ثورَة البُراق وصفحات من سجل المقاومة العربية في فلسطين المحتلة

أيام مشرقة في التاريخ العربي المعاصر

 

في هذه الايام المشرقة حيث ينتفض شباب الامة في العراق وقبل ذلك في السودان والجزائر حاملين دمهم على أكفهم لتحرير الأرض والإنسان مدافعين عن حرية الامة واستقلالها ، ومن اجل ابقاء راية العروبة حية خفاقة نستذكر اليوم اياماً مشرقة في تاريخنا العربي المعاصر تحققت فيها انتصارات مجيدة تتزود من عبقها الاجيال الصاعدة العزيمة والثقة لمواصلة كفاحها الضروس دفاعاً عن عروبة الامة وحقها في الحياة الحرة الكريمة. 

فعلى الرغم من أن  هناك أحداثاً وملاحم جرت في بقعة معينة من الوطن العربي ، لكن امتد اشعاؤها ليضيء لنا على امتداد الوطن الكبير ، إما لأنها كانت  دفاعاً عن وجود ومصالح ومستقبل الأمة وبجهد مشترك ، أو انها أدت في نتائجها وانعكاساتها إلى حماية المصلحة القومية وتعميق التلاحم العربي فصارت معالم وأياماً مشرقة في تاريخنا العربي نستلهم منها القيم والدروس ونتزود من تفصيلات مجرياتها بشحنات من العزم لتجدد فينا روح الوفاء والإقدام والتضحيات في معاركنا الراهنة في مواجهتنا لأعداء الأمة من قوى الشر والعدوان حماية لمصالح الأمة وخياراتها ودورها الرسالي الانساني.

 برنامج أيام مشرقة في التاريخ العربي المعاصر يسلط الضوء على هذه الأحداث ويتناول بعدها القومي وتأثيراتها ودورها في التلاحم النضالي بين أبناء العروبة.  من هذه الأيام الخالدة في تاريخنا العربي  المعاصر:

ثورَة البُراق

وصفحات من سجل المقاومة العربية في فلسطين المحتلة

يحي محمد سيف -اليمن

على الرغم من استمرار قوات الاحتلال الصهيوني بشن صفحات من حربها العدوانية ضد شعبنا العربي الفلسطيني تمخضت عنها مجازر إرهابية  وهدم متعمد للمنازل المدنية والهياكل الأساسية والبنى التحتية، في القدس وقطاع غزة والضفة وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية، أمام مرأى ومسمع أنظمة العالم أجمع،  الا انه في نفس الوقت، فان صمود ومقاومة شعبنا العربي الباسلة التي يجسدها شبابه كل يوم وبمختلف الوسائل في الوطن العربي عامة وفي فلسطين خاصة تُشكِّل مصدر ثقة وامل بحتمية التحرير مهما طال الزمن.  لذا فان هذه

 

المقاومة تفرض علينا أن نعود قليلا إلى التاريخ لنقدم للقارئ العربي سطورا من سجل المقاومة والجهاد  العربي الفلسطيني المتواصل والمتجدد باستمرار مهما كثُرَت و كبُرَت المؤامرات عليها.

 

تشير المعلومات التاريخية أن المقاومة العربية الفلسطينية  لمشاريع التهويد  والاحتلال في فلسطين، اتخذت  أشكالا متعددة – بدأت  بالمظاهرات  الاحتجاجية منذ اعلان وعد بلفور، ومنذ أن احتل الانجليز فلسطين في 11-12-1917 م وتحديداً بعد أن دخل الجنرال الانجليزي  (اللنبي) القدس وأصدر بيانه الأول باللغات الثلاث العربية والانجليزية والعبرية،والذي بدأه بالقول (الآن انتهت الحرب الصليبية) . الأمر الذي يدل على أن العقلية الصليبية ظلت ولا زالت تسيطر على خطط الغرب الاستعماري، رغم مرور أكثر من تسعة قرون على الحرب الصليبية  (1) . كما أن أول أعمال المحتلين الانجليز منذ أن دخلوا القدس أن نصبوا نصباً من الرخام للورد (اللنبي) وعليه تاريخ احتلال مدينة القدس، كما وضعوا صليباً على النصب (2) 

 

إنتفاضة عام 1920م

 

