نحوَ استراتيجيّة لتَعزيز الوَعي القومِي الوحدَوي لدى الأجيالِ الصاعِدة
(راهِنيّة العرُوبَة والاستردادات الداخلّيةِ والخَارجيّة) *
تواجه الأمة العربية في كافة مناحي الحياة، استهدافاً متوحشا، عبّر عن نفسِه بفرض تحديات غير مسبوقة، تهدف كلها الى ضرب ومحو الأمة من الوجود وطمس هويتها وحضارتها. لذا تواجه حركة النضال القومي العربي عقبات ومصاعب وتحديات متزايدة منذ أكثر من ربع قرن، منها تحدي الديمقراطية والانفتاح السياسي، والاستهداف الأمريكي والدول الإقليمية المجاورة للوطن العربي، وتحدي وجود القواعد الأجنبية فيه. وفيما يلي موجزاً للمحور الثاني من هذه التحديات.
المحور الثالث
مشاريع الاستهداف الخارجي للوطن العربي
انتشار القواعد العسكرية الأجنبية
د. علي بيان
مقدّمة
خضع الوطن العربي خلال عدّة قرون للهيمنة الخارجيّة، وإذا ما اقتصر الأمر على التاريخ الحديث فقد حلّت السيطرة الأوروبيّة خاصّة بريطانيا وفرنسا بالدرجة الأولى، وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال بالدرجة الثانية بعد الحرب العالميّة الأولى محلّ سيطرة الخلافة العثمانيّة. بقيت تأثيرات الاستعمار بعد الاستقلال كبيرةً إن من خلال وصول عناصر محليّة إلى قمّة السلطة على ارتباط بالدول الاستعمارية، أو من خلال التغلغل في المؤسّسات التي أًنشئت بعد الاستقلال في كلّ دولة بما في ذلك الجيش والأجهزة الأمنيّة. ومن المؤشّرات على ذلك أنّ نمط التعليم والتسليح واللغة الأجنبيّة السائدة في كلّ قطر تأثّر بشكل جليّ بالدولة المستعمرة أو المنتدبة، إذ طغت الفرنسة في المغرب العربي ولبنان وسوريا، واستُخدمت الإنكليزيّة في فلسطين والأردن والعراق ومصر والسودان والخليج العربي.
شهد الوطن العربي درجة عالية من الاستقلالية النسبيّة بعد الحرب العالميّة الثانية وذلك بسبب انهيار المنظومة الأوروبيّة الناتج عن تداعيات الحرب، تبع ذلك تأثير فعّال للولايات المتّحدة الأميركيّة والاتحاد السوفياتي بعد حرب السويس 1956، وارتفاع درجة الحرب الباردة بين القطبين الرأسمالي والشيوعي. لم يستطع العرب الاستفادة من ذلك الصراع الدولي ومن تراجع التأثير الأوروبي بسبب ضعف النضج في إدارة السلطة ووضع الدساتير وتأمين تداول السلطة السلمي والصراع على الاستقطابية القياديّة بين بعض الأقطار والزعماء العرب ممّا حال دون إحداث تطور نوعي قادر على الحفاظ على ثباته واستمراره على الصعيد القطري أو تفعيل العلاقات الوحدويّة في مجالاتها العسكريّة والاقتصادية. وقد كان لإنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين دور مركزيّ في تصاعد الأزمات وعدم الاستقرار على الصعيدين القطري والقومي وذلك لتخصيص نسبة عالية من الموازنات على التسلّح على حساب التنمية، والصراع بين الأطراف الفلسطينيّة والعربيّة حول استراتيجيات إدارة المواجهة، إضافةً إلى اعتماد الاقتصاديات الوطنيّة في معظم الأقطار على الموارد الطبيعيّة خاصّةً النفطيّة منها.
الوضع الراهن في الوطن العربي
استعراضاً للحالة الراهنة في الوطن العربي يمكن التوقّف عند المحطّات الرئيسيّة التالية:
1- وجود أجزاء كبيرة من الوطن العربي تحت الاحتلال الاجنبي المباشر: فلسطين، الجولان، مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وجزء من قرية الغجر، الأحواز، جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، لواء الإسكندريون، سبتة ومليلة. اضافة الى وجود اقطار عربية اخرى تحت الاحتلال الغير مباشر أو الهيمنة الايرانية في العراق واليمن وسوريا ولبنان.
2- انتشار قوّات دوليّة بتفويض من الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي في الجولان وجنوب لبنان، وفي أبيي بين السودان وجنوب السودان، وفي تندوف بين المغرب والجزائر، وفي الصومال.
