الأوّل مِن أيـّار وعِيد العُمّال

الأوّل مِن أيـّار وعِيد العُمّال

د. محمد مراد – لبنان

هو الأول من أيار، العيد العالمي للعمّال على المساحة الكونية، حيث العمل والانتاج، القوى المنتجة وأرباب العمل، وحيث الدول والتشريعات والنُظُم الاقتصادية والاجتماعية، وحيث الصراع المستمر من أجل تحسين وتطوير شروط الإنتاج للقوى العاملة في مواقع الإنتاج المختلفة.

في هذا اليوم، تستدعي التطورات المتسارعة على غير مستوى عالمي، قومي عربي، ومحلي وطني، تستدعي التأمل، ومحاولة إيجاد توصيف موضوعي للتطورات التي طبعت قضايا النظم السياسية، وكذلك التحولات العميقة في بنية الاقتصاد العالمي، وصولا الى استخلاص النتائج التي أفضت اليها هذه التطورات والتحولات على مسارات الحركات العُمّالية وعلى الجسم التنظيمي والنقابي العمالي وقضاياه الإنتاجية والوطنية والقومية والإنسانية بصورة عامة.

 

أولاً: على المستوى الدولي:

ثمة تطورات اقتصادية وسياسية وفكرية وثقافية أخذت تَبرُز بقوة مع مطلع العقد الأخير من القرن المنصرم (العشرين)، وتمثلت بظاهرة العولمة، التي جعلت من الاقتصاد العالمي تحت سيطرة من الأوليغارشية المالية عَبَّرَت عن نفسهِا بمجموعةٍ من الشركات العملاقة أو العابرة الجنسية والقطبية، وهي عبارة عن حوالي خمسمائة شركة تَموضَعَت بصورة أكثر تركيزاً في الولايات المتحدة الامريكية وغرب اوروبا وفي بعض بلدان التركّز الرأسمالي الأخرى من العالم.

نتيجتان أساسيّتان لظاهرةِ العَولَمة الاقتصادية:

الأولى: دخول الرأسمالية مرحلة ما بعد الامبريالية، حيث جاء الاستثمار الأعنف للاقتصاد العالمي، فوقفت الشركات العملاقة على رأس انظمة الحكم، وراحت تتخطّى الدولة الرأسمالية في وظيفتها السابقة في توجيه السياسات والنُظم والعلاقات الدولية باتجاه أحادية القطبية الشركاتية المسيطرة على الاقتصاد والسياسة والأمن الدولي.

الثانية: تقسيم الثروة العالمية بنسبتين اثنتين: أقل من 20℅ من سكان العالم يستأثرون بأكثر من 80℅ من الانتاج العالمي، مقابل أكثر من 80℅ من السكان يستأثرون بأقل من 20℅ من ثروات الأرض.

 

ثانياً: على المستوى القومي العربي:

 تسارعت في الوطن العربي وتائر انكشاف النظام الاقليمي الذي ظهر في اعقاب الحرب العالمية الثانية عبر جامعة الدول العربية، وهو انكشاف في وظيفة الدولة القُطرية التي تسلطت فيها هيئات حاكمة بعقلية لا دولتية (مذهبية او قبلية او عرقية) على الدولة.

انكشاف الدولة أوقع بها في دائرة الدول الفاشلة في الانتاج والتوزيع، لا بل في الحروب المفتوحة التي اطاحت بالقوى المنتجة العمالية، ومنعت عليها التطور والحصول على مكتسبات حقوقية في مستوى المعيشة والخدمات على اختلافها. مع الدولة العربية الفاشلة تبخرت الطموحات العمالية في إحداث التغيرات النوعية في علاقات الانتاج التي نادت بها  النظرية الماركسية ، وكذلك النظريات الاشتراكية عند حزب البعث العربي الاشتراكي والناصرية، وهي نظريات كانت بمثابة الاشعاع الفكري والاقتصادي والاجتماعي عندما ربط البعث جدليا بين التوحد القومي والتحرر السياسي والاجتماعي، وكذلك عندما طرح الرئيس جمال عبد الناصر” اتحاد قوى الشعب العاملة ”  في خمسينيات القرن الماضي بوصف هذه القوى المنتجة الفاعل الحامل لعملية التغيير وبناء المجتمع القومي التحرري الاشتراكي.