وفي 20 فبراير عام 1920م وبعد انتداب عصبة الأمم المتحدة بريطانيا على فلسطين لتقوم بتنفيذ وعد بلفور ، شهدت القدس أول مظاهرة احتجاجية منظمة وعنيفة سالت فيها الدماء، فكانت الحلقة الأولى في سلسلة الانتفاضات التي عبر بها شعبنا العربي في فلسطين عن سخطهم ورفضهم للسياسة البريطانية معربين عن تصديهم للاطماع الصهيونية· وبعد اسابيع قام بعض المجاهدين  الفلسطينيين بشن هجوم مسلح على مستعمرة (المطلة) الصهيونية الواقعة بجانب الحدود اللبنانية·

وبعد أن ازدادت شكوك عرب فلسطين تجاه النوايا البريطانية المبيّته وخصوصاً عندما تكشفت نوايا إدارة الاحتلال ومندوبها السامي الصهيوني المتعصب(هربرت صموئيل) المنحاز إلى جانب الصهاينة، انعقد مؤتمر عربي

 

 

واسع في مدينة حيفا برئاسة موسى كاظم الحسيني، تم التوصل فيه إلى ثلاثة مطالب هي:

1-   الغاء وعد بلفور

2-   وقف الهجرة اليهودية

3-   إقامة حكومة فلسطينية وطنية

وتم تسليم هذه المطالب الى وزير المستعمرات البريطانية  (تشرشل) أثناء زيارته لفلسطين عام 1921م (3) .

 

ونتيجة لاستمرار المقاومة وتعدد اشكالها ونجاحها في التصعيد، اعترف تشرشل امام مجلس الوزراء البريطاني بمشكلة فلسطين بقوله: (إن البلاد بكاملها في حالة من الغليان، ولا تلقى السياسة الصهيونية قبولاً لدى أحد غير الصهيونيين أنفسهم، وأن كلا الجانبين العربي واليهودي مسلح وماضى في التسلح ، ومستعد للأنقضاض على الجانب الاخر، ولقد رفضنا حتى الأن، لمصلحة السياسة الصهيونية،  منح العرب أية مؤسسة أنتخابية ، ويبدو لي أنه لا بد من أن يقوم مجلس الوزراء بمراجعة الحالة بكاملها) (4) .

 

انتفاضة عام 1922م

 

وبعد أن أصدر تشرشل أول كتاب “أبيض” عن السياسة البريطانية في فلسطين المحتلة، والذي أكدت فيه الحكومة البريطانية رفض المطالب العربية السابقة ، والتمسك بوعد بلفور والتقيد بتنفيذه، أزدادت مقاومة الشعب العربي في فلسطين ضراوة وبدأت تتخذ  شكلاً أكثر تنظيماً و تمخض عنها قيام المؤتمر الفلسطيني الخامس الذي عقد في نابلس. حيث تبنى ميثاقاً وطنياً، أقسم المؤتمرون فيه وتعاهدوا أمام الله والتاريخ والشعب على استمرار نضالهم، وجهودهم الرامية  إلى تحرير بلادهم، وتحقيق الوحدة العربية،  وعدم القبول بإقامة وطن قومي يهودي أو هجرة يهودية الى فلسطين.

 

 

 

إضراب عام 1925م

 

وفي عام 1925م قام المجرم بلفور بزيارة لفلسطين بناء على دعوة الصهاينة له لإفتتاح الجامعة العبرية بالقدس،  فتم رفض هذه الزيارة ومناسبتها من قبل الشعب العربي في فلسطين رفضا تاما، وتم القيام بإضراب عام وشامل شمل كافة مناحي الحياة  حيث شل الحياة الاقتصادية تماما، وأعلن يوم وصوله يوم حداد، كما وجرى تنظيم مظاهرات عارمة رفع فيها المتظاهرون الرايات    السوداء (5).

 

ثورة البراق

 

وفي عامي 1928م- 1929م كشف اليهود عن نواياهم الحقيقية للسيطرة على المسجد الأقصى من خلال الادعاء بأحقيتهم بحائط البراق الذي أطلقوا عليه (حائط المبكى) وسعيهم للأستحواذ عليه·

حيث قام الصهاينة في 14 أغسطس 1929م بمظاهرة انتهت إلى حائط البراق، وهم يرفعون العلم الصهيوني، وينشدون النشيد الصهيوني. أدى هذا العمل الاستفزازي إلى إلهاب الشعور الوطني لدى ابناء فلسطين الأمر الذي أدى إلى حدوث اشتباكات مسلحة بين المواطنين العرب الفلسطينيين وبين اليهود في القدس ومن ثم امتدت الثورة الى الخليل و نابلس، وبيسان ويافأ وصفد. وبلغ عدد القتلى والجرحى من الجانبين في هذه المواجهات: مائة وخمسة وثلاثون قتيلاً و(360) جريحاً من اليهود و(116) شهيداً و(240) جريحاً من العرب  (6) سقط معظمهم بطلقات بنادق القوات المحتلة البريطانية.

