تزوير الشَهادات الوَجه الآخَر للغَزو
تُنفِّذَه العَمليّة السِياسيّة وأدواتها
الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس
مدخل:
يقترن اسم الدولة الحديثة المتقدمة في جميع مناحي الحياة بتطور وتقدم التعليم فيها بجميع مراحله، ويقترن أيضاً باعتماد آليات تطوير مستمرة ولجان متخصصة تقوم بإنجاز تحسين وتطوير وتغيير المناهج الدراسية واقتراح مناهج جديدة وحذف أخرى لتقادمها أو لعدم صلاحيتها بسبب التطورات المستمرة.
وترصد الدول المتقدمة نسباً عالية في ميزانياتها لدعم الخدمات التربوية، وتطوير معيشة المعلمين وأساتذة الجامعات، وتمكين البحث العلمي في مصادره ومراجعه والأجهزة والمواد التي يحتاجها، ولا توجد مؤسسة أو شركة إنتاج أو مصنع في بلدان العالم المؤمنة بشعبها وبضرورات التنمية الشاملة المستدامة إلا وفيها مجموعة بحث وتطوير لتحسين الإنتاج وطرح اكتشافات واختراعات جديدة لمنتجات جديدة.
التعليم ليس عملية ترفيه في حياة الشعوب، بل هي عامل مفصلي وحاسم في إنتاج العلم والتكنولوجيا وتطوير المجتمع والاقتصاد، وبالتالي فهي ليست خياراً بين الخيارات لالتزامات الدولة، بل واجب وضرورة.
ولأهمية هذا الأمر فقد حثت عليه الأديان السماوية وكذلك صانعوا الفكر وقادته من الفلاسفة والعظماء الذين رسّخوا المبادئ والقيم العليا التي قامت عليها الحضارات الأنسانية عبر التاريخ. ونشير في هذا المدخل الى بعض الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة و المقولات المشهورة لفلاسفة ورجال دولة وعلماء وقادة مجتمع نستشهد بها على منح موضوعنا هذا المزيد من الدعامات المنهجية، وهي شهادات تتجاوز أهميتها وقيمتها المواقف السياسية الطارئة والظروف المتغيرة، لتستوطن الثبات الاستراتيجي الحيوي الحاسم في حياة المجتمعات والشعوب والأمم والدول.
فديننا الإسلامي الحنيف يدعو إلى العلم، فأول خمس آيات نزلت من كتاب الله تؤكِّد على أهمية العلم وفضله ووجوب تحصيله وطلبه، كما في قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم ) ، كما حثَّ الإسلام على الاجتهاد في تحصيل العلم فأحاديث الرسول الكريم- عليه الصلاة والسلام- عديدة منها : ( فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ)، وقال أيضاً: ( من خرج في طلب العلم، فهو في سبيل الله حتى يرجع) .
وقد اكد دستور حزب البعث العربي الاشتراكي ووثائقه ومقرراته منذ التأسيس على ان العلم والتربية والتعليم من أهم أسس نهضة الأمة العربية. ففي مجال سياسة الحزب في التربية والتعليم نص الدستور على : (ترمي سياسة الحزب التربوية إلى خلق جيل عربي جديد مؤمن بوحدة أمته وخلود رسالتها، آخذ بالتفكير العلمي، طليق من قيود الخرافات والتقاليد الرجعية، مشبَّع بروح التفاؤل والنضال والتضامُن مع مواطنيه في سبيل تحقيق الانقلاب العربي الشامل وتقدم الإنسانية ).
ونصت المادة (45) منه على : ( طبع كل مظاهر الحياة الفكرية والاقتصادية والسياسية والعمرانية والفنية بطابع قومي عربي يعيد للأمة صلتها بتاريخها المجيد ويحفزها إلى أن تتطلع إلى مستقبل أمجد وأمثل ). كما نصت المادة (46) على ان ( التعليم وظيفة من وظائف الدولة وحدها). اما المادة (47) فقد قررت الزامية التعليم ومجانيته اذ نصت على ان (التعليم بكل مراحله مجاني للمواطنين جميعاً، وإلزامي في مراحله الابتدائية والثانوية) كما قررت المادة (48)على ان ( تؤسس مدارس مهنية مجهزة بأحدث الوسائل، والدراسة فيها مجانية).
