عُرُوبَة البَصْرَة والخَلِيج
شَوْكَة فِي عُيُونِ إيرَان وَذيُولِها
ناصر الحريري
منذ أيامٍ قليلة تمت إزالة كلمة “العربي” من اسم “مركز دراسات البصرة والخليج العربي” في محافظة البصرة، مما أثار احتجاجات كبيرة وجدلاً واسعاً حول هذه الخطوة. إذ يثير هذا التصرف استياء أبناء الشعب العراقي الأحرار الذين يعتبرون حذف كلمة “العربي” انتهاكاً لهويتهم وتاريخهم وثقافتهم.
وتُعتبر هذه القضية حساسة للغاية في عموم العراق، خاصةً في البصرة ذات الارتباط العميق بالهوية العربية والتاريخ العريق للأمة العربية وبالذات للخليج العربي. لذا فإن هذا الفعل الخبيث لإيران وذيولها يمس الهوية العربية للبصرة وأهلها الكرام وعموم العراق والأقطار العربية في هذا الجزء من وطننا العربي الكبير.
إن الهوية العربية لأقطار الخليج العربي ومنها العراق، وخاصة في مدينة البصرة، تشكل جزءاً أساسياً من نسيج المجتمع فيها ومنظومته الثقافية والاجتماعية. فالعراق مثلاً، بما له من إرث تاريخي وموقع جغرافي في العالم العربي، يتمتع بهوية عربية قوية ومتجذرة تبرز في مختلف جوانب الحياة اليومية في البلاد.
والبصرة بالذات، كواحدة من أقدم المدن في العراق والوطن العربي، تحمل تاريخاً طويلاً مرتبطاً بالهوية العربية والثقافة الإسلامية. فهي من أقدم المدن الإسلامية التي بناها العرب عند الفتح الاسلامي في عام 14 هـ الموافق 625 م ، وكانت مركزاً حضارياً واقتصادياً وثقافياً منذ ذلك الوقت. وأسهمت المدينة في إثراء الأدب والشعر والفكر العربي عبر العصور، وبرزت منها شخصيات عظيمة كان لها أثر كبير في الثقافة العربية والإسلامية، مثل الحسن البصري، وسيبويه، وهذا الإرث الحضاري يربط البصرة والعراق ككل بالعالم العربي، ويجعل الهوية العربية جزء لا يتجزأ من صفات وطبيعة حياة العراقيين.
وفي عموم اقطار الخليج العربي، فان الهوية العربية ليست مجرد انتماء جغرافي، بل تمتد لتشمل اللغة، والدين، والتقاليد والقيم الاجتماعية. والعراق، بعربه وأكراده وأقلياته المتنوعة، لطالما كان ساحة للتنوع الثقافي تحت مظلة الهوية العربية الجامعة. لذا، فإن أي محاولة للتقليل من شأن الهوية العربية، سواءً في البصرة أو في عموم العراق، تجد مقاومة من قبل المجتمع العراقي الذي يعتز بانتمائه إلى الأمة العربية وبتاريخه العريق.
هذا الارتباط العميق يفسر ردود الفعل القوية تجاه أي خطوة تُعتبر تهديداً لهذه الهوية، فالبصرة وعموم العراق يشكلان جزءاً جوهرياً من نسيج الثقافة العربية في الخليج العربي، وأي محاولة لتغيير ذلك يُنظر إليها على أنها مساس بالهوية والكرامة الوطنية والقومية.
لذا تسعى إيران وذيولها في العراق إلى سلخ الهوية العربية عن الخليج عموماً وعن العراق وشعبه بالذات، عبر هيمنتها وتأثيرها السياسي والثقافي المتزايد في العراق. وتسعى بعض الجهات المدعومة من إيران إلى تعزيز الولاء الطائفي أو القومي الفارسي على حساب الهوية العربية، ويظهر هذا التأثير بشكل خاص في بعض المناطق التي تتواجد فيها قوى وميليشيات موالية لإيران، تعمل على الترويج لأجندة سياسية وثقافية تتعارض مع الهوية العربية للعراق المتجذرة منذ آلاف السنين. فالعراق جزء من الأمة العربية منذ أزمان سحيقة، وأصبح له دور محوري في الحضارة العربية الإسلامية، ومحاولة تغيير هذه الهوية تعني بالنسبة للعراقيين تهديداً لكينونتهم الأساسية ولاستقلالهم الثقافي والسياسي.
