القيادة القومية: محرقة غزة وصمة عار على جبين النظام الرسمي العربي والنظام الدولي تحكمه ازدواجية المعايير تجاه قضية فلسطين
أدانت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي موقف النظام الرسمي العربي حيال المحرقة والمجازر اليومية التي يرتكبها العدو الصهيوني في غزة كما في الضفة الغربية، واعتبرت أن النظام الدولي تحكمه ازدواجية المعايير تجاه القضية الفلسطينية، ودعت إلى ابقاء الشارع العربي في حالة استنفار انتصار لفلسطين ومقاومتها، وضغطاً على أنظمة التطبيع والمتخاذلين في أمتنا العربية.
جاء ذلك في بيان للقيادة القومية فيما يلي نصه:
بعد شهر على بدء عملية “طوفان الاقصى” ، التي تمكنت فيها المقاومة الفلسطينية من اختراق دفاعات العدو والعبور إلى الداخل الفلسطيني المحتل منذ خمسة وسبعين سنة، وتمكنها من انزال خسائر مادية وبشرية في صفوف عسكرييه ومجنديه ومستوطنيه وأسر المئات وبينهم عدد من كبار الضباط ، أصيب العدو بهستيريا غير مسبوقة من خلال ردة فعله التي جعلت المدنيين والأحياء الآهلة بالسكان هدفاً مباشراً لعملياته العسكرية التي لم توفر بشراً ولا حجراً ، ولم تقم اعتباراً للمستشفيات والمدارس ودور العبادة من كنائس ومساجد ومراكز إغاثة ، بل كانت كل هذه المواقع والمركز عرضة للقصف التدميري الذي أودى حتى الآن بأكثر من عشرة آلاف ضحية من المدنيين جلهم من الأطفال والنساء كما عدد مضاعف من الجرحى فضلاً عن الذين ما زالوا تحت الأنقاض مع حصار بري وبحري يحول دون وصول مواد الإغاثة الإنسانية من أدوية ومواد غذائية ومحروقات ، وهو ما جعل غالبية المستشفيات خارج الخدمة ، وما بقي منها يعمل في ظل نقص في المواد الطبية ومواد الاسعافات الأولية هو عرضة للقصف التدميري في انتهاك صريح لقوانين الحرب والقانون الدولي الإنساني وكل المواثيق الدولية التي تؤكد على وجوب تحييد الأعيان المدنية من امداءات العمليات العسكرية.
إن هذا الذي يتعرض له اليوم قطاع غزة بكل حواضره من مدن ومخيمات وأرياف، لم يحصل أن شهدت سياقات الحروب القديمة والحديثة مثيلاً له، إذ إن العدو الصهيوني المجبول بالحقد العنصري ضد الشعب العربي عامة وجماهير فلسطين خاصة، يرتكب أفظع جرائم الحرب وأبشع الجرائم ضد الإنسانية وبدعم واضح ومكشوف من الولايات المتحدة الأميركية التي استقدمت واستنفرت أساطيلها في البحر الأبيض المتوسط وعلى مقربة من شواطئ فلسطين لتقديم الاسناد اللوجستي والتسليحي له وهو ينفذ حرب إبادة ضد كتلة شعبية برمتها.
إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، ما كانت لتتفاجأ بما يقوم به العدو من ارتكابه لهذه الجرائم التي تصل حد الإبادة، فهو الذي ارتكب الجرائم والمجازر البشرية بحق أهلنا في فلسطين المحتلة منذ قيامه، ويمارس سياسة الفصل العنصري(الآبارتهايد)، ليس غريباً عن طبيعته العدوانية أن يقوم بمثل ما يقوم به رداً على الصفعة التي وجهت إليه في السابع من تشرين الأول. وإن مخططه الأصلي الذي تحكمه استراتيجية التدمير لغزة والتهجير للضفة الغربية، هو مخطط ثابت يعمل على تنفيذه عبر سياسة القضم والهضم لكل أرض فلسطين وصولاً إلى تهويدها وفرض الصهينة على كل معالم الحياة فيها. ولكن المؤسف هو الموقف المتخاذل للنظام الرسمي العربي الذي يقف متفرجاً على حرب الإبادة التي تتعرض لها جماهير فلسطين، وكأن هذه الجماهير التي تواجه آلة الحرب الصهيونية باللحم الحي، ليست من هذه الأمة التي ُسلطّ على رقاب أبنائها حكام لا يجدون أنفسهم في مواقع السلطة إلا بقدر تخاذلهم وتواطؤهم مع الأعداء الذي يرتقي حد التآمر على القضايا القومية وفي الطليعة منها القضية الفلسطينية.
إن هذا النظام الرسمي العربي، الذي تحالف مع أميركا ومن لف لفها يوم شنت الحرب على العراق، وساهمت باحتلاله واسقاط نظامه الوطني وهي خيانة موصوفة بمقاييس الانتماء القومي، يكرر اليوم تآمره بالوقوف متفرجاً على حرب الإبادة التي تتعرض لها غزة والقمع المتصاعد في الضفة.
وأمام هول المجازر التي ترتكب بحق غزة، أفلا يستحق أهلها، موقفاً رسمياً عربياً داعماً، واسناداً مادياً يمكنهم من الصمود في مواجهة آلة الحرب الصهيونية؟
ألم يتعظ حكام النظام الرسمي العربي من نتائج تآمرهم على العراق، وكيف انكشف الوطن العربي أمام أطماع القوى الإقليمية والدولية التي تناصب العروبة العداء، وهاهم اليوم يؤكلون من تحالف الشعوبية مع الصهيو- أميركية، لكن الحقيقة التي لابد من قولها هي إنهم لم يؤكلوا اليوم، وإنما أكلوا يوم أُكل العراق وبات لقمة سائغة للاحتلال الأميركي – الإيراني المركب.
إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، وهي تدين بشدة موقف النظام الرسمي العربي حيال موقفه من العدوان الصهيوني الحالي والذي لن يكون الأخير طالما بقيت المقاومة في فلسطين تنبض بالحياة وطالما بقيت جماهير شعبنا متشبثة بالأرض رغم ما تتعرض له من مجازر، هي على يقين بأن الصراع سيبقى مفتوحاً على مصراعيه، وانطلاقاً من كون فلسطين وإن اعتبرت هدفاً أولياً للحركة الصهيونية ومشروعها الاستعماري الاستيطاني، فإن الأمة العربية بمداها القومي الشامل هي الهدف النهائي. لهذا فإن الأمة إذا لم تتقدم للقتال على الأرض في فلسطين، فإن المعارك القادمة ستكون في العمق القومي إذا ما قيض للمشروع الصهيوني أن يستكمل قضم وتهويد كل فلسطين.
من هنا فإن الحرب الدائرة على أرض فلسطين حالياً هي جولة من جولات المواجهة المفتوحة، وجماهير فلسطين وقواها المقاومة تستحق دعماً واسناداً، وكان يفترض بالنظام الرسمي العربي لو امتلك أطرافه ذرة من الوطنية والالتزام القومي، المبادرة إلى إيقاف العمل بالاتفاقيات المعقودة مع العدو ووقف مسار التطبيع، وتوظيف القدرات والإمكانات العربية في الضغط على الدول التي تساند العدو وتعطّل أية امكانية لإدانة سلوكه العدواني كما حصل في مجلس الأمن الدولي. وهذا لم يحصل لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي التي تعي جيداً طبيعة النظام الرسمي العربي لا تراهن على موقف إيجابي منه لمصلحة فلسطين وقضيتها ومقاومتها لأنه مرتهن لمواقع التقرير الدولي والإقليمي وينفذ املاءاته وتوجيهاته. كما إنها لا تراهن على موقف النظام الدولي الذي تحكمه ازدواجية المعايير بكل ما يتعلق بالقضايا العربية وخاصة قضية فلسطين، لأن هذا النظام الذي كان بمثابة القابلة السياسية التي أشرفت على ولادة هذا الكيان الغاصب ومنحته” شرعية دولية ” يوفر له كل وسائط الدعم والحماية من أية إدانة دولية على جرائمه بحق شعب فلسطين. وعليه فإن الرهان الأساسي يبقى على جماهير الأمة العربية ، التي نزلت إلى الشوارع والميادين انتصاراً لفلسطين وثورتها ودعماً لمقاومتها وإن استمرار تحركها بزخم وحضور ميدانيين هو الذي يوجه رسالة إلى جماهير فلسطين بأن الأمة العربية بقواها الجماهيرية هي حضنها القومي الدافئ ، وإن انتفاضاتها الشعبية ضد نظم التطبيع والاستبداد والرجعية هي الكفيلة بفرض معطيات التغيير ضد المنظومات الحاكمة وهي المؤهلة لمحاكاة الرأي العام العالمي الذي هاله الانتهاك الخطير لحقوق الإنسان في فلسطين وبانت له “اسرائيل” على حقيقتها بما هي سلطة قائمة بالاحتلال باعتبارها دولة فصل عنصري وبعكس الصورة التي روجها الإعلام في الدول الداعمة لها بأنها واحة ديموقراطية في الشرق الأوسط.
إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، التي توجه التحية لجماهير أهلنا في غزة والضفة الغربية وكل عموم فلسطين، تشد على أيديهم القابضة على السلاح وهي ترمي العدو وتنزل به أفدح الخسائر، وتناشد قوى المقاومة الفلسطينية لأن ترتفع في علاقاتها وهي في قلب المعركة إلى أرقى مستوى التوحد السياسي والنضالي والوحدة الكفاحية. ففلسطين إما أن تبقى للجميع وإلا لن تبقى لأحد، وستذهب التضحيات جزافاً إن لم تدر هذه المواجهة على أرضية الموقف الوطني الذي يحمي المنجزات الثورية التي حققتها الثورة منذ انطلاقتها قبل ثمانية وخمسين عاماً ويتم توظيف التضحيات توظيفاً نضالياً لمصلحة الحق الوطني الفلسطيني وليس لمصلحة من يسعى للاستثمار بفلسطين خدمة لأجندات أهداف خاصة.
إن أبناء شعبنا في غزة يكتبون بدماء أبنائهم ملحمة المقاومة الشعبية العربية، وهم بمقاومتهم وصمودهم يؤكدون الحقيقة القومية الثابتة، أن أمتنا موجودة حيث يحمل أبناؤها السلاح، وهاهم يثبتون للعالم أن المقاومة وجدت لتبقى، وما تم استلابه بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وإن فلسطين لن تحررها الحكومات وإنما الكفاح الشعبي المسلح. فصبراً أهلنا في غزة والضفة، وبعد كل ليل طويل، فجر لابد أن يبزغ، وما النصر إلا صبر ساعة.
تحية لفلسطين، في غزة والضفة وكل أرضها المحتلة، تحية لأطفالها، لنسائها، لشيوخها، لمقاوميها، لشهدائها الأكرم منا جميعاً، والشفاء لجرحاها والحرية لأسراها، والخزي والعار للمتخاذلين والمطبعين وكل المتآمرين وما النصر إلا حليف الشعوب المكافحة من أجل الحرية وحق تقرير المصير.
القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي.
٢٠٢٣/١١/٣