من سجل النضال القومي الخالد
حزب البعثُ العربي الاشتراكي هو حزبٌ قوميٌّ وُلِدَ من رحم معاناة الأمة من أجل تحقيق وحدتها وحريتها ونهضتها، لتمارس دورها الحضاري بين الأمم بما يَليق بمكانَتِها الكبيرة وإمكاناتها الهائِلة وتاريخها المجيد. وهو فِكرٌ رَصينٌ وراسخٌ، ونَهجٌ ناضجٌ ومُتقدمٌ ينير درب مناضليه وجماهيره في كفاحهم لتحقيق أهدافه الاستراتيجية الكبرى في الوحدة والحرية والاشتراكية. وحزبٌ هكذا أهدافه، قومية تقدمية إنسانية، لا ينهض برسالَتِه الحضارية العِملاقة في بعث أمة بكاملها، الاّ نوعية خاصة من أبناء الأمة المناضلين في صفوفِه، من الذين آمنوا بحقِّ أمتهم في النهضة والتقدُّم لتحتَّل مكانتها الكبرى بين الأمم، فوهبوا حياتهم لتحقيق رسالته، خائضون في سبيل ذلك نضالاً ضروساً وتضحيات جسام لتأصيل الأهداف النبيلة للبعث، وقيمه ومبادئه السامية. إنَّهم صُنَّاع الحياة ومستقبل الأمة، ورجال العطاء والفداء من أجل تحقيق وحدة أمتهم العربية المجيدة. هكذا هُم مناضلو البعث على امتداد وطنهم العربي الكبير من المحيط إلى الخليج.
يسعى هذا الباب إلى إلقاء الضوء على محطات من السجلّ الخالد لمناضلي البعث في الوطن العربي، الذين شكَّلوا رايات عالية ستبقى تنير درب أجيال وأجيال من أبناء الأمة في نزوعها نحو الوحدة والحرية والتقدم. ومن تلك الرايات الرفيق المناضل الجسور، والمقاوم العنيد، والمربِّي العتيد، وفا توفيق الصايغ ، أحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي في فلسطين – قطاع غزة عام 1952.
الرفيق وفا توفيق الصايغ
مُنَاضلٌ ومُقَاوُمٌ جَسُور
ترجَّل قبل أيام الرفيق المناضل الوطني والقومي وفا الصايغ أحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي في قطاع غزة عام 1952. حيث شكلت نتائج حرب فلسطين 1948، وقصور الأنظمة العربية وهزيمتها في الحرب ميولاً قومية وسياسية، ودافعاً قوياً لظهور حزب البعث العربي الاشتراكي، وسرعة امتداده في فلسطين.
وُلد الفقيد الصايغ في عام 1933 في مدينة غزة، وهو من عائلة فلسطينية تمتلك تاريخاً وطنياً زاخراً بالمجد والفخار. أنهى دراسته في مدينة غزة وتخرج من معهد المعلمين، ثم نال شهادة البكالوريوس في التاريخ. حيث بدأ عمله التربوي عندما تمَّ تعيينه مدرساً للتاريخ في مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، وكان آخرها مدرسة دير البلح. ثمَّ رُقِّي إلى ناظر لمدرسة البريج الإعدادية للاجئين، تبعها ناظر لمدرسة الزيتون، حتى تقاعد من سلك التعليم في العام م1989. ومن مآثره الوطنية والقومية:
قيامه مع رفاقه الآخرين بتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في قطاع غزة عام م1952، ومن هذا التاريخ بدأ العمل في تنظيم البعث في غزة.
ومن فعله المقاوم للاحتلال الصهيوني، أنَّه قاد المقاومة الشعبية مع رفاقه الآخرين، وتصدى للاحتلال عام 1956م، وذلك من خلال تشكيل خلايا ومجاميع مسلحة للمقاومة. حيث أبلى فيها بلاءً حسناً.
