العدْوَان عَلَى الأمَّةِ
يَتدَثَّرُ بِالغِطاءِ الإِقْليمِيّ وَ الدوَلِيّ
الدكتور غالب الفريجات – الاردن
يشهد وطننا العربي عدواناً امبريالياً صهيونياً إقليمياً، تتكالب فيه هذه الأطراف على فلسطين ولبنان والسودان. وقد مثَّل ما تم من احتلال العراق قبل أكثر من عشرين سنة قمة التآمر الدولي على الأرض العربية، واستهداف النظام الوطني، الذي كان حالة متميزة في نهضته من جهة، وفي مستوى ما توصل إليه من قوة عسكرية وعلمية.
كانت هذه القوى العدوانية تظن واهمة أن بإمكانها النيل من هذه الأمة، رغم حجم عدوانها وتعدده، وبشكل خاص دولة العدوان الصهيوني، التي كانت تدعي بأنها تملك قوة عسكرية ذات قدرات على التحكم بكل تحركات الدول العربية على وجه الخصوص، ولكن السابع من أكتوبر عام 2023، أظهر مدى هشاشة هذه القدرات، وعرّى الكيان أمام العالم إلى جانب أنه سقط في منظور الكثير من الأطراف العربية التي كانت تلهث وَراء التطبيع معه.
وهشاشة هذا الكيان تبدّت في كونه كيان مصطنع لا قدرة له على الصمود أمام أي جهد عربي نضالي مقاوم، وكان ذلك واضحاً بحجم الهلع الغربي للحالة التي أصابته. فقد أسرعت القوى الامبريالية الغربية لحشد أساطيلها لدعم هذا الكيان الغاصب وحمايته.
لقد بدأ السابع من أكتوبر بضربة في عمق الكيان الصهيوني على جميع الصعد لهذا الكيان العسكرية والسياسية والاجتماعية، فشهد العالم قطعان المهاجرين الذين ظنوا واهمين بمصداقية الأمن والأمان الذي وعدتهم بها الصهيونية العالمية حين دفعتهم للهجرة إلى أرض فلسطين. فكان للسابع من أكتوبر الأثر الأكبر في سقوط هذه السردية الصهيونية، التي كانت ذات شعارات طوباوية لا أساس لها من الصحة أو الوجود على أرض الواقع، كشعار (فلسطين أرض بلا شعب تعطى لشعب بلا أرض)، إلى جانب العديد من الشعارات الصهيونية التي تحاول جاهدة زرع ثقافة وجودها “التاريخي” المزعوم على أرض فلسطين.
ومع العدوان الصهيوني المستمر كان هناك العدوان الإيراني الذي يتدثر بالإسلام زوراً وبهتاناً، وهو الذي قد عمل جاهداً لإضعاف الأقطار العربية حد التوصل إلى تحكمه بصناعة القرار كما في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وهو من يعمل على اقتسام الكعكة العربية مع الكيان الصهيوني، مما يؤكد على أن الوجود العدواني الإيراني والصهيوني وجهان لحالة واحدة وهما يمارسان هذا الدور تحت المظلة الأمريكية. وقد تأكد ذلك في الدور الإيراني باحتلال العراق الذي قُدِّم له على طبق من ذهب من قبل إدارة بوش تقديراً لدوره وجهوده في الغزو سنة 2003.
كان للعدوان الإيراني أثره الكبير في إضعاف الصف العربي، وفي الوقت الذي تتعرض فيه غزة لهجمة صهيونية شرسة تهدف إلى إبادة الشعب العربي الفلسطيني، كان النظام الإيراني يبيع المقاومة الكلام، والكلام فقط، حتى أن أذرعه التي تأتمر بأوامره كانت ولمدة أشهر من العدوان الصهيوني على قطاع غزة تمارس لعبة المشاغلة مع الكيان الصهيوني بتنسيق أمني مكشوف بين الطرفين رافعة شعار وحدة الساحات الذي لم يُمارس على أرض الواقع بشكل فعلي، نظراً لمحاولة إيران لكسب التنازلات من أمريكا بما في ذلك تصفية أذرعها، وهو الأمر الذي كان متوقعاً من خلال حجم التصفيات وجسامة العدوان الغاشم على لبنان والتدمير الإجرامي الهائل الذي أحدثه في بنيته التحتية.
واليوم يستمر العدوان الصهيوني الوحشي على لبنان، الذي يترك آثاراَ تدميرية هائلة تعجز الدولة اللبنانية عن الإيفاء بمتطلبات معالجتها، بكل ما يحدثه من تبعات خطيرة على المواطنين الذي أجبروا على التهجير من جهة، ولحاجة الدولة إلى الكثير من المساعدات المادية العينية والطبية والخدمية، وإعمار ما أحدثه العدوان من تدمير، في الوقت الذي لم نسمع أو نشاهد أي أثر لأي نوع من المساعدات الإيرانية للشعب اللبناني. وهو ما يدلل على المستوى الذي يتعامل فيه النظام الإيراني مع الأقطار العربية التي استهدفها عن طريق تجنيد أتباع له فيها، حيث عمل جاهداً من خلال ذلك على سلخها عن انتمائها القومي للسير في ركبه، وتحقيق أهدافه التي يتقدمها حمايته من أي استهداف خارجي.
إن العدوان الإيراني والصهيوني المزدوج على الأمة العربية، وتحديداً ما يجري على الأرض اليوم في فلسطين ولبنان يؤكد أنه يحدث بغطاء امبريالي وتحديداً أمريكي أوربي، وإن حجم الدمار الذي يتركه ويحدثه على الأرض يؤكد مستوى الحقد التاريخي المتأصل، وحجم الخراب الذي يحدثه بتفكيك الجبهة العربية من خلال الاستهداف المزدوج بين احتلال الأرض، وبين تقسيم المجتمع لخدمة أهدافه.
إن جبهة المقاومة في فلسطين، وبشكل خاص صمود أبناء غزة، بثباتهم افشل تحقيق الأهداف الصهيونية في تهجيرهم من أرضهم ليخلو للعدو القطاع من أجل جلب المزيد من المهاجرين الصهاينة. إن هذا الصمود البطولي يؤكد على أن شعب فلسطين وقضيته العادلة ليست قابلة للنسيان، ولا الإهمال، أو التجاوز من العديد من الأطراف المحلية والعربية والدولية.
إن غياب الوحدة العربية وأدنى حد من صيغ التعاون والتكامل بين الأنظمة العربية الرسمية، هو السبب الرئيس في كل ما يحدث من عدوان امبريالي صهيوني إقليمي ممثلاً بالعديد من الأطراف الإقليمية إن من الكيان الصهيوني، أو إيران، أو تركيا، أو إثيوبيا.
فالكل طامع في الأرض العربية وثرواتها، وما على الجماهير العربية تتقدمها أحزابها وقواها الوطنية والقومية إلا تشديد النضال ورفع مستوى وتائر العمل الشاق للضغط باتجاه توحيد العمل العربي، فترتقي بذلك في فعلها إلى مستوى الحدث العظيم، الذي يستهدف كل الوطن العربي في موارده كما في نضالاته على الجبهات الوطنية والقومية، لتعيد الأمة حضورها التاريخي الذي افتقدته عبر سيطرة القوى الدولية والصهيونية والإقليمية عليها.