تقديم
احتفاء بالذكرى الحادية والسبعين لتأسيس حزبنا المقدام حزب البعث العربي الإشتراكي، وتأكيداً على ديمومة وحيوية دوره الرسالي في حياة الأمة العربية منذ النشأة الأولى ومروراً بالوقت الحالي واستشرافاً للمستقبل المنظور، يتوجه المكتب الثقافي القومي إلى شباب أمتنا وأجيالها الصاعدة فيلقي الضوء على سؤال اللحظة التاريخية الفارقة :
لماذا حزب البعث؟
ولماذا انبثق هذا التشكيل السياسي في خضم المعترك الذي شهدته الأمة ليشكل فكره أمل العرب في تحقيق نهضتهم المعاصرة. ولماذا مازالت عقيدته تحمل اليوم أفضل الحلول لمواجهة التحديات المعاصرة والمستقبلية التي تواجهها الأمة على الصعد الوطنية والقومية والعالمية.
فلماذا كان البعث رائداً للنضال القومي في حياة الأمة العربية، وما هو البعد التنويري الذي نهض به، وما هي السببية التي جعلت مؤتمره القومي الأول في السابع من نيسان 1947 يؤكد اختياره الإرادي في تلك المرحلة المبكرة، في أن يكون التنظيم طليعياً، وان يتحمل مسؤولية العمل الثوري لقيادة الجماهير العربية على طريق الوحدة والحرية والإشتراكية وصولاً إلى تحقيق التقدم والعدالة الإجتماعية، وان تكون فلسطين قضيته المركزية الأولى.
وللإجابة على أسئلة النشأة والتكوين التي تصطخب في الفضاء العربي ومروراً بالواقع الحالي الذي تشهده الأمة، واستشرافاً للتحديات المستقبلية ؛ تجيئ هذه الدراسة في حلقاتها السبع، لتتضمن عرضاً تحليلياً للأسباب التي بموجبها شكل البعث وما زال الحل الأمثل والموضوعي لمواجهة التحديات التي تواجهها الأمة العربية وتلبية تطلعاتها، واسباب ديمومة بقائه الآن وفي المستقبل المنظور. وذلك بدءاً من المفاهيم السياسية والمدركات النضالية، وما يفرزه الواقع العربي نفسه من إشكاليات فكرية ومعضلات اجتماعية وسياسية، وما يواجه جماهير الحزب من مشاق التطويق والملاحقات، وما يتهدده من تحديات أمام القوى الصهيو أمريكية و الثيوقراطية الظلامية المناهضة للفكر القومي التقدمي والتي يشكل النظام التوسعي الإيراني رأس الحربة فيها و العدو الاخطر للامة العربية.
يتعين هنا التأكيد ؛ بأن تجربة البعث النضالية سواءً على صعيد الكفاح الوطني والقومي، أو على صعيد إغناء الوعي السياسي، او النضال الاقتصادي والاجتماعي خصوصا في مجال نشر الوعي الاشتراكي بمفهومه البعثي، تبقى على الدوام شرطا ًضرورياً، وحاجة حضارية ومنهجاً ثورياً، وقد تجلى ذلك بانتقال الممارسة النضالية لديه من الدائرة الفردية النخبوية إلى القواعد الشعبية، فاكسب بذلك قضية الأمة وما زال، زخماً جماهيرياً شكل أحد مقومات ديمومة وحيوية دوره الرسالي في حياتها.
محتويات الدراسة
–الحلقة الأولى: الوعي السياسي ضرورة وحاجة للتغيير
-الحلقة الثانية: الانتقال بالعمل السياسي من دور الفرد إلى دور الجماعة.
–الحلقة الثالثة: لماذا الحزب القطري؟ (مفاهيم وطنية ومطلبية وتحررية)
–الحلقة الرابعة: لماذا البعث… قوميا وعربياً (مهامه التوحيدية والتحررية).
–الحلقة الخامسة: البعث هو حزب الضرورة التاريخية.