 

على اثر ذلك قامت إدارة الاحتلال البريطاني بفرض العقوبات على القرى والمدن العربية الفلسطينية وإعتقال وإعدام المجاهدين العرب ليتضح بعد  ذلك لأبناء شعبنا العربي الفلسطيني أنهم أمام عدوين مشتركين ، إدارة الاحتلال البريطاني والصهيونية العالمية (7) وعلى اثر  ذلك شكلت لجنة عرفت باسم لجنة (شو) نسبة إلى رئيسها البريطاني وأوصت بإرسال لجنة دولية لتقصي الحقائق بالنسبة

 

لحقوق العرب وإدعاءت اليهود. وقد وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة في 15 مايو سنة 1930 على الأشخاص الذين رشحتهم بريطانيا لهذا الغرض، ومن المعروف أيضاً أن هذه اللجنة قد أقرت  بما لا يترك مجالاً للشك أن حائط البراق هو أثر إسلامي مقدس، لاحقَّ لليهود فيه سوى الزيارة، ولا ينطوي هذا الحق على أي نوع من أنواع الملكية (8). واكدت اللجنة (أن حائط البراق عند المسلمين هو وقف إسلامي مؤيَّدة وقفيته بصكوك محفوظة لدى دائرة الأوقاف، والبراق يطلق على جانب من الجدار الغربي للحرم القدسي الشريف، وفيه الباب (باب المغاربة) الذي دخل منه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى يوم أسرى الله به ، و ربط دابته (البراق) في هذا الجزء بجوار الحائط، فسمي بحائط البراق، ويصل طول الحائط (156) قدماً وإرتفاعه 56 قدماً، ويبلغ طول بعض حجارته الضخمة 16 قدماً (9).

 

جذور الثورة

 

وإذ كانت هذه الثورة قد اشتعلت عام 1929م إلا أن مقدمتها ترجع إلى سنة 1925م حين ادعى اليهود في شهر أيلول من تلك السنة أن لهم الحق في جلب الكراسي والمقاعد والستائر معهم واستعمالها أثناء تعبدهم هناك، إلا أن العرب الفلسطينيين  تصدوا لهم ونجحوا في منعهم.

 

الأسباب المباشرة للثورة

 

ولعل الأسباب المباشرة لثورة البراق تعود إلى الرابع والعشرين من أيلول سبتمبر 1928م يوم عيد الغفران لدى اليهود حيث أشتعلت الشرارة من القدس لتكون بداية لسلسلة من الحوادث أنتهت بثورة البراق عام 1929م وتمثلت الشرارة بإعادة اليهود محاولاتهم لتغيير واقع حائط البراق من خلال وضع ستار يفصل الرجال عن النساء في أثناء صلاتهم·· عند الحائط إلا أن المسلمين تصدوا لهم كذالك  .(10)وبعد أن أخفقت كل المحاولات لأقناع سلطات الاحتلال البريطاني للحد من الهجرة الصهيونية لفلسطين، بداءت بعض الحركات العسكرية تاخ

شكلا علنيا بعد أن كانت سرية، وأخذت تجمع المال تمهيداً لثورة مسلحة (11) نظرا لاستشهاده.

 

ثورة العرب الكبرى

 

و في شهر ابريل سنة 1936م  أعلنت اللجنة القومية المشكلة من كل الأحزاب الفلسطينية الإضراب العام إلى أن تعلن الحكومة البريطانية الموافقة على مطالب العرب الثلاثة: التي تم الإشارة إليها سابقاً فأغلقت المدارس وتعطلت المواصلات وشلت مؤسسات البلاد الاقتصادية فكانت ثورة عام 1936م إحدى ثورات الشعب العربي العظيمة والذي أعلن من خلالها الشعب العربي الفلسطيني غضبه وسخطه ضد الانجليز أصل الداء وراس البلاء. وسرعان ما تحول الإضراب الذي بدأته اللجنة إلى ثورة مسلحة عارمة ، وتوافد المتطوعون الشباب من البلاد العربية المجاورة،  ونجحوا في القيام بهجمات كثيرة ومتواصلة وناجحة  على المنشات والثكنات العسكرية البريطانية.  ونجحت ايضاً في قطع خطوط المواصلات  والبرق للعدو، بل تحولت المواجهات إلى معارك حربية كلملة استخدم فيها الجيش البريطاني المحتل السلاح الثقيل بما فيه الدبابات،  بالاضافة الى سلاح الجو من الطائرات ضد الثوار الاشاوس. وقد ترافق مع ذلك ارهاب للمواطنين الفلسطينيين العُزَّل حيث شددت سلطات الاحتلال البريطانية العسكرية في أعمال القمع للابرياء مما ادى الى اهتياج عارم للرأي العام العربي في مختلف الأقطار العربية  (12).

