لو تعلمونَ أيّةَ كارثةٍ مُروّعةٍ تُحيقُ بكم أيُّها العرب؟!

لو تعلمونَ أيّةَ كارثةٍ مُروّعةٍ تُحيقُ بكم

أيُّها العرب؟!

مصطفى كامل

يحارُ المرء وهو يحاول النظر في الشأن العربي في الاقطار التي تعاني من الاحتلال المباشر والغير مباشر والحروب وغياب الدولة الوطنية، كالعراق ولبنان واليمن وسوريا والسودان، لخطورةِ ما يواجهه من معطياتٍ وعمقِ ما يراه من تفاصيل، يحارُ أين يُصوّب نظره؟ وأيَّ مجالٍ ينبغي أن يحوز على اهتمامه أولاً؟ وما هي السبل التي ينبغي عليه أن يسلكها في معالجة ما يجده من مآسٍ وكوارث، لو أنفقنا سنواتٍ من أعمارنا في تعدادها ما استطعنا حصرها.

ومن بين المخاطر الجسيمة التي تهدد مجتمعاتنا في تلك الاقطار هي التغيير في الطابع السكاني واتجاهاته المستقبلية وانعكاساتها على وجود الأمة وهويتها ومستقبل اجيالها، في ظل استمرار الظروف الراهنة.

ولكي يكون تناولنا علمياً سنعرض واقع العراق كمثال على ذلك. فمن بين المخاطر والتحديات الكبيرة التي يعاني منها العراق اليوم، والتي ستنفجر قنابلها الموقوتة في السنوات والعقود المقبلة ما أعلنت عنه وزارة التخطيط في العراق، اليوم الاثنين 8 كانون الثاني/ يناير 2024، من أرقامٍ مرعبة بشأن عدد السكان في البلاد وطبيعة أعمارهم وما يمارسونه من أنشطة اقتصادية وغير ذلك من معلومات غاية في الخطورة على محدوديتها.

فقد أعلنت الوزارة في بيانٍ رسميٍ لها أن عدد سكان العراق تجاوز الـ 43 مليون نسمة بنهاية سنة 2023، وأن عدد من هم تحت الـ 15 عاماً بينهم كان هائلاً جداً حيث تصل نسبتهم إلى قرابة 41 % من الإجمالي. وطبقاً للبيان الحكومي فقد بلغ معدّل النشاط الاقتصادي للسكان بعمر أكثر من 15 سنة نحو 40 % من إجمالي النشاط الاقتصادي للسكان، وبعبارة أخرى فإن النشاط الاقتصادي لمن هم دون سن الـ 15 يبلغ نحو 60 % من الإجمالي.

انتهت المعلومات التي قدّمتها وزارة التخطيط.  وفي الظروف الطبيعية للبلدان المستقرة والتي تحظى بدولة مستقلة ويمتلك شعبها ارادته بنفسه، فان هذه النسبة من السكان ممن هم دون سن 15 سنة ، هي نسب تبشر بخير وتقدم لأنها مؤشر حيوية الشعوب ومستقبلها.  لكن في ظروف العراق التي لا يتوفر فيه أيّ من ذلك الآن، أعتقد أنه لابدَ من مناقشتها والوقوف عندها طويلاً من قبل المتخصصين.

صحيحٌ أن العراق لم يشهد منذ غزوه سنة 2003 تعداداً دقيقاً للسكان وحصراً حقيقياً لأنشطتهم الاقتصادية ولا طبيعة إقامتهم وتونع حياتهم، حيث تحول عوامل سياسية وعنصرية وطائفية دون القيام بهذا العمل الضروري رغم الإعلانات الرسمية الكثيرة بشأنه والمواعيد المتكررة عنه، إلا أن ما أعلنته الوزارة من أرقامٍ يبدو مروّعاً بحق في ظل الغياب شبه التام للدولة وللإرادة الوطنية المستقلة التي من واجبها وضع الخطط التنموية والاجتماعية والتربوية الوطنية وتهيئة مستقبل آمن وواعد للأجيال الصاعدة.  فهذه الاحصائيات وفي ظل غياب تلك المقومات، تُفصِح عن فجوةٍ سكانيةٍ واقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وتربويةٍ ومعرفيةٍ وقيميةٍ هائلةٍ، وعن خللٍ أمني كبيرٍ جداً، وعن جملةٍ من المخاطر الهائلة والمتعدّدة التي تهدّد العراق كله، وجواره أيضاً، ولا ينبغي أن يمرّ العراقيون، وكل من يعنيهم الأمر، على ما أعلن وعلى تداعياته بلا اهتمامٍ كبيرٍ ونظرٍ عميق.

