بيان قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي
في الذكرى 78 لتأسيس البعث
في مثل هذا اليوم قبل ثمان وسبعون عاماً، ولد البعث عملاقا، ليملأ دنيا العرب بأجواء التطلع إلى غد أفضل، يشعر فيه المواطن العربي، بأن حقبة تاريخية جديدة قد أشرقت شمسها، بعد قرون طويلة من الضياع والتقلب بين ظلم واستبداد، وتجهيل وتجويع ، طعن المواطن في صدره لمجرد أنه طالب بالقليل من حقوقه الإنسانية المشروعة، حتى وصل النصل إلى العظم العربي، فقد كان المواطن العربي يتعرض لأسوأ أشكال الظلم والاضطهاد المركبيين، ولكنه كان ممنوعا عليه أن يتأوه من تلك المظالم.
في خضم تلك التراكمات التي فرضتها صفحات الاحتلال من مختلف القوى الاستعمارية، أظهر المواطن العربي مقاومة لا نظير لها على مر التاريخ، تلخصت أولا وقبل كل شيء، بتمسكه بهويته القومية، وتطلعه نحو غد جديد يعيد فيه وضع الأمة إلى حالتها الطبيعية، كأمة واحدة لا تفصل بينها حدود أو سدود، فجاء ميلاد حزب الأمة العربية، حزب البعث العربي الاشتراكي، حيث صدح صوت المؤتمر التأسيسي للبعث من دمشق العروبة، فكان صوته مدوياً متميزاً وسط صمتٍ وضياعٍ عربي بين خيارات فرضتها القوى الاستعمارية المسيطرة على الأرض والمهيمنة على الثروة والقرار السياسي، سمعته كل ارجاء الوطن المترامي، بأن حزبا جديدا في خصائصه، وجديدا في أفكاره، وجديدا في طراز الفتية الذين تداعوا لحضور المؤتمر التأسيسي للحزب، فلأول مرة يتشكل حزب خارج الصالونات السياسية والأبراج العاجية، التي كانت تشكلها النخب السياسية التقليدية.
إن حزبكم أيها المناضلون البعثيون حيثما كنتم على امتداد الأرض العربية، أو الأراضي التي ما تزال تحت نير الاحتلال الأجنبي، وحيثما كنتم لتجسدوا بسلوككم وفكركم القومي قيم البعث وتراثه، الذي لم يتشكل بمرسوم جمهوري أو بقرار حكومي من أعلى الهرم السياسي، فكان البعث في ولادته حالة استثنائية، كما بقي حالة استثنائية في المعارك التي خاضها ضد قوى الاستعمار، ومن أبرز السمات التي حملها البعث من أول لحظات انعقاد مؤتمره التأسيسي، أنه وإن كان نتاج تفكير بصوت عالٍ استمر لسنوات عديدة، ومحاضرات عقدها المؤسسون الأوائل للحزب، انطلقت من مقاعد الدراسة في الجامعة السورية وضم مؤتمر الحزب في مقهى الرشيد في دمشق طلبة من العراق والأردن ولبنان وفلسطين ومن بلاد المغرب العربي والجزيرة العربية، إما إنهم يتلقون دروسهم في الجامعات والمعاهد السورية أو جاءوا من بيروت وغيرها من مدن العرب التي كانت تبحث عن هوية واحدة، وكانت تجمعهم وحدة فكرية تنصهر بها النزعة القطرية من دون إطار تنظيمي، لتصنع المواطن العربي الذي سيسمو على حدود سايكس بيكو وكل الحدود الوهمية التي رسمتها أيادي المحتلين القدامى والجدد، لتدعو إلى يقظة عربية فكرية سياسية واجتماعية تنفض عن نفسها غبار عشرات القرون من الضياع وخضوع الأمة لإرادة قوى فرضت نفسها بمنطق القوة، مستغلة وجود انقسامات داخل السلطة الحاكمة التي توزعتها، إرادات من جهات كانت تحمل موروثا تاريخيا من الحقد على الأمة العربية التي اسقط إمبراطورياتها القائمة فعلا مثل دولة الأكاسرة الساسانيين، أو تلك الجهات التي تمتلك حلما بالهيمنة على دولة الإسلام، تحت لافتات شعوبية مقيتة، تتطير من كل شيء عربي.
كانت ولادة البعث حدثا فارقا في التاريخ العربي المعاصر، لفت انتباه المفكرين في المنطقة والعالم، بأنه حركة لا تشبه كل ما سبقها من حركات وأحزاب، تشكلها حكومات، أو شخصيات أثناء وجودها في السلطة، ولكنها تموت بمجرد غياب أدوات السلطة عن قادتها وتصبح أثرا بعد عين.