و نصت وثائق المؤتمرات القومية على : (أن نهضة الأمة وتحقيق أهدافها لا تكون إلا بتربية المواطن تربية اشتراكية وعلمية تعتقه من كافة الأطر والتقاليد الاجتماعية الموروثة والمتأخرة، لكي يمكن خلق إنسان عربي جديد بعقل علمي متفتح).
ومن جهة اخرى فقد اهتم العالم اجمع بالعلم والتعليم كأساس للحضارة الأنسانية فقد اكّد الفلاسفة والقادة العظام عبر التاريخ على اهمية العلم في المجتمع فقال ارسطو: (المتعلم يختلف عن غير المتعلم بقدر اختلاف الحي عن الميت) و (التعليم زينة في الرخاء وملاذ في الشدة). كما قال سقراط : (التعليم هو إضرام النيران، وليس ملء الوعاء ). وقال غاندي : (عِش كما لو أنك ستموت غداً، وتعلَّم كما لو أنك ستحيا إلى الأبد)، وأكد نيلسون مانديللا على التعليم بقوله : (التعليم هو أقوى سلاح من الممكن استخدامه لتغيير العالم). ومن اقوال اشهر القادة ورجال الدولة في العالم : (التعليم يحرس البلاد أفضل من جيش منَظَّم) و(المعرفة تقود الى القوة والمعلومات تقود الى التحرر أما التعليم فهو الوعد الذي نحظى به للتقدم..) و (مهما كانت تكلفة مكتباتنا، فهي تكلفة رخيصة مقارنة بتكلفة شعب جاهل!) واخيراً (التعليم ليس إعداداً للحياة… بل هو الحياة نفسها!) .
الّا ان ما جرى ويجري في العراق منذ غزوه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأدواتها، من أحزاب وميليشيات، في عموم مسارات الدولة ، يؤكد على ان الغزو يفعل فعله التخريبي عبر حقل التعليم بشكل خاص، مما يشير الى حقيقة ان اتجاهات الغزو والاحتلال تسير بخطى حثيثة إلى التدمير المنظَّم والمنهجي للتربية والتعليم وصولاً الى تحقيق اهداف الغزوعبر طرق مختلفة أخطرها نشر الفساد بأنواعه، وأخطر ما في فساد التعليم هو تزوير الشهادات. فما هي اسباب كل ذلك؟.
أسباب تدمير التعليم في العراق المحتل:
بدأ تخريب التعليم في العراق في الأشهر الأولى للغزو سنة ٢٠٠٣م، وتصاعد تدريجياً ليُتوَّج بفضيحة مدوية عُرِفَت على نطاق محلي ودولي واسع مؤخراً، هي فضيحة شراء قرابة ٢٧ ألف شهادة عليا من (الجامعة الإسلامية) في بيروت لوحدها. وإذا كانت هذه الفضيحة قد أعلنت دون تكذيب من أحد بل إن الجامعة نفسها قد لجأت إلى طرد رئيس الجامعة في إجراء ترقيعي للملمة أطراف الفضيحة التي تم فيها شراء شهادات ماجستير بسعر خمسة آلاف دولار وشهادات دكتوراه بعشرة آلاف دولار، فإن عمليات تزوير الشهادات قد بدأت على نطاق واسع سنة ٢٠٠٣ في بغداد وفي مكان محدد معروف هو (سوق مريدي) في مدينة صدام التي غيروا اسمها بعد الغزو إلى مدينة الصدر، وحسنا فعلوا، لكي يتطهر اسم القائد صدام حسين من أدران ما يجري في هذا الحي البغدادي الشعبي من جرائم وفساد أخلاقي تأنف أقلامنا من التطرق له نتيجة عبث المليشيات المجرمة وأحزاب إيران العميلة، وتزوير الشهادات هو جانب واحد من جوانب عمليات تزوير وثائق الدولة المختلفة التي استخدمها زبانية الاحتلال لاغتصاب بيوت وعقارات ومزارع وسيارات وممتلكات مختلفة للمواطنين وللدولة، وهي عمليات لا تكمن خطورتها في القيمة المادية حصراً بل الأخطر منها هو استخدامها لصناعة الجرائم والسلب والنهب الذي أفضى عملياً إلى انهيار منظومات القوانين والقضاء، وتدهور مؤسسات الدولة، وانهيار هيبتها ومصداقيتها.
