القيادة القومية:
حرب الخامس من حزيران
هُزِمت الأنظمة ولم تهزم الأمة
أكدت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، أن الحرب التي وقعت في الخامس من حزيران سنة ١٩٦٧، أدت إلى هزيمة الأنظمة وليس هزيمة الأمة العربية التي انتفضت عبر مقاومتها المسلحة ضد الاحتلال، ودعت إلى إعادة الاعتبار إلى لاءات الخرطوم الثلاث.
- جاء ذلك في بيان للقيادة القومية لمناسبة الذكرى السادسة والخمسين للعدوان الصهيوني، وفيما يلي نص البيان:
تحل الذكرى السادسة والخمسون لحرب الخامس من حزيران سنة ١٩٦٧، والأمة العربية ما زالت تنوء تحت تداعيات تلك الحرب، التي تلقت فيها الأمة ضربة موجعة من جراء تمكن العدو الصهيوني من توسيع رقعة احتلاله لتشمل كل أرض فلسطين التاريخية فضلاً عن صحراء سيناء والجولان وبعض الأراضي اللبنانية التي باتت تعرف بمزارع شبعا وتلال كفر شوبا.
إن هذه الحرب التي دامت لأيام محدودة فاجأت الأمة بنتائجها العسكرية على الأرض، ولم تقتصر آثارها الكارثية على تدمير القدرات العسكرية لثلاث من الدول العربية وحسب، بل أسست لنتائج شديدة الخطورة على الأمن القومي العربي، بعد توقيع اتفاقيات كامب دافيد وأوسلو ووادي عربة، وفي تنكر واضح لقرارات قمة الخرطوم التي انعقدت بعد العدوان وأطلقت ثلاثية شعاراتها.
لقد أدت تلك الاتفاقيات بما انطوت عليه من شروط سياسية واقتصادية وأمنية فرضت على المُوَقِعِين عليها ، إلى إخراج دول عربية وخاصة مصر وبما تمثل من ثقل عربي ، من مجرى الصراع العربي – الصهيوني ، وتحولها من موقع قائد للنضال العربي التحرري ببعده الوحدوي ، إلى موقع يلعب دور الوسيط بين العدو وقوى الثورة الوطنية الفلسطينية التي تستمر في مقاومتها للاحتلال ، برغم كل الظروف والتعقيدات التي تحيط بوضعها بعدما أصبحت كل فلسطين تحت الاحتلال ، وتتعرض لأشكال مختلفة من تصعيد العدوان والتضييق والمحاصرة المالية والسياسية من قبل النظام الرسمي العربي الذي يندفع بعضه لتطبيع العلاقات مع العدو وبعض آخر يعمل على تكريس واقع الانشقاق السياسي بين قوى الثورة واسقاط شرعيتها التمثيلية التي تجسدها منظمة التحرير الفلسطينية.
لكن بعد ستة وخمسين سنة على العدوان ، فإن العدو الصهيوني الذي ربح معركة الحرب العسكرية مع النظام الرسمي العربي ، وإن استطاع أن يفرض توقيع اتفاقيات إذعان مع بعض الأنظمة العربية ويقيم علاقات ديبلوماسية معها ، إلا أنه لم يستطع أن يحقق اختراقاً للبنى المجتمعية العربية ويحقّق التطبيع معها لتجذر الوعي الجماهيري العربي الذي رأى في الصراع مع العدو صراعاً في مستوى صراع الوجود من ناحية ، ولوجود مواقع عربية ارتكازية ترى في هذا الصراع ذات البعد الذي تنظر إليه الجماهير العربية من ناحية أخرى ، وهي التي شكلت حاضنة ورافعة للمشروع العربي التحرري بكل تعبيراته ، وكان الأهم فيها والأقوى والأفعل العراق في ظل نظامه الوطني. وهذا ما جعل هذه المواقع تدرج ضمن دائرة الاستهداف المعادي، من خلال ما تعرضت له الثورة الفلسطينية قبل اجتياح لبنان العام ١٩٨٢ وبعده، وما تعرض له العراق من عدوان متعدد الأشكال وانتهى باحتلاله الأميركي ومن ثم الإيراني.
إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، وفي مناسبة حلول هذه الذكرى الأليمة على الأمة، ترى أن هزيمة حزيران برغم ما أفرزته من نتائج، بأنها لم تكن هزيمة للأمة، وإنما للأنظمة التي انخرطت في سياقات تلك الحرب. ولو كانت الأمة هي المنهزمة لكانت رضخت للعدو وقبلت بالتطبيع معه، ولما كانت انتفضت في ثورات ومقاومات تمارس الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي وتنخرط في حراك شعبي من أجل إنتاج أنظمة سياسية وطنية ديموقراطية.
إن الجماهير العربية لم تنهزم في حرب حزيران لأنها كانت مغيبة عن المشاركة في تلك الحرب، كما كان دورها معلباً ومصادراً من قبل الأنظمة التي كانت تدعي وتزعم تمثيل الجماهير، فيما الحقيقة أنها كانت تمارس سياسة التنكيل بالجماهير ومصادرة حرياتها العامة. ولذلك فإن الجماهير التي عبّرت عن موقفها الرافض لسياقات الحرب ونتائجها، ترجمت هذا الرفض باحتضانها وانخراطها بالفعل المقاوم للاحتلال الصهيوني، وهي ما تزال تقبض على جمر هذا الموقف المبدئي لإدراك منها أن الاحتلال لا يطرد إلا بالمقاومة الشعبية.
