بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي
في الذكرى السادسة والسبعين لتأسيس الحزب.
يا جماهير أمتنا العربية
أيها الرفاق المناضلون على امتداد الوطن العربي الكبير
في هذه الأيام الكريمة من شهر رمضان المبارك التي تتزامن مع الاحتفاء بميلاد البعث نستحضر وإياكم تلك اللحظة التي أفصحت فيها الأمة عن نفسها ، بإطلالة نضالية ، لتأكيد حضورها ودورها كأمةٍ حيةٍ تحملُ في طياتها كل مقومات الانبعاث المتجدد لشخصيتها التاريخية ، وفي استشراق للمستقبل بروح الانفتاح على العصر الحديث بكل ما ينطوي عليه من تقدم في المجالات التقنية والاجتماعية والسياسية وميادين الاقتصاد والعلوم المختلفة وعبر استلهام ما تختزنه الأمة العربية من موروث حضاري وقيمي، والدور الذي لعبته في الانتقال بالمجتمع العربي من نظام القبيلة الضعيف المجزأ الى نظام الدولة المؤسساتية الواحدة القوية، فأفرزت حضارة رائعة أغنت الانسانية في كافة المجالات .
قبل ستة وسبعين سنة من هذا التاريخ، وفي السابع من نيسان/أبريل من العام ١٩٤٧، كانت الأمة العربية على موعدٍ مع الإعلان عن تأسيس حزب الوحدة والحرية والاشتراكية، حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي بشر بانبلاج فجرٍ جديد في العصر العربي الحديث، للانتقال بالأمة من حال التجزئة إلى حال الوحدة، ومن حال التخلف إلى حال التقدم، ومن واقع الاحتلال إلى واقع التحرر والاستقلال الناجز. إن الأمة التي تشكلت هويتها القومية على تعاقب المراحل التاريخية التي عَبَرَتْها وهي تخوض صراعاً متعدد الجوانب والأبعاد لاستعادة هذه الهوية ، ما كانت لتجد نفسها كأمةٍ تطل على الأمم الأخرى بشخصيتها الخاصة بها إلا في ظل دولة قومية موحدة بقواها البشرية وطاقاتها الاقتصادية وتحمل مشروعاً شاملاً رؤيوياً يتناول النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، دولة تسعى لصياغة علاقات دولية على قاعدة حق الشعوب في تقرير مصيرها وإقامة نظمها السياسية التي تلبي حاجاتها الوطنية في التنمية والتقدم الاجتماعي ، وتنتهج سياسة واضحة في مقاومة الاستعمار والهيمنة والإفقار للشعوب .
على ضوء معطيات الواقع الذي كانت تعيشه الأمة العربية عشية التأسيس، جاءت انطلاقة الحزب ليشكل استجابة لحاجة موضوعية فرضتها معطيات احتدام الصراع على الأمة العربية وفيها وهي تواجه تحديات مصيرية، بالنظر للطاقة البشرية التي تمثلها ولأهمية موقعها الجيوسياسي والثروات الطبيعية التي تختزنها في باطن ارضها، وما ينتظرها من دور فيما لو توحدت وامتلكت ناصية قرارها القومي، وتم توظيف إمكاناتها وثرواتها في مشروع استنهاضها الشامل في كل مجالات الحياة.
لقد شخص الحزب واقع الأمة تشخيصاً موضوعياً، ورأى في تجزئتها العامل الأساس في إعاقة تقدمها وتحررها، وهذا ما جعل شعار الوحدة يحتل أرجحية معنوية في ترتيب ثلاثية أهدافه التي تحولت الى أهداف للحركة العربية الثورية في نضالها التحرري ضد أعداء الأمة العربية المتعددي المشارب والمواقع من داخل الأمة وخارجها، ودون التقليل من مركزية الحرية في تفجير طاقات الجماهير والبناء الاشتراكي على صعيد التحولات الاقتصادية والاجتماعية.
إن الحزب الذي انبثق من واقع الأمة، مبشراً بأهداف الثورة العربية، انطلق الى ميادين النضال مزوداً بشحنٍ تعبوي في ضوء التحديات التي كانت تواجه الأمة آنذاك، مستنداً الى ضوابط وحدة بنيته التنظيمية بتركيبها القومي ومسترشداً بالرؤية الثاقبة لفكره القومي الذي انزل الممارسة السياسية من أبراجها النظرية إلى واقعها العملي على طريق إعادة بناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد المتحرر من كل أشكال الاستغلال والاستلاب.
