في ذكرى العدوان الأمريكي وغزو العراق واحتلاله احتِلالِ العِرَاقَ وتداعياته الاستِعمَارية الأمرِيكية والغَربِية في الوَطن العَربي، مَا المَطلُوب لمُواجَهَتِها؟

في ذكرى العدوان الأمريكي وغزو العراق واحتلاله

احتِلالِ العِرَاقَ وتداعياته الاستِعمَارية الأمرِيكية والغَربِية

في الوَطن العَربي، مَا المَطلُوب لمُواجَهَتِها؟

– ج1-

د.محمد رحيم آل ياسين

في العشرين من آذار من سنة 2003م ارتكب زميلا الشيطان بوش وصاحبه بلير ومَن تحالف معهما من أرباب الشرّ، جريمتهما النكراء بالعدوان العسكري الهمجي على العراق، والقيام بغزوه واحتلاله بمشاركة أكثر من 160ألف جندي أمريكي وبريطاني وبمساندة وحدات استرالية وبولندية واسبانية وغيرها كُثر. وقد زُلزِلَت الأرض والسماء زلزالهما بالعراقيين الآمنين في بيوتهم، وتهاوت الأجساد البشرية على كلِّ شبرٍ من أرض العراق، حتى بلغ عدد الشهداء حسب الدراسات الأمريكية نفسها أكثر من 600 ألف عراقي بين عسكري ومدني، من الشيوخ والنساء والأطفال، وتشريد أكثر من ستة ملايين عراقي في الخارج والداخل.

وقد استهدف العدوان كلّ مظاهر الحضارة من شواخصٍ ومبانٍ وجسور وجامعات ومراكز علمية وبحثية ومرافق خدمية توفر للشعب حياته اليومية كالمستشفيات والمراكز الطبية ومذاخز الأدوية ومخازن المواد الغذائية. ودُمِّرت وانهارت مؤسَّسات الدولة الإدارية والصناعية، وهُدِمَت الدولة الوطنية بكلِّ مؤسَّساتها، حتى دخل العراقيون في نفقٍ مظلم من التفكّك والفوضى والعبثية والطائفية المقيتة.

وكانت صور التعذيب الوحشية التي يندى لها جبين الانسانية في سجن أبي غريب احدى دلائل همجية واجرام قوات الاحتلال الغاشمة، والتي رغم بشاعتها لم يتعرَّض أيّ مسؤول عن هذه الجرائم الشنيعة للمحاسبة القانونية والأخلاقية بسبب هذه الأفعال القذرة إلى اليوم.

وبعد أن أثخنت المقاومة الوطنية الباسلة الجراح بقوات الاحتلال، وهُزِموا فانسحبوا من العراق يجرُّون أذيال الخيبة والخسران، بعد أن تكبَّدوا آلاف القتلى الذين نفقوا بفعل ضربات المقاومة الماحقة، وعشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين، تركوا في حكم البلاد والعباد عصابات من العملاء والخائنين والموتورين الذين جاؤوا من شتات الأرض. وبالتالي فلم تقم دولة الاحتلال الغاشمة بواجبها كدولة احتلال، وبما يُلزِمها القانون الدولي اتِّجاه البلد المحتلّ، وكان أسوأ قرار اتَّخذه الحاكم العسكري برايمر هو حلّ الجيش العراقي الباسل، والمؤسَّسات الأمنية واصدار قراره المشؤوم باجتثاث حزب البعث، والاستغناء عن أيّ مسؤول او موظف سابق له خبرة متراكمة  في إدارة مؤسَّسات الدولة الادارية والصناعية والثقافية والخدمية، بحجة ارتباطهم بالنظام الوطني السابق، وتالياً اسناد هذه الادارات والمسؤوليات الى عناصر وأفراد من العصابات المجرمة من الأميين والذين يدينون بالولاء لدولة السوء ايران، وبذلك تعطَّلت الحياة بشكلٍ تام في العراق، بعد أن أمسى أنقاض دولة مهشَّمة لا تقوى على تقديم أدنى خدمة لأبنائه.