لذا وبرغم الهيمنة الإيرانية على العلاقات السياسية والتجارية في العراق، إلا أن التدخل في الشؤون الثقافية ومحاولات تغيير الهوية يواجهان رفضاً شعبيا واسعاً، على كل المستويات والصعد ومن قبل قطاعات الشعب كافة التي ترى في الحفاظ على الهوية العربية للبصرة أولوية مطلقة وقضية وطنية وقومية لا يمكن التنازل عنها وتستحق الدفاع عنها بكل ما تمتلك من قوة لأنها قضية كينونة ووجود من عدمه.
مخاطر محاولات إيران طمس الهوية العربية للعراق
تتعدد مخاطر محاولات إيران لطمس الهوية العربية للعراق، وتتضمن أبعادً ثقافية، واجتماعية، وسياسية ومنها:
- تهديد الهوية الثقافية والتاريخية: حيث يتمتع العراق بتراث عربي غني يميزه عن غيره، ومحاولات طمس هذه الهوية تشكل تهديداً لجذورهم الثقافية والتاريخية في البصرة وبغداد والموصل وغيرها من الحواضر العربية، وأي محاولات لطمس هذه الهوية تتعارض مع ارتباطهم بتاريخهم وهويتهم.
- الولاء والانتماء الوطني: تسعى إيران من خلال تأثيرها إلى إحداث انقسامات طائفية، من خلال بعض الأطراف المدعومة من قبلها وبالتالي خلق الهويات الطائفية على حساب الهوية الوطنية الجامعة، مما يخلق انقسامات داخلية، تخدم العدو الصهيوني الرامي إلى تفتيت الأقطار العربية، مما يضعف الانتماء الوطني المشترك الذي يجمع العراقيين بمختلف طوائفهم وأعراقهم على مر العصور قديمها وحديثها.
- التدخل في السيادة: يشعر العراقيون بأن محاولات إيران للتأثير على العراق تهدف إلى تعزيز نفوذها السياسي في البلاد، والقضاء على أي وجود لسيادة العراق وبالتالي جعله تابعاً لسياستها الإقليمية.
- تغيير الرموز الوطنية: كجزء من تغيير الثقافة الوطنية تسعى إيران إلى تغيير الرموز مثل استبدال أسماء الأماكن العربية بأسماء مرتبطة بإيران أو نشر رموز ثقافية ودينية غير عربية على نطاق واسع، مما يشكل اضعاف للرموز الوطنية والعربية.
- السيطرة الاقتصادية: العراق يُعد سوقاً مهماً لإيران، خاصة في ظل العقوبات الدولية المفروضة على إيران، والتي صُمِّمَت بحيث يكون العراق هو الرئة التي يتنفس منها الاقتصاد الإيراني على حساب نهب الموارد والثروات والمصالح العراقية، خاصة في قطاعات مهمة مثل النفط والزراعة والصناعة والتجارة.
- تقييد الحريات والممارسات الدينية: إن النفوذ الإيراني يؤثر على التنوع الديني والمذهبي في العراق، إذ تسعى بعض الجهات المدعومة من إيران إلى فرض نمط ديني واجتماعي معين، مما يهدد حرية ممارسة المعتقدات والشعائر الدينية ويهدد التعايش السلمي المجتمعي المتسامح عبر العصور.
