ضِفّة المَجْد أبرِيل ذِكرَى مِيثَاق الوِحْدَةِ العَرَبِيَّةِ بَيْنَ مِصْر و سُوريَا و العِرَاق

ضِفّة المَجْد
أبرِيل ذِكرَى مِيثَاق الوِحْدَةِ العَرَبِيَّةِ بَيْنَ مِصْر و سُوريَا و العِرَاق

خالد ضياء الدين – السودان

مدخل
في شهر يوليو من العام 1952 قام الجيش المصري عبر تنظيم الضباط الأحرار بالإطاحة بالنظام الملكي ونفي الملك وإعلان الحكم جمهوري.. لقد كانت يوليو انتفاضة عسكرية قام بها الضباط الاحرار ولا علاقة لها بتقاليد الحياة الحزبية أو خلفيتها العقائدية.
وقبل ذلك في شهر أبريل من العام 1947 عقد في سوريا أول مؤتمر تأسيسي لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي شارك لاحقًا في انتخابات سبتمبر 1954 في سوريا ليحصل على 20 مقعداً في البرلمان، يليه الحزب الوطني ب 19مقعد، ثم الإخوان المسلمون ب 4 مقاعد. وهو البرلمان الذي قرر الوحدة مع مصر وتكوين الجمهورية العربية المتحدة في العام 1958 التي انتهت بانقلاب عسكري في سوريا بقيادة المقدم عبد الكريم النحلاوي عام 1961 الذي أعلن الانفصال.

أما العراق فقد شهد ثورة 8 شباط 1963 العروبية التي أطاحت بنظام عبدالكريم قاسم الدكتاتوري الشعوبي واعادت العراق الى امته العربية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي.

بهذا المدخل السريع يتضح حال الوطن العربي وكيف كانت بعض اقطاره في حالة ثورة ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي ونفوذهما، عبرت عن نفسها من خلال الانتفاضات الشعبية والثورات العسكرية للتنظيمات العقائدية ذات الطابع النهضوي العربي.

وقد رفع الرئيس جمال عبدالناصر شعارات الوحدة العربية والحرية والاشتراكية فقد كان زعيماً قومياً بامتياز، واشترك مع البعث القومي التقدمي في هذه المبادئ والاهداف الاستراتيجية.

وأما بالنسبة للوحدة الثلاثية بين (مصرو سوريا والعراق) فقد شكلت مشروعاً استراتيجياً لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي وصل الى سدة الحكم في العراق وسوريا في تلك الحقبة عام 1963. و في 17 أبريل من العام 1963 أعلن التوقيع على ميثاق الوحدة الشاملة بين تلك الأقطار العربية في قصر القبة بالقاهرة. حيث وقع عن العراق الرئيس أحمد حسن البكر، وعن سوريا الرئيس لؤي الأتاسي، بينما وقع الرئيس عبد الناصر عن مصر، لتنطلق حينها جماهير الأمة العربية في احتفالات لم يسبق لها نظير باعلان ذلك الميثاق الثلاثي الذي يمهد لدولة الوحدة العربية، وتنزل إلى الشوارع في ابتهاجٍ عارمٍ بهذا الحلم الذي تحقق، والذي اعتبر ردًا شافياً على الانفصال في سبتمبر 1961 .

كان الميثاق قد تم بعد مداولات واجتماعات للجان متخصصة ضمتها وفود عديدة تكللت بتوافق الرؤساء الثلاثة فوقّعوا على ميثاق الوحدة الذي يمهد لقيام دولة اتحادية تشمل كلا من “مصر وسوريا والعراق” على أن تكون عاصمتها القاهرة. تكون السيادة فيها للشعب ووفقاً للدستور الذي يؤكد على الإسلام كدين رسمي للدولة، وأن تكون لغتها الرسمية هي اللغة العربية، وأن تستبدل الجنسيات “القطرية” لاحقاً بالجنسية العربية الواحدة. كما شمل الميثاق ترتيب اختصاصات السلطات الاتحادية الخارجية والعسكرية والمالية والإعلام وغيرها.

وتعزيزاً للنهج الديمقراطي فقد كان من أهم ما تم التوافق عليه هو أن لا يتم حل الأحزاب، وأن يسمح لها بممارسة نشاطها. كما ترك الميثاق الباب مفتوحا لأي دولة عربية تؤمن بوحدة الامة وحريتها وبالعدالة الاجتماعية الانضمام لدولة الوحدة .

لقد كان أمل الجماهير العربية كبيراً في أن تتجاوز الدولة الوليدة الواقع السياسي والاقتصادي العربي المتخلف، وان تكون قوة تحرّر عربية كبيرة، وأن تطبق عدالة الاشتراكية، و تنتصر على التوجه الرأسمالي المرتبط بالاستعمار الغربي.

في مثل هذه الايام قبل 62 عاماً وصلت ثلاثة أقطار عربية إلى ضفة المجد عندما وقعت على ميثاق الوحدة الثلاثية محققة طموحات ابناء الامة العربية في الوحدة التي كانت وستبقى امل الأمة المنشود .

ونحن إذ نحتفي بهذه الذكرى رغم تآمر المتآمرين عليها، فلأنها تظل باعثة للأمل باعتبارها هدفاً عملاقاً و تجربة يستفاد من سلبياتها وإيجابياتها. والتي يجب أن لاينظر إليها او دراستها وتحليلها بعيدًا عن معطيات مرحلة الستينيات من القرن الماضي، حيث الصراع العربي – الصهيوني، والعربي – الاستعماري.

و إذا كان المشروع قد تم التآمر عليه بهدف اخماده، فإن ذلك يعكس مكانة الوحدة العربية وخطورتها بالنسبة للخندق المعادي للأمة العربية وحقيقة أنها تهدد أهدافه ووجوده بالصميم.

لذا لم يكن مستبعدًا أن تتحرك الرجعية العربية وأيادي المستعمر الغربي لإسقاط خيار الوحدة للمرة الثانية برغم التأييد الشعبي العارم لها في اقطارها الثلاثة وفي عموم الوطن العربي. خاصة وانها كانت تضم أقوى الأقطار العربية وأغناها (اقتصاديًا وجغرافيًا وتاريخيًا). لذلك قرر الاستعمار الغربي استهداف هذا العملاق العربي في مهده حتى لا تنشأ قوة عربية اشتراكية تحررية في المنطقة تطوق الكيان الصهيوني وتهدده حتمياً وتفك ارتباطها الاقتصادي من استغلال الرأسمالية والامبريالية العالمية.

17 ابريل/ نيسان 1963، هي ذكرى انجاز قومي كبير نفّذه حزب البعث العربي الاشتراكي وقدم من خلاله ولأجله تضحيات جسام واستفاد منه، وقوّى عوده. ذلك ان فكر البعث لم يسبق تجربته الميدانية، وإنما كتب وتعزز أثناء نضاله، فخطه بدماء رفاقه وتضحياتهم.

إنها تجربة لن تمضى ذكراها دون أن نقف عندها، ونرفع الأكف بالتحية للرعيل الأول من قادة حزبنا العظيم، حزب الوحدة والحرية والاشتراكية، حزب الرسالة الخالدة.

وستبقى الوحدة العربية هي امل الجماهير العربية من المحيط الى الخليج، والتي تثبت الاحداث كل يوم ان لا مجال للأمة في مواجهة تحديات الوجود المصيرية التي تخوضها دون وحدتها وتكامل قواها ومواردها.

Author: nasser