7 نِيسَان .. ضَمِير الأمَّة ومَسِيْرهَا
أ. احمد مختار – السودان
75 عاما مضت، منذ أن أعلن البعث ميلادَه الأول، وهى فترة بعمرِ الأمم والشعوب قصيرة وقصيرة جداً، ولكنها بمقياسِ الفِعل والتأثير الحَضاري والنضالي ،والمَسِير نحو الهدف والغايات، ضخمة وفارِقة.
كان تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي ،في ذلك التاريخ، استجابة لتوقٍ شعبيّ و تحدياً حضارياً وثقافياً ووجودياً لما يمور به الوطن العربي والعالم من احداث كبرى غيَّرَت مشهد الكون وحدود الدول، وعصَف الإستعمار مُتعدِّد الوجوه بشعوبٍ كثيرةٍ ونهَبَ مواردَها، واستتبَع أخرى لمنظوماتِ العالم بعد حقبة الإستعمار ونتائج الحرب العالمية الثانية (1945- 1949).
ولكن حركة البعث التزمَت بوعيٍ عميق طريق الجماهير الشاق والوعِر، مستَلهِمة تراث الأمة العربية الخالد، وأمجادها الإنسانية عبر التاريخ، بمنهجٍ عِلميّ ثوريّ حضاري مكّنها من وضعِ القضية العربية ككُل لا يتجَزأ، لأول مرة فى التاريخ، واسترخصت الدماء والأرواح من أجل أن تبقى رايتها تحت الشمس مع كلِّ الأمم العظيمة، وقدَّمت لذلك الآلآف من الشهداءِ والضحايا والمعتقلين والمهَجَّرين والمفقودين، حتى عُرِفت بأنها (أمة الشُهداء)، ليس حُبّاً في الموت ولكن تقديساً للحياة وكرامة الإنسان وعزّته.
وهكذا مضى البَعث منذُ العام 1947م، يُغذّي شرايين الأمة العربية في عصرِها الراهن بالكبرياءِ والمواقف وحبّ الأرض وابنائها الكادحين، من مورتانيا الى البحرين، ومن اليمن الى لبنان ومن تونس الى السودان. لم يكلّ ولم يملّ ابناؤها من افتداءِ شرف الحياة بالأرواح والمُهَج والدم القاني وغالى العطاء، وهى تسوِّر صورة القدس والأقصى الشريف بعلامات النصر وإرادة العودة.
يَحتفل البعثيّون وأحرار العالم بمرورِ الذكرى (75) لميلادِ البعث العظيم وقوى الهيمنة والإحتلال الأجنبي ما زالت تَعيثُ فساداً وعَربَدة في أرض وموارِد وخيرات الأمة، يتكالَب معها أصحابُ الأحقاد والأطماع التاريخية، من صهاينة و فُرس وغيرهم.
لقد أكَّدت التجربة العملية الغنيّة للبعث في طريق الوحدة والحرية والكرامة والاشتراكية، إن الأعداء لم يستَخِفّوا بالأمة العربية ومقدَّراتها إلا عندما يضعف إيمانها بوحدتِها، ويتراجَع النضال من اجل تفعيل دور التنوّع داخل إطار الوحدة وعلى طريق تحقيقها، ويتمّزَّق وجدانها القومي بالطائفية والجِهَوية والتشَرذُم حول الولاءات والمصالِح الذاتية الضيّقة والإنكفاء واستتباع الأعداء ومآربهم، والإنصِياع لمخططاتِهم فى التفتيتِ ونهب المقدّرات والموارد .
إن معطيات الواقع الراهن، بكل التباساته وانتكاساته وتطوّر البَشَرية العلمي والتكنولوجي، بقدرِ ما يُضيف تفوّق نَوعي للأعداء، فإنه يُعطي الجماهير العربية في كل اقطارها فرصة حقيقية للوقوفِ على عناصرِ القوّة والمنعة لديها، ويُمَكِّنها من التعرفِ عن قرب على تفاصيل المؤامرات التي ظلت تُحاك ضدها والتي مَنَعَتْها من توظيفِ إمكاناتها وقدراتِها الروحية والمادية والثقافية، في سبيل بعثِها ونهوضها.
ويستطيع المواطن العربي في كلِّ مكان أن يلمس خيوطَ التآمر على وطنِه وأمنه ومستقبله لمس اليَد. واليوم المَعرَكة مفتوحة على مصراعَيْها مع كلِّ اعداء الأمة القريبين والبعيدين عنها، وبكلِّ الوسائل العسكرية والعلمية والثقافية والإعلامية والنفسية. إن كلّ خطوة يخطوها العرب نحو وحدة امكاناتهم و ارادتهم وقرارهم، تقرِّبُهم نحو تحقيق اهدافهم بتحريرِ فلسطين والعراق. وكلّ ساحة من ساحاتِ الوطن العربي تتحرر من الإحتلال والهيمنة و الاستبداد والطغيان، تعطي البعث قوة إضافية، وتمنَحه فرصة واسعة للإلتحام بالجماهير وقضاياها وتحقيق الحياة الحرة الكريمة في ارضها.
وما يجري اليوم من نُذُر مجاعةٍ عالمية واختلال في موازين الدخل والحياة في الأقطار العربية، بسبب الحروب والمتغيرات الإقتصادية والسياسية الراهنة، وانعكاساتها على الوطن العربي ، يؤكِّد صِدق منهَج البَعث الذي رَفَع منذُ زمَنٍ بعيد شعار ( نفط العَرَب لِلعَرَب) وفق رؤيته للإشتراكية العربية، ليتحقق نهوض الإنسان العربي وتحرّره، ويرتقي وعْيَه ومستوى معيشته، باعتباره هدف التنمية ووسليتها. وقد شاهد الذين أُتيحَت لهم فرصة زيارة عراق البَعث من كل البلدان العربية وغير العربية، تطبيقات عملية لرؤية ومنهج البعث في تحقيق شعاراته.
وهو يحتفل بذكرى ميلاده الخامس والسبعين، يحقّ له أن يفخر بقادتِه المؤسسين ومناضليه ومناضلاته في كل اقطار العروبة الذين قدَّموا كل ما يملكون لتنهض الأمة، وتعيش كما تريد وينبغي، بين الأمم، أمة عظيمة حرّة كريمة معطاءة وذات رسالة خالدة ومتجدِّدَة.
وكما قالها القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق:
(خذوا الأمة فى حالةِ نِضال تَجِدوها بينَ أرقى الأمَم).
فالنضال هو الحالة التعْبيريّة عن حقيقتِها ونزوعِها الإنسانى.