أسرى الحَرب الإيرانيّة العراقيّة المَنسِيّين..
مَنْ ينقذهم مِنَ المُعاناة الأبديّة
الثائرة البصرية
رغم انقضاء أكثر من ربع قرن على انتهاء الحرب الإيرانية العراقية، إلا إنه ما زال هناك عدد كبير من الأسرى العراقيين والعرب ما زالوا قابعين في سجون ايرانية سرية يعانون هم واُسَرهم شتى صنوف العذاب واللوعة، من دون ان تُحسم قضاياهم التي ما زالت معلّقة بين السماء والأرض. فهؤلاء الأسرى قد لاقوا و رأوا ما لم يفترض ان يراه الكافر في نار جهنم . ومن خلال زيارات اسرهم للأسرى العائدين من الأسر بصفتهم معاقين، حيث قام الأهالي بمقابلة كلّ أسير عاد للوطن من شمالِه إلى جنوبِه تقريباً ، اطّلعت تلك الاُسَر وعرفَت كلّ ما يدور في معسكرات الأسر في ايران.
وتم التعرف على ان هناك سجون سريّة تحت الأرض لم تُسجّل بالصليب بالأحمر أساساً. ومنها معسكر (( سنكبزد )) والذي يسمّى صخرة الموت. وبالفعل هو كذلك حيث تبين ان اغلب من فيه قد توفاهم الله بعد ان أصيبوا بالسل لأن المعسكر يقع تحت الأرض حيث لا يُسمَح لهم برؤية الشمس، وانما يتم اخراجهم منه مرة واحدة فقط في الشهر ولساعاتٍ قليلة ويعيدونهم للسجن ثانيةً.
وقد توفي كثير من الأسرى بعد عودتهم مباشرة الى العراق وبعض الاقطار العربية ومنهم من توفى اثناء الأسر. وقد عثرت منظمة الصليب الأحمر بالصدفة على هذا السجن وبدأوا بإعادة بعض المصابين والمعاقين فيه الى اقطارهم في تسعينات القرن الماضي.
وهناك معسكر آخر يسمّى ((برندك رقم ٢))، وللأسف فإنه يحتوي الكثير من الضباط والجنود وعناصر من المواطنين من متطوعي الجيش الشعبي، وهذا المعسكر لم يتم تسجيله أيضاً لدى الصليب الأحمر.
ومن المُحزن انه اثناء وحتى بعد انتهاء الحرب، كانت السلطات الايرانية تقوم في كل يوم بإعدام إثنين من الأسرى أمام رفاقهم، إلى أن فاض غيض الأسرى وتمرّدوا وثاروا على سجّانيهم وقاموا بذبح الضابط الإيراني داخل السجن. فقام الايرانيون بفتح نيران دباباتهم على المعسكر فتوفي من الأسرى من توفي، وجرح منهم من جرح، في حادثة بشعة تتنافى مع كافة الأعراف السماوية والقوانين والاتفاقيات الدولية السارية.
ومن خلال متابعة اهالي الأسرى الذين كانوا في هذه الحادثة، وجدوا انه بعد هذه الحادثة بالذات لم يعدْ ابناءهم إلى هذا المعسكر، فعرف الأسرى الاحياء أن الاخرين لم يعودوا لانهم قتلوا، ولم يتم العثور على اي قبر لهم في مدافن الأسرى.
والحديث في هذا الموضوع طويل وتفاصيله كثيرة، وكلها تشير إلى أن جرائم القوات الايرانية الوحشية بحق الأسرى والتي لا يمكن ان تُحصى أو تُعدْ، لم يفعلها حتى الصهاينة في أبشع صور اجرامهم، ولم يسجل مثلها التاريخ حتى من قِبَل المغول والتتار.
والسؤال الذي يطرح نفسه، ويطرحه الأهالي دوماً هو: لماذا كل هذا الصمت عن قضية هؤلاء الأسرى الذين لازالوا يضحّون بصبرهم وصمودهم من أجل العراق والأمة العربية؟!
