نحو تعزيز الوعي القومي الوحدوي
الهُويَّة الوَطنيَّة والقَوميَّة فِي مُوَاجَهةِ التَّحَدِيَات المُعَاصِرة
الجزء الثاني
الكيَان الصُهيُّوني والعَولمَة
مِعوَلان لهَدمِ الهُويَّة القَوميَّة
د. محمد رحيم آل ياسين
اليوم وفي ظلِّ العَولمة المُعاصِرة التي فرضَت على العَالم ألواناً من التَّحوّلات والمُتَغيّرات في النوع والكَمّ وبشكلٍ مُتَسارعٍ، فقد اختلفَ الباحثون في فهم وتَعريف الهُويَّة من مجتمعٍ أو شعبٍ لمجتمعٍ أو شعبٍ آخر، بل ومن حضارةٍ الى أخرى. غير أنَّ هؤلاء الباحثين قد اتَّفقوا على حقيقةٍ واحدةٍ وهي أنَّ الهُويَّة ليست شيئاً جامداً، أو مُتَحجِّراً أو مُنغَلقاً على ذاته، انَّما الهُويَّةَ امتدادٌ للتاريخ والحضارة، ومن هنا وجدنا هُويَّتنا العربية، هُويَّةٌ مُتَسامِحةٌ، مَرنةٌ، تَمُدُّ يَدها للقوميات الأخرى التي تشاركها الحياة والعيش.
ومِمَّا يجب أن نشير اليه هنا أنَّ الهُويَّة تَمرُّ في تفاعلٍ وازدهارٍ في فتراتٍ مُعيَّنةٍ وأنَّها يمكن أن تَعيش في حالةِ ركودٍ وخُمولٍ وضعفٍ في ظروفٍ خاصة. وقد تكون المرحلة الحالية التي تَمرُّ بها الأمة العربية، هي مرحلة الركود في الهُويَّة الوطنية، والهُويَّة القومية بفعل العدوان الاستعماري الأمريكي الغربي الصهيوني، والعدوان الإيراني الفارسي المتكامل معه، واستشراء الطائفية اينما حل الاخير كالعراق ولبنان وسورية واليمن، كأحد أهم الوسائل للتفرقة والتشتيت ومن ثم الهيمنة.
وقبل ظهور البعث جرى تكريس واقع التَّخلف والجَهل والضعف في المجتمعات العربية، من قبل الاستعمار الغربي ومن لفّ لفهم من الأنظمة العربية، وتَغيِّيب الهُويَّة الوطنية والقومية لحساب مصالحهم وأسيادهم من الدول الكبرى. من هنا عالج حزب البعث العربي الاشتراكي، كحزب قَوميّ وقَوِّي مُتَحَفِّز لتغيِّير واقع الأمة المتردي وتَحقيق انبعاثها من جديد كأُمَّة حيَّة وفاعلة بين أمم الأرض لبعث أُمَّة العرب من جديد، من خلال اعطاء الفرصة لأبناء الأمة في التَعبير عن ذواتهم بالعمل الجماهيري النضالي، ومن خلال تفعيل طاقاتهم الكامنة في سبيل النهوض بالأمَّة من جديد، والبدء في نهضة تنموية شاملة، مدركاً ان كل ذلك يجب ان يستند الى حجر أساس وهو وجود هوية قومية راسخة، عندها بدأت مرحلة انتعاش وازدهار الهُويَّة القومية.
