بسم الله الرحمن الرحيم
برنامج كتاب الشهر
للكتاب والقراءة أهمية عظمى في حياة الأمم والشعوب، وفي عالمنا المعاصر حيث تحتدم التحديات والمتغيرات في مختلف الاصعدة والمجالات ، اصبحت المعرفة احد اهم الاسلحة التي تتسلح بها الشعوب في كفاحها حتى اضحت حاجة جوهرية لا غنى عنها من اجل البقاء وتحقيق التطور والازدهار. وفي ظل عمليات التجهيل المنَظَم والمتَعَمَّد للاجيال الصاعدة من الشباب في وطننا العربي يحتل هذا الامر اهمية استثنائية. وتساهم العديد من الاصدارات العربية الحديثة في القاء الضوء على القضايا الملحة في وطننا العربي، وتنوير الرأي العام ونخبه الفكرية والثقافية، وتعميق الوعي لديها، فتشكل منارات هادية تضئ الطريق امام ابناء الامة ولا سيما اجيالها الصاعدة ، لتتزود منها بالمعرفة اللازمة لمواصلة الطريق في دفاعها عن خيارات الامة وحقها في الحياة ومواصلة رسالتها الخالدة بين الامم.
يسلط برنامج ” كتاب الشهر ” الضوء على هذه الكتب ويتناول بعدها القومي وتأثيراتها ودورها في تعميق الوعي فيقدم خلاصات للنصوص الجديدة في مجالات الثقافة القومية والفكر العربي المعاصر والتحديات الراهنة في مختلف المجالات ، تشترط الرصانة الموضوعية ،وتضمن الفائدة العامة لجميع القراء والمتصفحين . ولإثراء النص وتعميق مضامينه ، يشرع كتاب الشهر نوافذ للحوار العلمي ، وتبادل وجهات النظر . كتاب هذا الشهر يحمل عنوان : العنصرية ومعاداة العرب في إيران من تأليف عبد الرحمن الحيدري ،كاظم والي، ياسر الأسدي و مهدي الهاشمي.
قراءة في كتاب
العنصرية ومعاداة العرب في إيران
اعداد ناصر الحريري
الجزء الاول
قال خطيب روما المميز ماركوس سيسرو… المعروف بـ”شيشرون”، الذي عاش في القرن الأخير قبل الميلاد “من لا يقرأ التاريخ يبقى أبد الدهر طفلاً صغيراً”، فمن واجب الأمم أن تقرأ التاريخ لتراجع خططها النهضوية والتنموية وتتعرف على الأخطار المحدقة بها والمعوقات التي تكون سبباً في عدم الاستقرار والفشل.
فمن له معرفة بتاريخ العداء الفارسي ضد العرب، وبعض من تفاصيل ثقافة العدائية في الشخصية الإيرانية، يتأكد أن أحد أهم عوامل الضعف العربي اليوم أمام قوة النفوذ الإيراني المتصاعدة في بلادنا العربية هو لامبالاة العرب في كتابة وقراءة ومعرفة التاريخ الطويل والخطير لدور الجارة الأزلية في هذه المنطقة.
وما يؤكد ذلك هو أنه رغم استمرار سلوك إيران العدائي المتصاعد، والذي بات مكشوفاً، ومتواصلاً في حلقات متسلسلة، منذ بدء نشوء الدولة العربية الحديثة في بداية القرن العشرين، إلا أن الوعي العربي حول عناصر هذه القوة لا يزال قاصراً، وهذا ما تثبته نتائج الصراعات الإقليمية التي ما انفكت مستمرة في الساحات العربية.
لقد لعبت إيران عبر التاريخ أدواراً خطيرة ضد العرب، وتمكنت بدعم أوروبي عبر التاريخ الحديث من اقتطاع أجزاء شاسعة من الأرض العربية وضمها إلى بلاد فارس. ولقد كان غزو واحتلال العراق سنة 2003 فرصة تاريخية لإيران، ومَن دَرَسَ وتَعَرّفَ على تاريخ بلاد فارس يعرف تماماً بأن إيران ما كانت ستترك فرصة كهذه تمر دون أن تحقق حلمها التاريخي في اجتثاث العراق من هويته وجذوره العربية وتاريخه الحضاري، لأنها الكراهية والحقد الفارسي على العراق والعرب المتأصل في ذاكرتها وأدبياتها المختلفة.