 

إنَّها حربٌ عدوانيةٌ كارثية باطلة على بلدٍ مستقلٍ عضوٌ دائمٌ في منظمة الأمم المتحدة، وعضو مؤسِّس في جامعة الدول العربية، وفي العديد من المنظمات العربية والإقليمية والدولية والانسانية. وهكذا تمَّ احتلال العراق وتدمير بنيته التحتيَّة وتشريد شعبه واغتيال قيادته الوطنية والقومية دون مبرِّر قانوني، وبدون رؤية بعيدة النظر أو خطة منظَّمة، وهي تمثِّل جريمة ليس بحق العراق فقط بل والانسانية جمعاء، وخطيئة لا تُغتَفر مهما طال الزمن، فالجرائم من هذا النوع لا تسقط بالتقادم.

وهكذا ارتكب أرباب الشرّ جريمتهم بكلّ قصد ونيَّة مبيَّتة بعد أن تملَّكتهم القوة الفائضة والمفرطة، والتي تحوَّلت بمرور الوقت الى قوة عدوانية غاشمة لا تلتزم بقانون دولي أو أخلاقي أو ديني، فدفعت بهم الى العدوان الباغي على العراق.

اعصارٌ مدمِّرٌ أصاب العراق والأمة، عاش ويعيش فيه العراقيون في رعبٍ متواصلٌ في ظل الاحتلالَين الأمريكي والإيراني الفارسي، وتسلّط عصاباتٌ مجرمةٌ على رقاب العراقيين فتجرَّعوا سوء العذاب على أيديهم. قَتَّلت الآلاف ومثلهم في المعتقلات السريَّة الخاصة بالأحزاب وميليشياتها المنفلتة، وأُحرِقَت دور المواطنين ومزارعهم، وتمَّ التغيّير في ديموغرافية العديد من المدن والقرى في عموم العراق. وانتُزِعت من الناس مزارعهم، وسُرِقَت أموالهم واستُبيحت حرماتهم وكرامتهم، وهُدِرَت حقوقِهم، وهُضِمَت حرياتهم. وهكذا بانت وحشية الأمريكان أصدقاء الشيطان ومَن تحالف معهم، ولم تنفع نداءات العراقيين المُعذَّبين تحت سياط حكومة الاحتلال وأحزابها المجرمة، لم يجد نفعاً كلّ صياحهم وصراخهم، فالعالم يسمع ولا يصغي، يرى ولا يكترث، فلا جفنٌ يرفُّ ولا عينٌ تدمَع.

إنَّه السقوط الأخلاقي والحضاري بعينه، والهبوط إلى البداءة والتوَّحش من قبل الأمريكان وحلفائهم، فقد تم سحق كلّ ما يواجه مشروعهم أو يقف بالضدِّ منه، غير مترددين في ارتكاب شتى الآثام العظيمة والخطايا الكبرى.  وقد يفهم القارئ الكريم من وصفنا للمجرم بوش أنَّ ما قام به من عدوان على العراق، إنَّما هو فعلٌ فردي اختصَّ به وصاحبه توني بلير، ورغم هذه الجرائم التي اقترفوها بحق العراق ومسؤوليتهما عنها، غير أنَّ فعلهما هو قرارٌ جماعي من الادارة الأمريكية وحكومة بريطانيا، وهو جزء من المشروع الصهيوني العالمي، والذي سنتحدث عنه لاحقاً. والسؤال الذي يلحُّ علينا هنا، هو: لماذا العراق، ولماذا شعب العراق، ولماذا قيادة العراق؟

 

لماذا استهداف العراق بلداً وشعباً وقيادةً؟

 

  • الثأر والانتقام التاريخي من العراقيين:

الذي لا يقرأ التاريخ بتمعّن ولا يعمل على تفسيره بطريقة علمية وموضوعية، فإنَّه يقف عند أقرب الأسباب زمانياً، بل وأتفهها، وسيقول أنَّ القضية لا تخرج عن موضوعة أسلحة الدمار الشامل المزعومة، وعدم التعاون مع لجان التفتيش، والحجة الكاذبة والباهتة الأخرى وهي تحقيق الديمقراطية المزعومة. غير أنَّ الحقيقة هي أبعد بكثير عن هذه الحجج والأسباب، وأنَّها تتطلَّب منَّا أن نغوص في أعماق التاريخ العراقي والعربي، ثمَّ نبحر فوق السطح ونتجوَّل في صفحات التاريخ المعاصر وتحديداً منذ أربعينيات القرن الماضي، حيث تأسيس البعث، ثمّ نقلّب صفحات ثورتَي رمضان عام1963م، وثورة 17تموز عام1968م.

