ثورَة 17 تمّوز الخَالِدة.. قبل وبعد
شواهِد ومُعايَشات حَيّة
-ج1-
علي العتيبي
في ذكرى ثورة 17 تموز يتناخى الأحرار من أبناء العراق والأمة العربية للحديث عن هذه الثورة التي حققت إنجازات عظيمة لم تكن في حسبان المواطن العراقي، وامتدت إلى كل مواطن في أمتنا العربية.
وحينما نكتب عن الثورة وما قدمته لا يعبر عن حقيقة ما تم إنجازه لأن هذا يحتاج إلى مجلدات، لأن كل مجال من مجالات الحياة تحقق فيه الكثير. ولغرض المقارنة البسيطة التي يشعر بها المواطن من كمية ونوعية الإنجازات التي تحققت، ما يجعلنا نفخر يوماً بعد يوم بهذه الثورة العظيمة التي فجرها حزبنا المناضل حزب البعث العربي الاشتراكي، والتي جاءت كرد على نكسة حزيران 1967 أولاً ثم معاناة العراقيين في كل مجالات الحياة.
لقد ورثت الثورة كياناً هزيلاً لا يرقى أن يكون بمستوى دولة ترعى شعبها الرعاية التي تليق به، فقد كان أغلب الشعب يعيش حالة بؤس وحرمان وفقر وجهل إضافة إلى تحكم الشركات الأجنبية بموارد البلد وشبكات التجسس تصول وتجول في العراق، ومن أجل هذا فقد عزم حزب البعث العربي الاشتراكي الذي ولد من رحم الأمة ومعاناة الشعب ومن أجل الدفاع عن حقوق الأمة وتحريرها من الاستعمار والاستغلال والاستعباد فقد أخذ على عاتقه تفجير ثورة 17 تموز 1968 والتي تعرضت إلى ابتزاز ليلة انطلاقها من المشبوهين من أزلام نظام عارف، مما حتم تحريرها منهم بعملية جريئة، وأصبحت ثورة 17 تموز يقودها الأحرار ثوار تموز في 30 تموز 1968.
فبدأت بخطوات وطنية ثورية رغم ضعف الموارد، ولكن كان هناك دعم شعبي تطوعي قاده الحزب لتحقيق ذلك، فقد سعت الثورة إلى القضاء على شبكات التجسس وعلى احتكار التجار للمواد الغذائية وبناء أجهزة أمنية قوية قادرة على حماية العراق، وسوف نتطرق إليها باختصار شديد وفق كل قطاع بقدر ما نستطيع، وكانت كلها من أجل نقل العراق من دولة ضعيفة إلى دولة متقدمة تليق بقدرات الشعب العراقي وعظمة موارده.
وحينما نكتب عن المنجزات فلابد أن نتطرق الى كل قطاع وما كان عليه قبل الثورة وكيف أصبح بعدها، لأن المتلقي وخاصة الشباب لم يعيشوا ذلك وهو للتوعية بما تم انجازه وكيف جاء الاحتلال ودمر كل ما بنته الثورة لأجل الشعب.
التربية والتعليم
قطاع التربية والتعليم: لقد عانى الشعب من الجهل وخاصة في المناطق الفقيرة والقرى والارياف بحيث يعيش اطفالهم وشبابهم حالة من التخلف والفقر والامراض وسوء التغذية. وكانت المدارس قليلة جدا ولا تكفي لأعداد الطلبة فكانت كل بناية تتضمن دوام الطلبة لأربع مدارس فيها مما يقتضي أن يقتصر دوام كل مدرسة الى ثلاث ساعات فقط اضافة الى أعداد الذين لم يلتحقوا لأنه لا توجد مدارس كافية وهذا حال الابتدائية، أما المدارس المتوسطة فعددها قليل جداً، ونأخذ مثال بسيط على واحدة من مدن بغداد العاصمة وهي مدينة الثورة ذات الكثافة السكانية والتي تحتوي على 79 قطاع وكل قطاع يحتوي على 1000 بيت كان عدد المدارس الابتدائية لا يتجاوز ال 20 بناية، أما المدارس المتوسطة والاعدادية فكان عددها لا يتجاوز ال 3 مدارس فقط ( قتيبة – بيوت الأمة – المصطفى) وكانت الكتب المدرسية توزع لقاء مبالغ مالية وليس مجاناً.
أما الجامعات فلم يكن في العراق سوى أربع جامعات وهي (جامعة بغداد – الجامعة المستنصرية – جامعة الموصل – جامعة البصرة) والدراسة في هذه الجامعات برسوم وليس مجاناً كما أن عدد الكليات محدود وليس موسع لاختصاصات.
