سلسلة منجزات ثورة البعث
بمناسبة الذكرى السنوية لقيام ثورة السابع عشر من تموز المجيدة عام 1968، يسر مكتب الثقافة والاعلام القومي ان يقدم بهذه المناسبة العزيزة على قلوب العراقيين والعرب جميعاً سلسلة من المقالات التي تتناول بعض جوانب التحولات الجذرية التي احدثتها الثورة والانجازات العظيمة التي حققتها خلال قيادتها للحكم الوطني في العراق للفترة 1968 -2003م.
الحلقة السادسة عشر
البرنامج النووي السلمي في العراق
بقلم باحث علمي سابق في منظمة الطاقة الذرية
المقدمة :
كان من بين اهداف ثورة 17 تموز 1968 المجيدة هي بناء دولة تلبي طموحات الشعب العراقي في التخلص من كل مظاهر التخلف وبناء المجتمع القائم على المساواة والعدالة الاجتماعية والسياسية وسيادة القانون وحمايته وتحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي للعراق. وكان واضحاً لقيادة الثورة منذ البداية ان الاساس في تطور المجتمعات هي ( المعرفة ) التي هي نتاج التعليم. وقد اهتمت الثورة منذ البداية بل كان اهم ركن من اركان بناء الدولة لديها هو الاهتمام بالعلم والعلماء وتبني احدث التطورات والتقنيات العالمية.
ومن بين المؤسسات العلمية التي اهتمت بها القيادة في ضوء ذلك هي منظمة الطاقة الذرية .
النشأة والتطور :
بلغت ذروة تطور البرنامج في المرحلة التاريخية ما بين العام 1968 والعام 2003 وهي سنة العدوان الامريكي الاطلسي واحتلال العراق وتدمير اسس بناء الدولة وتدمير البنى التحتية لها وحل الجيش العراقي واصدار القوانين الجائرة والظالمة من اجل تدمير البنية المجتمعية .ولالقاء نظرة على مراحل تطور البرنامج فانه يمكن القول انه مر بثلاثة مراحل رئيسية قبل 1968 وهي :
- مرحلة حلف بغداد والذي كان يطلق عليه حلف cento ) والمؤلف من تركيا وباكستان وايران والعراق) ومقره العاصمة العراقية بغداد. في تلك الحقبة اطلق الرئيس الامريكي ايزنهاور مبادرة اسماها الاستعلامات السلمية للطاقة الذرية لدول العالم الثالث. واعلنها في خطاب بعنوان “تسخير الذرة من أجل السلام” عام 1953 واعقب ذلك الاعلان في ٢٩ تموز/يوليه ١٩٥٧ عن الولادة الرسمية للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي هدفت الى العمل مع شركاء متعدِّدين في كل أرجاء العالم تحت مظلة منظمة الامم المتحدة من أجل ترويج التكنولوجيات النووية المأمونة والآمنة والسلمية. وقد تم اعتماد نظامها الاساسي بالاجماع من قبل ٨١ بلداً. وقد نص على ان” تعمل الوكالة على تعجيل وتوسيع مساهمة الطاقة الذرية في السلام والصحة والازدهار في العالم أجمع” . وعليه وكجزء من هذا التوجه العالمي فقد تم انشاء مركز الطاقة الذرية في بغداد وكان يحتوي حينهاعلى مكتبة فقط وفيها بعض البحوث النووية واعداد من الكتب الاخرى.
- في العام 1954 تم منح العراق مفاعل نووي لاختبار المواد وكان سعة (2 ميكاواط ) حراري، وشحن الى العراق بواسطة النقل البحري ولكن قبل ان يصل الى ميناء البصرة حصل الانقلاب على النظام الملكي في 14/ تموز/1958 فتم تغيير اتجاه الباخرة التي تحمل المفاعل النووي قاصدة ايران .وبهذا لم يحصل العراق على المفاعل.
- في سنة 1959 تم الاتفاق بين العراق والاتحاد السوفيتي انذاك لبناء مفاعل في منطقة التويثة في سلمان باك وبدأ تشغيله في سنة 1967 .
- مرحلة ما بعد ثورة 17 تموز 1968 المجيدة :
بدأت الثورة باحداث التغيير وبناء الدولة على الاسس العلمية والذي أخذ منحى متوازي في المجالات التالية :
- التعليم
- الزراعة
- الصحة
- القدرات العسكرية وبناء الجيش
- الصناعة
- استخراج النفط والصناعات النفطية
- الاقتصاد
- الاسكان
- توفير العمل للمواطن
- البحوث العلمية
- بناء الكوادر المختصة في العلوم الانسانية والعلمية والتكنولوجية والعسكرية
- تحقيق التفاعل وتعشيق مؤسسات الدولة بكافة اختصاصاتها العلمية والتكنولوجية والانتاجية والانسانية .
وقد اكدت قيادة الدولة على ان :(( جميع علاقات مؤسسات الدولة يجب ان تقوم على مبدأ قاعدة الاواني المستطرقة )).
ولكي تعطِ القيادة في العراق اهتماماً خاصاً للتكنولوجيا المتطورة ومنها البرامج النووية السلمية فقد تم انشاء (منظمة الطاقة الذرية العراقية ) وصدر قانون الطاقة الذرية متضمناً الهيكل الاداري والمهمات .
وكان القانون ينص على ان (( رئيس منظمة الطاقة الذرية العراقية نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في العراق )) فكان ذلك عاملاً اساسياً في دعم المنظمة ورفع وتيرة التطور الاساسي لها سواء كان ذلك في مجال البناء المادي والتكنولوجي او توفير واعداد الكادر العلمي والفني وتوفير كل المستلزمات الفنية والمادية .
