كلمة الرفيق حسن بيان في حفل استقبال “لطليعة لبنان ” في الذكرى الخامسة والسبعين لميلاد البعث.
الرفيق حسن بيان: سيبقى الحزب وفياً لمبادئه قومياً ووطنياً
والانتخابات نقاربها على قاعدة وحدة القوى والبرنامج التغييري
أقامت القيادة القطرية لحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي يوم الاحد الواقع في العاشر من نيسان حفل استقبال في مركز توفيق طبارة بيروت بمناسبة اليوبيل الماسي لحزب البعث العربي الاشتراكي.
قاعة مركز توفيق طبارة التي غصت بممثلي الاحزاب والقوى الوطنية اللبنانية وفصائل الثورة الفلسطينية وشخصيات وطنية ومن هيئات قوى الحراك الشعبي التي قدّمت التهنئة للقيادة القطرية بمناسبة اليوبيل الماسي لتأسيس البعث. وقد القى رئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي الرفيق حسن بيان كلمة في المناسبة ، تناول فيها دلالات المناسبة والتحديات التي تواجهها الامة العربية في هذا الظرف ، مؤكداً بأن الحزب الذي جاءت انطلاقته في السابع من نيسان من العام ١٩٤٧ استجابة لتوق شعبي عربي سيبقى على عهده وفياً للمبادئ وملتصقاً دائماً بالجماهير ، معتبراً ان معارك التحرير ترتبط بمعارك التغيير ، ومشدداً على اهمية قيام الجبهة الشعبية العربية وعلى تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية على ارضية الموقف المقاوم ، وقيام الجبهات الوطنية ،لتأمين الروافع السياسية والشعبية للنضال الجماهيري العربي ببعديه التحريري والتغييري. وتطرق الى الاستحقاق الانتخابي، مؤكداً ان الحزب يقارب هذا الاستحقاق ليس باعتبار الانتخابات هدفاً بحد ذاتها بل محطة في مسار سياسي على طريق تحقيق التغيير الوطني بوسائط التعبيرات الديموقراطية والياتها الدستورية مشدداً على اعادة تشكيل السلطة على اساس قانون انتخابي وطني خارج القيد الطائفي وعلى اساس النسبية والدائرة الوطنية. وفيما يلي نص الكلمة:
كلمة رئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي المحامي حسن ببان في حفل الاستقبال الذي اقيم لمناسبة الذكرى والخامسة والسبعين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي.
الرفاق والاخوة ممثلي الاحزاب والقوى الوطنية اللبنانية
الرفاق والاخوة ممثلي فصائل الثورة الفلسطينية
ايها الرفاق والاخوة والاصدقاء
الحضور الكريم
نرحب بكم أحر ترحيب لمشاركتنا احياء هذه الذكرى، ذكرى تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يطوي ثلاثة ارباع قرن من النضال من اجل الوحدة والتحرير والتغيير.
واذ تحل ذكرى ميلاد الحزب هذا العام ، فإنما تحل والوطن العربي يتعرض لعملية اطباق معادي من مداخله ، وتمادي عمليات التخريب في بناه المجتمعية من داخله ، وكله مرفوع على حاملة الحلف الصهيو – الاستعماري ،الذي يعيد انتاج نفسه بالاتكاء على ادوار قوى اقليمية تجد في المدى الجغرافي العربي مدىً حيوياً لمشاريعها في الهيمنة والسيطرة والاحتواء ، كما بالانحرافات الخيانية الحاصلة في سلوكية النظام الرسمي العربي باندفاع العديد منها السير في نهج التطبيع الذي بلغ مراحل متقدمة ، بعد انخراط الانظمة المطبعة في رفع درجات التنسيق الامني والتعاون الاقتصادي بقيادة صهيونية وتحت الرعاية الاميركية.
وإذا كانت المناسبة لا تتسع للسرد المسهب للأسباب التي اوصلت الواقع الذي تعيشه الامة العربية الى ما هو عليه من تصدعٍ في البنيان القومي، إلا أنه لابد من الاشارة إلى ان حال الامة في واقعها الراهن ما كان ليصل الى هذا المستوى من الاهتزاز لركائز الامن القومي، لولا جملة عوامل اساسية أبرزها:
أولاً ، التراجع عن لاءات الخرطوم واعتبارها كأنها لم تكن ، والسير بنهج التطبيع الذي أُسس له باتفاقيات كمب دافيد وصولا الى لقاء النقب .
ثانياً، العدوان على العراق واحتلاله وتدمير بنيته الوطنية والمجتمعية وإطلاق عملية سياسية برعاية اميركية -ايرانية مارس اطرافها وما زالوا، كل اشكال الفساد السياسي والاقتصادي والاداري وكل الموبقات الاجتماعية.