الدراسات العليا، لقد كان أعداد من يحمل شهادات الدراسات العليا محدوداً لكن ثورة 17 تموز فتحت المجال واسعاً لكل متفوق بأن تمنحه بعثة للدراسة على حساب الدولة في أرقي الجامعات العالمية كل وفق معدله الدراسي فأصبحت اعداد من ابتعثوا بالآلاف وقد تخرجوا وأصبحوا جيشاً من العلماء لبناء العراق وتحقيق نهضته.
هكذا كان وضع التعليم في العراق حينما انبثقت ثورة 17-30 تموز الخالدة فقد أولت الثورة الأهمية القصوى لهذا الجانب وقامت ببناء المدارس حيث تضاعف عددها بنسبة لا تقل عن 400% وتم بناء المدارس بشكل نموذجي فأصبحت تحتوي على المختبرات العلمية والمكتبة والمسرح وساحة الرياضة اضافة إلى زيادة عدد الصفوف وشمول المدارس بالتغذية المدرسية واصبح توزيع الكتب والقرطاسية مجاناً، بل تم استخدام احصائيات التعداد العام للسكان لخدمة المواطن من ناحية التعليم حيث لا يكلف المواطن نفسه بالبحث عن مدرسة لابنه بل ترسل إدارة المدرسة لكل عائلة بأن ابنها استحق التسجيل لأول مرة في المدرسة الابتدائية وتسمى له أقرب مدرسة إلى بيته وعليه فقط الالتحاق بأول يوم دوام رسمي للمدارس وبهذا اليوم يتم توزيع الكتب والقرطاسية على الطلاب دون تأخير ويتم المباشرة بالتدريس .
أما الجامعات فقد توسعت بشكل كبير وأصبح تقريباً في كل محافظة جامعة حتى لا يتم تكليف المواطن التنقل من محافظته إلى الجامعات من اجل عدم اضاعة الوقت ومنحه الراحة النفسية والاستقرار الاسري واكمال دراسته الجامعية وهو قريب من أهله بدلاً من الذهاب إلى بغداد والبصرة والموصل كذلك تميز الوضع بمجانية التعليم وتوزيع الزي الموحد للطلبة مجانا حيث أن استخدام الزي الموحد حتى لا يكون هناك فرق بين فقير وغني لأن الزي واحد مع توفير الاقسام الداخلية لسكن طلبة المحافظات الذين يتم قبولهم والتي تتوفر فيها سبل الأجواء المشجعة على الدراسة والامان والاستقرار وتوفير كل المستلزمات المطلوبة لراحة الطالب حيث وضعت الدولة برنامج مركزي محكم للقبول في الجامعات وليس للواسطة اي دور في القبول. وأنشأت دائرة القبول المركزي حيث يقوم المتخرج من الدراسة الاعدادية بملء الكتيب الخاص بالقبول ويثبت اختياراته حسب أولوية الرغبة والمركز يفرز القبول دون تدخل من أية جهة.
لهذا كان اهتمام الثورة بجانب التعليم اهمية قصوى لأن المواطن عانى من الجهل والامية الكثير وهي من جعلت الاقطاع ورجال الدين وغيره يتحكم بمصير المواطن لأن هاتان الجهتان لا تملكان ديمومة حياتهما بدون الجهل وكلما أصبح الوعي والتعليم هو السائد فلا يكون هناك مجال للذين يتلاعبون بالشعب ويشدوه إلى الوراء. مع ملاحظة أن كل ما تم ذكره قد تم توثيقه من قبل الباحثين والمختصين لإثبات التطور الذي حصل في هذا المجال بين ما قبل الثورة وما بعدها.
محــــو الأميــــة
من أجل أن يعم العلم والمعرفة فقد أولت الثورة لهذا الأمر أهمية بالغة فشكلت لجنة خاصة لمحو الامية ورصدت لها المبالغ لإنجاحها ليس إعلامياً بل عملياً، قولاً وتطبيقاً، وتم إعداد قانون لذلك واجبار كل مواطن أمي أن يدخل في مدارس محو الأمية ليتعلم، فكانت حملة عظيمة وكبيرة فرح بها الشعب وانخرط بها جميع من لا يقرأ ويكتب، شيباً وشباباً نساء ورجالاً ومن كل الفئات العمرية وحتى الاطفال الذين تجاوزت اعمارهم العمر الذي يقبل فيه في المدارس الابتدائية فمنحوا فرصة التعلم للحاق بركب اقرانهم التلاميذ الاخرين وكان كل هذا مجانا مع منح الجوائز للمتفوقين ، لهذا نرى نجاح هذه الحملة ليس بالقضاء على الأمية فقط بل القضاء على الجهل وقد اجتهد الكثير منهم وتخرج من مدارس محو الأمية وواصلوا دراستهم حتى أنهوا الدراسة الجامعية وقد اهتمت منظمة اليونسكو بهذه الحملة وأعلنت انتهاء الأمية في العراق .