إن هذا الموقف هو ما أكد عليه البعث في وقت مبكر من انطلاق مسيرته النضالية عندما أطلق القائد المؤسس مقولته الشهيرة، “فلسطين لن تحررها الحكومات وإنما الكفاح الشعبي المسلح”. وهذا ما أثبته العراق واقعاً محسوساً بعد الاحتلال الأميركي من خلال مقاومته الوطنية وما تحقق في لبنان من تحرير أرضه بفعل المقاومة الشعبية الوطنية، وما أنجزته ثورة الجزائر، ثورة المليون شهيد.
إن ما تشهده فلسطين حالياً على مساحة كل أرضها الوطنية من نهرها إلى بحرها يؤكد هذه الحقيقة، ويقدم دليلاً حسياً بأن جذوة المقاومة لن تطفئ في هذه الأمة وهي ستبقى متوقدة لأنها السبيل الوحيد لتحرير الأرض من الاحتلال وتمكين الشعب من تقرير مصيره.
من هنا، واستناداً إلى المعطيات التي يفرزها الفعل المقاوم للاحتلال ، فإن الأعداء المتعددين المشارب إذا كانوا يعتقدون أنهم استطاعوا قتل روح المقاومة في هذه الأمة من خلال اتفاقيات التطبيع أو غيرها ، فهم مخطئون في تقديرهم ، والجواب أتى من خلال فعاليات المقاومة الشعبية بكل أشكالها في فلسطين المحتلة في القدس والضفة وغزة وعمق الداخل الفلسطيني، ومن مقاومة شعب العراق للاحتلال وما أفرزه من نتائج، كما أتى من مشهدية الجندي المصري الشهيد الذي بفعله البطولي لم يعبر عن مكنونات نفسه فقط، وإنما عبر عن مكنونات الأمة المتجسدة في كل إنسان عربي لا يرى نفسه حراً معززاً ، خارج حرية الأمة وعزتها ، كما أتى من حراك الجماهير العربية التي انتفضت ضد نظم الاستغلال والتأبيد السلطوي وممارسات الدولة الأمنية والارتهان للخارج الدولي والإقليمي.
بعد ستة وخمسين سنة على العدوان ورغم اتفاقيات التطبيع التي وقعها البعض من الأنظمة العربية، فإن الثورة الفلسطينية تستمر في أدائها النضالي، وإن استمرارها هو الذي يفشل مخطط العدو في تدمير غزة وتهجير الضفة وفرض الصهينة عليهما وخاصة القدس، وهو الذي يبقي الحق التاريخي بفلسطين حق قائم لا يسقط بالتقادم. فصمود جماهير فلسطين واستمرار ثورتها يجعل العدو أسير واقع مأزوم سياسياً ومجتمعياً خاصة بعدما صُنِفَتْ “اسرائيل” دولة “آبارتهايد” أي دولة فصل عنصري وقد حفظت المحكمة الجنائية الدولية اختصاصها للنظر بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها العدو في فلسطين المحتلة.
إن المقاومة الشعبية للاحتلال بكل أشكالها وأرقاها الكفاح المسلح، هي الأمل المرتجى الذي يبقي القضية الفلسطينية قضية حية، وهي الوحيدة التي تستطيع أن تضع حداً للاستثمار السياسي بها على حساب دم الشهداء وآلام الجرحى ومعاناة الأسرى والمعتقلين، وهي الوحيدة التي تستطيع أن تحول دون تمرير ما يسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد وكل المبادرات التي تطرح تحت عناوين ما يسمى بالسلام الشامل.
في هذه الذكرى التي نوجه فيها التحية لجماهير فلسطين وانتفاضتها المتواصلة، وإلى شهدائها، كما الشهداء الذين سقطوا في سياقات المواجهة المتواصلة مع العدو الصهيوني وسائر أعداء الأمة وآخرهم الجندي المصري على حدود سيناء مع فلسطين وكل شهداء الجيوش العربية في كل الحروب التي خيضت على أرضية الصراع مع العدو، ومنها شهداء حربي حزيران وتشرين، ندعو لوقف إجراءات التطبيع والخروج منها وفك الحصار عن الثورة الفلسطينية والمبادرة إلى تأسيس صندوق قومي لإسناد جماهير فلسطين وتعزيز صمودها.
في هذه الذكرى، لابد من العودة إلى التمسك بالثوابت ثوابت لاءات الخرطوم الثلاث وثوابت العودة للجماهير لإعادة النبض للشارع العربي وإثبات حضوره في معارك التغيير والتحرير، وفي الطليعة منها احتضان فلسطين وثورتها تنفيذاً لمقولة القائد صدام حسين “إن فلسطين بحاجة إلى الحضن القومي الدافئ” الذي يمكن الثورة من الوقوف على أرضية صلبة وظهرها محمي بعمقها القومي، وكي تبقى فلسطين في عيون الجماهير وقلوبها إذا ما استدارت إلى أي من الجهات الأربع.
المجد والخلود للشهداء، والحرية للأسرى والمعتقلين، والخزي والعار للخونة والمتخاذلين والمطبعين.
القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي
8-6-2023