ثالثاً، الانقسام السياسي في الساحة الفلسطينية وتقديم الصراع على سلطة وهمية على الصراع مع عدو يمضي قدماً في قضم كل ارض فلسطين وفرض الصهينة على كل معالم الحياة فيها.
رابعاً، ارتفاع منسوب الخطاب المذهبي والطائفي والاستثمار بقوى التكفير الديني لتقويض بنية الدولة الوطنية بعد الانكشاف القومي الذي بلغ ذروته بعد احتلال العراق والاندفاع الايراني والتركي الى العمق القومي العربي.
خامساً، ضعف الهيكلة السياسية في بنية المجتمع العربي ،كما ضعف آليات العمل الديموقراطي وصيغ التحالفات الوطنية المتشكلة في اطر جبهوية صلبة على مستوى الاقطار وعلى المستوى القومي ، وهو ما مكّن الانظمة القمعية من اعادة انتاج نفسها بعد الاختراق الذي اصاب الحراك الشعبي وحرفه عن مساره التغييري في اكثر من ساحة عربية.
إننا ونحن نشير الى هذه العوامل التي تكاملت في نتائجها مع ما خلفته من نتائج كارثية على واقع الامة ، فإنما نشير اليها بغية تحديد سبل المواجهة .
وهذا يتطلب :
اولاً : اعادة الاعتبار للخطاب الوحدوي وتوحيد قواه في اطار مشروع متكامل ،وعلى قاعدة ان العدوان الشامل الذي تتعرض له الامة من اعدائها المتعددي المشارب والمواقع ، لا يواجه الا برد قومي شامل على مستوى الموقف والاليات التنفيذية . وهذا يفرض الاسراع بقيام الجبهة الشعبية العربية لتأطير الجهد الشعبي العربي في اطار مشروع سياسي يقوم على اساس التصدي لنهج التطبيع ومقاومته ، واسقاط كل النتائج التي ترتبت عليه حتى الان وتأمين الحاضنة الشعبية لكل فعل مقاوم للاحتلال اياً كانت اطرافه ومسمياته . واعطاء مساحة اوسع للمسألة الديموقراطية في الخطاب السياسي الوطني والقومي.
ثانياً : توحيد قوى الاعتراض والتغيير في الساحات الوطنية على قاعدة مشروع وطني ، لاعادة الاعتبار للدولة الوطنية ليس باعتبارها دولة امنية تنحصر وظيفتها الاولى في ممارسة كل اشكال القمع السياسي والاجتماعي بحق المواطنين ، بل اقامة دولة الرعاية الاجتماعية التي توفر كل شروط ومقومات الامن الوطني والاجتماعي بما فيه الغذائي والاستشفائي ، وتوفير البيئة الملائمة لممارسة الحياة السياسية على قواعد التعددية والديموقراطية وتداول السلطة وفق الاليات الدستورية ، وتطبيق قواعد الشفافية في ادارة الحكم كما المحاسبة والمساءلة بحق كل من ينتهك احكام القوانين في ادارة المرفق العام ويمارس الفساد السياسي والاقتصادي والاداري وينهب المال العام.
ثالثاً : العودة الى الجماهير بكل ما يتعلق بمصالحها على مستوى البناء الوطني وعلى مستوى مصيرها القومي . فحيث تقف الجماهير يجب الوقوف على الضفة التي تقف عليها . فاذا كانت الانظمة والقوى السياسية يسهل احتواءها ، فإن الجماهير عصية عليه ، وهي على استعداد دائم للتضحية من اجل الانتصار لقضايا الديموقراطية والتحرير والتغيير. وما الحراك الشعبي الذي انطلق في العديد من الاقطار العربية ،إلا علامة مضيئة على مايختلج به قلب الامة من نبض للحياة في هذا الظرف العربي العصيب ، ولا يقلّل من وقعه الايجابي ماتعرض له من اختراق في العديد من الساحات لحرفه عن اهدافه الاساسية. وهذا مايدفعنا للتأكيد ، إن هذا الذي يختلج به الواقع الشعبي العربي ،بدءاً من فلسطين التي تنتفض جماهيرها على مساحة ارضها التاريخية وتمارس الكفاح بكل اشكاله ، من تل الربيع والخضيرة وبئر السبع وغزة والضفة والقدس ضد الاحتلال الصهيوني ، الى بغداد والناصرية والبصرة والنجف والفلوجة وام الربيعين ضد الاحتلال الاميركي – الايراني ، ومن لبنان الذي شهد انتفاضة رائعة ضد حكم الفساد والمحاصصة ومن جنوبه الذي اطلقنا منه الفعل الوطني المقاوم ضد العدو الصهيوني نهاية الستينيات الى الاحواز العربية التي تقاوم جماهيرها التفريس واللواء السليب الذي يعاني التتريك ، ومن السودان الذي تخوض جماهيره وقواها الوطنية معركة التحول الديموقراطي والتصدي لطغمة الردة والتطبيع ،الى سائر الساحات العربية التي غصت ميادينها بالجماهير المنادية بالتغيير واقامة الحكم الرشيد . ان كل هذا ُيؤسسُ عليه لرسم خارطة طريقٍ للدخول رحاب المستقبل من بوابة الاعتماد على الجماهير في ممارسة الكفاح المسلح في معارك التحرير ، واعتماد آليات العمل الديموقراطي في معارك التغيير .