بدأ انهيار التعليم بعد الغزو متزامناً مع انهيار وتهديم مؤسسات الدولة كلها، وكان من بين أبرز ما أقدم عليه الاحتلال وأعوانه هو هدم الصناعة العراقية وإزالتها من على سطح الأرض، وإغراق العراق بالمنتجات الإيرانية الصناعية والزراعية، وتقويض المؤسسات القانونية، ونشر الفوضى، وتقزيم سلطة القانون عبر تهديم المنظومات الأمنية وحل الجيش وتهيئة ساحات العراق لإرهاب المليشيات وفرق الموت وعصابات السلب والنهب، وإغراق البلاد بالظلام والمخدرات ونشر مجاميع المتاجرة بالجنس والشذوذ والتخنث.
وأخذ انهيار التعليم صوراً مرعبة بدأت باجتثاث آلاف مؤلفة من الاساتذة والمعلمين والمدرسين، بحيث أفرِغَت الكثير من المدارس والجامعات من كوادرها الكفؤة والمؤهلة وخبراتها المشهودة محلياً وإقليمياً وعالمياً، حيث كان التعليم في العراق بمختلف منظوماته هو الأفضل في المنطقة كلها.
إن الأسباب الأساسية لاستهداف التعليم في العراق المحتل سواءً ببناه التحتية أو المتطورة العليا تتلخص في إدراك المحتل لدور التعليم في بناء المجتمع وترصين نسيجه الاجتماعي، ولأن التعليم هو الرافد المحوري لبناء الدولة وضمان نمو مرافقها المختلفة. فلقد بان جلياً أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها وأولهم إيران قد قرروا ان من اهم اهداف الغزو هو هدم الدولة العراقية وابقائها في منطقة تقع على شفا حفرة تتأرجح فيها بين الحياة وبين الموت، وتضع العراق على حافات التقسيم.
إن تقويض مقومات التعليم بكل مراحله والتي بناها العراقيون بالدم والعرق والمال في عهد دولتهم الوطنية هو الطريق الممهد السالك للاحتلال وأعوانه في إدخال العراق في ظلمات الجهل والتخلف والبطالة، وكلها عوامل تؤدي إلى تقويض قيم المجتمع وتهديم أواصره وتقطيع نسيجه وتفتح الساحة واسعة للفساد والإفساد، وهذا بالضبط ما شهده العراقيون والعالم كله وما زال يشهده وبذلك يكون الغزو قد حقق اهم اهدافه وأخطرها.
إن إصرار الولايات المتحدة على تسليط النظام الكهنوتي الإيراني كان من بين أهدافه إنهاك منظومة التعليم عبر:
١- نشر الخرافة والفساد.
٢- تغيير مناهج الدراسة إلى اخرى طائفية وعرقية وفئوية بغيضة تمهيداُ لتقسيم الوطن.
٣- جعل بيئة التعليم بؤراً لمخرجات رديئة أمية فارغة عقولها من العلم والمعرفة الحقيقية.
٤- تحويل المدارس والجامعات إلى بؤر للفساد الأخلاقي والمخدرات وزواج المتعة، ولكل ما يتنافى وأخلاق العراقيين ودينهم وقيمهم ومبادئهم العروبية والوطنية والإنسانية المتحضِّرة.