يا جماهير أمتنا العربية
ايها الرفاق المناضلون
على مدى نيف وسبعة عقود ، لم يغادر حزبكم ، حزب البعث العربي الاشتراكي ساحات النضال في مواجهة أعداء الأمة ، كما في مواجهة قوى الاستبداد والفساد والتوريث والردة وقوى التكفير الديني والمجتمعي ، وقد حفلت مسيرته النضالية بإنجازات عظيمة في ميدان الصراع مع أعداء الأمة من الخارج وميدان الصراع مع قوى الإعاقة للتقدم والوحدة والديموقراطية في الداخل القومي ، وإذ تعرضت مسيرته النضالية لإخفاقات فرضتها اختلالات توازنات القوى في الصراع المحتدم بين المشروع القومي الذي كان الحزب أبرز حاملي لواءه بكل أبعاده ومضامينه ، وبين المشروع المعادي المحمول على رافعة قوى المشروع الصهيو – امبريالي المتحالف مع الشعوبية الجديدة التي تستبطن عداءً تاريخياً ضد العروبة وقوى الرجعية ، فإن هذه الإخفاقات ما كان لها أن تطمس وتسقط مفاعيل الإنجازات التي تحققت على مدى العقود التي سبقت ، بدءاً بتثوير الجماهير من موقع دور الحزب في النضال السلبي ضد المنظومات الحاكمة ، وفي النضال الإيجابي من خلال موقعه في الحكم الذي أدارته سلطة الحزب في العراق بعد ثورة ١٧- ٣٠ تموز المجيدة ، والتي استطاع من خلالها ان يقيم تجربة متميزة في البناء الوطني بكل عناوينها الاقتصادية والاجتماعية ،ومعها انتقل العراق الى مصاف الدول التي كانت تسير بخطى متسارعة و التي استطاعت تحقيق تحولات جذرية في حياة شعوبها وبإرادة وطنية خالصة.
إن هذه التحولات على مستوى البناء الداخلي والدور السياسي على مستوى العلاقات من الخارج هي التي جعلت العراق دولة مهيوبة الجانب، وذات دور فاعل ومؤثر على المستويات القومية والإقليمية والدولية، وهذا ما جعلها عرضةً للاستهداف المعادي من التحالف الصهيو – أميركي ونظام الملالي في إيران وقوى التجزئة والتبعية والتخلف.
ان الحزب الذي انخرط في صراع شمولي ضد اعداء الأمة من داخل الوطن العربي وخارجه ومن موقعيه في السلطة وخارجها، وُضِعَ دائماً في دائرة الاستهداف المعادي فكراً وتنظيماً وذلك لكونه صاحب مشروع سياسي قومي بأبعاده، تقدمي بمضمونه. ولهذا كانت الهجمة تشتد عليه بنفس الحدة التي تستهدف فيها الأمة بهويتها ودورها ورسالتها الانسانية.
واذ تصادف الذكرى السادسة والسبعين لتأسيس الحزب لهذا العام ، مع الذكرى العشرين للعدوان المتعدد الجنسيات على العراق الذي أدى الى احتلاله واسقاط حكمه الوطني ، فإن المقدمات التي سبقت الغزو وسياقاته وما أسفر عنه من نتائج ، بيّن بشكل قاطع ، أن التبريرات التي أطلقتها اميركا وبريطانيا لشن الحرب ، أسقطتها الوقائع والاعترافات المتأخرة لقوى العدوان حيث التبريرات بنيت على تقارير كاذبة لفقتها الغرف السوداء في واشنطن ولندن للوصول الى مآربهما في إسقاط العراق كدولة محورية في البنيان القومي ، وإسقاط نظامه السياسي الذي استفزت تجربته في البناء الوطني والدور القومي كل أعداء الأمة الذين ائتلفوا في حلف غير مقدس لضرب التجربة النهضوية التي حمل لواءها البعث منذ آلت اليه مقاليد الامور بعد ثورة تموز العام ١٩٦٨.
إن غزو العراق واحتلاله لم يؤدِ إلى تدمير بنية الدولة العراقية وحسب، بل أدى إلى تفكيك بناه المجتمعية لخلق مناخات ملائمة لإطلاق الغرائز الطائفية والمذهبية والاثنية على حساب وحدة الدولة والمجتمع.
