بسم الله الرحمن الرحيم
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
يا أبناء الشعب العراقي العظيم
يا أبناء الأمة العربية المجيدة
أيها المناضلون البعثيون في كل مكان، يا من صنعتم لأمتكم مجدا مؤثلاً، بإرادتكم الصلبة، ووعيكم المتدفق عزةً وكرامةً واستعدادا جاهزا للتضحية بالدم والعرق والغالي والنفيس، فلم تهن عزيمتُكم، رغم كبر التحديات وحجم التضحيات الكبرى التي قدمتموها من أجل أمتكم العربية.
اليوم تطل علينا ذكرى عظيمة عزيزة علينا، هي ذكرى ثورتكم العظمية في السابع عشر من تموز 1968، التي أرادها البعث انطلاقة حقيقية للقطر العراقي في دروب المجد العربي الجديد، فسطر فيها رفاقكم من الرعيل الأول من فرسان البعث، أعظم سطور التضحية والاستعداد لتقديمها مهما غَلتْ التضحيات وعلا ثمنها.
لقد كانت ثورة تموز، رغم ما رافقها من ملابسات ميدانية يوم التنفيذ، أكبر امتحان ميداني لصلابة رفاقكم، الذين وضعوا أرواحهم ومصائرهم على أكفهم في مواجهة أخطار محدقة بهم وبمشروعهم الثوري، ولم تكن مصائرهم الخاصة هي التي تشغل بالهم، ولكن عيونهم كانت تخشى على الوليد الجديد الذي بدأ تتنفس نسمته الأولى فجر الأربعاء السابع عشر من تموز عام1968، فكانوا مشاريع استشهاد جاهزة لمواجهة كل المخاطر المحدقة بهم، من جهات كانت تسعى لربط العراق إلى الأبد بتحالف القوى المعادية لنهوض الأمة من كبوتها الطويلة، وسباتها الذي امتد لعدة عقود.
يا جماهير وطننا وأمتنا العربية المجيدة
لقد جاءت ثورة تموز نتيجة إحساس جارف توصلت إليه قيادة حزبكم حزب البعث العربي الاشتراكي، بأن العراق هو الطليعة التي يجب أن تتصدى لمسؤولياتها التاريخية في إحياء مجد الأمة الغابر، وأن يقود الجماهير لصياغة تجربة جديدة بمواصفاتها وأساليبها وأهدافها، والتخلي عن الأنماط التجريبية التي تأكد فشلها منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم الذي قامت به الثورة.
أيها المناضلون
عانى العرب منذ مطلع القرن العشرين، من تأثير مخططات خارجية كانت تهدف إلى ابقائهم تحت خيمة التخلف السياسي والاقتصادي، إما نتيجة الارتباط بالدول الاستعمارية الغربية، وتحت لافتة سعيها أن تنقل إليهم ما وصلت إليه من أسباب التطور والتقدم، وهناك قوى تشد إلى الوراء تحاول شدهم إلى زمن ضياع إرادتهم ودورهم التاريخي في بناء الحضارة الإنسانية، وتبعا لذلك حصل انشطار عمودي على مستوى المجتمع العربي، وكل طرف مضى في ما ذهب إليه غير عابئ بدعوات التحديث، تحت لافتة أنها تضيّع الهوية والخصوصية، وتذيبها في ثقافات خارجية لا تريد الخير للعرب.
طرف يسعى لما كان يسميه بالتحديث والعصرنة، ويعتبر أن كل ما ورثناه من تاريخ الأجداد، أصبح بالياً وعبئاً على المجتمع ومحاولة شده إلى الماضي، الذي لم تتطور الأمم والدول والمجتمعات إلا بعد أن نزعته عن نفسها ولفظته كما تلفظ النواة.
ولكن أية محاولة جادة للربط بين التيارين، والخروج بفكرة جديدة تصلح لإحداث ثورة حقيقية، تنتشل المجتمع العربي من الحفرة العميقة التي استقر فيها لعدة قرون، لم تبذل من جانب القوى المتنورة سياسيا وفكريا، وإن بُذلت فإنها كانت على استحياء وكانت تُواجه بضراوة حتى أكبر من ضراوة مواجهة المحتلين الأجانب، فقد انشغل العرب بإثارة تساؤلات لا طائل تحتها ولا نفع منها من قبيل أي الطرق أولى بالاتباع وصولا للهدف، من دون الاكتراث لسماع أي جواب علمي وعملي عنها، لتوظيفه التوظيف المحلي المعبر عن مصالح المجتمع العربي، والركوب فوقه في محاولة التحديث والتجديد، أو من دون إجهاد النفس في البحث عن الأجوبة الذاتية.