هذه الأرقام تؤكد أن العراقيين، في ظل استمرار الوضع على ما هو عليه، في قعر هاويةٍ سحيقةٍ بالفعل، وأن مستقبلهم مظلمٌ جداً بوجود نحو 18 مليون قنبلة موقوتة قابلة للتفجير في أية لحظة، والأعداد في تزايدٍ بلا وعيٍ ولا تنظيمٍ، إن لم تُبذل جهود حقيقية وشاملة وعميقة وتفصيلية على مختلف الصُعُد ويُباشر بتنفيذها فوراً لإنقاذ الأجيال القادمة من المصير المرعب الذي ينتظرهم، وينتظر البلاد كلها، في ظل كلّ العوامل الكارثية المعروفة التي تُحيق بهم وبالعراق، ومعظمها يجري دعمه والترويج له بقصدٍ وعلى وفق برامج وخطط تُعدُّ خارج العراق وتُنفّذ داخله.

💥 وأسأل:

  1. من يرعى هذه الأعداد الهائلة ممن هم دون سن الـ 15 عاماً، وهم نحو 18 مليون نسمة؟
  2. من يربّيهم؟
  3. من يُنفق عليهم؟
  4. ما هي الأنشطة الاقتصادية التي يمارسونها وقد بلغت نحو 60 % من إجمالي النشاط الاقتصادي في البلاد؟
  5. ما هي المناهج التعليمية التي يتلقّونها؟
  6. ما هي القيم الاجتماعية التي تسود بينهم؟
  7. من يحميهم من مخاطر الدعارة والشذوذ والمخدرات والتنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظّمة والاتجار بالبشر والميليشيات المسلّحة وعوامل الانحراف الأخرى، وهي منتشرة جداً في مجتمعهم في ظل السلطات المتعاقبة منذ احتلال العراق سنة 2003؟
  8. من يحميهم من مؤثرات الإلحاد أو الطائفية أو العنصرية المحيطة بهم؟
  9. أين هي الرعاية الصحية الواجب تقديمها لهم؟
  10. ما هي الأمراض العضوية التي تنتشر بينهم؟
  11. ما هي الأمراض النفسية التي يعانونها وقد نشأوا في أجواء غير سليمةٍ بل مريضةٍ تماماً تستلزم رعاية خاصة؟
  12. من يضمن عدم اختراقهم أمنياً لأغراض التجسس أو لأغراض الإرهاب؟
  13. ما مدى استيعابهم في أنشطةٍ رياضيةٍ وتربويةٍ واجتماعيةٍ مفيدةٍ وبنّاءةٍ لهم ولعوائلهم وبما يضمن مصلحة المجتمع العراقي كله بالتالي؟

وهناك عشرات الأسئلة التي يجب أن يجد المعنيون إجابة عنها ويشرعوا فوراً في إعداد الخطط لها ومواجهتها على أرض الواقع، فما أعلن اليوم من أرقامٍ يمثّل مؤشرات تعنينا جميعاً وتؤثّر علينا جميعاً وتهدّدنا جميعاً بكوارث لا تعدُّ ولا تُحصى.

على العراقيين خصوصاً والعرب عموماً،  بجميع مكوناتهم – الأفراد منهم والمؤسسات والأحزاب والهيئات والمنظمات وعلماء الدين ومراكز البحوث والجامعات والمنتديات الفكرية والعلمية والأكاديمية ووسائل الإعلام وكل من يعنيه الأمر – أن يتحمّلوا مسؤولياتهم في هذا الصدد، وأن يقفوا طويلاً عند هذه المؤشرات ويبحثوا عميقاً فيها ويجدوا لها حلولاً سريعة، بل فورية، وجدّية وشاملة فالأمر يتعدّى كل اعتبارٍ آخر، سياسياً كان أو مذهبياً أو عرقياً، إنه أمر جدّي بالفعل وخطرٌ جداً ويهدّد مستقبل العراق والأمة العربية كله بالضياع، فهل من مدّكر؟!

Author: nasser