وكانت نظرة البعث للهُوية القومية مَبنيَّة على اعتبارها المُحَفِّز والدافِع من أجل توظيفها في خدمةِ الأُمَّة والتعامل الايجابي مع الآخرين. فالبعثُ ينظر لها من زاوية تاريخية، تفترض عدم الجمود والتَحجّر، وباعتبار الهُويَّة تصلح موضوعاً للفكر، ويُمكن للعقل والوجدان أن يمارسا فَعَّاليَّتهما عليها في تراضٍ وتوافقٍ وتصالحٍ، واعتَبر البعثُ أنَّ الهُويَّةَ ليست صورةً مُعلَّقةً على الجدران، أو شعارات كُتِبَت على يافطاتٍ في الطرقات، بل هي وَعيٌّ بالذات من منظورٍ يربط بين الأصالة والحداثة، منظورٌ مُتَجدِّدٌ للفكر العربي والواقع العربي المعاصر.
كثيرٌ من الأممِ والحضارات التي اندثرت، كانَ سبب سقوطها تَمزّقاً وانهياراً داخلياً، ففقدت وحدتها، وتَحوَّلت الى جماعاتٍ وكُتَلٍ مُتَناحِرةٍ لا يَجمعها جامعٌ، وأقربُ مثالٍ على ذلك ما أصاب العرب في الأندلس، حين فقدوا تكاتفهم ووحدتهم فضاعت دولتهم، وأقاموا دُويّلاتً راحت تَستعين بالعدو لمحاريةِ الشقيق! لقد درس كثيرٌ من الباحثين أسباب سقوط الحضارات وهي عديدة، لكنَّ أهمَّها هو فقدان الوحدة الاجتماعية في المجتمع، وفقدان الشعور والانتماء الى هُويَّةٍ واحدةٍ.
من المعلوم أنَّ الأُمَّة كلَّما التَزمَت بقيَمها الخُلُقية، عندها تَتمكَّن من أن تَمُدَّ في حضارتها، وتَحفظ وحدتها، وتَبعد شبَح السقوطِ عنها. وعلى العكس فمتى أخذت بالتَحَلُّل من القيَم، فإنَّها لا تَلبث أن تَتفَكَّك وتَنحَطّ حضارتها. يقول غوستاف لوبون في كتابه الإسلام والحضارة ج2، ص535: أنَّنا إذا بحثنا في الأسباب التي أدَّت الى انهيار الأُمم، وجدنا أنَّ العامل الأساسي في سقوطها هو تَغيّر مزاجها النفسي، تَغيِّراً نشأ عن انحطاط أخلاقها.
وعلى العموم فالحضارة هي من صنع الانسان، وهو الذي يهدمها كما بناها، ويكون ذلك ناجماً عن سلوك الإنسان نفسه، كممارسة الكُفر والفُسوق وشيوع الفواحش والظلم واشعال نار الحروب. وقد يُضافُ الى ذلكَ حدوث بعض الكوارث كالفيضانات والزلازل أو الحروب، والجوائح كالسيول الجارفة أو الجفاف وعدم سقوط الأمطار وغيرها، وعدم تحسب الانسان لها بتهيئة الوسائل الوقائية والاحترازية او البدائل. وهكذا يكون دفع الأمة من مركز القيادة للعالم والتوجيه الى مؤخرة القافلة هو لون من ألوان السقوط.
مطلوب منَّا نحن أبناء هذه الامة وفي المقدمة البعثيين منهم، أن نمعن النظر ونُدقّقه في تاريخ أمتنا العربية، لنعرف ونَعي كيف تَقدَّمَت، وماذا لزمها للحصول على قيادة العالم آنذاك؟ وماذا ارتكبت من أخطاءٍ فيما بعد، حتى فقدت مكانتها، فسُلِبَت القيادة منها؟ علينا أن نبحث في أسباب التَقدم لنأخذ بها، لنأخذ بالأسباب، فلا التَقدم أبَديٌّ ولا التخلف سَرمديّ. ويكذب الغرب حين يُروّج الى أنَّ في البشرية بعض الأجناس لا تصلح للتَقدم وإن رافقتها الفُرَص، فهذه كذبةٌ ليس لها تأيِّيد في التاريخ وتأباها عدالة الخالق تعالى.