ماذا تعني القومية العربية للعراقيين في مواجهة القومية الفارسية؟
القومية العربية بالنسبة للعراقيين تمثل العنصر الأساس للهوية الثقافية والسياسية والتاريخية، وركيزة أساسية للتلاحم الاجتماعي والصخرة التي يستند عليها النضال من أجل الاستقلال والسيادة. وهذه القومية تتجلى في التصدي لأي محاولات لفرض الفرسنة أو تأثيراتها الثقافية والسياسية في العراق وفي أي بقعة من أقطار الوطن العربي. وتمثل القومية العربية للعراقيين عدة مضامين منها:
– ترسيخ الهوية الوطنية المشتركة: فالقومية العربية بتسامحها المعروف وإنسانيتها وابتعادها عن المفاهيم العرقية والشوفينية، توحِّد العراقيين من مختلف الطوائف والأديان تحت مظلة وطنية جامعة، تتجاوز الهويات الفرعية والانتماءات الطائفية. فهي تركز على انتماء العراق للأمة العربية، مما يعزز الشعور بالمواطنة المشتركة والولاء للوطن.
– الإرث الحضاري والتاريخي: القومية العربية تربط العراقيين بتراث تاريخي وحضاري مشترك يمتد من بغداد ودمشق إلى القاهرة والقيروان والرباط. وهو مبعث فخر العراقيين وعنوان هويتهم. فالعراق له دور عظيم في التاريخ العربي، وكانت البصرة نقطة اشعاع فيه كما كانت بغداد عاصمة الحضارة الإسلامية في العصر العباسي، مما يجعل الهوية العربية جزء من هويته العريقة ويعزز الشعور بالانتماء إلى هذا الإرث حتى بين الأعراق غير العربية فيه، وقد شكلت هذه السمة التي تميز بها العراقيون مبعث فخر وسمة حضارية لهم عبر العصور ولا سيما في التاريخ المعاصر.
– السيادة والاستقلال: القومية العربية بالنسبة للعراقيين هي القاعدة الأساس التي ينطلق منها النضال ضد الهيمنة الأجنبية، سواءً كانت فارسية أو غيرها. فبقاء العراق متماسكاً بهويته العربية يعني الابتعاد عن الانقسامات التي تهدد استقلاله وتجعل قراره السياسي والاقتصادي خاضعاً للنفوذ الخارجي.
– التواصل الثقافي: فاللغة العربية، باعتبارها لغة الدين والثقافة، توحد العراقيين وتعزز شعورهم بأنهم جزء من الأمة العربية، فهي تربط العراقيين بمحيطهم العربي وبثقافته المميزة الخاصة، مما يمنحهم هوية مستقلة ومتميزة عن القوميات الأخرى ولا سيما الفارسية.
– التضامن العربي والمصالح المشتركة: القومية العربية تعزز لدى العراقيين شعوراً بالتضامن مع الدول العربية المجاورة، فهناك قضايا ومصالح مشتركة تجمع العراق بالدول العربية الأخرى. وهذا التضامن يعد حاجزاً أمام أي محاولات لعزل العراق عن عمقه العربي.
– الرفض الشعبي للتوسع الإيراني: بالنسبة للعراقيين، فان القومية العربية تعبر عن رفضهم لأي محاولات توسعية تسعى لفرض القومية الفارسية، التي يرون فيها تهديداً لهويتهم وسيادتهم. لذا فإن مواجهة أي وجه من أوجه التغلغل الفارسي، لا يمثل دفاعاً عن الهوية العربية فقط، بل دفاعاً عن سيادة العراق وحريته.
إن القومية العربية بهذا المعنى هي أكثر من مجرد انتماء ثقافي، فهي بالنسبة للعراقيين كينونة ونقطة قوة في مواجهة أي محاولات طمس وجودهم، وكرامتهم الوطنية واستقلالهم.
لذا تشكل عروبة البصرة والخليج شوكة في عيون إيران التي تكرر احتجاجها على التسمية في عدة مناسبات في محاولات فاشلة لإنكار الحقيقة ولتقبل واقع تاريخي وجغرافي ساطع، وهو أن الخليج عربي، وأن البصرة ستبقى رغم كل شيء منارة اشعاع عربي حضاري فيه.