في ذكرى شهيد الحج الأكبر : صَدَّام حُسَّين رَمز الأمة الشُّجَاعِ المَكِيْن
د.محمد رحيم آل ياسين
تمرَّ علينا في هذه الأيَّام ذكرى استشهاد الرفيق القائد صدَّام حسين رحمه الله تعالى، وحيث نقرأ سيرة الشهيد العطرة بهذه الذكرى، فإنَّنا لا نجد قائداً في التاريخ المعاصر، قد تَعرَّض الى كلّ هذا الكم من الهجوم لتشويه مسيرته النضالية. فقد أُستُهدِف فقيد الأمة وهو حَيٌّ يُرزَق وحتى يومنا هذا، وهذا دليل ساطع على مكانته ومنزلته وقيمته الشامخة، وحجم تأثيره في الحياة الداخلية للحزب وفي قيادة مشروع البعث الحضاري القومي والانساني النبيل، ومسيرة ثورة 17تموز المباركة.
صَدَّام حسين وإرثه النضالي
انَّ ارث القائد الشهيد الحزبي والشعبي والانساني، لا يمكن أن يُدفَن في مقابر المَنسِيِّين والمُهَّمشين من الناس، فهذا الإرث لم يأتِ هكذا دفعة واحدة أو بعصاً سحريَّة!، بل هو خزين من مزيج تراكمي كان محصّلة تجارب امتدَّت منذ شبابه الباكر حتى لحظة استشهاده. هذه الخبرات النضالية الفريدة انَّما مردّها الى تلك القيَم الأصيلة والمباديء الراسخة في شخصيته ، والى الأحلام الكبرى التي كان ينشدها ويعمل على تطبيقها وتأصيلها على أرض الواقع، ابتداءً من قطر العراق وامتداداً الى أبعد نقطة من أرض العروبة.
لقد كان الرئيس الشهيد يولي احتراماً عميقاً لتاريخه النضالي، يتبعه احترامٌ أكبر لتاريخ العراق العظيم، ثم يختمه بذاك الاحترام لتاريخ الأمة العربية المجيدة، ودورها الانساني الخالد. فصدَّامُ لم يأتِ الى ما أتى اليه من موقع المسؤولية الأولى في الدولة والأمة، خارج سياقات البعث العظيم، ولم تكن أهدافه تخرج أو تتعدى أهداف الحزب التي هي أهداف الأمة القومية الانسانية النبيلة، لذلك فهو عندما يؤكد هذا الاحترام والاعتزاز الكبيرَين بتاريخ أمته انَّما هو ديدن كل بعثي صميم آمن بالبعث ورسالة امته الخالدة.
الشَّهيد ومشروع البعث النهضوي النبيل
كانت القوَّة التي يتمتع بها صدَّام حسين، ونقصد بها عمق الإيمان ورصانته وحداقته الفكرية والذهنية وتأثيراتها في بناء شخصيَّته القوية، تكمن في عمق وشمولية نظرة البعث للمشروع القومي النهضوي الحضاري، فأخذ الفقيد ورفاقه في القيادة على عاتقهم مهمة الاندفاع بكل قوة نحو ايجاد الركائز العملية لتطبيقه على أرض الواقع، من خلال الانطلاق بعملية بعث مجد الأمة من جديد. فقد كانت شخصية الفقيد تُحاكي شخوص رموز العراق والأمة التاريخيين في الروح والمعنى والغايات الانسانية النبيلة.
لم يكن البعث يقبل بأقلّ من التغيير الجذري في العراق والأمة، وفق قيَم العروبة وروح الإسلام الحنيف، من هنا فقد واجه الفقيد ورفاقه الأوفياء في القيادة تآمراً وعدواناً مستمراً منذ فجر ثورة 17تموز الظافرة وحتى الغزو والاحتلال الغاشم لبلاد الرافدين. واجه البعث عدواناً من الكيان الصهيوني ومن دولة السوء ايران، وعندما تحقَّق النصر الناجز على عدوان الفرس، في قادسية العرب الثانية المجيدة، عندها تحالف أرباب الشرّ فيما بينهم للانقضاض على دولة البعث ونظامه الوطني والقومي بقيادة الرئيس الشهيد صدَّام حسين في سنة 1991م حيث دُمِرَّت البُنية التحتية للبلاد، وفُرِض حصار جائر وشامل لم يشهد له التاريخ مثيلاً استهدف أبناء الرافدين الغيارى.