ايها الرفاق ، ايها الاخوة والاصدقاء ، الحضور الكريم.
هذا الذي نؤشر عليه في هذه العجالة ، تمت مقاربته باسهاب في اعمال المؤتمر القطري الاخير ، وتناولها التقرير السياسي الذي افرز الحيز الاوسع من ابوابه للوضع اللبناني لجهة تشخيص الازمة واسبابها بكل تراكماتها التي لخصها بثلاثة عناوين: ضعف الدولة ، وطبيعة النظام الطائفي بكل الفساد المستشري في كل مفاصل بنيته ، والتثقيل الامني والسياسي الخارجي الذي اتخذ من ساحة لبنان منصة لادارة مشاريع سياسية على مستوى الاقليم ،ولجهة تحديد مخرجات الحلول لها ،والتي يشكل اعادة تكوين السلطة على اسس لاطائفية المدخل الفعلي لأي اصلاح سياسي اقتصادي في حده الادنى وتغييري شامل في حده الاقصى.
واليوم، وفي هذه المناسبة ، مناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس حزبنا، حزب البعث ، نجدد التأكيد ، بأن التغيير لن يعطى منّةً ، بل ينتزع انتزاعاً ،وهذا يتطلب توفير ميزان قوى ، يمكّن بالاستناد اليه ، تأمين رافعة سياسية لمشروع الاصلاح السياسي وفق آلآليات الدستورية ،ومن طرفنا فإننا لن نوفر جهداً لتوحيد قوى الاعتراض الوطني في اطار جبهة ، تحكمها وحدة الموقف والرؤية السياسية من اجل ان يكون لمشروع التغيير مرجعيته الوطنية .
لكن ونحن نؤكد على هذا الموقف ، نقولها بكل صدقية وشفافية ، أننا لم نستطع حتى الان الارتقاء بالعمل الوطني الى ماهو مأمول منه على صعيد توحيد القوى والرؤية. وهذا ما افقد قوى التغيير باحزابها الوطنية ومجموعاتها الحراكية المشدودة الى حلقات الموقف الوطني ، القدرة على صياغة مشروع واحد تلتف حوله كل من انخراط في الحراك تحت شعارات انتفاضة تشرين .
ان هذا الواقع السلبي الذي حال دون توحيد قوى التغيير ،من احزاب ومجموعات ، لم يضعف من حضورها في المشهد السياسي وحسب ، بل مكّن قوى المنظومة السلطوية من اعادة تنظيم صفوفها واعادة تشكيل اصطفافاتها على اساس المحافظة على امتيازاتها ومحاصصاتها في السلطة اياً تكن الانعكاسات السلبية على الواقع الاجتماعي والمعيشي.
ان هذا الواقع الذي شاب علاقات قوى الاعتراض والتغيير، وحال دون بلورة مشروع موحد لقوى التغيير ، سحب نفسحه على آلية التعاطي مع الاستحقاق الانتخابي ، الذي لا يخاض على ارضية قانون سيءٍ جداً وحسب وإنما يخاض على ارضية تشتت قوى التغيير وعدم توحيد صفوفها في مواجهة الاخطبوط السلطوي بسبب تغليب الذاتي على الموضوعي.
