(رمَتْنِي بِدائِها وانْسَلَّت)

(رمَتْنِي بِدائِها وانْسَلَّت)
أ.د. أمجد الراضي

خرج علينا المدعو نوري (جواد) المالكي بحالة يرثى لها بانت على نبرة صوته المرتعش ووجهه المتجهم وكثرة ما نطق به من إفك وبهتان مع اقتراب الحساب والمصير المحتوم.
لم نعتد أن نرد على أمثاله، عملاً بقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37). (سورة ق ).} صدق الله العظيم.
إذ لا فائدة من محاججة من أغلق نفسه على السوء والشر من ناحية، ولا يرقى إلى مستوى البعثيين أو يجاريهم شرفاً وقيماً من ناحية أخرى. لكننا نجد أنفسنا هذه المرة ملزمين بتوضيح الكثير من الحقائق، والتي باتت أكثر وضوحاً، ليس لإقناع المالكي وإنما من باب درء المفاسد لنثبت للجميع أن البعث حي وفاعل، ومعتنقوه كثر على عكس ما توهموه وما انتظروه من قانون الاجتثاث سيء الصيت، فالبعث ليس مجرد خلايا، بل جماهير تصطف وراء قيادة طليعية مناضلة، فلا يتوهم البعض بأنهم يستطيعون من وراء إجراءات الاجتثاث والحظر أن يقضوا على البعث، وهذا الواقع هو خير تجسيد لما قاله القائد الشهيد موسى شعيب:
مُحالٌ أن تموتَ وأنتَ حيٌ فكيفَ يموتُ ميلادٌ وجيلُ
فبعث الموت أمرٌ مُستَطاع وموت البعثِ أمرٌ مستحيلُ
لأن البعث عقيدة متجذِّرة وفكر راسخ في قلوب وضمائر الجماهير. ومنجزاته مازالت حاضرة في ذاكرتهم وعقولهم، وقد ازداد هذا الإيمان بالبعث بعد أن أوغل المجرمون في جرائمهم منذ وطئت أقدامهم مدنسة أرض العراق في أول يوم للاحتلال، الذي سهلوا له وجلبوه لاحتلال أرض العراق الطاهرة، فقاموا بتنفيذ مخططاتهم الإجرامية.
إن للبعث بصمات لاتزال شاخصة أمام أعين الشعب وضمائر أبنائه الحية، لايمكن حصرها في هذا المقال لأنها تتطلب مجلدات، فحزب البعث العربي الاشتراكي الذي قاد مسيرة الدولة في العراق لمدة 35 عاماً منذ تفجير ثورة 17تموز قد حقق للعراق وشعبه الأبي ما يستحيل مقارنته من قبل المتسلطين على رقابه اليوم بعد أن فشلوا في تجربتهم الإجرامية وعلى مدى 21 سنة من أن ينجزوا واحداً من الألف مما أنجزه البعث خلال العشر سنوات الأولى من قيادته للدولة.
وإذا أردنا أن نعدد بعضاً من إنجازات البعث فلابد من الإشارة بالدرجة الأولى إلى ما أصبح المواطن العراقي اليوم يستحضرها كل لحظة بدءاً من بناء الإنسان الذي كان يعتز بعراقيته وعروبته، وتألق مهابته بين أبناء الأمم الأخرى، وما تمتع به من الرفاه في ظل التوزيع العادل للثروة، وللفرص التعليمية والخدمية الصحية، والأمن والأمان الذي تحقق في ظل تطبيق العدالة وسيادة القانون، وصيانة الأخلاق والقيم وتحصين الإنسان ضد كل ما يسئ إليها، والارتقاء بكل جوانب ومقومات الحياة الحضارية للمجتمع. كما أشاع البعث روح التأخي والمواطنة فكان المجتمع موحداً متماسكاً منسجماً بدون أية تفرقة على أساس ديني أو مذهبي أو عرقي.