كما أن احتلال العراق وما تولد عنه من نتائج كان بمثابة الزلزال السياسي والأمني والاجتماعي الذي ضرب ركائز البنيان القومي من مشرق الوطن العربي إلى مغربه ، وبما مكن القوى الإقليمية التي تجد في الفضاء القومي العربي مدى حيوياً لمشاريعها التوسعية فرصةً استغلتها بتسهيل اميركي ، للتغول في العمق العربي وإعْمَال معاولها في تدمير البنى المجتمعية العربية ، بدءاً من العدو الصهيوني الذي يمعن تدميراً وقتلاً وتهجيراً بجماهير شعبنا في فلسطين المحتلة وتمكينه من اختراق العمق القومي عبر توسيع مروحة علاقات التطبيع معه ، إلى نظام الملالي ، الذي أعاد استحضار ما سماه تصدير الثورة ، فإذ به يمارس كل أشكال التدمير والتهجير والدفع باتجاه التغيير في التركيب الديموغرافي خاصة في أقطار المشرق العربي أن خطورة التغيير الديموغرافي الذي تقوم به ايران وخاصة في العراق ينطوي على اثار سياسية وامنية ومجتمعية بعيدة المدى وذات طبيعة مركبة في انعكاساتها المأساوية على الامة العربية . فالتهجير القسري وتوطين الاجانب محل السكان الأصليين لا يعد خرقا فاضحا لأبسط حقوق الانسان وحسب، وانما هو إضافة إلى ذلك تنفيذاً عمليا لما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يعد التغيير الديموغرافي أحد أهم دعائمه الأساسية، والذي يصب بمجمله في الهدف الاستراتيجي الأساسي وهو حماية أمن دولة الكيان الصهيوني، وكل ذلك يضطلع به النظام الايراني مدفوعاً بحقد شعوبي دفين على العروبة وثأراً من هزيمته المدوية في القادسية الثانية. وإذ حل التدمير البنيوي في البنى العربية حيث وصلت امتدادات التغول الايراني، فإن النظام التركي لم يكن أقل شهية من نظام طهران في احتلاله لأراضٍ عربيه وتدخله المباشر في تأجيج حدة الصراع في العديد من الساحات العربية.
من هنا، وعلى ضوء الواقع السائد على مستوى الكل القومي والجزء الوطني، فإن الأمة العربية مازالت في قلب العاصفة، حيث المواجهة القائمة بين الأمة وقواها الجماهيرية الحية وبين الإمبريالية العالمية والصهيونية والفرسنة والتتريك والشعوبية بكل مُضْمَرِها المعادي للعروبة والطائفية والمذهبية والاثنية بكل مسمياتها، تستمر مستعرةً رغم المبادرات التي تطرح حلولاً للازمات البنيوية. ان هذه المبادرات لا تقارب مصالح الأمة وجماهيرها التواقة للتحرر والتقدم، وإنما تقارب مصالح القوى الطامعة بثروات الأمة والتي باتت أدوارها مكشوفة في إطار السعي لتشكيل نظام اقليمي تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد. والحزب إذ ينبه ويحذر من مخاطر هذا المشروع الذي تلعب أميركا دور القيادة الاستراتيجية له وبالاتكاء على مرتكزاته الإقليمية غير العربية، فلأن هذا المشروع سيتشكل على حساب الأمة العربية بتكوينها القومي وهويتها ورسالتها الحضارية. ولهذا فإن الحزب يعيد التأكيد بأن الهجوم المعادي الشامل الذي تتعرض له الأمة لا يمكن صده إلا بمواجهة شاملة على مستوى الموقف والميدان، وإن تعديل موازين القوى لمصلحة الأمة لا يتم إلا عبر ما تفرزه ساحات النضال العربي على مسارات التحرير والتغيير انطلاقا من فهم عميق لطبيعة الصراع الذي تخوضه الأمة مع أعدائها، وهو صراع سيبقى مفتوحاً طالما بقي الاحتلال للأرض العربية والعدوان عليها قائمين وطالما بقي الاستبداد والقمع السياسي الذي تمارسه الدولة الأمنية قائماً.
