ذكريات خمسة عشر عاماً
مع أول بعثي التقاه الشهيد صدام حسين بعد مغادرته بغداد
ماذا أهدى الرفيق القائد للرفيق عبد الصمد الغريري في آخر لقاء؟
أحد رفاق أبا زيد
في الذكرى الأولى لرحيل الأخ والصديق الرفيق المناضل عبد الصمد الغريري فإن من الواجب الوطني أن يكتب من عرفه وعمل معه عن خصاله الحميدة ومواقفه الوطنية، وما نكتبه هو لاطلاع من لا يعرفه، أو لمن يعرفه لكنه فقد الذاكرة، أو أجبر ذاكرته على النُّكران، وليس لإضافة شيء لرفيقنا الراحل لأنه بشجاعته، وهو أحد ضباط القوات الخاصة، كتب ذلك وهو يزرع جزءاً من جسده في أرض العراق، ورواها بدمه الذي نزف وهو يقاتل في أكثر من جبهة من جبهات القتال، وظل يستقر بجسده بقايا شظايا أصابته وعوقت ساقه، مثلما يطرز صدره ثلاثة أنواط شجاعة كرمه بها الشهيد القائد صدام حسين رحمه الله لشجاعته في معارك الدفاع عن البوابة الشرقية للوطن العربي.
أما في مجال نضاله ضمن تنظيمات الحزب فكل ذلك يمكن اختصاره بشجاعته فكان أول رفيق بعثي من جميع تنظيمات الحزب اختاره الشهيد صدام حسين عضواً في قيادة قطر العراق بعد الاحتلال وذلك بتاريخ 12 – 4 – 2003 أي بعد ثلاثة أيام من احتلال بغداد، وواصل نضاله بتضحية وإخلاص للحزب وقيادته عند تولي الشهيد الأمين العام الرفيق عزة إبراهيم رحمه الله قيادة الحزب بعد أسر الشهيد صدام حسين. وهو بهذا رافق شهيدين وقائدين من قادة حزب البعث، قادة مسيرة النضال والجهاد، وما أثمن هذه النعمة وما حصل عليه من مجد وعز وفخر لأولاده وأحفاده ورفاقه من هذه الرفقة.
الذكريات والمواقف كثيرة منذ أول لقاء مع الرفيق أبا زيد رحمه الله عام 2005 في دمشق، ولا يمكن اختصارها بمقال، لكن نذكر بعضها وأولها أنك عندما تلتقيه لأول مرة تشعر وكأنك تعرفه منذ سنوات، ويشعرك وكأنه يعرفك منذ سنوات، وذلك من خلال بساطته بعد الترحاب وتفاعله بالحديث، يضاف لذلك كرمه ببيته في دمشق المفتوح لكل ضيف ومن يصحبه معه.
في رسالة للشهيد بإذن الله الرفيق القائد عزة إبراهيم رحمه الله كتبها بخط يده وأحتفظ بنسخة منها، أشار بأنه التقى الشهيد الرفيق القائد صدام حسين رحمه الله بعد أربعة أيام من احتلال بغداد. وأشار فيها بأنه جرى مناقشة أمور الحزب وإعادة نشاطه ومواصلة مقاومة المحتل، ومن ضمن ذلك إبلاغه بقرار القائد صدام حسين بتعيين الرفيق عبد الصمد الغريري عضواً بالقيادة القطرية، ويضيف الرفيق عزة بأن الرفيق صدام التقى الرفيق عبد الصمد بعد مغادرته بغداد.
تفاصيل هذا اللقاء حدثني عنه في لقاء بدمشق من كان حاضراً به، وهو بعد أن غادر الشهيد صدام حسين بغداد إلى محافظة الأنبار، كان مبيته في دار شيوخ آل الخربيط في مدينة الرمادي، وعند قصفه غادره مباشرة إلى قضاء هيت ووصله بتاريخ 12-4-2003 ، وهناك طلب احضار الرفيق عبد الصمد قائمقام القضاء لمقابلته، وعند حضوره وهو ما زال يرتدي ملابسه العسكرية ويحمل سلاحه تفاجأ بوجود الرئيس القائد ونجليه عدي وقصي وسكرتيره عبد حمود رحمهم الله، وخلال اللقاء طلب الرفيق القائد منه تهيئة عجلة لاستخدامها بتنقله بدل العجلة الرسمية التي كان يستخدمها، وتهيئة بعض المستلزمات التي يحتاجها خلال تنقله ومنها (ملابس عربية) له ولمن معه، مع دليل موثوق لإيصاله للطريق الواصل إلى محافظة صلاح الدين، وتم تهيئة كل ذلك، وهنا سلمه هدية وطلب منه الاحتفاظ بها، وهي (بدلته العسكرية) التي كان يرتديها عند مغادرته بغداد، وعند توديعه أثناء المغادرة أبلغه بأنه قرر تعيينه عضواً في القيادة القطرية، وأبلغه بالتواصل مع الرفاق بقيادة الحزب، ونسب له أحد ضباط الحماية للتواصل من خلاله معه.