البَـــعث والهُويَّة القَوميَّة
هُناكَ حقيقة مهمَّة نُشير اليها هنا وهي: أنَّ الهُويَّةَ تحتاجُ الى فكرٍ حَيّ يُعبِّر عنها، وفي المقابل فالهُويَّة هي التي تُنَشِّط الأفكار وتَبثُّ فيها الحياةَ. ولكن هذا لا يكفي فالهُويَّة بحاجة دائماً الى مَن يُغذِّيها، وإلى حواضن اجتماعية وثقافية واقتصادية كيما تكتسب طاقة سياسية مُحرِّكة، وتالياً تَتحَوَّل الى قوَّة تغيِّير حقيقية، ويترادف مع ثبات الهُويَّة وقوّتها وجود الوعي بهذه الهُويَّة وطنية كانت أم قومية، وهذا الوعي لا يأتي من خارج المجتمع أو خارج سياق التاريخ. وعلى اعتبار ما سبق فالبعث هو الفكر الريادي الذي تحتاجه الهُويَّة، فهو في طليعة مَن يُغذِّيها باستمرار، وفي الجانب الآخر فالهُوية القومية هي التي تُنَشِّط فكر البعث وتَبثُّ فيه شُعلة الرُّوح والحياة.
لقد أكَّد البعث على قيمة الهُويَّة القومية ودورها ليس في حماية الأمة العربية ووحدتها فقط بل وفي انبعاثها وتقدمها. وشَكَّلت الهُويَّة القومية أهم العناصر في احتفاظ الأمة بأصالتها وتاريخها ووجودها في فكر البعث القومي الوحدوي، فهو النموذج الذي يَستلهم روح وتراث الأُمَّة المُشرِق والمُستَوحى من البيئة العربية والإسلامية التي لم تكن تعرف الهزيمة والاندحار أمام استِلاب الهُويَّة العربية ومحاولات طمسها وتذويبها.
والبعثُ لهُ رؤيةٌ تاريخية للهُويَّة القومية ليس من خلال تأثيرها وتأثّرها بالإنجازات والمآثر والأحداث التاريخية التي مرَّت بها الأُمَّة حسب، بل هي تَتأثَّر بفعل القادة والرموز التاريخيِّين للأمة، فهؤلاء القادة لهم قدرةٌ على تحويل بعض الاتِّجاهات السلبية للجماهير الى اتِّجاهاتٍ ايجابيةٍ تَصبُّ في خدمة الهُويِّة العربية، وذلك لما يَتَميَّز به هؤلاء القادة والمفكرون من امكاناتٍ فكريةٍ وشخصيةٍ منها الذكاء الحادّ وسعة الاطلاع وحسن التصرف والسيرة الحسنة والسُمعة الطيِّبة، كلّ هذه الصفات وغيرها تجعلهم في موقفٍ يَتمَكَّنون فيه من التأثير في غيرهم بالاتِّجاه الذي يعلو من شأن الحفاظ والتَمسّك بالهُويَّة. وليس أدَلّ من ذلك هو ما كان للأستاذ المفكِّر مؤسِّس البعث من تأثيرٍ كبيرٍ في الانسان العربي وجماهير الأمة ومناضلي الحزب من خلال فكره القومي الثَرّ، وتأثيره المباشر والمُتَضمِّن سلوكه القَويم وأخلاقه الرفيعة وفلسفته الخاصة الراقية. فليسَ هناك من شكٍّ بأنَّ القائد المؤسِّس أحمد ميشيل عفلق رحمه الله كان له الأثر الكبير في تعزيز الهُويَّة العربية، فعندما يَتحدَّث البعث بلسان مؤسّسه عن الوحدة العربية، فلأنَّه يؤمن بوحدة الهُويَّة القومية لأبناء الأمة باعتبارها ضرورة تاريخية، فهذه الوحدة في الهُويَّة تعني لنا نحنُ ابناء الامة العربية شعوراً بوجودنا الارادي، أي شعوراً بوحدة هُويَّتنا وشخصيَّتنا العربية المستقلة.