ثم علينا ألا ننسى أن تعدد الحضارات في بلاد ما بين النهرين ، كانت سببا في صراعات فيما بينها، ولكون العراق هو آخر التخوم العربية مع الأعاجم، فقد تناوبت وتعاقبت قوى مختلفة وطامعة فيه وفي ثرواته، على احكام السيطرة عليه، كل ذلك صاغ طبيعة الشخصية العراقية المجبولة على سرعة الغضب والثورة.
ظروف العراق وتقلبات أوضاعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ونشوء حالة من التململ وعدم الرضا بل والسخط على القوى الدولية التي تحتله، والتي تركت العراق فريسة للتقلبات وعدم الاستقرار والسيطرة على البلاد منذ انسلاخه عن الدولة العثمانية واحتلاله من قبل بريطانيا في بدايات القرن العشرين.
ومما فاقم من أزمات العراق السياسية، ما عاشه بعد ثورة 14 تموز عام 1958، من صراع بين قوى كانت إلى الأمس القريب قوى مؤتلفة في جبهة الاتحاد الوطني التي تأسست عام 1957، مما أدى إلى ضياع فرص تاريخية من العراق للنهوض من كبوة طويلة عانى منها، فشهد صراعات دموية بين مختلف التيارات والأحزاب التي كانت تعمل في الساحة العراقية.
لقد عاش العراق بعد عقد من الزمان صراعا دمويا، حيث عاش مرحلة انعدام توازن سياسي عارمة، بدأت في الثامن عشر من تشرين الثاني عام 1963، عكس حقيقة حجم القوى الفاعلة في المجتمع العراقي بلا ادعاءات، ومحاولات بعض القوى الطارئة على التاريخ، لتسطو على تاريخ العراق، وتسلب أبناءه حق بناء وطنهم على أسس راسخة ومن منظور حضاري وحداثي، ولأن نظام الحكم الذي كان سائدا في ذلك الوقت، كان من الضعف، حتى بدا وكأنه سفينة بلا ربان، تتقاذفها الريح ولا يدري أحد على أي شاطئ سترسو، فقد عقد رفاقكم في حزب البعث العربي الاشتراكي العزم على الاضطلاع بمسؤولياتهم التاريخية التي نذروا أنفسهم من أجل تحقيقها على أرض الواقع، فكان فجر السابع عشر من تموز عام 1968 يوما مختلفا بتفاصيله وأحداثه عما سبقه، وسيكون مختلفا عن كل ما مر بالعراق من أحداث وتغييرات سياسية، لأن البعث، برنامج سياسي واضح المعالم، وبرنامجه السياسي والفكري يستند على تاريخ طويل من النضال، ويستمد منهاجه العقائدي من تاريخ الأجداد العظام الزاخر بالثراء الفكري والمعرفي، ونجحت الثورة وباشرت فور تنقيتها في الثلاثين من تموز، بعد أطول ثلاثة عشر يوما في تاريخ العراق، من الجيب المشبوه الذي التصق بها واستمات للالتفاف عليها، باشرت مهمات البناء الجديد، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، حيث ركزت قيادة الحزب لوضع الحلول الناجحة للمتراكم من المشاكل الموروثة من النظم السابقة، فأصدرت الكثير من التشريعات التقدمية على مختلف الصعد، كما حظيت القضية الكردية بأولوية في برنامجها، وكونها قضية تراكمت عليها ملفات كثيرة، فقد عملت القيادة على تفكيك تلك الملفات الواحد تلو الآخر، كي يأتي حلها حلا راسخا لن تؤثر عليه المتغيرات السياسية وهذا ما حصل بالضبط في بيان الحادي عشر من آذار عام 1970.
