سلسلة منجزات ثورة البعث
بمناسبة الذكرى السنوية لقيام ثورة السابع عشر من تموز المجيدة عام 1968، يسر مكتب الثقافة والاعلام القومي ان يقدم بهذه المناسبة العزيزة على قلوب العراقيين والعرب جميعاً سلسلة من المقالات التي تتناول بعض جوانب التحولات الجذرية التي احدثتها الثورة والانجازات العظيمة التي حققتها خلال قيادتها للحكم الوطني في العراق للفترة 1968 -2003م.
الحلقة الرابعة عشرة
هل يكفي القول ان لثورة تموز منجزات؟ د. وحيد عبد الرحمن
|
إنها أكبر وأعلى وأغلى وأسمى من مجرد حدود المنجز، فالثورة العملاقة حققت في شتى الصعد نتاجات متنوعة وعديدة وكبيرة، ارتقت الى مستوى الخلق الإبداعي الذي لم يشهد له التاريخ المعاصر مثيلا بما متاح من الوسائل والأساليب والامكانيات، لعل أهمها وأولها تمثل في إعادة تأهيل البناء النفسي والمعنوي والاعتباري للإنسان العراقي ليكون طاقة هائلة لا يقف أمامه المحال الا في حدود إرادة الله تعالى.
فقد لعبت كافة مؤسسات الدولة بما فيها الإعلامية والثقافية والتربوية والدينية منها الدور التأثيري الإيجابي الفاعل في تنمية الانتماء الوطني في نفوس الطلبة والشباب الذين اعتبرتهم ثورتهم جيلها الناهض والنابض وفق شعار (نكسب الشباب لنضمن المستقبل)، فالشباب هم عماد المستقبل، وهم الضمانة الاساسية للنهوض الحضاري والتقدم العلمي والتكنولوجي. وهم أهم مصادر الثروة الوطنية. والشباب هم الشريحة الاوسع بالمجتمع، وهم اصحاب الطاقات والابداع. ولذا برزت أهمية الاهتمام بالشباب وتقديم كافة الخدمات والتسهيلات الكفيلة بتفعيل دورهم الريادي منذ الأيام الأولى للثورة. فوضعت البرامج التوعوية والثقافية المتنوعة والمنسجمة مع إمكانية استقطابهم أولا، والقادرة على مواجهة الإعلام المضاد لمنظومة القيم والمثل السائدة في المجتمع ثانيا، مع توفير مراكز الشباب والأندية الثقافية والرياضية والترفيهية التي أسهمت في زيادة الروابط والتماسك بينهم وتعزيز قيم الانتماء الوطني في نفوسهم. ولعلنا نستذكر هنا نشاطات الطلائع في ذلك النشء الذي أصبح انموذجا رائدا، كما نستحضر إنشاء وتفعيل معسكرات التدريب العسكري للشباب والتي كان يركز فيها على تنمية اللياقة البدنية وتعزيز عناصر الانضباط العسكري والتدريب على استخدام الأسلحة، فضلا على مساهمة الشباب في أعمال العمران خلال فترات العطل الصيفية.
ولم تكن كافة هذه النتاجات هدفا للثورة فحسب، بل أضحت فضلا عن ذلك وسيلة للارتقاء المتواصل على طريق اسعاد الشعب من خلال البناء الفكري والعقائدي والتربوي والتنموي والسياسي والاجتماعي. فكانت تموز ثورة للتغيير الشامل والكامل والمتكامل لكل أنماط الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في العراق لتكون لاحقا مبعثا للفخر والافتخار والفنار والمنار والانوار لكل الامة لتضيء دربها على مسار الوحدة العربية المنشودة. وهكذا أصبحت كل النتاجات المبدعة للثورة خطوط شروع لمشروع نهضوي تنموي قومي رسالي كبير يستوعب الامة برمتها. وهذا هو الهدف الأسمى لثورة تموز.
ولعل خط الشروع الأول تمثل في قهر الفقر والجهل والمرض، وهي بالطبع كانت المعول الأخطر الذي أسهم في تهديم كل أواصر المجتمع وتحطيم كل عناصر بناءه، وتهشيم كل خواصر نموه في العراق. فما أن ينهض المجتمع بعد القضاء عليها حتى تتفتح أمامه كل آفاق المستقبل الباهر والواعد. وبهذا الشأن نجد اهتمام ثورة تموز في التأكيد على محو الأمية وتعليم الكبار أولا، ومن ثم تبني قانون الزامية ومجانية التعليم لكافة المراحل الدراسية ابتداء من التعليم الابتدائي وحتى الدراسات العليا، فضلا على تطوير القطاع التربوي في شتى مجالاته، لخلق المجتمع المتنور القادر على المبادرة والابداع، فتحقق ذلك من خلال إقرار منظومة انتقاء وتأهيل وتدريب المعلمين والمدرسين المتخصصين وفق معايير دقيقة، فضلا على تعزيز مبدأ الانتماء الوطني من خلال التركيز على المقررات الدراسية الخاصة بالتربية الوطنية من ناحية، ومن خلال النشاطات التربوية الوطنية المختلفة لتعزيز هذا الانتماء من ناحية أخرى.