لقد اعتبر البعث وحدة الهُويَّة القومية هي حقيقة تاريخية كما هي الوحدة العربية، فأبناء الأمة على مختلف دياناتهم وانتماءاتهم يَتَميَّزون بشعورٍ مشترك واحدٍ، ويجتمعون على تراثٍ معنوي هائل، وهو التاريخ المشترك، وصِلة الدم والقُربى والروابط الفكرية والرُّوحية والاجتماعية. والمصير المشترك الواحد.
الحِراك الشَّعبي العربي وظُهور الجيل العربي الجَديد
كان البعث في بدايات التأسيس يرى أنَّ الجيل العربي الجديد، جيلاً لم يَتَحقَّق بعد، وأنَّه من العَبَث أن نَنتظر ظهور هذا الجيل أذا لم تظهر فكرته. وبعد أن نضجت أفكار الحزب القومية الوحدوية، تحوَّلت الأفكار الى واقع عملي على الأرض، وبزغ الجيل العربي الجديد من خلال فصائل البعث التي قاتلت في فلسطين، وتجربة الحزب الثريَّة في العراق وقيادته للدولة والشعب، وقيادته للمقاومة الوطنية الباسلة التي هزمت قوات الاحتلال الامريكي واجبرتها على الهروب. وهي اليوم تتجسد في الحراك الشَّعبي لأبنائنا الشباب، الذين أثبتوا أنَّهم استمرار للجيل العربي الجديد الذي يتطلَّع اليه البعث، وتصبو عينه نحوه منذ أربعينيَّات القرن الماضي، هذا الجيل الذي يؤمن بعروبته وهُويَّته القومية، ويثق بنفسه. وهُم الثوار الشباب في السودان في انتفاضتهم الباسلة وتضحياتهم الكبيرة، وأبناء العروبة في مصر وتونس والجزائر والعراق في ثورتهم التشرينية المظفرة، وهم قادة الصمود في لبنان واليمن وليبيا ضد كل محاولات الابادة والفساد والتجويع والتقسيم والتشتيت، من هنا فقد وجدَ البعثُ أنَّ انتفاضة هذا الشباب العربي، وحِراكهم الشَّعبي في الأقطار العربية، باعتبارها مشروعاً للانتفاضة والثورةِ على الظلم والاستبداد واغتصاب الحقوق. وأنَّ هذه الانتفاضة الشبابية هي تأكيدٌ على أصالةِ الهُويَّة العربية وديمومتها. وهي قيمةٌ ومَدعاةٌ للفخرِ لكلِّ عربيّ، باعتبارها نموذجاً خلَّاقاً يقف بكل قوَّة متحدياً النموذج الاستبدادي التَعسفي الذي تَنتهجه بعض الأنظمة العربية ضدَّ شعبها، ومتحديا قوى الفساد والطغيان من المافيات والمليشيات والمؤسسات المرتبطة بالقوى الاقليمية والدولية الطامعة في خيرات وطننا وأمتنا.
نعم، فالحراك الشعبي العربي هو أحد صيغ تجسيد الهُويَّة الوطنية والقومية والتعبير عنها فالمنتفضون قد أحسُّوا بقيمة ذواتهم الوطنية في كلِّ قطرٍ عربيٍّ خرجوا فيه على الحاكمين، وادراكهم أنَّ الهُويَّة هي سلاحهم ضد العدو في الداخل والخارج، وهي أولى خطوات النهوض بالأُمَّة، انَّه الايمان والادراك الواعي من قبل الشباب العربي، بأمَّتهم وثقتهم بتاريخهم وتراثهم المجيد ومستقبلهم المشترك.