ثم إن القضية المركزية الكبرى كان ملف النفط العراقي المنهوب، والذي مُنح بامتيازات جائرة لشركات دولية، لأن الدولة العراقية لم تستوفِ في ذلك الوقت شروط اكتمالها على أسس حديثة معاصرة، وكان النفط هو الشغل الشاغل لكل القوى السياسية الوطنية الفاعلة في الساحة العراقية، ولكن أياً منها لم تجرؤ على التقرب من الأسوار الخارجية للكارتل النفطي الدولي، وعلى هذا الأساس وعلى طريق تحرير الثروة النفطية من هيمنة الاحتكارات النفطية الدولية، فقد وضعت قيادة البعث برنامجا تصاعديا لتجريد الشركات العاملة في العراق من عناصر قوتها، فبدأت ببعث الروح في قانون شركة النفط الوطنية العراقية، ثم باشر بوضع اللمسات الأولى لاستثمار النفط وطنيا في حقل الرميلة الشمالي في 7 نيسان عام 1972، والذي كان بمثابة الخطوة الأولى للتقرب من أسوار شركات النفط، تمهيدا للخطوة الثانية، وهي قرار الأول من حزيران عام 1972، قرار التأميم الخالد، الذي أعاد للعراقيين ثروتهم الوطنية بعد ضياع منذ عام 1927، وهكذا تم تخصيص هذه الثروة العائدة إلى خزينة الوطن، لخطط التنمية الكبرى التي سرعان ما انطلقت بكل قوة وجبروت، لتبني تجربة متكاملة الأبعاد في مجالات التعليم والعلوم والخدمات الصحية، والبنى التحتية وبناء عراق جديد بكل أبعاده على أنقاض عراق تعرض لإهمال طويل ومتعمد.
ولأن العراق أضاع في العهود السابقة بوصلة الاهتمامات الوطنية والأمن القومي، فكان قد أصبح مرتعا خصبا لشبكات التجسس، التي تعمل لصالح أعدائه من القوى الدولية والإقليمية، ولهذا فقد أعد مناضلو الحزب ملفا كاملا بنشاطات شبكات التجسس، والتي أحيل أعضاؤها إلى القضاء الثوري فنالوا جزاءهم العادل.
وعلى مستوى العلاقات الخارجية فقد استرد العراق دوره القومي كقوة فاعلة في الساحة العربية وخاصة القضية الفلسطينية، التي لم تغادر مكانها كقضية مركزية للحزب والشعب العراقي، فكان دور العراق الفاعل في المؤتمرات العربية متناسبا مع دور قواته المسلحة على طول خطوط المواجهة مع العدو الصهيوني، وبقدر ما كانت قدم الجيش العراقي تتحرك على خط المواجهة مع العدو على حدود الخامس من حزيران في سوريا والأردن، فإن القدم الأخرى كانت ثابتة على طول خط النار كحارس للبوابة الشرقية للوطن العربي، فأدى أبطال الجيش العراقي دورهم المجيد بكل جدية وأمانة وإخلاص.
يا أحرار العراق والأمة العربية والعالم
لقد شخصت قيادة الحزب منذ الأيام الأولى للثورة، بأنها الثورة غير المسموح لها أن تنجز كل مهامها على المستويين القطري والقومي، فمن غير المسموح لأي قطر عربي أن يخرج من دائرة التبعية الاقتصادية للغرب، وغير مسموح له بأن ينتقل إلى مصاف الدول الصناعية، ولكن لما امتلك العراق ثروته الوطنية، بدأ برنامجا واسع النطاق لبناء صرح الصناعة الوطنية الثقيلة والخفيفة، وتوطين التكنولوجيا بدلا من الاكتفاء باستيرادها جاهزة من الخارج، لهذا باشر بإقامة مراكز البحث العلمي ومعاهد التأهيل المهني الملحقة بالمراكز الإنتاجية، فلم تَرُقْ الثورة في العراق للقوى الدولية الكبرى لأنها رأت فيها تهديدا جديا لمصالحها لن يتوقف عند حدود العراق فقط، بل ستنتشر اشعاعاته على كثير من الدول التي تشابه أوضاعُها أوضاعَ العراق، فبدأت مخططات الانقضاض عليها بشتى الوسائل، فمن إثارة الأزمات الداخلية المتناسلة، إلى محاولات استدراج العراق إلى مواجهات غير مدروسة، وأخيرا جاء غزو عام 2003، والذي استكمل حلقاته باحتلال العراق وتدمير بناه التحتية، من قبل تحالف غربي أطلسي شرير خارج اطار الشرعية الدولية جمعت فيه القوى العدوانية كل ما كان في متناولها من إمكانات فحشدت لتدمير العراق بعد حصار ظالم استمر لثلاثة عشر عاما، وكي تستحكم حلقات التآمر على العراق وتدمير منظومة الدولة فيه، فقد تم تسليم الحكم لتحالف قوى ظلامية في غاية التخلف والجهل، ومن عناصر ساقطة جلبتهم المخابرات المركزية من الأزقة المظلمة في طهران ودمشق، وسلطتهم على مقادير العراق الحضاري، ولأنهم عملاء مأجورون لإيران، فقد تركز كل همهم على تدمير منظومة الدولة العراقية، وإزالة كل ما تم بناؤه خلال ثمانين سنة من عمر الدولة الحديثة في العراق، لا سيما منذ 17 من تموز من عام 1968.
