بيان القيادة القومية في الذكرى 55 لثورة 17-30 من تموز المجيدة  

 

بيان القيادة القومية في الذكرى 55 لثورة 17-30 من تموز المجيدة

 

القيادة القومية:

 ثورة ١٧-٣٠ تموز ستبقى علامة مضيئة في التاريخ العربي المعاصر

 

أكدت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، أن ثورة ١٧- ٣٠ ستبقى علامة مضيئة في التاريخ العربي المعاصر، وأن إنجازاتها العظيمة إنما تعرضت للانقضاض عليها كونها شكلت ركائز قوية لمشروع الاستنهاض الشامل ببعديه الوطني والقومي. 

جاء ذلك في بيان للقيادة القومية للحزب في الذكرى الخامسة والخمسين لقيام الثورة، فيما يلي نصه:

 

تحل الذكرى الخامسة والخمسون لقيام ثورة ١٧-٣٠ تموز المجيدة ، والعراق ومعه أمته العربية ما يزالان يرزحان تحت  تأثير تداعيات  الزلزال الكبير الذي ضرب البنيان القومي انطلاقاً من فالق العراق والذي لم يكن مستهدفاً لذاته وحسب من العدوان المتعدد الأطراف والجنسية الذي تعرض له وادى الى غزوه واحتلاله منذ عشرين عاماً ، وإنما الأمة أيضاً  من خلال ما يمثله العراق من ثقل استراتيجي قومي، وما استطاع تحقيقه في وقت قياسي من استنهاض شامل في بنية المجتمع العراقي والارتقاء به إلى مستوى التقدم  النوعي في كل مجالات الحياة  ،والتي بها انتقل العراق من دولة ضعيفة منهوبة الثروات والامكانات إلى دولة مهيوبة الجانب تمسك بناصية قرارها السياسي على مستوى تحديد خياراتها في عملية البناء الداخلي وتأميم ثرواته وعلى مستوى العلاقات مع الخارج. 

إن القفزة النوعية التي تحققت في العراق قبل غزوه واحتلاله وتدميره، ما كانت لتحصل لولا الحدث العظيم الذي خطط له ونفذه مناضلون عشية السابع عشر من تموز لخمسة وخمسين سنة خلت. فذاك الحدث شكل محطة فاصلة بين مرحلتين، مرحلة ما قبل قيام الثورة وما بعدها، ومرحلة ما بعد انطلاقة الثورة التي انطوت على انجازات عظيمة هي التي استفزت القوى المعادية للعراق والأمة ودفعها لاستنفار كل امكاناتها للنيل من هذه الثورة واسقاطها لأجل إعادة العراق إلى دائرة الاحتواء السياسي واستمرار النهب والسطو على ثرواته ومقدراته وخاصة النفطية منها وتدميره واعادته الى ما قبل المجتمع الصناعي كما صرح بذلك وزير خارجية اميركا جيمس بيكر. وان تستطيع هذه الثورة الصمود في مواجهة تحالف الاعداء المتعدد المشارب والمواقع وتخترق جدار الحصار الذي كان يطوقها من اكثر من جبهة ،  فلانه  توفرت لهذه الثورة  قيادة  مجربة في ميادين النضال ، لم تطل على الحياة السياسية من الابراج العاجية ، بل  من خلال التصاقها بقضايا الشعب  ومصداقيتها في التعبير  بأمانة عما تتوق اليه الجماهير من تغيير وتقدم ، كما  تصديها لعملية الانحراف عن الاهداف  القومية  الذي  تعرضت له ثورة ١٤ تموز /٥٨ ،ومواجهة نهج الردة الذي حال دون ثورة ١٤ رمضان ٦٣ من اكمال مسارها في البناء الثوري الداخلي وتفعيل صيغ العمل الوحدوي على المستوى القومي.