أما آفة الفقر، فقد سارعت الثورة في التخطيط والتنفيذ لذلك القرار التاريخي الخاص بتأميم النفط الذي كان أهم مصادر الثروة، وليسهم في قهر الفقر من ناحية، وليكون نموذجا للعرب في السير بهذا النهج والمنهج لضمان تحقيق الاستقلال الاقتصادي بعيدا عن التبعية المقيتة.
وفي الأمراض تلك الآفة الاجتماعية الخطيرة، فقد أقرت الثورة مجانية العلاج والدواء لعموم أبناء الشعب، وتوسعت في بناء المستشفيات الكبرى، وتجهيزها بأفضل الأجهزة والمعدات الطبية، والتوسع في انشاء الجامعات على عموم خريطة الوطن، والتي تضم كليات الطب وطب الاسنان والصيدلة والتمريض، فضلا عن ابتعاث الأطباء الى أفضل الجامعات خارج العراق للحصول على الشهادات العليا والتخصص وتحديث معلوماتهم ومعارفهم وخبراتهم، والمشاركة في المؤتمرات الطبية العالمية.
وعلى طريقة دمج الصفحات وحرق المراحل، فقد انطلق المشروع النهضوي العراقي على جميع الصعد، فكان حل المسألة الكردية حلا سلميا وديموقراطيا من أولى المهام لتحقيق الاستقرار والوحدة الوطنية بأعلى سماتها، ومن ثم منح القومية الكردية كافة الحقوق القومية والثقافية والإدارية والمالية ضمن مزايا الحكم الذاتي، والذي اعتبر محطة مهمة لضمان الأمن والاستقرار وتعزيز لحمة النسيج الاجتماعي في الوطن. كما انطلق المشروع الزراعي والصناعي والتجاري على صعيدي القطاعين الاشتراكي والخاص، فكانت تلك النهضة الزراعية الكبرى والإصلاح الزراعي التي جعلت ارض الرافدين المعطاة تفجر نتاجاتها من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية والموسمية الأساسية وفق خارطة زراعية محكمة على طريق الاكتفاء الذاتي، بل حتى على مستوى التصدير، وليست التمور العراقية ببعيدة عن الذاكرة في هذا المضمار، فكانت وحدها كفيلة بمقايضتها بالسيارات والمعدات والأدوات ومتطلبات الحياة. وانتشرت المصانع الكبرى في عموم محافظات القطر لتحقيق الإنتاج المحلي في الصناعات الثقيلة والخفيفة، بذات الوقت الذي استقطبت العمال المهنيين والفنيين للقضاء على البطالة، بل ان هذا المشروع الوطني لم يقتصر على استقطاب الشباب في القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية فحسب، بل أخذ يستعين بالشباب العربي من مصر الكنانة والمغرب العربي والسودان الشقيق، لسد النقص الحاصل في اليد العاملة من ناحية، ولتجسيد النهج العروبي للثورة العملاقة من ناحية اخرى. وقد رافق هذا المشروع العمل على التوسع في فتح المعاهد الفنية المتخصصة في المجالين الزراعي والصناعي لتزويد سوق العمل بالمهارات المهنية المختلفة.
وللحفاظ على منجزات ونتاجات الثورة فقد كان لا بد من تعزيز المؤسسة العسكرية والأمنية وتطوير قدراتها المهنية والعناية بتجهيزها بأحدث الأسلحة والمعدات والتجهيزات، وتطوير منظومات القيادة والسيطرة فيها والتدريب والتنظيم لتكون قادرة على الحفاظ على أمن البلاد ضد التحديات والتهديدات المختلفة.
وأخيرا لا يمكن لكلمات محدودة في سطور معدودة استيعاب كافة منجزات ونتاجات ثورة تموز الخالدة، فتلك هي الجسور والطرق السريعة الدولية، وتلك هي حقول النفط والمصافي، وغيرها من المشاريع العملاقة التي رسمت كخطوط شروع للنهوض القومي.
واليوم وما أن دخل الأعداء والعملاء الى العراق الجريح حتى سارعوا بسعي يومي حثيث وخبيث لتدمير كل هذا البناء. وبالرغم من كل هذا الهدم المبرمج والمتواصل الا ان هذا البناء مازال شامخا شموخ الجبال، وحي في واقع الحال، وفي فكر وضمير أبناء الشعب الذين سيبنون ما هدم منه حال التحرير القريب بإذن الله. والله ناصر المؤمنين الصابرين.