إن أقل ما ينبغي فعله إزاء صبر وثبات اخوتنا العراقيين والعرب في الاسر الايراني، هو أن يرتفع صوتنا جميعاً للمطالبة بعودتهم حسب وثائق ومعاهدات جنيف وكل المعاهدات الدولية والإنسانية، لإن مآسي الأسرى في السجون والمعسكرات الإيرانية هي من الوحشية ما لا يمكن أن يستوعبها عقل بشري. والجرائم التي تُقتَرَف بحقهم لا يمكن أن يتقبّلها أي أحد يمتلك الحد الأدنى من القيم والمشاعر الانسانية.
فمعسكر ((سمنان)) الذي ينقسم إلى قسمين، قسم سقيفة وقسم خيَّم والذي يقع بين جبلين، حيث الثلج في الشتاء يكون على اشده، يلجأ الايرانيون الى معاقبة الأسير فيه بدفنه في الثلج، لينغمر الى منتصف جسده. وقد توفي نتيجة لذلك العديد من الاسرى لعدم قدرتهم على التحمّل. اما الاحياء فيتولى مكلف إيراني بالجلوس في منتصف الخيمة التي فيها عادة ثمانية أسرى حاملاً بيده دبوس يقوم بوخز الاسير به كلّما تعب الأخير واراد النوم.
وهذا مثال بسيط على التعذيب الذي يلقاه الاسرى خلال هذه الأعمال وغيرها الكثير والمخالفة كلها لكل الاعراف والشرائع السماوية والقوانين الدولية. ولنا ان نتصور كيف يمكن ان يتحمّل أي شخص كل هذا العذاب ولكل هذه السنين العجاف، وما هو حجم معاناة اسرهم واهاليهم نتيجة كل ذلك؟!.
وللأسف فقد سعت عوائل هؤلاء الأسرى بكل ما تملكه من قدرات بسيطة لمعرفة مصير أبنائها، و ملأت الآلاف من استمارات البحث عن المفقودين وفي جميع الدول التي يتواجد فيها فرع من فروع الصليب الأحمر الدولي، فضلاً عن المقر الرئيسي للصليب الأحمر في سويسرا ولكن لم يعثر أي منهم على بارقة امل، او يتلقى اي رد، لا بالسلب ولا بالإيجاب. وأصبح لدى هذه الاُسَر يقين بأن معظم هذه المنظمات التي تدعى منظمات إنسانية انما هي مجرد واجهات، أو إنها عاجزة تماماً عن اداء الدور الذي تدّعيه.
إن وجود هذا العجز للمنظمة المعنية، واستمرار هذه المعاناة للأسرى وعوائلهم يحتم على جميع المنظمات والهيئات والمؤسسات العراقية والعربية أن تُبادر بإطلاق صرخة ضمير إنساني تهدر بالعدل والحق، لإعادة إحياء هذه القضية الإنسانية المنسيّة، من خلال التعميم والتثقيف على ضرورة استمرار رفع شعارات للمطالبة بحقوق هؤلاء الاسرى المظلومين. واطلاق المبادرات لمفاتحة كافة الجهات العربية والدولية الرسمية منها وشبه الرسمية، اضافة الى منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة، ووضع برنامج للتحرك من اجل رؤية نهاية لهذا النفق الانساني المُظلِم.
ويتصدر كل ذلك التحرّك على الجهات القانونية الدولية من خلال الكوادر العراقية والعربية من القانونيين والحقوقيين والإعلاميين ونشطاء المجتمع المدني، للمطالبة بالحقوق المشروعة التي تكفلها المعاهدات الدولية المُبرمة، والتي تكون مُلزِمة التنفيذ لكل الدول الموقّعة عليها ومنها العراق وإيران. فضلاً عن المطالبة بإعادة الأسرى في المحافل الدولية والمنظمات المعتمدة من خلال توجيه رسائل باسم أهالي الأسرى وعوائلهم.
إن مثل هذا التحرك هو واجب وطني وقومي لإحياء هذه القضية الانسانية المنسية، وهو اقل ما يمكن فعله للوفاء لهؤلاء الأبطال الذين ضحّوا بحياتهم ومستقبلهم من أجل الوطن والشعب والامة العربية.
ورغم وعورة الطريق، إلا أن التاريخ يعلمنا دائماً إنه.
“ما ضاع حق وراءه مطالب “.