واستمر بالتواصل مع الرفيق القائد وتسلم توجيهاته ورسائله، ومنها أول بيان كتبه الشهيد صدام حيث تم استنساخه وتوزيعه في محافظة الأنبار.
بهذا الموقع القيادي بالحزب كان الرفيق أبا زيد مخلصاً للحزب والقيادة، وواجه كل من حاول الانشقاق، وتجلى ذلك بدوره في مواجهة انشقاق محمد يونس، حيث كان شعلة من النشاط في تلك الأيام بمتابعة هذا التحرك المشبوه ومواجهته، والحفاظ على الرفاق من تضليل من يحاول التخريب، وقد استطاع بالحوار وتوضيح الحقائق من إعادة الكثير من الرفاق إلى صفوف الحزب ، ومنهم الرفيق غزوان الكبيسي ومجموعة كبيرة ممن كانوا ضمن مسؤوليته، وفي حينه، ونحن ضمن التنظيم في سورية أخبرنا قبل يوم من إعلان الرفيق غزوان تركه مجموعة محمد يونس بأنه رتب له لقاء من خلال قناة العربية سيتم بثه، وكل ذلك كان من حرصه على رفاقه ووحدة الحزب.
أما موضوع التواصل مع المقطوعين عن التنظيم فهي كثيرة لا يمكن احصاءها، ومن أبرزها أن عبد الباقي السعدون الذي كان عضواً في القيادة القطرية انقطع عن التواصل مع التنظيم بعد فترة من الاحتلال، وتنقل بين أكثر من مدينة، وكان الرفيق أبا زيد يتابع موضوعه لغرض إدامة الصلة به، وكلما توصل لمكان وجوده يقوم بالانتقال لمكان آخر، حتى عام 2007 حيث توصل بأنه موجود في إحدى المدن، وتم التواصل معه وتنظيم علاقته مع القيادة، لكنه انحرف بعد ذلك.
رفيقنا الراحل كرس حياته لخدمة الحزب ومواجهة الاحتلال، وزار أغلب الأقطار العربية ضمن مسؤوليته بتنظيم الخارج، وزار الكثير من الدول لتوضيح موقف الحزب من الاحتلال ونقل رسائل الرفيق الأمين العام عزة إبراهيم رحمه الله، وحضر عديد المؤتمرات، وتواصل مع القوى الوطنية المناهضة للاحتلال، ونَسَّبه الرفيق عزة إبراهيم للتنسيق بين قيادة قطر العراق والقيادة القومية، قبل أن يعينه عضواً في القيادة القومية.
وخلال فترة تنسيبه بالتنسيق حدثني أحد الرفاق من قيادة قطر لبنان بأن المرحوم الرفيق عبد المجيد الرافعي ذكر بأحد اجتماعات القيادة: (بأن أفضل من نُسِّب للتنسيق بين قيادة قطر العراق والقيادة القومية ونقل توجيهات الرفيق الأمين العام هو الرفيق عبد الصمد).
ربما لا يتسع المجال للحديث عن الخصال الحميدة والمواقف الوطنية للرفيق عبد الصمد الغريري، لذلك أشرنا لبعضها خاصة سيرته النضالية لخدمة الحزب، وقد عرفه رفاقه شجاعاً في كل الظروف التي تتطلب موقفاً، ولا يجامل على ذلك، مخلصاً للحزب والقائد صدام حسين والقائد عزة إبراهيم، ظل طيلة السنوات بعد احتلال العراق متواصلاً مع القوى الوطنية في العراق والوطن العربي، والمقاومة الفلسطينية وحركات التحرر.
لقد كانت آخر كلمات فقيدنا الراحل قبل انتقاله للرفيق الأعلى، وعندما تدهورت حالته الصحية: (تحياتي للرفاق). وهكذا بدأت حياته من أيام شبابه الأولى في الحزب، وكانت آخر كلماته لرفاق الحزب.
نم قرير العين فقيدَ البعث وأنت في ضيافة الرحمن الرحيم، وعهداً من رفاقك المخلصين بمواصلة مسيرة النضال والجهاد، وستكون روحك معنا لتشاركنا الاحتفال بيوم تحرير العراق من الاحتلالين الأمريكي والإيراني.