خالدون في سبيل البعث- البعث والنضال الوحدوي الجبهوي في اليمن

خالدون في سبيل البعث

من سجل النضال القومي المجيد

حزب البعثُ العربي الاشتراكي هو حزبٌ قوميٌّ وُلِدَ من رحم معاناة الامة من أجل تحقيق وحدتها وحريتها ونهضتها، لتمارس دورها الحضاري بين الأمم بما يَليق بمكانَتِها الكبيرة وإمكاناتها الهائِلة وتأريخها المجيد. وهو فِكرٌ رَصينٌ وراسخٌ، ونَهجٌ ناضجٌ ومُتقدمٌ ينير درب مناضليه وجماهيرَه في كفاحهم لتحقيق أهدافه الاستراتيجية الكبرى في الوحدة والحرية والاشتراكية. وحزبٌ هكذا هي أهدافه، قومية تقدمية انسانية، لا ينهض برسالَتِه الحضارية العِملاقة في بعث أمة بكاملها، الاّ نوعية خاصة من أبناء الأمة المناضلين في صفوفِه، من الذين آمنوا بحقِّ أمتهم في النهضة والتقدُّم لتحتَّل مكانتها الكبرى بين الامم، فوهبوا حياتهم لتحقيق رسالته، خائضين في سبيل ذلك نضالاً ضروساً وتضحيات جسام لتأصيل الأهداف النبيلة للبعث، وقيمه ومبادئه السامية. انَّهم صُنَّاع الحياة ومستقبل الامة، ورجال العطاء والفداء من أجل تحقيق وحدة أمتهم العربية المجيدة. هكذا هُم مناضلو البعث على امتداد وطنهم العربي الكبير من المحيط الى الخليج.

يسعى هذا الباب الى القاء الضوء على محطات من السجلّ الخالد لمناضلي البعث في الوطن العربي، الذين شكَّلوا رايات عالية ستبقى تنير درب أجيال وأجيال من ابناء الامة في نزوعها نحو الوحدة والحرية والتقدم. ومن تلك المحطات النضال الوحدوي الجبهوي والعمالي في اليمن

 

البعث والنضال الوحدوي الجبهوي في اليمن

 يحيى محمد سيف المفلحي

مقدمة

 

تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي في قطر اليمن كتنظيم حلقي عام 1948م، في مدينة تريم محافظة حضرموت وظل يمارس نشاطه بشكل سري حتى إعلانه عن ممارسة نشاطه التنظيمي والسياسي بشكل علني عام 1956م في مدينة عدن. فالحزب في اليمن لم يصل إلى العام 1956 إلا وقد نضجت الرؤى وتكاملت الخطط التي أوحت بالظهور والنشاط في ظل العلنية، صحيح أن البعث عرف كتنظيم في عام 1956م، ولكن عرف البعثيون كبعثيين في مختلف الأوساط الاجتماعية والسياسية في الأعوام 1948-1949-1950م (1).

 

ولقد أولى حزبنا، حزب البعث العربي الاشتراكي، عبر مسيرته النضالية الطويلة أهمية خاصة لمسألة التحالف الجبهوي والعمل الوطني المشترك بين القوى الوطنية على الصعيد القطري والقومي. وقد كان حزبنا هو السباق بطرحه لهذه المسألة من خلال حسه وإدراكه التاريخيين لقيمتها وأبعادها الاستراتيجية في شد القوى الخيرة وتعبئتها معنوياً وسياسياً باتجاه تحقيق أهداف الأمة في وحدتها وتحررها وبناء مجتمعها الديمقراطي الموحد.

كما كان لحزبنا في قطر اليمن دور بارز ومهم في تجسيد هذه الروح النضالية، ولم يتوانى أبداً عن التشديد والإصرار على إنجاز هذا المفهوم الاستراتيجي للحزب وترجمته بأشكال وصيغ تنسجم مع طبيعة المهام الأولية لعملية التحرر الوطني، وتوفير المستلزمات المنطقية والسياسية الأساسية للنهوض والتوثب الثوري. وقد لعب البعثيون في هذا السياق دوراً متميزاً في النضال ضد الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن، والإمامة في شماله وضد والنزعات والمشاريع الانفصالية السائدة آنذاك والتي تمثلت أبرز مساهماتهم بما يلي:

 

   رابطة أبناء الجنوب العربي

حيث أسهم البعثيون بشكل بارز في تأسيس وقيادة (رابطة أبناء الجنوب العربي) ما بين عام ١٩٤٩ و١٩٥٢ في عدن التي كانت تضم الكثير من الشخصيات السياسية الذين توزعوا بعد ذلك بين صفوف الحركة الوطنية والديمقراطية بمختلف فصائلها ومشاربها الفكرية القومية وماركسية، والنقابية، حيث تولى المناضل محمد علي الجفري رئاستها فيما تولى المناضل البعثي شيخان الحبشي منصب الأمين للرابطة وهو من جيل الرواد الأوائل المؤسسين لحزب البعث العربي الاشتراكي بقطر اليمن.