العَولمة الغربية الأمريكية وتَهديد الهُويَّة القومية
العَولمةُ، مفهومٌ ليس له تَعريفٌ ثابتٌ، بل تَعريفاتٌ عديدةٌ، وهي مرادفةٌ للنظام الدولي القائم أحادي القطبية، والذي تشير كافة المؤشرات والاحداث الى انه آيلٌ للسقوط ليَحلّ محله نظام تَعدُّدي في ظل الصراع العالمي بين روسيا الاتحادية ومَن تحالف معها كالصين والهند، وأمريكا والغرب (حلف الناتو) ومَن تحالف معهم. فأصحاب العولمة ودُعاتها يرون أنَّه نظامٌ مُتقَدِّمٌ، يجعل من العالم قريةً صغيرةً سواء من خلال وسائل الاتصال المفتوحة كالإنترنت والهاتف المحمول والقنوات الفضائية وغيرها، او من خلال الاسواق والتبادل التجاري المفتوح، او من خلال محاولة تذويب الهويات والخصائص الوطنية والقومية واحلال اخرى عالمية مبهمة محلها.
وفي حقيقة الحال وبخلاف ما يُردّده دُعاة العَولمة من مظاهر يحاولون اضفاء صفة الايجابية عليها، الا ان كل ذلك لم يحجب الحقيقة الصارخة على ارض الواقع وهي ان كل هذا الانفتاح انما يجري لخدمة حركة راس المال العالمية التي تهيمن عليها الشركات العابرة للقارات، واداوتها المحلية المتمثلة بالمافيات والمليشيات المسلحة، وتدهور الامن العالمي مما ادى الى هجرة الملايين من اوطانهم، كما وتَسبَّبت في تَراجع وتَقهقر الهُويَّات القومية للشعوب والأمم من خلال فتح الحدود بين الدُّول، دونما ضوابطٌ مُتَّفقٌ عليها، حيث أنَّ العَولمة من شركاتٍ وثقافاتٍ لا تحترم حدود الدُّوَل القومية، أو تضع لها اعتباراً. انَّه وإن أنكرَ المُنكرون صراعٌ بكلّ ما يعنيه الصراع بين عَولمتهم الغربية بحقيقتها، والهُويَّة الثقافية والهُويَّة القومية خاصة الشعوب المُستَضعَفة المُستَغَلَّة.
وللوصول إلى الحقيقة الخفية للعولمة علينا أن نَستَقرئ ونَستَطلِع صورة الإنسان الكامنة في خطاب العَولمة. فالعَولَمةُ في ظاهرها هي منظومةٌ اقتصاديةٌ، من خلال الحريَّة في انتقال السلَع الحُرّ، في حين تُبطِن الكثير في هذا التَوَّجه والمنحى والهدف الحقيقي منها. فهي تحاول منع نقل الخِبرات التَقنية والعِلمية من الدُّول المُصَنِّعة الى الدول النامية والفقيرة. انَّها في حقيقتها عَولمةٌ ثقافيةٌ لكنَّها ماديَّةٌ أكثرُ من كونها ذات أهدافٍ انسانيةٍ، فهي لا تأخذ بالحُسبان الأبعاد المعنوية الرُّوحية والأخلاقية لوجود الإنسان. والأنكى من ذلك فهذه العَولمة تحاول تَهميش ثقافة الشُّعوب النامية، وازاحة تراثها الإنساني وتذويب هُويَّتها القومية. فالعَولمة في باطنها تهدف الى محوِ الذاكرةِ التاريخية للشعوب والأمم. وتالياً فهي تَعمدُ الى مَحو وعيِّ الإنسان بذاته وشخصيته، من هنا فعلى الشعوب الحُرَّة أن تَنتبه إلى أنَّ هدف العَولمة في غاياتها وأهدافها البعيدة هو استغلال طاقات الشُّعوب لفرضِ سطوةِ راس المال العالمي وهَيمَنته على العالم. انَّها حالة من الالتفاف والاحتواء(السلس)، بدلاً من التَدخّل العسكري أو اللجوء إلى العنف المباشر.