ونحن من جهتنا، وكما كنا نحرص دائماً على توحيد القوى والرؤى السياسية لمواجهة الطغمة السلطوية ، فإننا في تعاملنا مع الاستحقاق الانتخابي الذي قاربناه بالدعوة للانخراط فيه على ارضية موقف وطني موحد ،سنبقى نقارب اجراءاته العملية بذات الروحية وبذات الاصرار على التمسك بالموقف المبدئي الذي نبني عليه صيغ تحالفتنا وعلاقاتنا مع الذين تجمعنا واياهم المشتركات السياسية الوطنية ، في مواجهة منظومة المحاصصة السلطوية الطائفية، لأن الانتخابات بالنسبة لنا هي لحظة ظرفية في مسار عمل سياسي طويل ، وهي ليست هدفاً بحد ذاتها حتى تنتهي الحياة السياسية بانتهائها. وعليه ، فإننا سنبقى نعمل لتجاوز كل المعوقات التي تعيق الوصول بالعمل الوطني المشترك المتمحور حول كتلته الصلبة الى مستوى الطموح الوطني ،انطلاقاً من ادراك عميق ، بأن أي فريق وطني لايستطيع ان يشكل بمفرده رافعة للمشروع الوطني لاجل بناء نظام وطني ديموقراطي تسوده قواعد العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، ويطبق مبدأ المحاسبة بحق من اوصل البلد الى الانهيار وارتكب جريمة العصر، ويسعى للتنصل من المسؤولية بالتلطي وراء الحصانات تارة ، وترهيب القضاء تارة اخرى ، والتهديد بالثبور وعظائم الامور اذا ماتواصل التحقيق في جريمة المرفأ .
وعلى هذا الاساس ، فإننا وفي هذه المناسبة ،مناسبة اليوبيل الماسي لتأسيس الحزب ، نجدد الدعوة لكل الاطراف الوطنية للارتقاء بعلاقاتها السياسية الى المستوى المؤسسي ، كي ُيحمى الوجود الوطني من محاولات الانقضاض عليه وضربه ، ولاطلاق دينامية سياسية تعيد الاعتبار لنبض الشارع الذي استطاع ان يحقق الاسقاط الاخلاقي للمنظومة السلطوية مقدمة لاسقاطها السياسي ، انطلاقاً من اعادة تشكيل السلطة على اساس قانون انتخابي وطني خارج القيد الطائفي وعلى اساس النسبية والدائرة الوطنية . وهذه دعوة نوجهها لكل اطراف الصف الوطني لملاقاة الحزب في موقفه لاطلاق ورشة عمل تعيد إنتاج صيغة متقدمة من العمل الوطني المشترك تكون قادرة على محاكاة الطموح الشعبي الساعي للتغيير وبناء دولة الرعاية الاجتماعية والمواطنة.
كما اننا ، وفي هذه المناسبة ، مناسبة اليوبيل الماسي لحزب الوحدة والحرية والاشتراكية ، حزب فلسطين ، نناشد قوى الثورة الفلسطينية بكل فصائلها ، ان تتوحد على ارضية الموقف المقاوم على مساحة كل فلسطين وان تخرج من وهم المراهنة على تسويةٍ ، لن تستطيع في ظل موازين القوى السائدة ان تنتزع حقاً وطنياً مغتصباً. فهذا الحق لن يسترد الا بالقوة ولا مراهنة على النظام العربي ، من طبّع منه ومن ينتظر . ففلسطين وكما قال القائد المؤسس الرفيق ميشيل عفلق ، “فلسطين لن تحررها الحكومات وإنما الكفاح الشعبي المسلح”.
ونداء نوجهه الى كل القوى الوطنية العربية وكل احرار الامة ، للتلاقي والتوحد في اطار جبهوي لا ستعادة زمام المبادرة في قيادة النضال الجماهيري العربي من أجل الوحدة والتحرير والتغيير.
تحية لفلسطين ومقاوميها وشهدائها والحرية لاسراها ومعتقليها ، وتحية للرفاق في جبهة التحرير العربية في الذكرى الثالثة والخمسين لانطلاقتها في التاسع من نيسان ١٩٦٩…
تحية للعراق ومقاومته وانتفاضة جماهيره والحرية للرفاق وكل المناضلين الاسرى والمعتقلين في سجون السلطة العملية ، والحرية للرفاق وكل المناضلين المعتقلين في السودان .
تحية للقائد المؤسس الرفيق ميشيل عفلق وكل الرفاق الذي ساهموا في اطلاق هذه الحركة التاريخية قبل خمس وسبعين سنة .
تحية لشهيد الحج الاكبر ،شهيد العراق وفلسطين وكل الامة العربية الرفيق القائد صدام حسين.
تحية للرفيق القائد الامين العام للحزب عزة ابراهيم ، و للرفيق نائب الامين العام الحزب الدكتور عبد المجيد الرافعي.
تحية للرفيق علي الريح السنهوري الامين العام المساعد للحزب وكل الرفاق على مساحة الوطن العربي الكبير.
تحية لشهداء الامة والمجد والخلود لهم ، والخزي والعار لكل الخونة والمتآمرين والمطبعين.
عاش البعث العظيم ، بعث الامة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة .
عاشت الامة العربية واهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية .
عشتم ، وعاش لبنان حراً عربياً ديموقراطياً موحداً .
بيروت في ٢٠٢٢/٤/١٠ .