الدَور التَّاريخي والثَّمن الغالي
وبعد ذلك نود أن نؤكّد على حقيقة منطقية لا يمكن القفز عليها أو عبورها، وهي أنْ لا دور تاريخي حقيقي بلا ثمن…فالدور التاريخي الكبير للشهيد صدَّام كان ثمنه غالياً جداً، فثمن دفاعه المستميت عن العراق والأمة كان استهدافه. ويمكن أن نقيس هذا الدور فيما يخصّ العراق، فالعراق هو صاحب الدور الريادي المتقدم في اضاءة مشعل الحرية والكرامة والتقدم لأمة العرب جميعاً، فكان العراق وسيبقى بإذنه تعالى حامل رسالة الأمة الخالدة من خلال نظام البعث الذي كان يقود العراق، وبالتالي فكان لهذا ثمنه بالنسبة للعراق، فما جرى عليه ويجري من عدوان همجي مباشر، أدى الى احتلاله وتدميره، واغتيال قيادته وتشريد شعبه وتهجيره في الداخل والخارج ثم فرض عملية سياسية بائسة هدفها السلب والنهب لموارد شعبه، والاجهاز على الدولة العراقية وبُناها التحتية. ثم ننتهي بمنظورِنا حيث نقيس بها دور الأمة التاريخي والانساني في تحقيق رسالتها الخالدة، تلك التي اختَّصها الله تعالى واجتباها للقيام بهذه المهمة الانسانية النبيلة، هذا الدور العظيم للأمة كلَّفها كل هذا الإستهداف والعدوان من أعداء الله والانسانية، الذين اتفقوا على ايذائِها ، بكل هذا البغض والحقد الأسود الذي تجمَّعوا بسببه من كل أرجاء الأرض، غايتهم ايقاف نهضتها ومسيرتها المشرقة. وليس حزبنا المناضل ببعيد عن هذا الدور التاريخي الذي اضطلع به منذ تأسيسه قبل أكثر من سبعين عاماً، فكان ثمن دوره الريادي التاريخي، هو استهداف فكره وكوادره وقواعده بأبشع انواع الاستهداف الجسدي والمعنوي والمادي في محاولات خائبة للسير عكس حركة التاريخ من اجل تعطيل تحقيق أهدافه القومية والانسانية الكبرى في تحقيق وحدة الأمة العربية وتحررها ونهضتها الحضارية .
نفحات فوَّاحة من سيرة الشَّهيد العطرة
تميَّز الشهيد باليقين والإيمان الذي يعمر في نفسه، ثم الثبات، والطموح والحماسة، وكانً يشهر سلاح الحزم وحسم الأمور في وقتها ودون تأخير. بدأ صدَّام حسين حياته قوياً، صلباً، شجاعاً، ذو عزيمة لا تلين، منذ طفولته، ولو قمنا بتحليل شخصيته ، فإنَّنا سنجده ميَّالاً بقوة الى استخدام لغة واقعية، وبلهجة يفهمها العراقيُّون والعرب، ودائما يُفضِّل أن يتحدث بصيغة الجمع أي(نحن) للتعبير عن رأي الشعب والأمة والحزب وليس رأيه الشخصي. ومن طبع الشهيد أنَّه دائم البحث عن أيّ طريق تُفتَح من خلالها أبواب الرِّزق والرَفاهية والرخاء للعراقيين والعرب.
وإذا أراد أي صحفي أو اعلامي أن يستفزّ الفقيد ويثير غضبه، فليتحدث بما لا يليق عن العراقيين، أو العرب، أو قضية فلسطين وانتفاضة شعبها، وهذا يعود الى أنَّه قد تخرَّج من مدرسة البعث، فترسَّخت الأفكار والقيَم والمباديء في نفسه، ثم أعقبها بتمثيل وتطبيق حيّ على أرض الواقع، فأحسن وأبدع أيَّما ابداع.
في عهد قيادة البعث للعراق عقب ثورة 17 تموز المجيدة، حيث كان الرفيق الشهيد يناضل مع رفاقه في مهمة النهوض بالعراق والأمة، انتعش الشعب في كل مناحي حياته، بعد أن انتعشت الثقافة الوطنية الصالحة والعامة، وانتعش العلم والعلماء، والأدب والأدباء، انتعش التعليم في كل مستوياته من رياض الأطفال حتى الدراسات العليا، انتعش البناء الحضاري في كل المستويات، انتعشت الزراعة والمزارعين، والصناعة بكلا نوعَيها الخفيفة والثقيلة، انتعشت البحوث العلمية ومراكزها. وقبل كل هذا انتعشت الوطنيَّة الحقَّة على أصولها، فكان العراقيون شعباً واحداً متوحداً، متآلفاً، متوافقاً، متصالحاً مع نفسه، متآزراً بعربه وكرده وبقيَّة مكوّناته الوطنية.