 

والأستاذ شيخان عبد الله الحبشي هو محامي حاصل على شهادة البكالوريوس في الحقوق من كلية الحقوق جامعة بغداد في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي وهو من أسرة بعثية فهو الشقيق الأكبر للمناضلين البعثيين الاستاذ المحامي والقائد البعثي الكبير صالح الحبشي الذي أسهم في تأسيس حزب البعث في قطر العراق أثناء دراسته في كلية الحقوق هناك الذي كان من أبرز جيل الرواد المؤسسين الحزب البعث العربي الاشتراكي في قطر العراق على المستوى القومي وفي قطر اليمن عموما والمؤسس لفرع حزب البعث في شمال الوطن خصوصا. وشقيق المناضل البعثي المهندس أبو بكر الحبشي الذي كان يعد أيضاً من جيل الرواد المؤسسين لحزب البعث على المستوى القومي والقطري حيث تشير المعلومات المؤكدة بأنه أسهم بفعالية أثناء دراسته بكلية الهندسة – جامعة بغداد بتأسيس حزب البعث هناك وكسب العديد من الطلبة العراقيين لصفوف حزب البعث الذي أصبحوا يحتلون مواقع قيادية عليا في صفوف الحزب وعلى رأسهم المهندس والوزير السابق فؤاد الركابي الذي أصبح أول أمين سر لقيادة قطر العراق (2).

 

وكان للبعث تأثير واضح في برنامجها السياسي وخصوصاً فيما يتعلق بالوحدة العربية والحرية، وفي هيكليتها التنظيمية التي كانت تتشابه إلى حد كبير مع هيكلية حزب البعث.

 

🔸خطوة متقدمة

 تباينت الآراء حول الرابطة فالبعض يرى أنها  شكلت  خطوة متقدمة قياساً للجمعية العدنية وحملت افكاراً قومية تقدمية، والبعض الآخر يرى أنها بقت هي الأخرى مشلولة ومحدودة النظرة والأفق وعدم مقدرتها على فهم واستيعاب المعطيات النضالية للشعب  فأخفقت وسقطت في براثن المخططات الاستعمارية ، إلى أن ازالت صحيفة الاحياء العربي اللبس حول موقف الرابطة من وحدة اليمن حيث  أوضحت  إن الاستاذ المناضل محمد على الجفري رئيس الرابطة والرفيق الاستاذ شيخان الحبشي الأمين العام للرابطة أكدوا خلال حوار مفتوح معهم في بغداد في النصف الاول من الثمانينيات اثناء وبعد قيام التجمع القومي للقوى الوطنية في الجنوب اليمني، ان كلمة الجنوب العربي لم تكن تعني الشطر الجنوبي من اليمن وانما تأتي انسياباً مع تسمية مشرق الوطن العربي ، ومغربه وجنوبه. أما الرفيق شيخان الحبشي فقد كرر أكثر من مرة أنه كان يتعامل مع التسمية من منطلق قناعته البعثية بان الجنوب العربي يشمل جنوب الجزيرة العربية كلها كجزء من وطن عربي واحد. وقد أكد ذلك الباحث والمفكر قادري احمد حيدر ذاكراً انه (في زمن التشطير الإمامي الاستعماري كان التنسيق بين “الاتحاد اليمني”، و”الرابطة”، قائمًا، دون تناسي أنّ محمد علي الجفري مؤسس “رابطة أبناء الجنوب العربي”، كان قبل ذلك أحد مؤسسي “كتيبة الشباب اليمني”، برئاسة الأستاذ أحمد محمد نعمان، في القاهرة أواخر الثلاثينيات.