ولهذا أيها المناضلون، تعرض حزبكم العظيم، للتآمر متعدد المحاور، منذ انطلاقته في دروب النضال القومي المترابط مع العمل الاجتماعي لإحداث نقلة في مستوى المواطن العربي حياتياً وماليا، بعد تحرير الثروات التي يزخر بها الوطن العربي، من هيمنة الاحتكارات العالمية، أو سيطرة بعض الجهات المحلية التي حصلت على امتياز أرتباطها بمشروع الاحتلال الغربي الذي تعرض له الوطن العربي، أو ثمنا لصمتها وتعاملها بلا مبالاة وهي ترى وطنها يٌنحر وتنهب ثرواته بلا رحمة.
ووجد البعض ضالتهم في إحياء النزعة القطرية وتأجيج نارها كرد اعتقدوه مناسبا على الفكر القومي، كما تعرض حزبكم أيها المناضلون ممثلا بتنظيمه القومي، للتآمر الذي تحطم أمام الوعي القومي الصاعد، فإن تنظيم الحزب تعرض للرصيد الأكبر من التآمر، لأن هذا التنظيم الثوري في أساليبه، كان واعيا لمسؤوليته الكبرى في تعجيل مسيرة النهوض القومي، فقد تعرض لأنماط مختلفة من محاولات وأده قبل أن يشتد ساعده، فمن محاولات شق التنظيم، التي أكدت رغم تكرارها ووجود بعض القيادات الحزبية فيها، فإنها تحطمت عند أول اصطدام لها بصخرة البناء العقائدي الرصين الذي تحلى به مناضلو البعث، فخرج الحزب شامخا صلبا، من كل محاولات شقه، من يمين متحجر، أو يسار طفولي أمسك بالفكر الماركسي من ذيله فأراد أن يُخضع المجتمع العربي لقوالبه الجامدة التي تأكد فشلها في المجتمعات التي نشأ فيها، أي أوربا التي عانت من ويلات علاقات تميزت بالظلم الاجتماعي الصارخ.
بعد أن عجزت كل أساليب التآمر الداخلي، بدأ القمع البوليسي في حملة مطاردة لمناضلي البعث بلا هوادة، لكنه فشل بدرجة أكبر، بل على العكس تماما أخرّج القمع جيلاً جديداً أصلب مما عرفه الحزب من مناضلين، منذ انطلاقته في مثل هذا اليوم قبل 78 عاماً.
وفي آخر صفحات استهداف البعث، أخذ الغزو الخارجي للعراق بعداً آخر بعد أن أوشك العراق على الخروج من شرنقة التخلف التاريخي التي عاشتها الأمة العربية، ووضع قدمه اليسرى على خط الشروع لقيادة النضال القومي، من أجل تحرير الإنسان من القيود التي كبلته وكتمت على صوته لمنعه من العمل للحاق بمسيرة الدول التي قطعت أشواطا بعيدة على طريق البناء الاقتصادي لا سيما توطين التكنولوجيا في خدمة الانسان، ومن أجل التحرر الناجز من كل أشكال الهيمنة الخارجية، فكان الغزو الأمريكي الذي قاد تحالفا شكليا لدول تراجعت عن مكانتها القديمة فصارت تبحث عن فتات وفضلات ما يمكن أن تلقيه الولايات المتحدة إليها من عطايا مغمسة بذل الخضوع، شنت عدوانها على العراق بعيدا عن شرعية القانون الدولي وخروجا عن كل المواثيق التي تم اعتمادها في الغرب الذي كان يطرح نفسه كمدافع عن قيم الحرية والعدالة والسلام في العالم.
ومع حالة استهداف للبعث التي شملت الساحة العراقية في ملاحقات شارك فيها الجيش الأمريكي والمليشيات الإيرانية، التي كانت تتحين الفرصة للانقضاض على ما ظنه فريسة سهلة، لا سيما بعد أن أصدر بول بريمر قانون اجتثاث البعث، ظل حزبكم في القطر العراقي محافظا على وجود تنظيمي متحفز لمواجهة التحديات الجديدة، فأكد أنه تنظيم متين ثابت الجذور استمد قوته، من منطلقه الأول في السابع من نيسان عام 1947.
تحية للرعيل الأول من قادة الحزب الذي حملوا على أكتافهم هموم الأمة.
تحية لشهداء البعث في كل مكان وعلى رأسهم الرفيق القائد الخالد صدام حسين.
تحية لكل العقول النيرة التي اختطت للحزب منهاجا تنظيميا وفكريا يعبر عن تطلعاتها وإرادتها الحرة في بناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد بطريقة تنسجم و روح العصر والتطور الانساني.
قيادة قطر العراق
لحزب البعث العربي الاشتراكي
بغداد الرشيد 7 نيسان 2025