ويحتل ذلك أهمية مضاعفة في ظل التغيرات الكبيرة والجذرية التي نعيشها في عالم اليوم وطبيعتها المتعددة الجوانب، أمنياً واقتصاديا وتقنياً، والاخذة في التغير بوتائر متسارعة غير مسبوقة وانعكاس كل ذلك على الدول والشعوب حيث يشهد العالم صعود قوى جديدة كالبرازيل والهند وغيرها، وتغير في موازين القوى الدولية العظمى، واحتمالات بلورة نظام متعدد الاقطاب. ولعل من أبرز مظاهره الحضور الروسي، وازدياد وتوسع النفوذ الصيني في مناطق العالم والتنافس الاقتصادي الشديد بينها وبين الولايات المتحدة الامريكية وغير ذلك، والانعكاسات الشديدة لكل ذلك على واقعنا العربي. ان كل هذه المتغيرات المتسارعة تحتم علينا كأمة حية، التهيؤ لهذه المتغيرات وان تأخذ قوى التحرر العربية دور المبادرة للتفاعل مع كل ذلك، وعدم الابقاء على دور الانتظار، او الاكتفاء بردود الافعال المؤقتة ازاء الاحداث والتحولات الكبرى الجارية.
يا أبناء أمتنا العربية من المحيط إلى الخليج
في الوقت الذي ينشغل العالم بالتحديات الأمنية والاقتصادية، علينا ألا نغفل حقيقة أن من أهم التحديات الكبرى التي تواجهها أمتنا العربية هي التهديد الذي تتعرض له الهوية القومية بفعل الانعكاسات السلبية للعولمة الثقافية. فبالرغم من أننا لا ننكر بعض جوانبها الايجابية، إلا أنها في الوقت نفسه تفرز تحدٍ جوهري كبير، فهي تزعزع الهوية القومية وتهزّ المرجعيات المعهودة في التربية المجتمعية، وبالتالي فهي آخذة في تهديد الهوية والانتماء القومي للأجيال الصاعدة بشكل متزايد مما يتطلب التبني الواعي لتطبيقاتها الإيجابية من جهة، والمبادرة الحية لحماية الأجيال من انعكاساتها السلبية.
ويندرج مع العولمة الثقافية وأحداً من أخطر التحديات التي يتعرض لها أبناء الأمة إلا وهي مشاريع ووسائل التغييب الممنهج للعقل العربي، ولا سيما بين شريحة الشباب والأجيال الصاعدة بين التغريب المتعمد من جهة، وبين المشروع الطائفي التفتيتي البغيض، وكلاهما آخذ أبعاداً ثقافية وإعلامية واجتماعية متعددة وصولاً إلى التغييرات الخطيرة في المناهج الدراسية لخدمة هذين المشروعين الخطيرين للقضاء على البناء النفسي للأجيال الصاعدة وإلغاء هويتها القومية وتغييب دورها المستقبلي في نهضة الأمة ومواجهة تحدياتها.
إن الحزب الذي يثق بقدرة الأمة، إذا ما وظفت إمكاناتها في سياق مشروع المواجهة القومية الشاملة لكل تلك التحديات، يؤكد مجدداً بأن العودة إلى الجماهير لتفعيل حضورها ودورها عبر هيكلة حياتها السياسية على أرضية برامج التحرير والتغيير، هو المدخل الأساسي لتعديل موازين القوى لمصلحة الأمة بمعزل عن سياقات الحسابات التقليدية. فالجماهير التي تملك ناصية قرارها الحر والمتحرر من أشكال الالتحاق والارتهان لمحاور الخارج الدولي والاقليمي، هي مادة ثورات التحرير وانتفاضات التغيير وهي كانت وستبقى المصد الذي يحمي الأمن القومي من الاختراقات المعادية.
ويحتل هذا الأمر أهمية مضاعفة في ظل محددات عمل الأنظمة الرسمية العربية، ومن هنا فإننا نوجه الدعوة إلى كل المنظمات والتشكيلات العربية من اتحادات ونقابات مهنية وجماهيرية ونخبوية وغيرها، لتمارس دورها الطليعي التاريخي من خلال امتلاك زمام المبادرة في هذه المرحلة التي تشتد فيها التحديات، كما المتغيرات العالمية الكبرى، وارتداداتها القوية على الوطن والأمة، فبهذا الدور وحده تكون الأمة العربية أمة حية جديرة بأن تواجه كل ما تمر به من تحديات وتنتصر عليها.