 منذ أكثر من أربعة آلاف سنة، في تاريخ العراق القديم حيث حضارات أكد وسومر وآشور وبابل، وخاصةً في عهد الآشوريين والبابليين، كانت هناك جولاتٌ وصولاتٌ للعراقيين، حيث جيءَ باليهود أسرى وسبايا الى بابل في العراق، ومنذ ذلك التاريخ والحقد والكراهية تنمو وتكبر في نفوس الصهاينة،  وأيضاً هناك ثأر من العراقيين في التاريخ المعاصر، فالعراقيون هُم أول مَن دخلوا جنين وحرروها من الصهاينة وكانوا يتقدمون في فلسطين لولا تخاذل الحكومات العربية آنذاك، والتي قرَّرت ايقاف القتال وسحب الجيوش العربية فوراً من فلسطين.

ومواقف الجيش العراقي الباسل في حروب الأمة الكبرى مع الكيان الصهيوني، كانَ لها أثراً في العدوان على العراق وغزوه، فهو الذي أنقذ دمشق من السقوط بأيدي جيش الصهاينة عام 1973، وصولات هذا الجيش البطل في كلَّ جبهات المواجهة مع الصهاينة معروفةٌ للجميع، من هنا كانوا يختزنون الرغبة الجامحة في الثأر من العراقيين في أيّ فرصة يمكن أن تسمح لهم بالانتقام من أبناء الرافدين، وجعلوا يَتحيَّنون الفرص للإجهاز على العراق، وخطَّطوا وبيَّتوا النيَّة للنيل من العراقيين وتدمير العراق، بل ويطلبون إزالته من الخارطة الجغرافية والسياسية، ومن الوجود، لأنَّهم لن ينسوا أنَّ أبناء العراق القدامى هُم مَن اقتادوهم أسرى الى بابل من أورشليم حيث كانت لهم دويلة صغيرة(قبلية)، ولن ينسوا التاريخ المعاصر المجيد لأبناء العراق. فجاءت هذه الفرصة على يد الأمريكان ومَن تحالف معهم فكان الانتقام الصهيوني (التاريخي) من العراق وشعبة.

 

  • لأنَّ العراق، يعمل بكلِّ قوَّة لإنجاز أهداف الأمة ورسالتها الخالدة:

فالعراق هو صاحب وحامل مهمة انجاز المشروع العربي الوحدوي التحرّري، من هنا فقد فُتِحت أبوابٌ من نارٍ على العراق، دولةً وقيادةً وشعباً. فهل ينكر أحدنا أنَّ العراق هو الحامي والمُدافع عن الهُويَّة القومية، فالعروبة مُتَجذِّرة في وجدان العراقيين على تنوّع أطيافهم وأديانهم ومذاهبهم. وهل ينكر أيَّ عربي من أبناء الأمة أنَّ البعث الذي يقود العراق لم يرفع اسم العروبة كشعار في المناسبات، كما تفعل الكثير من الحكومات العربية، والأحزاب التي تدَّعي القومية، فلم ينصرف العراق بقيادة الحزب عن أمته وعن مشروعها النهضوي الوحدوي يوماً ما، مهما كانت الظروف حتى في حالات الحرب، ففي معركة القادسية الثانية التي امتدَّت لثماني سنوات، وتصدى فيها أبناء العراق الغيارى للعدوان الإيراني العنصري على الحدود الشرقية للعراق، التي تمثِّل بوَّابة العرب الشرقية، وخلال هذه الحرب الطويلة لم يبخل العراق في الوقوف مع أمته في كلّ ما يتطلبه من مواقف.

وهكذا كان العراق بقيادة البعث يقوم بنفض الغبار المتراكم عبر سنوات من التخلف والفقر والجوع والتردي الذي كانت تعانيه الأمة، فاستعاد زمام المبادرة وبدأ جاهداً في سبيل احياء المشروع النهضوي الحضاري الذي تبنَّاه البعث المناضل. وهذا ما يعتبره أعداء الأمة من أمريكان وصهاينة وغرب استعماري خطاً أحمراً، لا ينبغي تجاوزه أو اجتيازه.