الرعاية الصحية
حينما نتحدث عن الصحة وحالتها ما قبل الثورة وما بعدها فإن من عاش تلك الفترة يرثي لحال العراقيين قبل ثورة 17 تموز ثم نفخر بما تحقق من انجازات عظيمة في هذا المجال بعدها. ونحن نكتب مما عاناه جيلنا وجيل اباءنا وعشناه واقعا ملموسا نشرحه كما لمسناه وليس كما سمعنا به ونعطي امثلة عن العاصمة الحبيبة بغداد مثلا وما كانت تعانيه من واقع مرير في الجانب الصحي فما بالك بالمحافظات والقرى والارياف. كانت مستشفيات بغداد قبل الثورة هي المستشفى الجمهوري وهو مستشفى قديم ومتهالك بحيث تحتوي الردهة الواحدة فيه على أكثر من 30 سرير وكان عدد الردهات ثلاث فقط. اضافة إلى مستشفى الكرخ وهو ايضا قديم وهناك مراكز صحية يطلق عليها مستشفى لكنها لا ترقى أن تكون مستشفى بالمعنى الحقيقي وعدد من المراكز الطبية المحدودة. وكان المواطن يعاني من مراجعة هذه المستشفيات التي تفتقر إلى ابسط امور الصحة واهمها النظافة والعناية وتوفير العلاج ولو قارنا واقعها فلن تجدها في الدول الفقيرة فما بالك والعراق بلد غني.
ولكن ثورة تموز العظيمة فقد باشرت ببناء المراكز الصحية في المناطق الشعبية بطريقة العمل الشعبي الذي تبنته منظمات حزب البعث العربي الاشتراكي وتطوع للعمل بها الاطباء والممرضين البعثيين دون مقابل مادي ليقدموا الخدمة الصحية للمواطن وقد استخدم هذا الاسلوب من اجل أن يشعر المواطن بأن الثورة تهتم بالرعاية الصحية له ولأسرته. ولحقت هذه المرحلة عملية بناء المستشفيات الكبرى فقد تم تشييد مدينة الطب والتي تعتبر صرح صحي متقدم بني على أنقاض المستشفى الجمهوري ثم بناء مستشفيات اخرى متعددة الطوابق ومجهزة بأجهزة طبية حديثة وحرصت على مواكبة كل جديد فيها خدمة للمواطن العراقي واصبح استيراد الادوية من مناشئ عالمية وتنظيم توزيع ادوية الامراض المزمنة بشكل دوري على محتاجيها مجانا ودون تأخير وتم بناء المستشفيات التخصصية بحيث اصبحت لا توجد محافظة او قضاء في العراق لم يتم بناء مستشفيات حديثة فيها اضافة إلى المستشفيات التعليمية الملحقة بكليات الطب في المحافظات، والمراكز الطبية في كل حي من احياء المدن والقرى والارياف وتزامن ذلك مع بناء مصنع ادوية سامراء الذي اصبحت ادويته تضاهي ادوية كبريات الشركات العالمية وكل هذه الخدمات تقدم مجانا للمواطن العراقي.
ولا بد أن نشير إلى انشاء وتطوير المستشفيات العسكرية لتقدم خدماتها إلى منتسبي القوات المسلحة وعوائلهم وأصبح يشار إليها بالبنان. وقد أقرت الأمم المتحدة بأن النظام الصحي في العراق قد تجاوز دول العالم الثالث.
