزامه الامني الذي يفترض ان يكون مجرداً من السلاح ولا سلطة فعلية للدولة السورية عليه. ويبدو ان الادارة السورية لم تقبل بهذا الطرح الاسرائيلي ، فكان الرد على الارض عبر توسيع مدى العدوان والاحتلال وفرض الشروط بقوة النار مستعينة بالاختراقات الامنية التي تتقنها والتي يبدو انها لاتقتصر على جهة واحدة وانما كل الذي يدفع باتجاه تأجيج الصراع وارتكات اعمال مشينة تستفز مشاعر الشرائح الشعبية العريضة  .

ان ;اسرائيل” ، هي التي حركت الاحداث الاخيرة وهي التي تريدها في ممارسة ضغط على ادارة الحكم في سوريا لا نتزاع تنازلات حادة وقاتلة منها ، وكل ماعدا ذلك هو تصويب خارج الاستهداف الاصلي الكامن وراء تفجير الاحداث في الجنوب السوري.

قد لاتستطيع سوريا في ظل الواقع الراهن سورياً وعربياً ودولياً ، وفي ظل امكاناتها التي دمرت ، ان تواجه العدو الصهيوني ، لكن انعدام هذه القدرة المادية لايبرر  اقدامها على الذهاب الى اتفاقيات تسوية او تطبيع لانها في احسن احوالها ستكون اتفاقيات اذعان واذلال.  والرد على ذلك ، هو التمسك بوطنية الارض ولو وقعت تحت الاحتلال ، فالارض تبقى ثابتةً ومهما طال امد احتلالها ولابد ان تسترد بارادة شعبها وتصميمه على التمسك بها طال الزمن او قصر  ولنا في صمود اهل غزة رغم مايتعرضون له عبرة وقدوة حسنة. ولتكن اولى خطوات الرد العملي على التصعيد العدواني الصهيوني ضد سوريا ، بالاسراع في خطوات تحصين  الجبهة الداخلية عبر اعادة البناء السياسي لملء الفراغ السياسي بمشاركة كل الطيف السياسي الوطني وتأمين الارضية الصلبة التي تقف عليها سوريا وهي تواجهة تحديات الخارج واولها تحدي الاحتلال الصهيوني  وصعوبات الداخل ولمواجهة الفراغ الامني بالاسراع باعادة تشكيل الجيش الوطني الذي يعتر المؤسسة الارتكازية الاهم في البنيان الوطني.   

واخير نقول للمتابعين للوضع في سوريا ، لاتضيعوا اتجاه البوصلة ، فالانظاريجب ان تبقى  متوجهة الى المحرك الفعلي للاحداث الدامية والمؤلمة وهو العدو الصهوني ، وما دون ذلك تبقى تفاصيل يمكن معالجتها  وتسويتها ضمن معطى المصلحة الوطنية. ومن يراهن على الاستقواء بالعدو الصهيوني ، فعليه ان يتعظ مما سبقه من متعاملين معه وكيف كان  يرميهم ويتجاوزهم عندما يستنفذ اغراضه منهم .  ولا نقول اكثر من ذلك .

 

 

Author: nasser