أيها الرفاق المناضلون على امتداد الوطن العربي الكبير وخارجه
يا جماهير أمتنا المناضلة
إن حزب البعث العربي الاشتراكي وفي ضوء التحديات القومية والاجتماعية التي تواجهها الأمة سوف يتصاعد بنضاله على عهده في المواجهات ذات البعد القومي، كما على عهده في التعبير عن طموح الطبقات الكادحة في التغيير الوطني وفي مواجهة أنظمة الاستبداد والرجعية. وهو عندما أفصح عن ذاته في السابع من نيسان العام ١٩٤٧ ، لم يقدم نفسه كحركة تقليدية ، بل قدم نفسه كحركة تاريخية تمثل الأمة بكل تكوينها القومي والمجتمعي ، وهذا ما القى عليه مسؤولية تاريخية في تثوير الجماهير وإدارة نضالها على مسارات التوحيد والتحرير والتغيير للارتقاء بالواقع الجماهيري العربي إلى المستوى الذي يفرض التغيير باليات النضال الديموقراطي ، والعمل لتأطير قوى التحرير والتغيير في الوطن العربي ضمن أُطر جبهوية تلتقي على أرضية مشروعها السياسي القوى التي تجمعها المشتركات حول القضايا القومية والوطنية والاجتماعية. وهنا يعود الحزب ويؤكد على أهمية قيام الجبهة الشعبية العربية ، كي تشكل حاملة سياسية لمشروع المقاومة العربية ضد الاحتلال الاجنبي أياً كانت مسمياته وقواه ، ومشروع التغيير الوطني الديموقراطي في الساحات الوطنية التي تناضل جماهيرها لإقامة دولة المواطنة القائمة على المساواة في الحقوق والواجبات وعلى احترام الحريات العامة وتعزيز مبادئ حقوق الإنسان في ظل نظم سياسية تحكمها قواعد الفصل بين السلطات وديموقراطية الحياة السياسية والتداول السلمي للسلطة بالاستناد إلى ما تفرزه الإرادة الشعبية عبر انتخابات نزيهة .
إن توجيه بوصلة النضال الجماهيري نحو توحيد صفوف القوى الشعبية العربية، رؤية واطاراً، يتطلب وحدة موقف من طبيعة الصراع العربي – الصهيوني باعتباره صراعاً وجودياً، وتصعيد الكفاح الشعبي كسبيل وحيد لتحرير الارض من الاحتلال وأنْ لا دولة وطنية فلسطينية إلا على كامل التراب الوطني. كما يتطلب الامر وحدة موقفٍ ورؤية من طبيعة الدور الايراني، وهذا الدور كما التركي هما دوران مهددين للأمن القومي العربي وأن حضورهما تضخم على الساحة العربية من جراء الفراغ العربي الذي بلغ ذروته بعد احتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني، وعليه فإن التصدي للقوى العدوانية على اختلاف مشاربها يملي وضع حدٍ لحالة الفراغ القومي
إن على القوى الوحدوية العربية أن تعمل بجدٍ ومسؤولية كي تعود مصر لتلعب دورها الطليعي في مشروع الاستنهاض القومي بعد تخليصها من مكبلات اتفاقيات “كامب دافيد”، كما على القوى الوحدوية العربية أن تلاقي موقف البعث في تشخيصه لطبيعة المخاطر على الامن القومي من جراء استمرار الاحتلال الأميركي – الإيراني المركب للعراق ، وإعادة بناء دولته بناء وطنياً يكون حاضناً لكل طيفه المجتمعي وعبر إسقاط كل ما أفرزه الاحتلال من نتائج وخاصة ما سمي بالعملية السياسية التي عممت ثقافة الفساد وأغرقت العراق بكل الموبقات الاجتماعية التي استفحلت بفعل التغلغل الايراني في كل مفاصل الحياة العراقية . وأن الحزب الذي يؤكد على استعادة مصر والعراق لدورهما، يؤكد أيضاً على أن تعود سوريا قلباً للعروبة النابض بعدما شوه نظام الردة تاريخها الوطني ودورها القومي، وربطها في حلف مشبوه مع الشعوبية الفارسية.