ومن أعماله الجهادية في المقاومة، مساهمته في نقل مركب محمَّل بالسلاح والذخيرة من العريش إلى قطاع غزة، والذي أسفر عن اعتقاله من قبل
الصهاينة، غير أنَّه تمكن في الهرب من المعتقل، ولجأ إلى مصر الكنانة، حيث أُتيحت له الفرصة هناك لمقابلة الرفيق القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق، والرئيس جمال عبد الناصر رحمهما الله. وبعد ذلك أُسندت إليه مهمة المقاومة الشعبية المسلحة عن حزب البعث، وعاد للوطن سرَّاً، وعمل مع رفاق آخرين على مد المقاومة في غزة بالأسلحة والذخائر حتى جلاء المحتل في مارس 1957م.
ومن مآثر فعله الوطني المقاوم، حضوره المؤتمر التأسيسي الأول لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في الكويت عام 1964م، حيث أوكل إليه أبو عمار مهمة قيادة خلايا تنظيم فتح في قطاع غزة، فانخرط في العمل الوطني لتحرير فلسطين من خلال حزب البعث العربي الاشتراكي.
وبعد هزيمة حزيران 1967م، دأب الحزب على تجديد نشاطه بالولوج في مرحلة جديدة من العمل الفدائي، تجسَّدت في عام 1969م، حيث قام المناضل الصايغ بتأسيس جبهة التحرير العربية مع رفاقه، كذراع عسكري لحزب البعث العربي الاشتراكي في قطاع غزة، وتولى قيادتها خلال فترة الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام1987م. وعمل مع كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي من أجل تجسيد العمل الوحدوي لحماية الجبهة الداخلية، وديمومة عمليات المقاومة للاحتلال الصهيوني.
وقد قدم الصايغ تضحيات هائلة بسبب نضاله ومقاومته للاحتلال، الذي قام باعتقاله عشرات المرات وأودعه في سجن غزة المركزي، وسجن النقب الصحراوي، وكان آخرها في تموز1993م بتهمة مقاومة الاحتلال، حيث عاش خلال تلك السنوات تجربة مريرة وقاسية.
وبعد ذلك تم انتخابه عضواً في قيادة التنظيم الفلسطيني لحزب البعث العربي الاشتراكي ممثلاً عن شعبة غزة، كما أنَّه قد تشرَّف بلقاء الرفيق القائد الشهيد صدام حسين عدة مرات.
لقد اتَّسمَ موقف المناضل وفا الصايغ ورفاقه في الحزب برفض الصلح مع الكيان الصهيوني، فكان من المعارضين لاتفاقية أوسلو 1993م، وعَبَّر عن رأيه هذا بشكل مستمر ودائم، حيث كان يقول: (إنَّ اتفاقية أوسلو شَكَّلت الضربة القاضية للقضية الفلسطينية)، لذلك رفض العرض بتعيينه وزيراً للتربية والتعليم في السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994م.
ومن مآثره النضالية الوطنية قيامه بقيادة اضراب عن العمل بوكالة الغوث لمدة 15 يوماً لتحسين أوضاع موظفي الوكالة. واختِير مختاراً في القطاع، حتى انتقل إلى جوار رَبِّه في يوم الثلاثاء الموافق 7 سبتمبر 2021م.
لقد كان الفقيد وفا توفيق الصايغ، قامة وطنية وقومية شامخة، وهو بحق مناضل ومقاوم ومربِّي مخلص. كان رحمه الله مثالاً للمناضل البعثي النبيل، الذي يحمل في عقله وضميره ووجدانه صفات خاصة برهن من خلالها على عمق إيمانه بالبعث والعروبة، وقضية العرب الكبرى فلسطين المحتلة.
وهكذا غادرنا الفقيد الصايغ بعد أن ترك لنا كمَّاً هائلاً من الدُرّ المنثور في مسيرته النضالية والإنسانية.
مكتب الثقافة والإعلام القومي
18 /9 /2021