وتحت نير الاحتلال البغيض وممارساته الحاقدة ومن خلال المخبر السري وقانون اجتثاث البعث الذي شرعه وفرضه حاكم الاحتلال بريمر وبناء على توصية ذيول المحتل فقد زج بمئات الآلاف من العراقيين ظلما وعدوانا بالمعتقلات والسجون فيما اغتيل وغيب آلاف مؤلفة من الشرفاء تحت ذات اليافطة البائسة.
ولازال ذيول المحتل وزبانيته يمارسون ذات الفعل المشين بحق الأبرياء من أبناء شعبنا المناضل وينتزعون منهم الاعترافات انتزاعا تحت أنواع التعذيب ناهيك عن المعاناة والاهانات التي يتلقاها المعتقلين وذويهم من الشرذمة الفاسدة التي سلطت على رقاب شعبنا زورا وبهتانا ونقول لهم اصبروا وصابروا فأن النصر قريب بإذن الله تعالى.
يا ابناء شعبنا العراقي العظيم
حري بنا ونحن نعيش هذه الذكرى الخالدة إن نقف إجلالا واحتراما للمقاومة الشريفة الحقة وابطالها الشجعان الميامين الذين ما ان دنس المحتل أرض الرافدين الطاهرة إلا وانطلقت حممهم كالبركان الثائر لتمطر المحتل وأعوانه بوابل من الويل والثبور حتى أجبرته على الانسحاب ذليلا خانعا تحت ضرباتهم الموجعة. وما كان لهذه المقاومة الوطنية إن تنطلق لولا تلك الثمار الوطنية التي غرستها مبادئ ثورتكم العظيمة ثورة ١٧- ٣٠ من تموز في نفوس أبناء الشعب الكريم.
لقد كان لجيشكم العظيم جيش القادسية المجيدة بكل صنوفه وقواتنا الأمنية البطلة شرف المشاركة في هذا العمل البطولي يؤازرهم ويشد على سواعدهم مناضلي حزبكم المناضل حزب البعث العربي الاشتراكي وأبناء شعبنا الغيارى فتحية لكل المقاومين النبلاء في هذا اليوم الأغر.
أيها المناضلون
إن قيادة حزبكم الذي اضطلع ببناء تلك التجربة العظمية، لن تُسَلم بما حصل، في غياب القانون الدولي والعدالة الإنسانية، ولن تركن إلى الدعة والاستسلام، بل ستعمل بكل طاقتها على حشد الجماهير في ساحات النضال والجهاد، لمقارعة المحتلين العملاء وذيولهم من الفاسدين واللصوص والمرتشين، الذين رهنوا أنفسهم رخيصة لدى أسيادهم في واشنطن وطهران، ولن نتوقف عن العمل الجاد حتى نُسلم الأمانة للشعب العراقي، بإلحاق الهزيمة بالمشروعين الأمريكي والإيراني في العراق والمنطقة بأكملها، ونطرح المشروع الوطني في حكم العراق.
وفي هذه المناسبة العزيزة على قلب كل عراقي وطني غيور لا يسعنا إلا أن نستذكر وبكل فخر واعتزاز دور القادة العظام وجميع ثوار تموز الذين خططوا ونفذوا هذا النصر العظيم والذي أعاد المجد لعراق الحضارة والتاريخ وعلى رأسهم الاب القائد المناضل أحمد حسن البكر وشهيد الحج الاكبر القائد المناضل صدام حسين والرفيق قائد الجهاد عزت ابراهيم والرفيق صالح مهدي عماش رحمهم الله واسكنهم الفردوس الأعلى وبقية الرفاق المناضلين ممن شاركوهم في رسم الثورة العظيمة المباركة وثبت على المبادئ.
تحية لكل ثوار العراق ومناضلي وجماهير شعبنا العراقي العظيم وأخص بالذكر منهم ثوار تشرين الأبطال الذين لا زالوا يقارعون الظلم والظالمين حتى يتحقق النصر ويحرر وطننا من دنس الاحتلال الصفوي الصهيوني.
عاش العراق حراً أبياً.
عاشت الأمة العربية أمة المجد والحضارة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرفيق
ابو جعفر
امين سر قيادة قطر العراق
لحزب البعث العربي الاشتراكي
16/ تموز / 2023