في ذكرى رحيله الأولى: الرفيق عبد الصمد الغريري في ميزان الضمير الحي
الدكتور كاظم عبد الحسين عباس/ أكاديمي عربي من العراق
لم نسمع عنه بل عاشرناه أعواماً كثيرة، فعرفناه عن كثب، وسنكتب عنه بعض ما اختزنه الضمير قبل أن تختزنه مواقع الذاكرة في رؤوسنا.
لن ننصفه فهو الآن ليس بحاجة لإنصاف المنصفين، ويسخر في دار خلوده من قبح القبيحين وحقد المرضى الحاقدين، بل سننصف أنفسنا في التطرق لبعض خصاله ووسائل عمله التي لم نر لها شبيهاً بعد أن حل بنا ما حل بسبب غزو وطننا واحتلاله.
يجمع الرفيق عبد الصمد الغريري في شخصه بين تواضع المقتدر وكبرياء الشجعان، فلم نعرفه يوماً متكبراً على رفاقه لا صغيرهم ولا كبيرهم ولم نعرفه يوماً متعالياً بل كان حقلاً واسعاً وصدراً رحباً يتسع للجميع ويحتوي كل الأمور.
الرفيق العزيز عبد الصمد الغريري صبور، ويحمل صدراً يتسع لكل رفاقه، يواجه المشاكل باقتدار ويضع لها الحلول بتمكن، وكان على قدر كبير من سرعة البديهة والذكاء.
عربي، يحمل الجود والكرم والأصالة في نفسه، ويعتمر الإباء والشموخ في ذاته، في لقاء معه ضم عدداً من الرفاق قبل عدة أعوام قال: إذا عيرتني بساقي المعوقة فسأزعل عليك، ولكنك إن قلت لي إنها قطعت في معارك الشرف في الدفاع عن العراق ضد العدوان الإيراني فسأفتخر، عبارة لخصت عقيدة الرجل وولاءه وتربيته.
مبادر من طراز خاص، وقد استغل هذه الموهبة الربانية في تحركاته التي توزعت بين العمل المقاوم وبين العمل التنظيمي، ونحن ندرك أن بعض مبادراته قد أثارت جدل القاعدين والعاجزين والمشككين الذين لا يمتلكون فعلاً مؤثراً بل يترصدون فعل الفاعلين لينتقدوه.
تحمل نزق البعض ومزاجيتهم ونرجسيتهم بروح قيادية وبعميق إيمان بالديمقراطية التي لا يمكن لقائد بعثي أن يتنكر لها بعد ما حل بالحزب في العراق من أحداث جسام وعدوان ظالم غاشم، وكان بعضنا يعجب لطاقة تحمله وصبره وتفوقه على المواقف التي كان بعضها يصنع بخبث ليشكل مطبات في طريق نضاله.
اجتهد وبادر من أجل أن يجدد في مسارات العمل التنظيمي ويعزز بناءه ويقويه غير آبه بما يواجهه من استفزاز البعض، حتى إنه تجاهل مقالات وكتابات كانت موجهة ضده بكراهية مقيتة وبأسلوب ضمني خبيث، كان هاجسه الأصيل هو الارتقاء بأداء رفاقه وتغليب روح العمل البعثي الجماعي على الأنانية والمنافع التي تحرك صدور البعض.
كان يتفقد رفاقه ويزورهم كلهم في جولاته على العواصم التي كان يدير دفة التنظيم فيها، وكان يقيم مع الجميع علاقات ودية طيبة ويتواصل معهم بكل وسائل الاتصال، كان يحث الجميع على إعلاء شأن الحزب وتقديم أعلى ممكنات العطاء في ميادين الجهاد، وكان يشجع الرفاق الناشطين إعلامياً ويوصل الكثير من نشاطاتهم إلى القيادة، وخاصة للرفيق القائد الشهيد عزة إبراهيم رحمه الله وينقل رسائل وتوجيهات الرفيق عزة إبراهيم لكل التنظيمات القومية والقطرية.
الرفيق عبد الصمد الغريري كان شعلة عمل لا يكل ولا يمل، ويسهر ليال طويلة ليغطي اللقاءات الضرورية مع التنظيمات التي يتولى مسؤوليتها، وكاتب هذه السطور شاهد على عشرات المرات التي اتصل بي فيها رحمة الله تغشاه بعد منتصف الليل لنتداول في بعض الشؤون أو ننجز أعمالاً معينة في خدمة البعث والعراق والأمة.
كان يترفع عن النميمة، ولا أذكر يوماً أنه تعرض لرفيق قط لا صغير ولا كبير، وإذا انتقد فإنه ينتقد الفعل وليس الأشخاص، كان كبير القلب والعقل والحب للحزب ولرفاقه.
الرحمة والغفران وجنات الخلد لروحه الطاهرة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
عاش البعث… عاشت الأمة… النصر للعراق ولفلسطين والعز لأحرار العروبة.