إعلان سياسي عن أعمال المؤتمر القطري الرابع لحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي.
عقد حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي مؤتمره القطري الرابع يوم الخامس والعشرين من شهر أيلول المنصرم، حيث ناقش التقارير المرفوعة إلى أعمال المؤتمر بكل عناوينها السياسية والاقتصادية والتربوية وتلك المتعلقة بالحراك الشعبي.
وخلص إلى إقرار التقارير مع التوصيات والمقترحات التي تم التصويت عليها، وبعد الانتهاء من مناقشة التقارير وإقرارها مع توصياتها تحول المؤتمر إلى هيئة ناخبة لانتخاب قيادة قطرية جديدة. وقد صدر عن المؤتمر الإعلان السياسي التالي نصه:
– إن المشهد السياسي الذي يخيم على الوضع اللبناني هو انعكاس للمشهد العام المخيم على الإقليم وخاصة حوضه العربي. والترابط القائم بين الأسباب الداخلية والخارجية، والمشروع الذي يُعْمل عليه لإعادة تشكيل نظام إقليمي جديد، تجعل أزمة لبنان بمستوى سقوفها السياسية مرتبطة بصيغة أو اخرى بمسارات الحلول التي ترسم للأزمات البنيوية التي تعصف ببعض الساحات العربية وخاصة الساحة السورية، وفي الأولوية منها الساحة العراقية.
– إن الأزمة السياسية التي ضربت لبنان، لم تصل إلى مستوى العصف السياسي التي هي عليه الآن، لولا الفساد المستشري في بنية السلطة، والذي تغذى من نظام المحاصصة والتراكم الذي يمتد إلى عقود وإلى العقلية المليشياوية التي استوطنت العقل السياسي لمنظومة الحكم، ومارس حاملوها كل الموبقات السياسية التي تجسدت بالنهب الموصوف للمال العام، وانعدام المساءلة والمحاسبة، وأخيراً وليس آخراً السطو على أموال المودعين نتيجة تواطؤ السلطة السياسية وحاكمية المصرف ولوبي جمعية المصارف.
– إن انكشاف ساحة لبنان نتيجة الانكشاف القومي للأمة، وخاصة بعد احتلال العراق واسقاط نظامه الوطني، والدور التآمري الذي لعبه النظام الرجعي العربي، والاستثمار الدولي والإقليمي بالقوى الطائفية والمذهبية وقوى التكفير الديني والترهيب والتخريب المجتمعي على تعدد مسمياتها، جعل ساحة لبنان تستخدم منصة لإدارة مشاريع إقليمية ودولية انعكس زلزالها هزات ارتدادية على لبنان، وما جعله ورقة تطرح على طاولة المفاوضات حول ملفات إقليمية ودولية وخاصة المفاوضات حول الملف النووي الدور الإيراني في الإقليم.
– إن تداعيات الأزمة السياسية لم تترك انعكاساتها الضاغطة على الواقع المعيشي وحسب، بل ساهمت بإضعاف دور الدولة، الضعيف أساساً من خلال تشكل دويلة في أحشائها، وافقادها لوظيفتها الرعائية والحمائية من جراء تقوية المنظومات الطوائفية على حسابها.
– إن الاستثمار بالمسألة الطائفية والمذهبية لمصلحة القوى الدولية والإقليمية، كما الاستثمار بها لمصلحة أمراء الطوائف الدينيين والزمنيين هما استمرار لنهج بدأ منذ عهد المتصرفية وتواصل على تعاقب المراحل التي مر بها لبنان حتى تاريخه. وهذا ما دفع لأن يُعْتَمد النظام اللبناني القائم على مبدأ التقاسم الطوائفي للسلطة والإدارة نموذجاً للتطبيق في الأقطار العربية، لأنه نظام يقوّي الطوائف ويضعف الدولة وسلطتها المركزية. وهذا ما يخطط له في سياق المشروع الذي يُعمل عليه لتشكيل نظام إقليمي جديد.