ثم زاد اليهود من هجرتهم وزادت السلطات البريطانية من إجراءات التصفية ضد العرب بما في ذلك هدم مدينة (يافا) القديمة فزاد ذلك من حماس عرب فلسطين وأخذ الثوار يصعدون عملياتهم، وبدأ الناس يسمعون عن الأعمال البطولية التي يقوم بها المجاهدون أمثال: عبدالقادر الحسيني، وسعيد العاصي، والشيخ محمد الأسمر، وفوزي القاوقجي، وقد وصل النضال المسلح ذروته مما اضطر مجلس الوزراء البريطاني إلى اتخاذ القرار التالي : (اتخاذ إجراء شديد لسحق المقاومة العربية، ولتحقيق ذلك يتم تعزيز القوات البريطانية في فلسطين بفرقة كاملة ترسل من بريطانيا)·

وبعد ذلك بقليل أعلنت حكومة الاحتلال البريطاني عن تشكيل لجنة التحقيق الملكية التي وصلت فلسطين في 5/1/1937م وقد طالب القادة العرب الذين اجتمعوا مع اللجنة بضرورة تنفيذ المطالب العربية الثلاثة وهي:

 

 

إلغاء وعد بلفور·

وقف الهجرة اليهودية·

أقامة حكومة وطنية. ولكن دون جدوى (13) .

 

تجدد الثورة

وفي الوقت نفسه تجددت الثورة وقامت جماعة من الثوار في الناصرة باغتيال حاكم لواء الجليل وحرسه، وعند ذلك أعلنت سلطات الاحتلال البريطاني أن جميع اللجان القومية واللجنة العربية العليا أصبحت غير شرعية، ثم ألقت القبض على عدد من زعماء فلسطين ونفيهم إلى جزيرة سيشل بالمحيط الهندي (14) .

 

ورغم كل ما لحق بهذه الثورة من مؤامرات التقسيم وغيرها، الا ان مقاومة الشباب العربي وابناء فلسطين الاحرار تتجدد كل يوم وبمختلف الوسائل في داخل فلسطين وخارجها، ولن تهدأ حتى يعود الحق العربي الى اصحابه، مهما طال الزمن واشتد استهداف العدو للأمة العربية، ذلك لانها أمة حيّة تتطلع نحو الحرية والتحرر، وتنتفض دوماً ضد الظلم والخنوع.

 

المراجع والهوامش

 

  1. طلعت الغصين -خمس جنسيات والوطن واحد -صفحة 34
  2. أبو محمد مصطفى -مسلسل صهيوني مستمر في العدوان على المقدسات الإسلامية -مجلة فلسطين المسلمة -العددالتاسع -1999م صفحة 26
  3. طلعت الغصين المصدر السابق صفحة 21
  4. عبد الوهاب الكيالي -الموجز في تاريخ فلسطين الحديث صفحة 370
  5. الغصين المصدر السابق صفحة 22
  6. مجلة البراق الفلسطينية العدد(4) سبتمبر 2001م
  7. طلعت الغصين المصدر السابق صفحات 22-23
  8. المصدر السابق ص 24
  9. مجلة البراق المصدر السابق
  10. المصدر السابق
  11. الغصين المصدر السابق ص32
  12. للمزيد.من المعلومات عن ثورة القسام وثورة العرب الكبرى راجع كتاب -الحركة الوطنية الفلسطينية – يوميات أكرم زعيتر -موسسة الدراسات الفلسطينية -بيروت لبنان الطبعة الأولى 1980م
  13. الدكتور عبد الوهاب الكيالي المصدر السابق صفحة 157
  14. الغصين المصدر السابق ص 250

 

Author: nasser