٥- نشر الممارسات المتخلِّفة ذات الطابع المذهبي التي لا علاقة لها بالدين او المذهب كاللطم والتطبير والتشابيه، ومنابر الضخ الطائفي الشعوبي، وتحويلها إلى ممارسات دينية تغزو عقل الأجيال وتستعمره، وهي في واقعها وحقيقتها ليست كذلك وانما محض أدوات سيطرة على العقول والنفوس بما يعاون على توطين الاحتلال الإيراني للعراق بدعم وحماية وتمكين أمريكي بريطاني صهيوني.
أسباب تزوير الشهادات في العراق المحتل:
يمنح النظام التعليمي في كل العالم وخاصة التعليم العالي منه الشهادات العليا في مختلف الاختصاصات الانسانية منها والعلمية لرفد التنمية الشاملة للبلاد، فشهادتي الماجستير والدكتوراه والشهادات العليا الاخرى تمنح لتكون مثابة الانطلاق لحامليها في ممارسة البحث العلمي في مختلف مرافق الدولة ومؤسساتها التي تتطلب البحث والتطوير والسيطرة النوعية وصيانة الجودة وأيضاً لتهيئة الكوادر التي تنهض بالتعليم الجامعي (وربما الثانوي في بعض البلدان المتقدمة) بمراحله المختلفة.
إن حملة الشهادات العليا الذين ينتجون العلم والمعرفة والبحوث والمراجع وبراءات الاختراع والاكتشافات في العلوم الطبية والهندسية والعلوم الصرفة والعلوم الانسانية والاداب والفنون هم نتاج عمليات استثمار عملاقة في الاموال والجهود قامت بها الدولة الوطنية والمجتمع عبر حقب متعاقبة و تراكم خبرة لحاملي الشهادات العليا تنقلهم إلى مرحلة الإشراف على بحوث ودراسات لتخريج مؤهلين جدد لتستمر الدورات التعليمية بنسق منظم وثابت متطور.
وقد شهد العراق نهضة علمية عظيمة اشتملت على إنتاج جيوش من العلماء، تعلموا في مختلف دول العالم المتقدم، واشتملت على بناء الجامعات، ومراكز البحوث والشركات الصناعية العلمية، وتوفير أحدث الأجهزة والمعدات ومواد البحث المختلفة في حقبة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ثم تم استثمار هذا البناء العملاق في مرحلة العدوان والحصار لإدارة دفة التعليم والبحث العلمي وتخريج حاملي الشهادات العليا وانتاج المواد الطبية وغيرها التي منعها الغرب، في تحد حضاري تاريخي للحصار الذي منع عن العراق السفر والدراسة والورق والأقلام والكتب والنشريات العلمية والمواد والأجهزة العلمية والطبية والصناعية والزراعية .
وعليه فإن تخريب كل تلك الخبرات المتراكمة والبنى التعليمية المختلفة قد صار هدفاً مركزياً من أهداف غزو العراق ووسيلة من وسائل تحطيم الدولة والمجتمع العراقي الذي بدأ سنة الغزو الغاشم ٢٠٠٣ ولا زال مستمراً.
من يزور الشهادات ومن يشتريها ولماذا؟
يتصدر القائمة من يعمل على تحقيق أهداف الغزو بوعي ودراية. مستغلين في ذلك تشجيع (الرعاع) من الذين وقعوا في شرك ما يسمى بالخنوع للأمر الواقع الاحتلالي، فظنوا واهمين أن الأمر الذي فرضه الاحتلال هو قائم الى الابد.
كما ويساهم في ذلك من سقط في أحضان العملية الاحتلالية السياسية وفسادها وإجرامها، وهم اللاهثون وراء الألقاب والدرجات العلمية بعيداً – بل بعيداً جداً- عن أهدافها وغاياتها النبيلة السامية، من أجل ما يلي:
أولاً: تحقيق سمعه فارغة.
ثانياً: تحقيق جاه زائف لا جاه حقيقي، بالشهادة لفظاً وليس بعلمها.
ثالثاً: الانتماء إلى طبقة وهمية يسمونها التكنوقراط، وما يمكن أن يحققه هذا الانتماء من منافع شخصية على حساب العراق وشعبه.
