بيان قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي لمناسبة (طوفان الأقصى)  

بيان قيادة قطر العراق

لحزب البعث العربي الاشتراكي

لمناسبة (طوفان الأقصى)

 

 

فلسطين قضية تجدد في الضمير العربي

يا مناضلي الأمة العربية في كل مكان، أيها الفلسطينيين الشجعان

منذ فجر السابع من تشرين الأول، وقيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي، تتابع عن كثب وبكل فخر وعز، ما سطره المجاهدون الفلسطينيون في عملية “طوفان الأقصى” الباسلة، التي سطروا فيها أروع ملاحم البطولة العربية التي تعيد إلى الأذهان بطولات الأجداد في اليرموك والقادسية وحطين.

يا أبناء الأمة العربية المجيدة

لقد سطّر الفلسطينيون صفحة مشرفة، بيضت وجه التاريخ العربي المعاصر، فأكدوا بصمودهم داخل الأرض المحتلة، على الرغم من كل ما يرتكبه العدو من جرائم ضدهم وخرقاً للقانون الدولي الإنساني، وثباتهم على حقهم وعدم التنازل عنه أو جزء منه مهما كان ضئيلاً، ونقل ذلك الرفض إلى فعل مقاوم مسلح، تحت ظرف قاهر من تشديد القبضة الأمنية الصهيونية المدعومة من أجهزة المخابرات الغربية دون استثناء، وبخاصة المخابرات المركزية الأمريكية، وإخضاع كل فلسطيني إلى المراقبة على مدار الساعة وحبس الأنفاس على سكان المناطق المحتلة، سواء تلك التي تم احتلالها سنة 1948 أو تلك التي استكملت إسرائيل احتلالها سنة 1967، فاستطاع الفلسطينيون الشجعان، تضليل أعدائهم والإعداد لخطة محكمة وفي غاية الدقة والتنسيق العالي لعملية “طوفان الأقصى”، التي أرادوها خطوة على طريق تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وليس رداً على استمرار الغطرسة للكيان الصهيوني، ومواصلة الانتهاكات اليومية وحصر الفلسطينيين داخل مناطق محددة لهم، لا يستطيعون تجاوزها بأي حال من الأحوال وإلا سيعرضون حياتهم إلى أفدح الأخطار، مع ممارسة أعلى درجات الإذلال للشعب الفلسطيني كله، سواء على أيدي أفراد الجيش الصهيوني أو الأجهزة الأمنية أو المستوطنين، فأصبح سكان الأراضي المحتلة تحت ضغوط متعددة المصادر وصاروا مذنبين إلى أن يثبت العكس.

ظل العدو الصهيوني يتبجح لأكثر من سبعين سنة، بأنه القوة الغالبة في المنطقة، وأغراه بالمضي في هذا الوهم، عجز النظام الرسمي العربي عن التصدي لنواياه العدوانية التوسعية، مما ضاعف من شعور( إسرائيلي) طاغ بالقدرة الفائقة على إخضاع الوطن العربي كله لإرادته مدعوما بالإمبريالية العالمية ممثلة بالولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، فاستهان بإرادة الشعب الفلسطيني الذي يعد من أكثر شعوب الأرض تجذراً بأرضه وأكثرها استعداداً للتضحية من أجلها والتمسك بها مهما بلغ حجم التضحيات.

وعلى الرغم من أن اسم العملية البطولية حملت اسم “طوفان الأقصى” وكأنها رد على ممارسات جيش الاحتلال وجرائم المستوطنين ضد الفلسطينيين من أبناء القدس وسكان الضفة الغربية والفلسطينيين في غزة أو ممن بقوا داخل الأرض المحتلة سنة 1948، إلا أن حقائق تاريخ الشعب الفلسطيني الذي أعجز أعداءه، ما كان له أن يخرج عن هذه القاعدة الراسخة في الوجدان الفلسطيني، فقد جاءت تعبيراً عن التمسك بأرض فلسطين كلها حتى وإن أُعُطيت أرجحية معنوية لهذه المدينة أو تلك، فإنها لا تطغى على قدسية أرض فلسطين، كل فلسطين.