– إن التطبيع مع العدو الصهيوني الذي ارتفعت وتائره بعد طرح صفقة القرن كمشروع حل أميركي لما يسمى بأزمة الشرق الأوسط والذي شكل تهافت الرجعية العربية على الانخراط في آلياته، تتم محاكاته، بالسياسة، بالتطبيع مع مشروع التغول الإيراني والتدخل التركي، لجعل الأطراف الثلاثة من مرتكزات النظام الإقليمي. وتماهياً مع هذه المحاكاة السياسية تتم المحاكاة الإيجابية بين نظام دولة ولاية الفقيه ونظام دولة الحاكمية ونظام يهودية الدولة.
– إن الحزب وفي ضوء مقاربته للمناخات والأجواء التي تشكلت فيها عناصر الأزمة إنما يؤكد على ما يلي:
– إن الطائفية بشكل عام والطائفية السياسية بشكل خاص، هي العلة الأساسية التي تضعف المناعة الوطنية، بالتالي لا حلاً وطنياً للأزمة بدون اسقاط مفاعيل الطائفية وإقامة دولة المواطنة المدنية القائمة على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات، واستئصال الفساد بكل أشكاله السياسية والإدارية والقضائية وتطبيق مبدأ الشفافية في الحكم وإدارة المرفق العام والحكومة في القطاع الخاص والمختلط..
– إن استقلالية السلطة القضائية وإقرار قانون استقلاليتها، وإلغاء الزبائنية وتفعيل دور الهيئات والمؤسسات الرقابية والتحقيق الجنائي، هي من الشروط الأساسية لإعادة الاعتبار للدولة التي تقوم على حكم المؤسسات التي هي السمات الأساسية للدولة الحديثة.
– إن المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني واعتداءاته على لبنان ليست اسم عَلمٍ تحتكر تسميته بهيئة معينة أو فريق بعينه، بل هي مسيرة عمل كفاحي، تمتد بتاريخ انطلاقتها إلى نهاية الستينيات، وإن القوى الوطنية اللبنانية، والحزب في طليعتها، هي من أسست للفعل المقاوم، ولها فضل السبق دون إسقاط فضل من لحق. كما إن سلاح “حزب الله” لا يقارب باعتباره ترسانة عسكرية تقنية، بل يقارب من خلال وظيفته السياسية كأحد الأذرع الايرانية في تنفيذ المشروع الإيراني على مستوى الإقليم، وبالتالي يجب مقاربته من خلال الموقف من الدور الإيراني وتثقيله للوضع اللبناني.
– إن الإصلاح السياسي يبقى دون ذي أثر إيجابي إن لم يقرن بإصلاح اقتصادي يعيد بناء الاقتصاد الوطني على أساس تفعيل وتقوية أقانيمه الإنتاجية التي تراجعت وضربت لحساب الاقتصاد الريعي الذي أدارته مافيا تحالف السلطة والرأسمال الموظف في خدمة نظام العولمة المتوحش.
– إن الإصلاح السياسي وفق الآليات الدستورية لا يتحقق إلا بإعادة تشكيل السلطة على أسُسٍ وطنية، وانطلاقاً من قانونٍ انتخابي جديد يعتمد النسبية والدائرة الوطنية وخارج القيد الطائفي. وعليه لا لمؤتمر تأسيسي يعيد تشكيل بنية الدولة في ظل الاختلال في موازين القوى الداخلية السائد حالياً، ونعم لمؤتمر وطني لتطبيق ما لم يطبق من بنود إصلاحية في وثيقة الطائف، وتطوير ما يجب تطويره وتعديله من أحكام دستورية لوضع حدٍ للالتباس في آلياتها التطبيقية واعتبار الشعارات التي رفعتها انتفاضة تشرين مدخلاً للبناء، البناء لدولة المواطنة والرعاية الاجتماعية.