الكيان الصُهيُّوني والعَولمة مِعوَلان لهَدم هُويَّتنا القومية
يَجب علينا أن ندرك خطورة العَولمة كونها من مَعاول هدم هُويَّتنا العربية، وأنَّها تَهدف الى تَكيّف ابناء الامة العربية مع الواقع الحالي وقبول دوَيلة الصهاينة كجزء من هذا الأمر الواقع المفروض عليها، وبالتَّالي نُطبِّع علاقاتنا معها، ونعتبرها دولة من دول الجوار لنقيم معها العلاقات والاتفاقات! وهذا بالفعل ما حصل من قبل بعض الأنظمة العربية التي قامت بالتَّطبيع مع الكيان الصهيوني. انَّهما أيّ الصهاينة والعَولمة يَهدفان الى صياغةٍ جديدةٍ للإنسان العربي المُجرَّد من هُويَّته الوطنية والقومية بما يَسمح أن تَتُمّ (عولمته)، اي عولمة انتماءه، وبذلك تَتَحقَّق أهدافهما الاستراتيجية في احتلال الاوطان ونهب الموارد.
إنَّ العَولمة وهي أحد معاول الهدم الخارجية للهُويَّة الوطنية والقومية تهدف الى محو الذاكرة التاريخية للشعوب والأمم الضعيفة والغائها، وخاصة الإنسان العربي وتحويله الى انسانٍ مُستَهلكٍ ومُتَلقِّي وليس له في الابداع والمبادرة في شيء، وتالياً يَتحوَّل هذا الإنسان الى انسانٍ عاجزٍ غير فعَّال، ومن خلال ذلك يَتغَلغَل المَدّ الصهيوني الى داخل المجتمع العربي. وعندها تكون البيئة مناسبة للتَّطبيع مع هذا الكيان المُسخ. والتَّطبيع هذا ينشأ عنه تَهميش الهُويَّة القومية للإنسان العربي، فهُم يريدون العربي دونما ذاكرة، وبلا تاريخ وبلا هُويَّة.
ونَمرُّ هنا على قضية أخرى يعملان عليها، العولمة الغربية والكيان الصهيوني وهي إن لم يجدا الطريقَ سالكاً في عَولمة المجتمع العربي، وفي التَّطبيع مع العدو الصهيوني، ولاقيا فيهما رفضاً شديداً ومقاومة عنيفة، عندها يلجآن الى عولمة المنظومة الحاكمة والتَّطبيع معها، وهذا ما جرى في بعض الأقطار العربية للأسف، مما سيؤدي الى اتِّساع الفَجوة بين الأنظمة الحاكمة وشعوبها.
الخلاصة
اتفق الباحثون على أنَّ الهُوية ليست ذات معنى ومفهوم متحجِّر وثابت، بل هي متحرِّكة، فقد تكون في حالة من الانتعاش والحرارة، وفي حال آخر يصيبها الخمول والضعف. كان البعث يؤكد منذ تأسيسه على وحدة الهُويَّة القومية لأبناء الأمة، كما هو ينادي بالوحدة المجتمعية والسياسية والجغرافية للامة. وقد رأى البعث أنَّ الشباب في حراكهم الشعبي وانتفاضاتهم وثوراتهم اليوم، هم بمثابة الجيل العربي الجديد، المؤمن بأمته وهويته القومية، والواثق من نفسه. وأنَّهم بحراكهم المستمر وتَلَّقيهم الموت برحابة صدور وأنفس، انَّما يحافظون على هُويَّتهم الوطنية والقومية. وبهذا فانهم يسقطون الاهداف المتوحشة للعولمة التي تتكامل مع المشروع الصهيوني في الوطن العربي. فالهوية القومية هي الحجر الاساس لوجود الامة وسلاحها الاقوى ضد مخططات استهدافها.
يتبع لطفاً…..