إن علمانية البعث التي يعتبرها المالكي تهمة، لا تعني الإلحاد وإنما مدنية الدولة. فالبعث بعلمانيته من حيث المبدأ والمفهوم والممارسة العملية، هو أصدق تديناً ممن يدّعون التديّن بالمظاهر الخارجية كوضع العمائم وإطالة اللحى ولبس الخواتم، ليتخذوها غطاءً للفساد ونهب أموال الشعب وموارده وتركه تحت وطأة الفقر والبطالة والجوع والمرض، فعلمانيّة البعث تعني أن تكون الدولة مدنية من دون تسييس الدين، كما هو حاصل الآن من قبل الأحزاب الإسلاموية. وأصدق دليل على التزام البعث بالدين هو جعل الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع والقوانين والحكم، ورعاية دور العبادة وأضرحة الأئمة وآل البيت، وغيرها من التشريعات والممارسات والقرارات المؤسسية لرعاية الدين الإسلامي الحنيف والأديان الأخرى التي يدين بها أبناء الشعب الكرام.
إن الانحراف الشاذ الذي انتهجته تلك الأحزاب في خطابها وما صدر عن المالكي في خطابه الأخير إنما هو دليل على إفلاسهم وعلى أنه ما عاد في جعبتهم ما يرمون به البعث بعد أن عرفهم الشعب على حقيقتهم، وتم تصفير أي صدى شعبي لهم، إن كان هناك ثمّة صدى أصلاً.
إننا لسنا هنا بصدد الرد على اتهامات المالكي، ولا للمقارنة بين البعث وبينهم فهم نفايات أتى بها الاحتلال، وإنما فقط لترسيخ ما يتذكره أبناء شعبنا من أن البعثيين مناضلون وطنيون كانوا أول من يضحي وآخر من يستفيد. وكانوا يتقدمون الصفوف في الدفاع عن الوطن والشعب، بما تشهد به سوح مقاتلة الفرس والصهاينة، وتحقيق وإدامة الحياة الآمنة للمواطن وأسرته الكريمة وحمايتها من كل ما يهددها من فتن أو عوامل تشكل تهديداً لسلامة الأشخاص أو الأموال. كما أن البعثيين لم يكونوا عملاء وليسوا متواطئين مع العدو الأجنبي لاحتلال بلادهم.
إن حالة الرعب التي ظهرت على المجرم المالكي كانت مدعاة للشفقة عليه عند البعض رغم أنه لا يستحقها، لما أوغلت يداه بدماء العراقيين بدون تفرقة بين طائفة وأخرى. لذا فإن ظهور المالكي في خطابه الأخير ليدعوني إلى القول: لقد ’’انتصرنا ورب الكعبة”، كما قالها ذلك الأعرابي الموفد إلى كسرى، حين حمّله الأخير بزنبيل تراب استهزاءً بالمسلمين، فكان مؤشراً على اندحار كسرى في القادسية الأولى.
يكاد البعث أن يمتاز عن بقية الحركات والأحزاب السياسية بكونه الوحيد الذي ربط الفكر بالممارسة، فقدم البعثيون عبر تاريخهم الطويل وعلى مساحة الوطن العربي الكبير أغلى التضحيات في سبيل تحقيق مصلحة العراق والأمة العربية. فكان وما يزال حزباً وطنياً صادقاً، وقومياً إنسانياً، ومواقفه الوطنية والقومية هي عنوان فخر لكل عراقي وعربي أصيل.
وعليه فحاشا للبعث أن يعمل مأجوراً بيد الآخرين، ولم ولن يكون رجاله كالمالكي وحزبه العميل وكل من أتى على ظهر الدبابة الأمريكية مجرد سماسرة وأدلاء وخونة لبلادهم وأمتهم. وسيبقى البعثيون عناوين ورايات وطنية وقومية شامخة، كما سيبقى اسم البعث يؤرق ويرعب المالكي وأمثاله على الدوام.

Author: nasser