-الحلقة السادسة: البعث في ظل تحديات المرحلة الراهنة.
–الحلقة السابعة: دور فكر ونضال البعث في مواجهة التحديات الراهنة.
مقدمة
يتساءل البعض، وكثيراً ما طُرح هذا السؤال: لماذا حزب البعث؟
وفي محاولة للإجابة على هذا السؤال، نفتتحه بالقول: إن الانتماء إلى حركة فكرية وسياسية يعبِّر عن علاقة جدلية بين حرية الفكر وحركة الإنسان النضالية، لأنه لا يمكن لفكر يتجه نحو التغيير أن ينجح من دون حركية عملية. فالفكر يبقى في أبراجه العاجية، ويبقى محصوراً في عقول نخبة من أبناء المجتمع، ويبقى بمنأى عن متناول الجميع. وإذا كان من المعروف أن الثقافة إذا لم تُوظَّف لمصلحة المجتمع فلا فائدة منها. ولكي تؤتى ثمارها على النخبة أن تنزل بها إلى مدارك الجماهير الشعبية، لتصبح ثقافة النخبة ثقافة للشعب. وأن تتحول الثقافة إلى الميدان العملي من أجل تطبيق أهدافها وتحويلها إلى برامج عمل تنخرط في تنفيذها شرائح المجتمع كلها المعنية بالتغيير. وهذا يحتاج إلى تنظيم الجماعات الشعبية المشبعة بثقافة التغيير في أطر حزبية تستطيع تنظيم الجهود الشعبية وتوحيدها. ولذلك، نجد أنه لا بد من معرفة عدد من المهام النظرية، المطلوبة للتغيير، وهذا ما يمكن حصرها بعدد من الأسئلة، هي:
1- لماذا العمل السياسي؟
2- لماذا العمل الحزبي؟
3- لماذا الحزب القطري؟
4- لماذا الحزب القومي؟
5- لماذا حزب البعث؟
6- حزب البعث وتحديات المرحلة الراهنة.
7- مواقف البعث في مواجهة التحديات
لذلك سيتم عرض الدراسة في عدة حلقات استناداً إلى تسلسل الأسئلة المرفوعة أعلاه.
الحلقة الأولى
الوعي السياسي ضرورة وحاجة للتغيير
بانتقال المحكوم من دور الولاء للحاكم
إلى دور مراقبته ومحاسبته.
تمهيد
الوعي السياسي حاجة أساسية في عملية تغيير ما أصبح فاسداً، أو ما لايتناسب مع مصلحة الأفراد أو المجتمع، أو ما أصبح يشكل عائقاً دون تطوير الحياة الاجتماعية. ولأن الإنسان الذي يريد أن يغِّيِّر عليه أن يعرف ما يريد تغييره، وكيف يمكنه تغييره، ومعرفة الوسيلة الأفضل للتغيير؛ فعملية التغيير إذن هي عملية معرفية، تتضافر فيها ثنائية، التشخيص والعلاج، أي هناك حاجة لتعريف حديها:
– تشخيص الموضوع الذي ستطوله عملية التغيير.
– ومعرفة الوسائل والمقاييس التي ستُعتمد بعملية التغيير.