وحيث أنَّ العراق قد امتلك ناصية العلم، وصار عنده آلاف العلماء والباحثين في كلَّ المجالات العلمية الحديثة والمتطورة، وحيث كان له استقلال في قراره السياسي، عندها رأى أرباب الشرّ أنَّه حان وقت القصاص منه وتحويله الى خراب، بعد أن ضلَّلوا العالم بمزاعم ثبُتَ بطلانها كأسلحة الدمار الشامل، وأمور أخرى ليس لها صلة لا من قريب ولا بعيد بهذا العدوان الغاشم على العراق واحتلاله.

 

  • لأنَّ العراقَ بقيادة البعث اعتمد العروبة هُويَّة وليست تحالفات ومصالح:

فقد كان البعث ينظر إلى أنَّ العروبة هُويَّة، ولم تكن في يومٍ ما مجرَّد مصالح وتحالفات بين الأقطار العربية. من هنا فقد اعتبر العراق أنَّ ما تعانيه الأمة من معضلات هي في الحقيقة نفس معاناة كلّ قطر عربي، وأنَّ كل خيرات الأمة يجب أن يتم توزيعها بين أبناء الأمة، فعندما يكون العراق منتجاً للنفط مثلاً فيجب أن تنال من خيراته كل الأقطار العربية، وهو بحد ذاته توجّه وحدوي وتكامل اقتصادي، وبداية للنهوض بالأمة. وهذا بالطبع لا يرضي أعداء البعث والعراق والأمة.

 

  • ولبريطانيا ثأرٌ من العراق:

فهل ينسى البريطانيون ثورة العراقيين على وجودهم الاستعماري في العراق، في ثورة العشرين المباركة التي تحدَّى فيها العراقيون قوات الاحتلال البريطاني بهتافاتهم (الطوب أحسن لو مكواري)، حيث خرجوا عن بكرة أبيهم في الفرات الأوسط ومدن العراق الأخرى، وقتلوا من الإنكليز قادةً وضباطاً وجنداً ليسوا بالقليل. كما أنَّ ثورة الرابع عشر من تموز عام1958م قد أغضبتهم وأغاضتهم كثيراً، من هنا وجدنا بلير التابع الصغير لبوش، متحمّساً ومندفعاً لتنفيذ عدوانهم وغزوهم للعراق.

 

هل كانَ العدوان الأمريكي تصرُّفاً فردياً؟

على الرغم من الصفات التي يتصف بها كل من بوش وبلير من تهور واندفاع اهوج يرافقه غرور كبير، لكنَّ ما حدث لا يعود الى ذلك وحسب، وباعتباره سلوكاً فردياً، بل ان هذه المواصفات كانت جماعية تشمل الادارة برمتها! ذلك أنَّ الإدارة الأمريكية بمجموعها كانت تتَّسم بهذه الصفات، فكانت هناك قرارات الحروب في كلَّ صوبٍ واتجاه، ومواجهات عسكرية هنا وهناك، في الصومال ثم افغانستان ثم العراق وفي دولٍ أخرى.

ورغم أن العدوان جاء بموجب استراتيجية منظمة للقضاء على العراق وتفتيت الوطن العربي، ونتيجة للدوافع التي أشرنا إليها سابقاً، إلا أن العدوان والغزو وما تلاهما من أحداث، قد حدث بالإضافة إلى ذلك نتيجة التهور والاندفاع الأهوج والغرور بعظمة القوة العسكرية، متجاوزين عوامل واقعية على الأرض يمكن أن تحدث.

فعلى سبيل المثال هل حسب الأمريكان أنَّهم سيواجهون مقاومة شرسة من العراقيين، تكبدوا بسببها أكثر من ثلاثين ألفاً من القتلى وأضعاف هذا العدد من الجرحى؟، وهل ما جرى في أفغانستان حين انسحبت قواتهم انسحاباً عشوائياً مخجلاً، تاركين عملاءهم وأسلحتهم لطالبان، التي سلَّموها البلاد بعد عشرين سنةً من الاحتلال! . ويكاد ذلك ينطبق على كل أفعال وخطوات تخطوها الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ العدوان. 

وإذن هذا العدوان الأمريكي الغاشم هو نتاج عاملين مركبين فهو مخطط استراتيجي مقصود ، مضافاً اليه صفات فردية وجماعية من الاندفاع الاهوج والغرور وجنون العظمة.

 

 

يتبع لطفا…

Author: nasser