منذ اللحظات الأولى لانطلاق عملية “طوفان الأقصى”، حققت معظم أهدافها، ولعل في مقدمتها عنصر المباغتة واختيار يوم السبت لبدئها، فأسقطت كل التبجحات الصهيونية عن قوة ما يمتلكه كيانها من أجهزة أمن متطورة قادرة على اختراق العقول لمعرفة ماذا يدور داخلها، أو ما يتوفر على أسلحة الحرب الكترونية الحديثة، وما يمكن أن تؤديه القبة الحديدية لمواجهة الصواريخ المعادية، ولكن قوة التخطيط والاستعداد القتالي الراقي الذي امتلكه منفذوا العملية، مكّن المقاتلين من الوصول إلى أهدافهم بسرعة أذهلت عدوهم ومنعته من أي رد، فألحقوا بقوات العدو أكبر هزيمة عسكرية سواء بالخسائر البشرية أو بالمعدات أو وربما كانت أكبر هزيمة نفسية للعدو في تاريخه، إذ استطاع المقاتلون الأبطال من السيطرة على مستوطنات كانت منصات للاعتداء على الفلسطينيين، فضلاً عن أنها سلبتهم أراضيهم الخاصة وممتلكاتهم، هذه الهزيمة هي الأكبر التي عرفها الكيان الصهيوني في أي حرب خاضها ضد الأقطار العربية منذ سنة 1948، فحطمت هذه العملية أسطورة الجيش الذي لا يقهر وأنهت وهم الأمن القومي الإسرائيلي، وأكدت انهيار المنظومة الأمنية وعجز الجيش الصهيوني عن التعامل مع المفاجآت، وسببت ارتباكاً غير مسبوق لدى جموع المستوطنين الذين فقدوا السيطرة على مشاعرهم، فراحوا يوزعون غضبهم على المواطن الفلسطيني، وعلى الموساد والاستخبارات العسكرية والشين بيت.

لهذا كله وتحت ضغط نتائج هذه العملية الشجاعة، فإن (إسرائيل) وبفعل هول الصدمة والشعور بالتقصير والإخفاق في مواجهة التطورات الأخيرة، والشعور بفداحة الجرح النفسي الذي مرغ أنف العسكرية الإسرائيلية بالوحل، فإنها ستستميت من أجل إعادة ثقة المستوطن بقوة كيانه وقدرته منفرداً على مواجهة العرب جميعاً وليس الفلسطينيين وحدهم، وإذا بهذا العدو يخسر أمام مدينة صغيرة في مساحتها كبيرة في بطولتها، لذا فإن رداً إسرائيلياً متوقعاً سينطلق من حالة الانفعال الجمعي السائدة حالياً، وستحاول الحاق خسائر بالجانب الفلسطيني تكافئ حجم الكارثة التي لحقت بها، وعلى هذا فإن من المرجح وعلى نطاق واسع أن يكون الانتقام الإسرائيلي، أكبر من كل التصورات وستمارس سياسة الأرض المحروقة لتطفئ نار الغضب التي تأججت في صدور مسؤوليها مدنيين وعسكريين، وفي هذا السياق اتصل مجرم الحرب نتنياهو بالرئيس الأمريكي جون بايدن، وطالبه بالدعم المالي والعسكري والسياسي، فبادر الأخير إلى إطلاق معونة أمريكية كانت موقوفة بمبلغ ثمانية مليارات دولار، لذا فإن إسرائيل تضع نصب عينيها إعادة تجربة ما حصل في حرب تشرين 1973، عندما نجحت بتحقيق ثغرة الدفرسوار في جبهة قناة السويس، ظناً منها أن نجاحها في هذا المسعى سيحقق لها اختراقاً سياسياً يكافئ حجم ما تحققه على الأرض، وحينذاك وكما حذر الخائفون على هذا النصر العربي الكبير، من جعله منصة لتفاهمات سياسية لا تختلف كثيراً عما شهدته الأمة العربية من انكسارات استراتيجية فادحة، بعد مفاوضات الكيلو 101 والتي مهدت فيما بعد لاتفاقية كامب ديفيد والتطبيع بين مصر وإسرائيل، ثم بدأت المواقف العربية تتداعى بعده، ليشمل دولاً عربية ما كانت لتجروء قبل خروج العراق من معادلة الأمن القومي العربي، على مجرد التفكير بمثل ذلك الخيار البليد.    