الاسكـــــان والطرق والجسور
أولت الثورة اهتماماً بالغاً لموضوع السكن، فقد كانت المحافظات تعاني من البيوت الطينية والخشبية بحيث شملت مناطق واسعة في بغداد والمحافظات مع عدم توفر البنية التحتية والخدمات ولهذا سعت الثورة إلى تنفيذ مشاريع عملاقة لبناء احياء ومناطق كبيرة وتخطيط وتوزيع الاراضي وإعادة اعمار مدن كاملة مع توفير الخدمات وتم فتح القرض العقاري لعموم المواطنين لبناء البيوت دون ارباح وبأقساط لمدة 20 سنة مع التامين على الحياة بحيث أنه إذا توفى صاحب القرض فإن القرض يسقط عنه ولا يتحمل ورثته تبعات القرض وشملت الخطة التعاقد مع شركات عالمية لتنفيذ مشاريع الماء الصافي لإيصاله إلى دور المواطنين ومد شبكات الكهرباء الحديثة وخطوط الاتصالات ومد شبكات المجاري وبناء الدور لبعض فئات المجتمع كمدينة الذرى والتي وزعت الدور فيها إلى ذوي الاحتياجات الخاصة وكذلك مدينة للأرامل وأصبحت المحافظات تزهو بالبناء الحديث والطرق والمواصلات وكل متطلبات العيش الكريم وبناء العمارات ذات المواصفات العالمية واصبحت هذه المشاريع محط اهتمام الآخرين وأصبحوا يتمنون أن تكون مدنهم كبغداد على سبيل المثال، وإذا ما تطرقنا إلى البناء فلا بد أن نشير إلى الفنادق والمدن السياحية، وهنا لابد من الإشارة إلى المقارنة فقد ورثت الثورة من المباني فقط القصر الجمهوري.
إن الحديث عن مشاريع الاسكان وبناء المدن والتطوير لا بد من الإشارة إلى انجازات بناء الجسور حيث أن بغداد كان فيها ستة جسور حتى أصبحت بعد الثورة عشرة جسور والتي بعضها تعتبر تحفة معمارية ومنها جسر ذو الطابقين إضافة إلى ما تم إنجازه في المحافظات وفتح الطرق السريعة التي صار يضرب بها المثل في دقة التنفيذ وسرعته وفقا لأعلى المقاييس الهندسية وكذلك بناء المطارات التي لازال الكثير منها يفتخر بها بروعة تصميمها وهندستها ومتانة بنائها وجماليته. وما تم انشاؤه من موانئ التي هي رديف للمطارات فكانت مشاريع ميناء خور الزبير والارصفة العشرة في ام قصر وموانئ النفط وسايلوات خزن الحبوب وتحديث السكك الحديدية والقطارات ومد شبكات سكك حديثة في عموم العراق.
الزراعة والري والصناعة
لا نريد أن نخوض أكثر مما خاض به المختصون في جانب الزراعة والري والمشاريع التي تم تنفيذها والتي لا تعد ولا تحصى ابتداء من مشاريع استصلاح الاراضي إلى شق الأنهر والمبازل وبناء السدود (سد صدام وسد الموصل وسد بدوش وسد مخمور وسد العظيم والثرثار وغيرها) وكذلك بناء القرى الفلاحية العصرية وتنفيذ نهر القائد خلال اقل من سنة والذي عجزت عنه كبريات الشركات الاوربية في السبعينات والذي كان يطلق عليه مشروع المصب العام وفتح الأنهر والطرق الزراعية في عموم العراق ودعم الزراعة وما يلحق بها من الثروة الحيوانية.
ولو عددنا عدد المشاريع والمزارع وانتاجها فإنها لا تحصى ولا تعد مما جعل العراق يعيش حالة الاكتفاء الذاتي من كل المنتجات الزراعية من خلال دعم هذه المشاريع والدعم اللامحدود للفلاحين بحيث اصبحت هناك هجرة عكسية فبدلا من الهجرة من الريف إلى المدينة كما حصل بعد عام 1958 فقد اصبحت هناك هجرة من المدينة إلى القرية بفضل اهتمام الثورة بالفلاح والزراعة.
أما في جانب الصناعة فلو عددنا عدد المصانع التي تم انشاؤها في زمن الثورة لانبهر القارئ الذي لم يعايش تلك الحقبة وتكاد لا توجد محافظة من محافظات العراق لم يبنَ فيها مصانع وكان اختيار مواقع المصانع بدقة عالية بحيث يتم تشغيل سكان تلك المحافظات والاستفادة من المصانع وتطوير الصناعة لخدمة البناء والإعمار والتطوير في العراق حيث توزعت مصانع الغزل والنسيج ومعامل السكر ومعمل البطاريات ومعمل الاطارات ومعامل الأسمدة ومصانع البتروكيمياويات وكبريت المشراق والفوسفات والحديد والصلب والطابوق الجيري والثرمستون والاسمنت والزجاج ومعامل التعليب ومصافي النفط ومعمل الأدوية ومعمل الورق ومعمل صناعة السيارات وصناعة ماكينات الحصاد والتراكتورات الزراعية ومعمل المنتجات الكهربائية ومعامل تصنيع الملابس والصناعات الالكترونية وغيرها الكثير وهذا غيض من فيض.
يتبع لطفاً..