وقفات مع خطاب الرفيق أبو جعفر عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في الذكرى الخامسة والخمسين لثورة السابع عشر من تموز
الوقفة الثانية:
ثورة تموز ضرورة قومية إلى جانب ضرورتها الوطنية
الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس
يلقي الخطاب التاريخي للرفيق المناضل أبو جعفر حزمة ضوء ساطعة على تناقضات الواقع القومي، لم تقف عملية التكثيف والاختصار التي اقتضتها ضرورات ملجئة في صياغة الخطاب عائقاً في فرض سعتها وعمق دلالاتها، حيث تطرق إلى أهم عاملي تمزيق للإرادة وللجهد العربي، وبالتالي للحضور القومي السياسي والاقتصادي، ذاتياً وموضوعياً.
فالخطاب شخَّص اتجاهين تتوزعان حال الأمة، وتذهبان به كل في اتجاه، لا يمس حاجة الإنسان ولا يستجيب لهواجس الأمة، بل إن كل منهما يوغل في تعميق جراحها ويبدد آمال وتطلعات أبنائها، هما:
منهج متمسك بسياسة ميتة سريرياً رجعية تشد الأمة إلى الماضي الذي شهد حقب تراجع، بل وغياب لحضور الأمة الإنساني، والآخر يجر العرب للتبعية للغرب تحت ستار التطور ونقل منتجات التقدم التقني الذي شهدته مختلف مناحي الحياة الغربية في حين أن حقيقته الغاطسة هي التبعية والخنوع والتقليد الأعمى بمعزل عن واقع الأمة وحاجاتها وقضاياها.
إن هذا الانشطار في الواقع القومي العربي كان تاريخياً هو سمة القرن العشرين، وخاصة نصفه الأول، وقد أوحى عملياً بأن العرب عاجزين عن اشتقاق معادلتهم الخاصة وغير قادرين على تعبيد طريق يحمل سماتهم وهويتهم وعاجزين عن ابتكار منهج ثالث يحجم منهجي الانشطار ويقزمهما ويوقف تداعياتهما الخطيرة على الأمة حاضراً ومستقبلاً.
إن ما أشار إليه الرفيق أبو جعفر عضو القيادة القومية وأمين سر قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي هنا هو في الواقع ثورة البعث العقائدية والفكرية التي انبثقت من هذا الإحساس الوطني والقومي بالاستلاب وأن حل المشاكل والتحديات القطرية لا يتم إلا من منظور قومي بإخراج الأمة من هذا الواقع بنظرية قومية متكاملة.
وكانت ثورة تموز ١٩٦٨ بدءاً بخطة تفجيرها ومروراً بأهدافها المرسومة قبل فجر الأربعاء ١٧ تموز ١٩٦٨ ومن ثم انطلاقاً بفعلها الثوري الأسطوري على أرض الواقع بدءاً من التشريع لتوضيب أرضيات الانطلاق الثوري ودخولاً في إنجاز التغيير في كل ميادين الحياة وأولها بناء الإنسان، كانت هذه الثورة المجيدة تدشيناً ميدانياً لعقيدة البعث وبرنامجه المتجاوز للمنهج الرجعي من جهة ولمنهج التبعية للغرب من جهة أخرى.
من هنا نقول بثقة تامة: إن ثورة تموز لم تكن حاجة عراقية وطنية فحسب بل كانت ضرورة تاريخية قومية عربية، وكانت أهلاً لإنجاز المهمتين: الوطنية والقومية متغلبة على كل المؤامرات والمطبات والعراقيل والتحديات إلى أن جيشت الولايات المتحدة الأمريكية المجرمة ٤٠ جيشاً للقضاء على منجزات الشعب واغتيال الثورة ومنجزاتها ورجالها سنة ٢٠٠٣، ولكن هيهات أن يفوز الباطل، فالبعث وشعب العراق وأحرار الأمة قد مسكوا الدرب العربي فكراً وفعلاً وستنتصر أمتنا بتحرير العراق بمشيئة الله وعونه.