قد يشعر الإنسان بوطأة المشكلة، ولكنه غالباً ما يكون عاجزاً عن تشخيص أسبابها، وبالتالي سيكون عاجزاً عن وضع الحلول لها وتحديد وسائل تغييرها. فوعي أسباب المشكلة ووسائل علاجها شرط أساسي في عملية البدء بحلها. وهذا ما نسميه بالوعي السياسي. فالفقير، مثلاً، يشعر بوطأة الحاجة. وإذا كان لا يستطيع معرفة سبب فقره، فيستسلم إلى مقولة غيبية تدعو الفقير للصبر على فقره، لأن الغنى والفقر، كما يعتقد، هما عطيتان من الله. أما إذا كان يمتلك وعياً سياسياً لواجباته وحقوقه كفرد في جماعة، أو كمواطن في دولة، فسيعرف أن سبب فقره هو أنه لا يجد عملاً يحصل منه رزقه. وإن فقدان فرصة العمل يعتبر إهمال من الحاكم، ولأنه شارك في اختيار الحاكم، فإنما على شرط أن يسوس شؤون المواطنين، ومنها توفير فرص العمل لهم. وعليه أن يعي أيضاً أنه إذا كان من واجباته أن يخضع لقوانين الدولة وتشريعاتها، فإنما له حقوق على الدولة ومن أهمها أن تضمن له حياة كريمة، ومنها توفير فرصة عمل له. كما أن من حقوقه أيضاً أن يراقب الحاكم ويضعه تحت سقف المساءلة، وهذا الحق يضمن له حرية الاحتجاج ورفع الصوت. وهكذا دواليك.
ولأن مجتمعنا مليء بالمشاكل، وهناك حاجة لوضع الحلول لها. ولن يتصدى لتغيير الواقع الفاسد إلاَّ المتضررون منه، جاءت الحاجة إلى وجود الأفراد، وبالتالي الجماعات، الواعين لهذا الواقع.
ولأن الأمية والجهل هما من المشاكل المتفشية والمزمنة في مجتمعنا العربي، كان لا بد من تعميم الثقافة والوعي، على الأقل بين النخبة من الأفراد والجماعات، لتقوم بمهمة تغيير الواقع الفاسد. وبناء عليه، تبتدئ تلك العملية من كون الإنسان عضواً في أصغر خلية اجتماعية، وتنتهي بدوره كعضو في دولة.
المفهوم الثوري للسياسة:
ليس النشاط السياسي حقاً للمواطن فحسب، وإنما هو واجب أيضاً. كما أن العمل السياسي لا يجوز أن يبقى حكراً على الفئة الحاكمة بحيث ينتقل الحكم بالوراثة داخل الفئة الواحدة.خاصة أن فئة الأغنياء والموسرين وكبار التجار والاقتصاديين بمواقعهم الفئوية، مباشرة أم بالواسطة، تنتج باستمرار، المفاهيم السياسية والاقتصادية وتشريعاتها وقوانينها لتضمن مصالحهم وتؤمن عليها.
صحيح أن مفهوم الدولة في الأنظمة الحاكمة في معظم دول العالم بشكل عام، وفي الأنظمة الرسمية العربية بشكل أخص، يقوم على العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتلك العلاقة تتأسس على قاعدة أن يقوم الحاكم بالسهر على خدمة المحكوم، لكن الهوية الفئوية للحاكم لا تسمح بتطبيق تلك المعادلة على وجهها السليم. فهناك اختلال بالعلاقة استناداً للخلل في الهوية الفئوية. كما انقسام المجتمع إلى فئة من الأغنياء ومن الفقراء، يقوم الغني بالهيمنة على حقوق الفقراء، كذلك هناك هوة سحيقة بين الحاكم والمحكوم، كما هو الواقع، فالحاكم لا يمثل الفئة الفقيرة بل يصل إلى الحكم من ينتمي إلى فئة الأغنياء أو من يمثل مصالحهم. وهذا الواقع يدفعنا أحياناً إلى الاستنتاج بأن الحركة الإصلاحية في التغيير لن تأتي بنتائج، بل لا بد من وسائل ثورية على صعوبة توفير ظروفها ومستلزماتها.
أما الحركة الإصلاحية، وهي الأسلوب الأكثر واقعية، فستكون نتائجها محدودة جداً، لأن أي إصلاح ستقوم به الفئة الحاكمة تحت ضغط شعبي مطلبي، سيبقى يصب في طاحونة الفئة الاجتماعية التي تمثلها. ولن تؤدي إلاَّ إلى إصلاحات جزئية لمصلحة الفئات الفقيرة.
ولهذا وإن كان السقف الأعلى من حركة التغيير هي المطلوبة إلاَّ أن العمل بما هو ميسور يبقى الأكثر واقعية، لكن على أن لا ينسى المنخرطون في عملية التغيير السقف الأعلى.