إن ما حققه أبطال المقاومة الفلسطينية من انتصار لامع هو ملك للشعب الفلسطيني كله، وليس لتنظيم واحد مهما علا شأنه أو امتدت قاعدته الشعبية، فلولا الصبر الاستراتيجي لأهلنا في غزة ما كان لأي تنظيم أن ينشط تحت ضغط الحصار الظالم الذي يتعرض له قطاع غزة منذ عام 2007، والمقاتلون الذين حققوه هم فلسطينيون وضعوا مصائرهم فوق أكفهم، فاخترقوا خطوط العدو وباغتوه في مواقعه الحصينة، فقَتلوا وقُتلوا وليس من العدل أن ينافسهم فيه أحد مهما تبجح وقدم من مزاعم، يجب على الفلسطينيين الاحتفاظ به والدفاع عنه والفخر به، لأن الحفاظ على النصر أكثر صعوبة من تحقيقه والجهات المتربصة للسطو عليه كثيرة تحاول أن تسجل لها مأثرة جوفاء عبر الدم الفلسطيني، من دون أن تخسر قطرة دم واحدة.

إسرائيل الآن كالذئب الجريح، لا يمكن أن تضبط أعصابها، وستحاول الحاق أكبر دمار بقطاع غزة وكذلك بالضفة الغربية، وكل فلسطينيي الأرض المحتلة سنة 1948.

لقد واصلت إسرائيل تبجحها بأنها لن تسمح بنقل الحرب إلى الداخل، وأنها قادرة على نقل الحرب إلى الدول المجاورة في غضون ساعات، ولكن “طوفان الأقصى” سحق كل الأوهام الصهيونية، ولهذا فإن إسرائيل ستبذل جهداً استثنائياً، لإستعادة شيء من ماء الوجه، فستوجه نيران طائراتها وصواريخها ومدفعيتها، نحو أهداف مدنية، لتجعل حياة الفلسطينيين في غاية الصعوبة، وستقصف الأبراج السكنية وتدمر المصانع وتحرق المزارع، كي تبعث برسالة إلى المستوطنين بأنها قادرة على حمايتهم، من خلال ردع الفلسطينيين عن التفكير بأي تحرك مضاد، ولكن التحرير باتت راياته على مرمى البصر، عليه يجب التكريز على مواصلة الفعل المقاوم حتى تحرير الأرض والإنسان، ونبذ الحلول الوسط الشائنة، وعدم الإصغاء للدعوات المشبوهة التي تنطلق من عواصم الغرب الاستعماري وتتردد أصداؤها في العواصم الإقليمية، عن ضبط النفس والركون إلى الحوار بغية التوصل إلى هدنة طويلة تمهد لحلول سلمية شاملة كما يُطلق عليها الانهزاميون.

تحية اكبار واعتزاز للشعب الفلسطيني وقد هزم العدو في مواضعه الحصينة، وتحية اكبار له وهو يواجه ببطولة نادرة شراسة العدو في محاولته الانتقام لهزيمته المنكرة التي أسقطت نظرية الأمن القومي الإسرائيلي إلى الأبد.

 

 

 

قيادة قطر العراق

لحزب البعث العربي الاشتراكي

بغداد 8 تشرين الاول 2023

Author: nasser