المنشآت التابعة لمنظمة الطاقة الذرية :
ان الطيف الواسع لعلوم الطاقة النووية يبدأ من علوم انتاج تلك الطاقة عبر المفاعل النووي الى تطوير العلوم والتقنيات المعنية باستخداماتها الآمنة سواء في انتاج الكهرباء وتوفيره للمواطنين بارخص الاسعار عن طريق بناء المحطات الكهرونووية لتوليد الطاقة الكهربائية او في القطاع الزراعي لتطوير انتاج المحاصيل الزراعية الاستراتيجية وتوفير الامن الغذائي للمواطنين خاصة في مجال انتاج البذور المحسنة كالحنطة والشعير والرز، الى العناية بالبيئة والمحافظة عليها، ثم الاستخدامات الطبية المتنوعة ولا سيما في قطاع انتاج النظائر المشعة للطب النووي لعلاج السرطان والاورام وغيرها من الامراض وانتاج مواد الفحوصات المتقدمة الدقيقة للكشف عن الامراض، وغير ذلك من الاستخدامات السلمية.
وقد باشرت الدولة في التهيئة لانتاج المواد في القطاعات المشار اليها اعلاه وبمواصفات عالمية وذلك لسد حاجة الاستهلاك المحلي والاستغناء عن الاستيراد وخاصة في مجال الكهرباء والمحاصيل الزراعية والنظائر الطبية، ثم انتقلت بعدها الى الولوج الى مراحل التصدير بعض المنتجات المشار اليها اعلاه وخاصة الى بعض الاقطار العربية.
وقد شملت المنشآت الفعالة التي تم انشاءها لكي تخدم المجالات اعلاه ما يلي :
- مفاعل 14 تموز ذو القدرة 2 اثنان ميكاواط حراري. وتم رفع القدرة في سنة 1983 الى 4 اربعة ميكاواط حراري
- مفاعل 17 تموز ذو القدرة 40 اربعين ميكاواط حراري، ويتميز عالميا بكونه الوحيد المخصص لاستعمالات متعددة .
- مفاعل للتجارب العلمية والتطوير التقني بقدرة 600 ستمائة كيلو واط حراري ويسمى المفاعل الصفري.
- منظومة معاملة النفايات المشعة
- منظومة الخلايا الحارة
- منشآت و منظومات الاستخلاص الكيميائي لانتاج العناصر في عكاشات والموصل والطارمية وغيرها، وبطاقة 150 مائة وخمسون طن لبعضها سنوياً
- منشأة بناء المحطة الكهرونووية في محافظة صلاح الدين وبطاقة 600 ستمائة ميكاواط .
- منظومة انتاج انابيب الوقود النووي اللازمة لتشغيل المحطة الكهرونووية .
- منشأة الحسابات النويترونية والكتلة الحرجة والصدمة في قضاء المسيب .
- منشأة تصنيع الفاصلات في اللطيفية .
- منشأة صناعة القوالب في الطارمية .
- مركز بحوث الانسجة الزراعية في ابو غريب في بغداد .
- مركز البحوث النووية في التويثة .
- مركز البحوث الزراعية في التويثة .
- مركز بحوث البيئة والتلوث في التويثة .
- مركز انتاج النظائر المشعة في التويثة للاغراض الطبية.
- الدائرة الهندسية في التويثة .
- دائرة المشاريع المدنية في التويثة .
- مركز التدريب والتأهيل في الزعفرانية .
- مركز بحوث الاسماك في الزعفرانية .
- مركز انتاج البذور ( الحنطة ، الشعير ، الرز ، سمسم وعباد الشمس ) في بغداد .
وقد تم الحصول على شهادات الشركات العالمية لترخيص الانتاج منها الشركة البريطانية ( امرشام ) عن صلاحية الانتاج الوطني في مجال النظائر المشعة للاستخدام الطبي والعلمي بعد ان كان العراق يستورد منها هذه النظائر.
العلاج بالنظائر المشعة
كما وجرت مباحثات مع بعض الدول ومنها دول الاتحاد لدول الخليج العربي لغرض تصدير هذه النظائر المشعة الطبية اليها لاستخدامها في القطاع الصحي ومعالجة المرضى.
الكادر العلمي والتكنولوجي والاداري في الطاقة الذرية :
بلغ عدد العاملين ما بين (7000 – 7500) باحث علمي ومهندس وفني . وكانت المنظمة تتمتع بعلاقات علمية مع العلماء والمختصين في الوطن العربي والعالم، واصبحت بضوء فعالياتها وخدماتها الطبية والزراعية وبحوث التطوير واحدة من اهم المراكز العلمية في الوطن العربي.
وقد نظمت مؤتمرات علمية عالمية مفتوحة في العاصمة بغداد وبمشاركة وفود عالمية من اساتذة الجامعات والباحثين ومن اعلى الخبرات الدولية وتم القاء ونشر البحوث المشاركة في اصدارات علمية رصينة.
وقد ادى التراكم المعرفي الى بناء القدرات العلمية العراقية والعربية التي يشار اليها بالبنان.
حتى انه عندما تم توجيه سؤال الى وزيرة خارجية امريكا ” مادلين اولبرايت “، ان اسلحة الدمار الشامل انتهت واصبح العراق خالياً من الاسلحة فلماذا يستمر الحصار على العراق، اجابت: ((ان الكادر ما زال موجود)).
باحث علمي سابق
في منظمة الطاقة الذرية العراقية