إن إعادة تشكيل المركز القومي الجاذب بمرتكزاته الثلاث الأساسية، بقدر ما هو حاجة لتحقيق الاكتمال القومي الصلب الذي يضع حداً لحالة الفراغ التي افسحت المجال لاندفاع القوى المعادية إلى العمق العربي فإنه ضرورة لحماية الامن القومي من بوابة الأمن المائي، الذي تتهدده السياسات المائية لدول المنبع المتاخمة للوطن العربي في كل من تركيا واثيوبيا وإيران. فهذه الدول الثلاث تستغل واقعها كدول منبع للضغط على دول المجرى من خلال إنشاء السدود الحابسة للمياه وممارسة الابتزاز وانتزاع المكاسب على حساب دول المصب والذي لن يحمى الا بموقف رادع انطلاقاً من وحدة موقف قومي تجاه هذه القضية الحيوية التي ترتقي حد القضايا الاساسية بالنسبة للامة العربية.
في ذكرى تأسيس حزب الثورة العربية ، حزب الوحدة والحرية والاشتراكية ،تنشد الأنظار إلى المعطى الإيجابي الذي أفرزه الحراك الشعبي، الذي وأن تعرض للاختراق وحُرِفَ عن مساره الصحيح في أكثر من ساحة ، إلا أنه يبقى يُعبر عن نبض الشارع العربي الذي انتفض ضد الاحتلال والفساد والتبعية في العراق ، كما انتفض في السودان واستطاع إسقاط نظام التمكين ، وما زال يقاوم نظام الردة وكل المحاولات الرامية للالتفاف على مشروع التغيير الوطني وتحقيق التحول الديموقراطي في بنية النظام وتطبيق أحكام العدالة الانتقالية على من قمع الحريات وأفسد الحياة السياسية ويسعى لرهن الاقتصاد الوطني وفق إملاءات وشروط صندوق النقد الدولي والبنوك الاستثمارية الاجنبية .
إن هذا الحراك الذي عم الوطن العربي من مشرقه الى مغربه سيبقى علامة مضيئة في تاريخ الحركة الجماهيرية العربية، وأن ما اعتراه من شوائب في بعض الساحات لا يسقط اهميته في تثوير الأوساط الشعبية التي انتفضت ضد أنظمة الفساد والقمع والتأبيد السلطوي، وستبقى الدلالات الإيجابية التي أفرزها هذا الحراك تتقدم على السلبيات التي رافقته.
أيها الرفاق المناضلون
يا أبناء امتنا العربية المجيدة
في ذكرى تأسيس البعث، حزب الوحدة والحرية والاشتراكية لابد من اعادة التأكيد على الثوابت الفكرية للحزب في إطار إعادة تجديد البناء البعثي فكراً وتنظيماً وممارسة، بدءاً من التشديد على تأصيل الفكر المقاوم للحركة الثورية العربية كدليل لمقاومة كل استعمار واحتلال تعرضت وما زالت تتعرض له الامة في تاريخها المعاصر.
وإنه بقدر ما تكسب أهمية عملية تأصيل الفكر المقاوم بالاستناد إلى معطى الثورات العربية في فلسطين والجزائر والعراق والسودان واليمن والاحواز وحيث تجد الأمة نفسها في مقاومة المستعمرين والمحتلين ، فإن تأصيل القضية الديموقراطية ومبادئ حقوق الانسان في الفكر السياسي للحزب هو على درجة كبيرة من الأهمية ، لأن الديموقراطية التي تحكمها قواعد التعددية السياسية ، وتنشد الى أهدافها الوطنية في حماية المقومات الاساسية للأوطان ، تُسْهم في تعزيز وتمتين الوشائج الاجتماعية وتطلق الطاقات الجماهيرية بعيداً عن تعليب الانظمة الحاكمة للإرادة الشعبية التي لا تجد نفسها الا في رحاب الحريات العامة.
ومن هنا فان النضال من اجل تعزيز حقوق الانسان والدفاع عنها يأتي في صلب النضال من أجل تحقيق الديمقراطية والتعددية السياسية. ويحتل هذا الأمر أهمية خاصة مع حلولا لذكرى العشرين لاحتلال العراق وغزوه، لذا نوجه الدعوة الى كافة الاتحادات والمنظمات المهنية الوطنية والعربية المعنية بحقوق الانسان الى قيامها برفع القضايا الى المحافل الدولية والإقليمية وتفعيل دورها في هذا الجانب وإبراز ما رافق هذا الاحتلال الامريكي البريطاني الايراني من خرق فاضح وغير مسبوق في التاريخ البشري لشتى انواع حقوق الانسان وبما يندى له جبين الانسانية.