العمل السياسي الثوري
ضرورة للفئات التي يقع عليها الاستغلال
من مصلحة الفئة الحاكمة، بانتمائها المنحاز للأغنياء والموسرين، أن تبقى الفئات الشعبية بعيدة عن ممارسة العمل السياسي، وإذا سمحت لها بذلك فعلى أن لا يتعارض عملها مع الإيديولوجيا التي توجِّه مسار الحكم أو من تنوب عنه.
لكن على الفئات المتضررة، خاصة النخب الأكثر وعياً في داخلها، أن تعمل على نشر الوعي السياسي لحقوق المواطنين. أما الفئات المتضررة فيمكن تصنيفها إلى عدد من الشرائح حسب طبيعة موقعها في عملية البناء الاجتماعي الوطني، على الشكل التالي:
-العمال والفلاحون.
– صغار الكسبة والمهن الحرة.
-الحرفيون وذوو المهن الخاصة.
– صغار الموظفين وذوي الدخل المحدود.
– الطلبة والشباب.
– المثقفون الثوريون.
-العسكريون الثوريون.
أما وسائل النضال المتاحة لهذه الفئات، فهي تقوم على قاعدة التجمعات المهنية، وخاصة منها النقابات المهنية للعمال والفلاحين كل منها حسب تجانس اختصاصها. ونقابات الموظفين كالأساتذة الجامعيين والثانويين والمعلمين الابتدائيين في القطاع الرسمي العام. ويليها نقابات المعلمين في الجامعات والمدارس الخاصة.
ويأتي في السياق عينه نقابات أصحاب المهن الحرة، كالمحامين والمهندسين والأطباء…
وتلعب الأندية، والتجمعات النسائية والشبابية والطلابية والجمعيات الثقافية والرياضية والاجتماعية دوراً مهماً في التوعية والإرشاد.
أما عن وسائل النضال فهي عديدة ومتنوعة، ومن أهمها اللجوء إلى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة. كما تعتبر التظاهرات والندوات والبيانات من تلك الوسائل.
وقد يكون الأكثر تأثيراً على النخب الحاكمة هو موسم الانتخابات النيابية، التي بدلاً من أن تكون سوقاً لشراء الأصوات وبيعها، يجب الاستفادة منها في ضغط حقيقي على المقصرين والمتلاعبين بإرادة الشعب ومصالحه الحقيقية.
وقبل هذا كله على كل المنخرطين في تلك النقابات والتجمعات أن يحافظوا على مهنية أهدافها والابتعاد بها عن محاولات احتوائها من قبل أحزاب الفئات الحاكمة، أو الداعمة لها، منعاً لاستخدامها في تقوية نفوذ تلك الأحزاب التي صُمِّمت على مقاييس مصالح فئة الحكام أو من يمثلونهم.
وإذا كان الوعي السياسي للفرد مطلوباً كمدخل لا بدَّ منه إلى عملية التغيير، فإن الجهد الفردي يبقى ضعيفاً، إذا لم يكن عاجزاً، في القيام بعبء مهمة متعددة الزوايا والأشكال، وعلى غاية من التعقيد والصعوبة، فإن تضافر الجهود الجماعية تبقى الحلَّ المطلوب.
ومن الضروري في حالة اصرار الفئة الحاكمة على البقاء في الحكم بأي ثمن ومنع التغيير السلمي وهو ما يؤدي الى تعقد الاوضاع بهيمنة الاستبداد ومنع العمل النقابي والسياسي مع تفاقم التهديدات الخطيرة للدولة والمجتمع، البحث في وجود فرص واساليب تغيير أخرى قد تكون متاحة أو يمكن الاستفادة منها في تغيير الوضع، إذ أن عدم اللجوء إلى خيارات أخرى يمثل استسلاماً عملياً للواقع وتكريساً له واستبعاداً حتمياً للتغيير الثوري الحقيقي.