3- وجود مبعوثين تابعين للأمم المتحدة أو أميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي في أكثر من دولة عربيّة {سوريا، العراق، السودان، ليبيا، أليمن…}. وهؤلاء يقومون بأدوار مفصليّة في ترتيبات عسكريّة وسياسيّة وغيرها مع غياب أو وجود دور عربي هامشي سواء على صعيد الجامعة العربيّة أو على صعيد مبادرات قُطريّة.
4- وجود أزمة سلطة بما في ذلك تعذّر إجراء انتخابات في مواعيدها المقرّرة في أكثر من قطر عربي مثل لبنان وليبيا والسودان والصومال وتونس والعراق.
5- حروب داخليّة تسيطر على مساراتها أو تؤثّر عليها دول أجنبيّة كما في سوريا واليمن والصومال.
6- أزمة حدود بين بعض الأقطار العربيّة مثل لبنان وسوريا، المغرب والجزائر، مصر والسودان.
7- أزمات اقتصادية حادّة لأسباب متعدّدة في عدد من الأقطار العربيّة بينها لبنان وسوريا وتونس واليمن، وارتفاع منسوب الدين العامّ إذ ورد في تقرير للإسكوا للدول العربيّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن الدين العامّ بلغ 1.4 تريليون دولار ما يمثّل 60% من الناتج المحلّي الإجمالي في عام 2020 مقابل 25% في عام 2008.
8- ازدياد التغلغل الأمني للكيان الصهيوني بعد التسارع الدراماتيكي في تطبيع العلاقات بينه وبين بعض الأنظمة العربيّة وتوقيع اتفاقيات تعاون عسكري وأمني كما مع البحرين والإمارات والمغرب والسلطة الفلسطينيّة، والمجلس العسكري في السودان.
9- حدوث انشقاقات وتفكّك للأحزاب اليساريّة والقوميّة وتعثّر تطبيق برامج العمل الجبهوي بينها على الصعيدين القطري والقومي.
10- تخلخل في الاصطفاف المتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة، إذ بدل أن يكون العرب بما في ذلك الأنظمة في صفّ واحد مع فلسطين يُلاحظ أنّ البعض يمارس دور الوسيط بين فلسطين والكيان الصهيوني. هذا الدور تؤدّيه بين وقت وآخر مصر والأردن وبعض دول الخليج العربي.
1- انتشار القواعد العسكريّة الأجنبيّة كالفطريات وهي على الشكل التالي:
الولايات المتحدة الأميركيّة:
يتوزّع الوجود العسكري الأميركي بعدّة أشكال منها ما يلي:
قواعد تسيطر عليها أميركا وتتواجد بشكل قوّات نظاميّة أو عبر المؤسّسة الأمنيّة مثل بلاك ووتر
أو تواجد في قواعد عسكريّة للجيوش الوطنيّة تحت عنوان التدريب،
واتفاقّيات عسكريّة وأمنيّة تبيح للقوات الأميركيّة التحرّك وتنفيذ مهامّها بالتنسيق أو بدون تنسيق مع الدول المضيفة.
ففي سوريا أقامت أميركا 11 قاعدة. وفي العراق توزعت القواعد الأميركيّة بعد الاحتلال عام 2003 في المقرّات العسكريّة العراقيّة، أمّا الأردن فقد وقّع اتفاقيّة أمنية وعسكريّة مع أميركا في 31 كانون الثاني 2021 مدّتها 15 عاماً. وفي المملكة العربيّة السعوديّة تستخدم القوات الأميركيّة خمس قواعد في العاصمة الرياض والدمّام، والمنطقة الشرقيّة. وفي الإمارات العربيّة المتحدة تحتفظ الولايات المتحدة ب 5000 عنصر بموجب اتفاقية تعاون دفاعي. وفي عمان تستطيع الولايات المتحدة استخدام القواعد التابعة للدولة بموجب اتفاقيه الوصول إلى المرافق العمانيّة التي وُقّعت عام 1980 وجُدّدت عام 2010. وفي قطر توجد قاعدتي العيديد والسيليّة، وفي الكويت توجد ثماني قواعد ومراكز تواجد أميركي. وفي البحرين توجد قاعدة نشاط الدعم البحري وهي مقرّ القيادة المركزيّة للقوات البحريّة الأميركيّة، ومقرّ الأسطول الخامس الأميركي. ويوجد في جيبوتي معسكر ليمونيه التابع للبحريّة الأميركيّة التي تستخدم الموانئ والمطارات في جيبوتي العاصمة. إضافةً إلى ذلك يوجد في جيبوتي قاعدة إيريان 188 التابعة للقوات الجويّة الفرنسيّة التي تحتوي كذلك قوات إسبانيّة، وقاعدة قوات الدفاع الذاتي اليابانيّة، وقاعدة الدعم العسكريّة الوطنيّة الإيطاليّة قرب مطار جيبوتي الدولي بهدف دعم عمليّة أطلنطا التابعة للاتحاد الأوروبي والمتمركزة في القاعدة الفرنسيّة. وفي مصر، ومنذ توقيع اتفاقيه كامب ديفيد استقبل الجيش المصري معونات عسكريّة أميركيّة بقيمة 1.3 مليار دولار سنويّاً. وتوجد اتفاقيات عسكريّة وتُجرى مناورات عسكريّة مشتركة إمّا ثنائيّة أو مع دول أخرى.