وإننا في هذه المناسبة التي نشدّد فيها على ابقاء الخطاب الوحدوي متصدراً الخطاب السياسي العربي لما للوحدة من اهمية في حشد الامكانات العربية وتفعيلها بالشكل الذي يخدم مصلحة الجماهير العريضة والتأكيد على ان النظام الدستوري الأفضل لدولة الوحدة هو النظام الاتحادي كونه يلاءم الامم التي تتشكل من تركيب اجتماعي وجهوي متنوع وتكوين قومي فيه اقليات قومية تحكمها ثوابت الانتماء بالمواطنة في ظل الدولة الواحدة وولائها الى خط الاكثرية.
ان شدة المؤامرات التي تستهدف اي عمل وحدوي يجب ان لا تدعونا الى الياس والاستسلام وترك التكامل العربي الوحدوي ليكون شعارا نظريا وحسب، وانما الدعوة والعمل على ارساء بنى تحتية راسخة للتكامل العربي مهما كبرت العوائق واشتدت الصعوبات،
ومن هنا نرى ضرورة التشديد على اقامة المشاريع الاقتصادية التكاملية وربط اقطار الوطن العربي بشبكة من المواصلات والبنى التحتية والغاء الحواجز على تنقل الاشخاص والبضائع في إطار السعي لإقامة السوق العربية المشتركة.
ايها الرفاق المناضلون
ان حزبكم الذي يحيي هذا العام الذكرى السادسة والسبعين لتأسيسه، هو على عهده النضالي بأن يكون دائماً حيث تكون جماهير، حاملاً لواء اهدافها في التحرر والتقدم والوحدة، وهو رغم ما يتعرض له من عدوانية من القوى التي تناصب الامة العداء، يتعرض ايضا بين الفينة والاخرى لعمليات تخريب من الداخل بغية التشويش على مسيرته النضالية وارباكه وتعطيل دوره في استنهاض الجماهير على قاعدة مشروعه التحرري. لكن رغم هذه المحاولات، فإن الحزب بقي عصياً على الاجتثاث وعلى كل اشكال الردة. والحزب الذي واجه ردة تشرين ١٩٦٣ في العراق وردة شباط ١٩٦٦ في سوريا، استطاع تجاوز الندوبات التي تركتها الردتين في جسم الحزب، وهو ما كان ليستطيع ذلك لولا قوة الشرعية التي تكمن بذاتها قوتها المعنوية والاعتبارية وجعلت تأثيرها على مسيرة الحزب اقوى من امكانات قوى الردة المادية. والحزب اذ يستمر في مواقعه النضالية رغم استفراس الهجمة عليه من قوى العدوان والردة فلأنه حزب الامة الذي لم يتشكل بقرار سلطوي كي يسقط بسقوط السلطة، بل انبثق عن إرادة شعبية، وطالما الشعب باق وينبض بالحياة، فإن الحزب باق على نبضه النضالي ومسيرته تتطهر من خلال المسار النضالي، كما تتطهر الأنهار من خلال جريانها وتشهد على ذلك الساحات العربية التي ينخرط الحزب في نضال جماهيرها من مشرق الوطن العربي الى مغربه.
فإليكم أيها الرفاق، القابضين على جمر المواقف المبدئية كل تقدير وتحية، تحية لدوركم في مقاومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين، وتحية لكم في مقاومة الاحتلال الاميركي والتغول الايراني في العراق وفي الانتفاضة الشعبية وأنتم ترفعون رايات الرسالة العربية الخالدة على امتداد الوطن العربي وخارجه وتعملون على إحكام بناء التنظيم وتفعيل دور الحزب الطليعي في النضال من أجل الارتقاء بنضال جماهير شعبنا على الصعيدين الوطني والقومي
عشتم، وعاش حزبكم العظيم، حزب الرسالة الخالدة والأمة العربية الواحدة
عاشت الأمة العربية والمجد والخلود لشهدائها الابرار.
والنحية للرفاق والمناضلين الصامدين في المعتقلات والسجون وبشكل خاص في فلسطين والعراق
والله أكبر وليخسأ الخاسئون
السابع من نيسان ٢٠٢٣