رابعاً: إغراق التعليم العالي العراقي بكفاءات مزيفة لتحقيق اهداف الغزو التخريبية من خلال إدامة عملية التدهور والانحطاط المرسومة بدقّة إمبريالياً وصهيونياً وفارسياً.
خامساً: شراء الشهادات أو تزويرها لغرض استخدامها في الترشح للوزارات والبرلمان وغيرها من مرافق ومعاول هدم العراق لتحقيق اهداف الغزو، لأن فساد العملية السياسية قد أشاع هكذا أجواء مريضة.
إن نشر صيغ الشراء والتزوير قد تحولت إلى أداة من أدوات الاحتلال في تحقيق أغراضه العدوانية في العراق وصارت أيضاً وسيلة من وسائله في نشر الفساد وتعميق مساراته وديمومتها من جهة، ومن جهة أخرى فإن التزوير وشراء الشهادات التي طالت معظم الطبقة الحاكمة بتمكين من الاحتلال المركَّب في خطِها الأول ممثلاً بوزراء وأعضاء برلمان وزعماء وكوادر أحزاب وقادة ميليشيات ونزولاً إلى الخط الثاني والثالث بل والأخطر من كل هؤلاء هو انجرار بعض العراقيين إلى التورط في هذا المسلك الوبائي الخطير الذي تحوَّل إلى ظاهرة من ظواهر الحياة السياسية في العراق المحتل وسبيل للباطل والمظهرية الفارغة التي تُبنى على انعدام المعرفة وقصور العقول اضافة الى شيوع الفساد.
إن من يشترون الشهادات العليا هم أعداء للعراق، مثلهم مثل الغزاة والمحتلين، وهم أبناء للبيئة الموبوءة التي صنعها الاحتلال.
إنهم الفاشلون في الدراسة الثانوية أو بعض من تخرجوا من الجامعات الخاصة التي صُنِعت لتكون مصدراً من مصادر إضعاف التعليم وإنهاك الدولة العراقية وإغراقها بالفاشلين والمُفسِدين.
إنهم العاجزون عن أن يطالوا العلم والمعرفة بقدراتهم وعلمهم وجهودهم فلجأوا إلى استسهال التزوير.
إنهم أصحاب الأموال الحرام التي كسبوها من السرقة والإرهاب والعمالة للاجنبي، والتي هيأت لهم سبل الاستيلاء على أموال وثروات وخيرات العراق المختلفة.
إن برلمانات الإحتلال وحكومات الإحتلال المتعاقبة هي المسؤولة عن جعل تدمير التعليم في العراق وسيلة هدم للدولة وللمجتمع بعد أن كان هو الركيزة الأهم للتطور فيه.
والبرلمان والحكومة هم أول من زوَّر بعد أن سن قوانين تعادل الشهادات خارج مراكزها الصحيحة، وحرَّفَ مسارات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
والعملية السياسية التي وظَّفَت خريجي جامعات ومعاهد إيران وحملة شهادات إيران المزوَّرة واجتثت العراقيين المؤهلين من خريجي ارقى الجامعات العالمية أيام الحكم الوطني، التي شهدت تطوراً عظيماً في التربية والتعليم والبحث العلمي والصحة والصناعة والتنمية، وقطعت الخبز وكرامة العيش عن عوائلهم، هي المسؤولة عن تحول الشهادات العليا إلى تجارة فاسدة.
وأخيراً، يخطئ ويتوهم من يظن أن العلم يشتريه الدولار الفاسد، وتشتريه الخيانة والغدر بالوطن. وحتى لو اشترته فإن الشهادة التي لا يحصل عليها صاحبها باقتدار علمي يتضمن البحث والدراسة والإضافة الحقيقية للعلم لن تكون سوى ثوب ممزق، وجاه مخروم، وكرسي فاسد، ولن تؤدي إلاّ إلى وطن متخلِف ومجتمع خالي القيم، عُرضَة للهدم وفريسة سهلة للإنهيار والتقسيم كأحد اخطر اهداف غزو العراق.