– إن إحداث اختراق في بنية النظام يحتاج إلى تعديل في موازين القوى، وهذا لا سبيل إليه إلا بإقامة جبهة وطنية عابرة بتكوينها وخطابها السياسي للطوائف والمذاهب والمناطق.
– إن الدعوة لحياد لبنان مرفوضة لأنها تتعارض وانتماء لبنان إلى أمته العربية والذي لا يمكن أن يكون على الحياد في الصراع الدائر في الأمة وعليها، كما الدعوة إلى فدرالية مرفوضة، لأن علة لبنان تكمن في نظام مبني على فدرالية طوائفية، وهي التي حالت دون قيام دولة قوية وفاعلة.
– إن الحراك الشعبي الذي انطلق في تشرين الأول ٢٠١٩ والذي كان تتويجاً لحراكٍ منطلقٍ منذ سنوات، ومنذ بدأت حملة إسقاط النظام الطائفي يجب أن يستمر لإبقاء ضغط الشارع قائماً للضغط على المنظومة السلطوية وفرض التنازلات عليها مع الحفاظ على سلمية وديموقراطية تعبيراته.
– إن تحرير الحركة النقابية من هيمنة المنظومة السلطوية، هي مهمة عاجلة أمام الحركة الوطنية والحركة العمالية، لأن الموقع الطبيعي للحركة العمالية هو أن تكون في صلب النضال الوطني والمطلبي لتوفير شبكة أمان اجتماعي لا أن تكون إحدى الواجهات السلطوية كما هو قائم حالياً وإن ما شهدته نقابتي المحامين في بيروت والمهندسين شكل بقعة ضوء في الظلام اللبناني الدامس، وكان هذا من الثمار الأولية للانتفاضة.
– إن تطوير صيغ العمل الوطني وخاصة إطاراته المؤسسية، هو حاجة وطنية لتوحيد أوسع مروحة من القوى الوطنية والحراكية حول برنامج مرحلي للإصلاح السياسي بحده الأدنى، والتغيير بحده الأقصى.
– إن الحزب في لبنان وهو فرع من الحزب القومي، ستبقى القضايا القومية تحتل حيزاً واسعاً من نضاله اليومي على مستوى الموقف كما التعبيرات الجماهيرية، وخاصة الموقف من القضية الفلسطينية ومقاومة التطبيع ورفع منسوب المواجهة السياسية والجماهيرية مع النظام الرجعي العربي الذي ما أن طوى صفحة تآمره على العراق
وإسقاط نظامه الوطني حتى أعاد فتح صفحة التآمر على فلسطين عبر انخراطه بمسار التطبيع مع العدو الصهيوني.
– إن الحزب وهو يؤكد على الثوابت المبدئية لمواقفه من القضايا القومية، يؤكد بأن موقعه الطبيعي المتفاعل مع الانتفاضات الشعبية في الوطن العربي، واعتبار التصدي للتغول الإيراني والتدخل والاحتلال التركي هو جزء المهام النضالية الوطنية للحزب بقدر ما هي من مهام الحزب على المستوى القومي في مواجهة ما يتهدد الأمن القومي العربي من مخاطر من الداخل والمداخل ومن بوابة الأمن المائي حيث تتحكم دول المنبع وهي غير عربية بالحصة المائية لدول المجرى والمصب وهي عربية وبما يناقض المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تضمن حقوق الدول التي تتشارك في الأنهار الدولية منبعاً ومجراً ومصباً.
إن الحزب يقدم هذا الإعلان السياسي كخارطة طريق لعمله النضالي والسياسي على كافة الصعد والمستويات، وهو منفتح على أوسع حوار سياسي وطني وشعبي حول عناوينه العامة التي تحاكي عناوين مشاريع وطنية تصب جميعها في مسيرة إنجاز التغيير الوطني الديموقراطي.
القيادة القطرية لحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي.
بيروت في ٢٠٢١ / ١٠ / ٦