روسيا الاتحادية
لروسيا تواجد عسكري في كلّ من سوريا وليبيا. بدأ التواجد العسكري الروسي في سوريا عام 1971 حيث تمّ تأسيس منشآت خلال الحرب الباردة مع الولايات المتحدة الأميركيّة. في آب 2015 وُقّعت اتفاقيه بين روسيا الاتحادية والنظام السوري، وتمّ تعديل قاعدة حميميم في اللاّذقيّة وقاعدة طرطوس البحريّة. لروسيا كذلك قاعدة في مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي وتتمتّع بالولاية القضائيّة السياديّة عليها، وتستخدم عناصر المؤسّسة الأمنيّة “فاغنر” في تنفيذ أهدافها في كلّ من سوريا وليبيا.
إيران
يتكون الوجود العسكري الإيراني في سوريا:
بصيغة خبراء عسكريّين وأمنيّين في مراكز الجيش والقوى الأمنيّة السوريّة،
أو قوات رسميّة على شكل وحدات منظّمة متمركزة في مواقع تابعة للنظام السوري أهمها مطار دمشق الدولي،
أو على شكل ميلشيات منها تنظيمات سورية،
وقوات حزب الله من لبنان،
وأبو الفضل العباس من العراق،
وفاطميّون من أفغانستان،
وزينبيّون من الباكستان.
وتتواجد كذلك تشكيلات عسكريّة إيرانيّة أو تابعة لإيران في حلب وحماه وحمص.
من جهة أخرى توطد قوّات إيران علاقاتها مع “حركة الشباب المجاهدين” في الصومال تحت عنوان محاربة “داعش”.
ورغم عدم تواجد قوات عسكريّة إيرانيّة رسمية ومعلنة في كلّ من لبنان والعراق واليمن إلاّ انها تتواجد بأشكال متعددة غير رسمية ومتغلغلة في اغلب الاجهزة، كما أنّ سيطرتها على التوجّهات السياسيّة لحزب الله في لبنان واجهزة الدولة في العراق والميليشيات فيه وفي مقدمتها الحشد الشعبي والعصائب والعديد غيرها، والحوثيّين في اليمن وفّر لها تأثيراً كاملاً او مفصليّاً في مسارات الأحداث في هذه الأقطار.
تركيا
لتركيا 64 نقطة وقاعدة عسكريّة في سوريا، وفي العراق تتواجد قوّات تركيّة في منطقة بعشيقة شمال الموصل، وفي مدينة “متينا” في محافظة دهوك وكلاهما قرب الحدود العراقية التركية.
وفي ليبيا تنشر تركيا قوات ومعدّات وميليشيات نُقلت من سوريا. وفي الصومال لها قاعدة عسكريّة تمّ تأسيسها عام 2017.
الخلاصة
إن المشهد العربي قاتم وسيبقى كذلك في ظل استمرار التجزئة، وهو لا يختلف في الجوهر عن الحالة التي كان عليها قبل 100 عام من سيطرة أجنبيّة وتراجع اقتصادي وإنمائي وصراعات داخليّة وتفكّك مجتمعي وارتفاع نسب الأميّة والبطالة والتوق إلى الهجرة، خاصّةً مع تعثّر وصول الانتفاضات الشعبيّة العربيّة التي بدأت عام 2011 إلى مآلاتها المطلوبة حيث تعرّضت للخرق والارتداد عليها والعمل على تفريغها من مضمونها، ممّا يوجب مضاعفة الجهود من القوى القوميّة العربيّة التقدميّة للخطو خطوات اساسية وعملية نحو العمل العربي الوحدوي، والدخول في مرحلة إيجابيّة جديدة وبنّاءة من التعاون الاستراتيجي والتنسيق المشترك لتحقيق الصيغ الواقعية للتكامل العربي ، يتمّ من خلالها الاستفادة من تجارب الماضي، وحسن التعامل مع التسارع الكبير في معطيات العصر الحديث.