وقد امتاز الشهيد بأنَّه كانَ محاوراً شعبياً وجماهيرياً في غاية التأثير في نفوس العراقيين والعرب، عبَّرت عن هذه المَلَكة القيادية تلك الحوارات والمعايشات التي كان يقوم بها بين أبناء شعبه، في الأرياف والأهوار، في القرى والمدن، في الصحاري والوديان..
صدَّام هو القائد والسياسي، وهو المقاتل المقدام والشجاع الذي لا يهاب الموت. وكان ذلك واضحاً في قيادته لمعارك العِزّ والشرف في صدّ العدوان الايراني العنصري على حدود الأمة الشرقية. ورغم ظروف الحرب الشرسة، فانها لم تمنعه من أن يتواصل مع شعبه بشكل مباشر، ويتابع أمورهم وقضاياهم، ويديم ادارة الدولة، ولم ينسَ أبناء أمته في كل مكان من أرض العروبة، ومتابعة كل جوانب الحزب الفكرية والتنظيمية فيها.
المعركة مع أعداء الأمة باقية حتى النصر المؤزَّر
وبعد ذلك نقول، ماذا بعد احتلال العراق، واستهداف شعبه الابي ونهب موارده ومحاولات تقسيمه واستهداف البعث العظيم بقواعده وكوادره واغتيال قيادته الوطنية وفي مقدمتها شهيد الحجّ الأكبر صدَّام حسين؟ هل انتهت المنازلة الكبرى بالتسليم لأعداء الأمة والبعث، والقبول بالأمر الواقع لصالح أرباب الشرّ من أمريكان وفرس صفويين ومَن تحالف معهم؟.
والاجابة بكلّ تأكيد ستكون بعدد لا يُحصى من اللاءات، فالثورات الحقيقية لا تموت، وثورة 17تموز ثورة حقيقية راسخة، والبعث هو ثورة على الضعف والتخلف والجهل وكل أشكال الإستعمار والوصاية الأجنبية قديمها وحديثها على الأمة. ان الدور الذي اضطلع به الفقيد صدَّام وبذل نفسه وحياته من أجله، ورسالة البعث التاريخية النبيلة ومشروعه الحضاري العظيم هو باقٍ في عقول وصدور المناضلين في الحزب، وقيادته الرشيدة تعضّ عليه بالنواجذ، ولن تحيد عنه قيد أنملة.
انَّنا نجد أنَّ على المنصفين في العالم أن يقوموا بتقيِّيم موضوعي وعادل لتجربة البعث وقيادته التاريخية من خلال اعادة قراءة تلك التجربة جنباً الى جنب مع انجازات حزبنا العظيم عندما تسنَّم قيادة العراق في ظل ثورة 17تموز الظافرة ذات الكم الكبير من المواقف والانجازات التاريخية على المستوى الوطني والعربي والدولي، عندها ستتضح الصورة بشكل منصف وعقلاني وعادل لتستفيد منها الاجيال القادمة.
انَّ كل ذي بصر وبصيرة يعرف جيداً أنَّ أعداء البعث والأمة ما كان لهم أن يتركوا البعث وقيادته والعراق والامة العربية في مسيرتهم النضالية، دون أن يضعوا العراقيل والمطبَّات في طريقهم، وعندما لم يفلحوا، كان تحالفهم الشرّير في غزو العراق واحتلاله، بالتعاون مع جارة السوء ايران، وبمعونة خونة الدار والديار، وعليه وان تحقَّق انتقام بني فارس وبني صهيون باستهداف العراق وقيادته والامة العربية في اكثر من قطر فان المعركة مع أعداء الأمة لم تضع أوزارها بعدُ، ولم ينكشف غبارها الى الآن فهناك جولات قادمة لا محال، فالباطل الذي هم فيه وعليه له جولة واحدة، وللحق الذي يمسك به البعث والأمة بقوة له جولات وجولات، والنصر حليف الحقّ ان شاء الله تعالى.
الرحمة والخلود لشهيد الحجّ الأكبر الرفيق القائد صدَّام حسين، وشهيد الصبر والمطاولة قائد المقاومة الوطنية الرفيق القائد عزَّة ابراهيم، ولشهداء العراق والأمة العربية في كل مكان.