 

إن “رابطة أبناء الجنوب العربي” قد تحولت في تجلياتها الفكرية والسياسية والتنظيمية اللاحقة إلى مسمى “رابطة أبناء اليمن”، وقد اشارت واحدة من أدبياتها المنشورة، أنّ مسمى “الجنوب العربي” هو مسمى استعماري. كما أكد محمد علي الجفري في محاضرة منشورة له في القاهرة 1956م، ان “الجنوب العربي” هو اليمن الكبرى، ومنه المملكة المتوكلية اليمنية، وعدن والمحميات الشرقية والغربية. وللأستاذ شيخان الحبشي، كلمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة اوائل الستينات من القرن الماضي، وبحضور وزير خارجية ما سمي بـ “اتحاد الجنوب العربي”، سفهه فيها كل التسفيه ما سمي بـ “اتحاد الجنوب العربي”، ذاكراً بأنه صيغة استعمارية انجليزية مزيفة. ويرى الكثير من القادة أنّ خصوصيات ومهمات الكفاح السياسي والوطني في الزمن الاستعماري والامامي، هي أحد أهم دوافع تشكيل التنظيمات السياسية الوطنية ذات الطابع المحلي (شمالًا وجنوبًا).

 

 الجبهة الوطنية المتحدة

وبعد أن خرجت الرابطة عن خطها القومي اضطرت الكثير من الشخصيات السياسية الانسحاب من عضوية الرابطة  بما فيهم البعثيون، وفي خضم المحاولات الاستعمارية الرامية لإيجاد تركيبات ومؤسسات لها تمثلت في تكوين ( المجلس التشريعي ) والموقف الهادف إلى حرمان أوسع القطاعات الشعبية من المشاركة في العمل السياسي وحق الانتخاب والترشيح معتبرا أبناء الشطر الشمالي من الوطن اليمني من الأجانب مما أدى الى تفجر موقفاً جماهيرياً متصاعداً و إلى تحرك وطني واسع  ورص الصفوف والتصدي لهذه  للمخططات الاستعمارية تحت شعار (يمن واحد.. شعب واحد). وعلى إثر ذلك تشكلت الجبهة الوطنية المتحدة من الشخصيات السياسية الوطنية، والنقابات العمالية، والأندية الثقافية والاجتماعية والرياضية، كما انضم إلى الجبهة (الاتحاد اليمني) الذي كان يناضل ضد الإمامة في الشطر الشمالي من اليمن.

 

وكان لحزب البعث العربي الاشتراكي دور مهم وبارز في تأسيسها حيث انتخب الرفيق المناضل البعثي علي سالم علي عبده اول رئيس للجبهة فيما انتخب الاستاذ محمد عبده نعمان الحكيمي أمينا عاما للجبهة فيما شغل الاستاذ عبد الله الأصنج القريب من البعث والرفاق البعثيون محمد سعيد مسواط وعبده خليل سليمان مواقع قيادية في الجبهة.

 

🔸أهداف الجبهة

تلخصت أهداف الجبهة بما يلي:

١- النضال الحازم من أجل احباط المشروع البريطاني الرامي إلى تشكيل المجلس التشريعي.

٢- التأكيد على وحدة القضية اليمنية، ورفض التجزئة ورفع شعار اليمن الطبيعية ووحدة الشمال والجنوب ومسقط وعمان.

٣- استنهاض واستنفار الشعب نحو الاستقلال والتحرر وطرد الاستعمار البريطاني من جنوب اليمن والإطاحة بنظام الإمامة في الشمال.

 

🔸صحيفة البعث

 ومن الأدلة البارزة على الدور القيادي للبعث في (الجبهة الوطنية المتحدة) فإن صحيفة (البعث) الأسبوعية لصاحبها ومؤسسها ورئيس تحريرها الرفيق المناضل محمد سالم علي، كانت هي لسان حال الجبهة، وانتهجت منذ صدور العدد الأول منها في يناير 1955م وحتى توقفها عام 1958 خطاً وطنياً في الإطار القومي وعلى اسس الفكر السياسي لايدلوجية البعث. من خلال ما تنشره من مقالات ومناقشات للقضايا السياسية والفكرية والادبية. ودأبت على مقارعة الاستعمار البريطاني والتنديد به وبمشروعاته المشبوهة ومن يقف إلى جانبه، وعلى نصرة القضايا العمالية والوطنية عامة وفي مقدمتها الوحدة اليمنية. وظلت في هذا الخط في الترويج لأفكار ونظرية البعث القومية. ومما يلفت النظر نحو (صحيفة البعث) هو تكريسها للوحدة اليمنية حيث ظلت تؤكد على اعتبار (عدن وسائر مناطق الجنوب اليمني) جزء لا يتجزأ من الشمال وتصدت لدعاة الانفصال (3) وقد جاء هذا النهج منسجماً مع شمول نظرتها واهتمامها بوحدة اليمن كل اليمن.

 

يتبع لطفاً.

Author: nasser