ان ثورة ١٧-٣٠ تموز ، التي لم تتأخر كثيراً في ترجمة استراتيجية التغيير في مفردات عملية ، واهمها اصدار بيان ١١ اذار للحكم الذاتي لشمالي العراق ، وقرار التأميم التاريخي في الاول من حزيران ١٩٧٢ ،حققت في وقت قياسي حضوراً ملفتاً للنظر في مشروع النهوض الوطني الشامل ، من خلال النهضة العمرانية وشبكة البنى التحتية التي غطت مساحة القطر من جنوبه الى شماله ومن شرقه الى غربه ،  وتطوير التربية والتعليم والتشديد على حماية المستوى الاكاديمي ، واصدار قانون استيعاب الكفاءات العلمية العربية ، وإيلاء اهمية لبناء الجيش الوطني الذي تحول الى مؤسسة مهيوبة الجانب في حماية الامن الوطني العراقي كما في حماية الامن القومي العربي ، ويكفي الدور الذي اضطلع به في حرب تشرين والقادسية الثانية وام المعارك والحواسم ، ليبين ان هذا الجيش الذي يرتبط تاريخ تأسيسه بتأسيس الدولة العراقية هو الركيزة الاهم في بنية الدولة ، ولهذا كان اول قرار اتخذه المحتل الاميركي  هو حل هذا  الجيش  واعقبه بقرار اجتثاث حزب البعث ، وذلك لتقويض ركائز الدولة الوطنية من ناحية ودفع المجتمع العراقي  نحو التفلت  والتفكك الاجتماعيين تمهيداً  لبروز الفطريات الطائفية والمذهبية التي تتغذى من مرضعها الايراني وحتى  يتحول العراق الى ساحة مستباحة لكل العابثين بالأمن الوطني والمجتمعي بعدما تعميم  ثقافة الفساد السياسي والاقتصادي والذي اصبح  نهجاً ثابتاً لأطراف ما يسمى العملية السياسية التي افرزها الاحتلال .

في الذكرى الخامسة والخمسين لثورة ١٧ – ٣٠ تموز  ، وفي مجال استحضار مشهدية المقاربة لحال العراق والامة قبل الاحتلال وبعده ، يتبين الفارق النوعي بين ما كان عليه العراق في ظل حكمه الوطني ، حكم حزب البعث العربي الاشتراكي من خلال ما كان يوفره من  شبكة امان وطني واجتماعي  كانت تظلل حياة العراقيين على مختلف طيفهم الاجتماعي والقومي  ،  وبين ما هو عليه الحال الان ، من تردٍ في اوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وتهديدٍ متمادٍ  للأمن الوطني بفعل التغول الايراني في كل مفاصل الادارة والحياة والعامة ومن خلال شبكة العلاقات التي نسجها المحتل الاميركي مع عملائه الظاهرين والمخفيين  لحماية مصالحه بالتماهي مع الدور الايراني .

لقد ادى الاحتلال الاميركي للعراق وما ترتب على ذلك من اسقاط لدولته ونظامه الوطني الى جعله في حال انكشاف تام، تعبث به كل القوى التي تمعن تخريباً في بنيته المجتمعية وتحدث تغييراً في تركيبه الديموغرافي بهدف اضعاف عناصر مناعته الوطنية وهي التي كانت تشكل ارضية صلبة اتكأ   عليها العراق يوم كان يخوض معارك المواجهة مع الكارتيلات النفطية ومع قوى الشعوبية الجديدة التي تضمر عداء للعروبة استناداً الى حقد تاريخي دفين تفجر مع وصول الملالي الى سدة الحكم في إيران بعد حصول التغيير فيها نهاية السبعينيات.

وكما ادى احتلال العراق بعد الغزو الى انكشاف وطني ومجتمعي، فإن هذا الانكشاف طال بمفاعيله المدى القومي برمته، وهو ما ادى الى اضعاف عوامل المناعة القومية في مواجهة القوى التي تناصب الامة العداء. حيث الهزات الارتدادية للزلزال الذي ضرب العراق، لم تكن تأثيراتها السلبية على الامة من محيطها الى خليجها، اقل من تلك التي اصابت العراق. وهذا الذي تعرضت له الامة بعد احتلال العراق وتدميره اثبت ان العراق لم يكن مستهدفاً لذاته وحسب، وانما من خلاله الامة لضرب مراكز القوة فيها، وخلق الوقائع التي تمكن من اعادة انتاج نظم سياسية ترتبط بمركز التحكم الدولي والاقليمي واستطراداً تمهيد الارضية لانبثاق نظام اقليمي تتشارك فيه “اسرائيل” وإيران وتركيا وعلى حساب الدور والحضور العربيين. وان ما شهدته ساحات اليمن وليبيا وسوريا وما يجري في السودان حالياً لا يخرج عن سياقات اكمال ما بدأ اعداء الامة تنفيذه في العراق وقبله في فلسطين. 

من هنا، فإن العراق وقبله فلسطين وهما شكلا مركزين محوريين في بناء استراتيجية الانقضاض المعادي على الامة، كانا وسيبقيان الموقعين اللذين تنطلق منهما الخطوات العملية لإسقاط مشروع السيطرة والهيمنة على الوطن العربي.   ففلسطين ليست قطراً عربياً على خارطة الوطن الكبير وحسب بل هي قلبه، والعراق ليس قطراً على اطرافه وحسب، بل هو بوابته الشرقية، وان تكون شخصية الامة التاريخية قد تبلورت في ضوء ما تمخض من نتائج في معارك اليرموك والقادسية، فان التاريخ سيعيد انتاج نفسه طالما الجغرافيا لم تتغير. وعندما يسجل التاريخ ان العراق وفلسطين كانا دائماً على تلازم مصيري من خلال المحطات التي عبرها مسار المواجهة العربية مع اعداء الامة، من الفتح العربي الى حطين وبعدها جنين وكل فلسطين، فان الحاضر بكل معطياته يعيد تأكيد هذه الحقيقة، حيث ان العداء ما اشتد ضد العراق إلا بسبب موقفه من قضية فلسطين ورفضه المساومة عليها وهو الذي أدخل جماهير فلسطين في سلة الغذاء العراقية رغم الحصار المفروض عليه ودعوته الدائمة إلى توفير الحضن القومي الدافئ لفلسطين وثورتها.

إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي ، وفي مناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لثورة ١٧-٣٠ تموز وهي توجه التحية الى كوكبة المناضلين الذي فجروا هذه الثورة التي تعملقت من خلال انجازاتها وما احدثته من تحولات نوعية في حياة شعب العراق والدور الذي اضطلعت به على المستوى القومي ، هي شديدة الثقة بان العراق وفلسطين اللذين كانتا ساحتيهما ميداناً  لإنجازات عظيمة عبر المراحل التاريخية التي عبرتها الامة العربية ، ستنطلق منهما مسيرة نهوض عربية جديدة بالاستناد الى المخزون النضالي المختزن في هاتين الساحتين واللتين كما اطلا على الامة من خلال العلامات المضيئة في تاريخهما ، هما اليوم في قلب الحدث وهما يواجهان الاحتلال الصهيوني على ارض فلسطين والاحتلال الاميركي – الايراني على ارض العراق. وما الانتفاضة الشعبية المتواصلة فصولاً واخرها ما سطره المقاومون في جنين من ملاحم بطولية والمواجهة مع قوات الاحتلال بكل تشكيلاتها والمستوطنين  الا امثلة حسية مُعاشة عن تصاعد الانتفاضة الشعبية  رغم الظروف الصعبة التي تحيط بواقع المقاومة الفلسطينية  وهي التي باتت تشكل عامل  استعصاء على تمرير مشاريع الاستسلام والتطبيع مع محاكاتها للانتفاضة  الشعبية التي يختلج بها العراق اليوم وهي تستحضر  كل ما يختزنه شعب العراق من ارث وطني ،وما راكمته ثورة تموز لدى جماهير العراق من خبرة نضالية مكنها من الامساك  بناصية قرار ثورة الشباب  الذين  بحراكهم جعلوا  الارض تميد تحت اقدام العملاء من اطراف ما يسمى  العملية السياسية  كما مادت تحت اقدام المحتل الاميركي بفعل المقاومة الوطنية العراقية التي أطلقها شهيد الأكبر الأمين العام للحزب القائد صدام حسين. وهذا ما يقدم ادلة حسية عن أن عمق الهوية الوطنية لجماهير العراق وتجذر انتمائها الى عروبتها في مواجهة مشاريع التفريس والامركة وتطييف الحياة السياسية والمجتمعية   هو الذي يدفع باتجاه تضييق الخناق على التغول الايراني وكل العملاء المرتبطين به. وعندما تهتف جماهير العراق، “إيران برا برا وبغداد تبقى حرة “، فهذا هو الاستفتاء الحقيقي الذي تعبر من خلاله الجماهير عن ارادتها، وحيث لا تتوفر مناسبة الا ويعود هذا الشعار ليصبح لازمة يومية يعبر من خلاله شعب العراق عن مكنوناته ضد إيران وكل من يرتبط بها وينفذ املاءاتها. 

فتحية لثورة ١٧- ٣٠ تموز في الذكرى الخامسة والخمسين لانطلاقتها وهي التي شكلت علامة مضيئة في التاريخ العربي المعاصر، وتحية لكل رموزها الابطال الذين فجروها ومعها ساروا درب النضال حتى الاستشهاد وما بدلوا تبديلاً. وتحية لشهدائها الذين سقطوا في التصدي لمطامع التوسع الايراني وللعدوان المتعدد الجنسية الذي قادته اميركا، وتحية الى شهداء انتفاضة تشرين، والحرية للأسرى والمعتقلين والمختفين قسراً.

تحية لشهداء البعث في العراق وكل ساحات الوطن العربي، وتحية لشهداء الامة العربية في فلسطين وعلى كل ارض عربية سقطوا فيها وهم يتصدون للاحتلال وانظمة القمع والاستبداد والردة.

عاش العراق، عاشت فلسطين، عاشت ثورة الأحواز العربية ضد الاحتلال الفارسي، عاشت الأمة العربية.

 

القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي

في ٢٠٢٣/٧/١٥

         

 

 

 

 

 

Author: nasser