ماذا يَعنِي أن يَحتَفِل البَعْث بعِيدِه الخامِس والسَبعِين؟
نبيل الزعبي – لبنان
في السابع من شهر نيسان لهذا العام ٢٠٢٢، يوقد البعثيون على امتداد الوطن العربي وفي المهاجر الشعلة الخامسة والسبعين لتأسيس حزبهم الذي اتُقِدَت شعلته الأولى في السابع من نيسان من العام ١٩٤٧، في حيّ شعبي من أحياء دمشق القديمة.
خمسة وسبعون عاماً بالتمام والكمال، ليست مرحلة عابرة من الزمن في مسيرة حزب وحياة أمة، وقطعاً، ليست هي الشعلة العادية التي تُتَّقد فتتوهج وتنطفئ، وإنما هو التاريخ الذي يسجّل، والأمة التي تعاني، والضمير إن حكى.
خمسة وسبعون عاماً من الزمن، عاش البعثيون مراحلها المتعاقبة، ساعاتٍ، أياماً، شهوراً، سنيناً وعقود، في قلب الحدث. يصنعون الخبر وهم يتشبّثون بالحياة، شاحذين أدمغتهم وشاهرين سواعدهم ضد كل من يعمل على قتل نسغ الحياة في جسد الأمة، فكانوا الأبناء البررة لأمتهم ورسالتها الخالدة، فما هانوا، وما استكانوا، ولم يسجل التاريخ يوماً أن قناةً لهم قد لانت أو كُسِرَت.
ولم يُعرَفُ أن بعثياً قد فرّط بالأمانة، أو بعثيةً خذلها الخوف، وهي مثال الإباء للأمة الولود التي لم تنقطع لديها صناعة الحياة.
ماذا يعني خمسة وسبعين عاماً من حياة البعث غير أن أعداءه عجزوا عن اغتياله وإصدار وثيقة وفاة هذا الحزب، مع كل رزيةً طالته على مرّ الزمن، وهو يستعيد عافيته ليعود أكثر صلابة وأقوى مع كل الخطوب والرزايا، وليتجدد عاماً بعد عام وعقوداً إثر عقود قاربت الثمانية، تخرّجت فيها أجيال، والتحقت به قوافل وانتقلت الأمانة خلالها من جيلٍ إلى جيل، واستمرت قوافله ترسم تاريخ الأمة وتترك بصماتها على طول وعرض جغرافية الوطن وهي تحطّ رحالَها في كلِّ مدينةٍ وقريةٍ من أرض العروبة وفضائِها الإنساني الكبير.
ما هي الخلطة الروحية العجيبة التي امدّت الحزب بـ “إكسِير الحَياة” المتجدد هذا! ليعجز أعداء الأمة حتى اليوم عن إدراك معنى أن تكون بَعثياً، وكيف تختلف سنوات الجَسَد ذات اللحم والدم وتتبدّل في عمرها المحدود، عن سنوات الفكر المتوهِّج الذي يهتدي بالنظرية العلمية، ويجسّده تنظيم ثوري بمستوى وحجم واقتدار حزب البعث العربي الاشتراكي.
ما لم يدرِكه الأعداء، أن البعث هو حزب الرسالة وأن الرسالات لا تموت، ولَكَم كان صادقاً ودقيقاً في وصفه من قال عن البعثيين يوماً:
إنهم الأنبياء الصِغار في العصر الحديث، تأسيساً على ما نهلوا من أدبيات القائد المؤسس التي لم يجد الخصوم سبيلاً لمواجهتها سوى وصفها بالرومانسية والمثالية لينالوا من إشعاعها وقوة انتشارها. ولو كانت هذه “الرومانسيّة والمثاليّة” عابرةً في حياة الأمة، لما أقدم الإحتلال الإمبريالي الصهيوني على جرف قبر القائد المؤسس في أولى مهامه التخريبية في العراق، وهو يحشد القوى والترسانات العسكرية لثلاث وثلاثين دولة لغزو هذا القطر واحتلاله، وجرف الدور الحضاري الإنساني العلمي والمقتدر لتجربة البعث في العراق بالتزامن مع جرف القبر الذي يحوي رفاة مؤسس البعث، وصولاً إلى اغتيال كل ما هو جميل وينبض حضارةً واقتداراً في حياة
العراق، وليلخّص القائد صدام حسين المشهدية كاملةً وهو يستقبل الشهادة بابتسامة الأولياء، مؤكداً أن صراع الأمة مع أعدائها هو الصراع الوجودي الأبدي الذي أدركه البعثيون قبل وبعد السابع من نيسان ١٩٤٧، وهم يردّدون شعارهم الحي الذي يبدؤون ويختمون فيه اجتماعهم الحزبي، في أرض الوطن الكبير والمهاجر وحتى داخل المعتقلات والزنازين: أمةُ عربيةُ واحدة ذات رسالة خالدة.
فإلى كل بعثية وبعثي يحتفلون اليوم بميلاد حزبهم العظيم في يوبيله الماسي، وليس صدفةً أن يسمى اليوبيل بالماسي، فالماس هو أكثر المعادن صلابةً على الكرة الأرضية ولا تضاهيه أية مادة صلبة منذ تاريخ البشرية، إليكم واليكنّ جميعاً:
كل عام وحزبكم بخير، ولرسالة أمتكم المجد والخلود.