 

ثالثاً: على المستوى الوطني (لبنان مثالاً):

منذ ميثاقية الطائف في العام 1989 وحتى اليوم، راحت الطائفية السياسية تطبع السلوك السياسي والاقتصادي والاجتماعي لنظام الحكم اللبناني، وهو نظام نجح كثيراً في تقديم الطائفية في السياسة والاقتصاد على كل هياكل ومؤسسات المجتمع المدني، لاسيما على الأحزاب والنقابات على اختلافها.

في لبنان اليوم: هناك أحزاب بهياكل تنظيمية مذهبية وطائفية وخلفيات فكرية وثقافية صرفة، أي ذات اللون الواحد. استطاعت هذه الأحزاب السيطرة ليس فقط على مواقع السلطة الحاكمة للدولة، وانما أيضا، وهذا هو الأخطر، على مرتكزات القوى الاجتماعية من نقابية وشعبية.

على المستوى النقابي باتت كل التشكيلات النقابية العمالية والمهنية والحرفية والروابط في القطاعين العام والخاص تحت اشراف قيادات تابعة لأحزاب السلطة الحاكمة على قاعدة المحاصَصة والتطييف السياسي والإداري والاقتصادي والاجتماعي.

على المستوى الشعبي عملت احزاب السلطة الحاكمة على تجنيد شرائح واسعة من الطبقات الشعبية الدنيا في صفوفها التنظيمية، فباتت لها طبقة اجتماعية زبائنية تابعة، وهي طبقة ممتدة عمودياً وأفقياً:

عمودياً في كل الشرائح والمستويات الطبقية، وأفقيا على امتداد الجغرافيا الطائفية او المذهبية ذات اللون الطائفي أو المذهبي المسيطر.

يأتي الأول من أيار اليوم، والطبقة العاملة عالمياً وعربياً ومحلياً ، تقف امام مرحلة انتقالية مصيرية وحاسمة ، مرحلة تقتضي إعادة النظر في البناء الهيكلي الفكري والسياسي والتنظيمي للواقع العمالي ، من أجل الخروج بصياغات فكرية جديدة ، وخطاب سياسي واجتماعي ونضالي جديد يتناسب مع حجم التحديات الاستعمارية في عصر العولمة، لا سيما تلك التحديات المستهدفة للوطن العربي في وحدتِه القومية وهويته الحضارية، والتمادي في تنفيذ أجندات خارجية تقوم على تفكيك الجغرافية السياسية والاجتماعية لكل الأقطار العربية عبر تسعير الحروب الطائفية والمذهبية والإثنية والجِهَويّة.

إن الضرورة التاريخية تقتضي اليوم توليد استجابات جديدة قادرة على مجابهة التحديات الضاغطة على المستويين القومي والوطني ، استجابات تتأسس على معطيات فكرية ونضالية تأخذ بالمنهجية العلمية ، وبإعادة الاعتبار الى القوى الحية التي تتوقف عليها عملية التغيير والنهوض الاجتماعي ، والتي تأتي الطبقة العمالية سواء على الصعيد العربي او على الصعيد القطري كما في لبنان في طليعتها كطبقة مناضلة قادرة على إحداث التغيير المطلوب في علاقات الانتاج كشرط معياري للخلاص القومي والوطني من ازمات الحروب المفتوحة، واستعادة الوظيفة للدولة الوطنية، وتعميق تفاعلها مع محيطها العربي من خلال صيغة تبادلية تكاملية يكون فيها للطبقة العاملة حضورها المركزي في النضال التحرري ، وفي بناء مجتمع العدالة الاجتماعية.

 فليكن الأول من أيار لهذا العام، مناسبة لمراجعة مسيرة الحركة العمالية العربية بصورة عامة، والوطنية بصورة خاصة، من أجل الخروج بصياغة برنامجية نضالية جديدة تفضي الى الخلاص القومي والوطني من الأزمات الوجودية الضاغطة عربياً وقُطرياً، في لبنان وغيره من الاقطار التي تمر بظروف مماثلة.  على الحركة العمالية تصويب البوصلة النضالية التي تبقى الشرط الأساس لبناء الدولة الوطنية على قاعدة اقتصاد انتاجي تأسيسي، يكون بعيدا عن الريعية والزبائنية والانتهازية، اقتصاد ينقل الطبقة العاملة عربيا ومحليا من دائرة التهميش والدونية الى دائرة البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وسط مناخات من الحرية والعدالة التوزيعية وانتاج سلطة وطنية حرة ومسؤولة.

 

Author: nasser