في ذكراها الخامسة والخمسين
ستبقى ثورة 17 تموز المجيدة مُلهِمة الأجيال
د. سلمان الجبوري
بسم الله الرحمن الرحيم
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصرِهِمْ لَقَدِير}
صدق الله العظيم
مرّت علينا في السابع عشر من تموز هذا العام الذكرى الخامسة والخمسين لثورة الشعب العراقي العظيم التي فجرها حزب البعث العربي الاشتراكي في عام 1968، وبهذه المناسبة الغالية على نفوسنا ونفوس كل الوطنيين الأحرار من أبناء شعبنا العراقي وأمتنا العربية المجيدة لابد لنا أن نستذكر تلك الأيام التي سبقت بزوغ شمس ذلك اليوم الذي ولد فيه وليد “البعث” الثاني قوياً معافى وشامخاً بعد انتكاسة الوليد الأول، ثورة الرابع عشر من رمضان عام 1963، بفعل الردة التشرينية السوداء.
لقد جاء الوليد الثاني يوم السابع عشر من تموز عام 1968 والذي تنبأ له الرفيق الأب القائد احمد حسن البكر بأنه “لن ينتكس” جاء من رحم المعاناة والضعف والهوان الذي عاشه العراقيون في ظل اوضاع وطنية وقومية كارثية، فمثّلت الثورة الرد العملي بعد هزيمة حزيران سنة 1967 للتأكيد على أن تحقيق النصر يستلزم الإرادة الوطنية الصادقة، وبذلك وضعت الثورة أهداف الحزب في الوحدة والحرية والاشتراكية على طريق التطبيق العملي نحو تحقيق نهضة الامة العربية. وعبرَ مسيرتها الكبرى حقّقت الثورة منجزات أساسية ما تزال آثارها الانسانية والمادية ماثلة أمام عقولِ وضمائرِ العراقيين وأبناءِ الامةِ العربية.
ونحن نستذكر هذا الحدث التاريخي الكبير لابد من أن نذكّر بعظمة هذه الثورة رغم كل العراقيل التي وضعت في طريقها متمثلة بالمؤامرات الداخلية المدفوعة من قوى خارجية أو تآمر خارجي مباشر ومعلن.
لقد حققت الثورة بفضل قيادتها الحكيمة إنجازات كبيرة رفعت العراق إلى مصافّ الدول المتقدمة وعزّزت موقعه المؤثر في الساحتين العربية والدولية.
فعلى صعيد ما تحقق من إنجازات على مستوى الوطن والتي أسهمت في تمتين الساحة الداخلية وتعزير موقع العراق على المستوى الدولي هو ما حصل بخصوص العلاقة مع شعبنا الكردي والقوميات الأخرى وكذلك مع الأحزاب الأخرى ومن بينها تلك التي ناصبت “البعث” العداء طيلة الفترات التي سبقت الثورة.
أما على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي فقد سعت الثورة إلى تحقيق العدالة بدءاً من تعديل وإصدار القوانين المنظّمة للحياة والحرص على كفاءة ونزاهة القائمين عليها ضمن إطار استقلالية تامة للقضاء، بما يوفّر الظروف السليمة والفرص المتكافئة لعيش المواطن استناداً إلى هدف الحزب في الاشتراكية لتأمين فرص الإنتاج والتوزيع العادل للثروة في أجواء السلم والأمن المجتمعي.
وقد تعزز كل ذلك بتحرير الإرادة الوطنية بالتحكّم المستقل بموارد البلاد وثرواتها كما حصل بقرار تأميم الثروة النفطية، وبتوعية المواطن من خلال رفع قدراته الذاتية عن طريق محو الأمية وجعل التحصيل العلمي متاحاً بالمجان أمام الجميع بهدف الارتقاء بالمواطن إلى مستوى ما تحقق من أهداف وطنية وليعمل على حمايتها والدفاع عنها، مع تأمين رعاية صحية مجانية شاملة ومتطورة، وبذلك قضت الثورة على ثالوث التخلف (الفقر-الجهل-المرض).
كما حققت الثورة إنجازات كبيرة في جميع القطاعات الزراعية والصناعية والتعليم والبنى التحتية والعسكرية مما وفّر قاعدة صلبة للنهوض وتأمين ظروف التنمية المستدامة.
أما على المستوى القومي والدولي فقد حرصت الثورة على وضع القضايا العربية مركز اهتمامها انطلاقاً من مبدأ الوحدة العربية كأحد أهداف الحزب، وجعلت من العراق مجالاً رحباً أمام الأشقاء العرب بلا استثناء سواءً للدراسة المجانية أو العمل أو العيش، فضلاً عن الدعم المادي للأقطار الشقيقة.
أما على المستوى الدولي فقد حرصت الثورة على الانفتاح على العالم وفق علاقات دبلوماسية متكافئة تحقق مصالح العراق وأمته العربية وانتمائه الإسلامي.
لقد أقلقت كل تلك الإنجازات دوائر العدوان الخارجي التي اعتبرت ما حققته الثورة تجاوزاً للخطوط الحمراء التي وضعتها تلك الجهات أمام الكثير من الدول وخاصة التي أصبحت تمتلك إرادتها الوطنية؛ فعملت على خلق المشاكل أمام قيادة الحزب والثورة حتى قبل يوم انطلاقها، وانتهاء بعدوان مسلح مباشر في سنة 2003 احتل فيه العراق بذرائع واهية سرعان ما انكشف زيفها، والمجيء بحكام جدد لا يمتّون بصلة ولاء للوطن ولا لشعبه ليقبع ومنذ 20 سنة تحت ظل القتل والتهجير والفقر والفساد.
واليوم نستلهم من تلك الثورة العملاقة ونجاحها في تثوير امكانات العراق وشعبه الابي كل معاني النضال لتحرير العراق على يد ابنائه وفي مقدمتهم شباب تشرين والعمل مع بقية أبناء العراق الشرفاء على إسنادهم وتأمين استمرار النضال حتى التحرير الناجز وتحقيق هدفه المتمثل بإسقاط نظام العمالة والاحتلال وبناء وطن حر مستقل يستوعب كل أبنائه بعدالة وثقة وفرص حياة متساوية.
وبعد مضي 20 سنة على الخراب والدمار الذي حلّ بالعراق وضيق أفق الخلاص من كل ما خلّفه الاحتلال فإن الجهد الوطني يتطلب دعوة جميع الأطراف المناهضة للاحتلال الأميركي الايراني من قوى سياسية وتشكيلات مهنية واجتماعية وشخصيات وطنية لتشكيل جبهة وطنية عريضة وفق برنامج متفّق عليه لتحرير العراق من الاحتلال وآثاره الكارثية، وإقامة نظام حكمٍ وطني مدني ديمقراطي.
عاش العراق
عاش الشعب
تحية لذكرى ثورة السابع عشر من تموز
الرحمة والمجد لشهداء العراق
الرحمة والمجد لشهداء “البعث”
تحية لقادة ثورة 17 تموز المجيدة وفي المقدمة منهم الرفاق أحمد حسن البكر وصدام حسين وصالح مهدي عماش وعزة ابراهيم ورفاقهم الاخرين ولروحهم الوثابة التي ستبقى منارة تستنير ببطولتها الأجيال في كفاحها ضد الاحتلال والظلم والفساد.
عاشت أمتنا العربية المجيدة
والخلود لرسالتها الإنسانية والحضارية السامية.