سنستعرض هنا دراسةً مهمة بعنوان ” العنصرية ومعاداة العرب في إيران” تكشف منابع ومكامن الحقد والكراهية والعداء الفارسي للعرب داخل إيران وخارجها. لذا يجب أن نعي أهمية قراءة وفهم هذا العدو الأزلي، الذي يبدّل جلده مع تبدل العصور والثقافات، ولديه القدرة الفائقة على تجديد سياساته وخطاباته بما يتناسب مع ظروف العصر ونوع القوى العالمية المهيمنة، في سبيل الوصول الى أهدافِه.
الدراسة: العنصرية ومعاداة العرب في إيران
تأليف: عبد الرحمن الحيدري و كاظم والي و ياسر الأسدي و مهدي الهاشمي.
نبذة:
تسلطُ هذه دراسة الضوء على النظرة العنصرية ضد العرب داخل إيران.. وتشمل عرضاً لمصادر الفكر القومي الإيراني، وتلقي نظرةً تاريخيةً على عنصرية الإيرانيين ومعاداتهم للعرب. كما تقدّم أمثلة وأدلة تاريخية وأخرى حديثة عن معاداة الإيرانيين للعرب في الأوساط الثقافية، والفنية، وعند المسؤولين الإيرانيين.
جمعت الدراسة بين البحث العلمي الأكاديمي والبحث الميداني، وأشارت إلى أنَّ معاداه العرب في الأدب الإيراني تعود إلى العديد من الكتاب والأدباء الفرس، ومنهم صادق تشوبك وبادكوبه اللذان عرفا بمعاداتهما للقومية العربية في كتاباتهم.
وأيضاً توجد أشعار منسوبة لكبار شعراء الفرس تنضحُ بمعاداة العرب وتحقير القومية العربية، ومنها أشعار منسوبة للشاعر الغنائي الفارسي صاحب ملحمة “شهنامة” وتعني بالعربية كتاب الملك حيث يحقرُ فيها العرب. وتظهر عنصرية الإيرانيين حكّاماً ومحكومين في تعاملهم مع العرب، فرغم أن العرب يمثلون قرابة 10% من الشعوب الإيرانية ، فإنهم ممنوعون من ارتداء الزي العربي، وكذلك ممنوعون من تعلم اللغة العربية.
واستمرت تلك السياسات العنصرية تجاه العرب داخل إيران، من خلال تغيير أسماء مدنهم، وطمس هويتهم وإنكار الوجود العربي، حتى بعد وصول الخميني إلى سدة الحكم في العام 1979. وقد غيرت إيران أسماء المدن العربية إلى فارسية وهي تمنع العرب من إكمال الدراسات العليا ومن تولي المناصب القيادية والقضائية.
أما الطائفية، فتأخذ أبعاداً أخطر، فمنذ 2011 أعدمت طهران 400 مواطن على أسس طائفية، فعلى سبيل المثال لاضطهاد الطوائف فانه رغم وجود 22 مليون مسلم من السنة في إيران، إلا أنهم ممنوعون من التمثيل البرلماني،
كما لا يوجد في طهران مسجد واحد لهم، ولا تنفك السلطات تعتقل علماءهم وتُجرِّم بيع كتبهم. وهكذا بالنسبة للطوائف الدينية الاخرى في ايران.
طبيعة العنصرية ضد العرب في ايران
تقرن الدراسة ظهور مفهوم العنصرية بالخوف والجهل، وأن استخدام العنصرية أول ما بدأ في النزاعات السياسية والدينية والعرقية عبر تاريخ البشرية. فالعنصرية وكراهية الآخر عاملان مهمان لتحريض الجماهير وتعبئتها للمشاركة الفعالة في الحروب. وتشير الدراسة إلى تاريخ نشوء العنصرية، وأنها ظهرت في أواخر القرن الرابع عشر في أوروبا، وتحولت إلى تجارة عبودية عالمية منظَمة.
وبما أن الدراسة تركز على عنصرية إيران تجاه العرب فقد ذكرت أن العنصرية انتشرت في إيران بشكل معاداة الإسلام، ومعاداة العرب، وغيرهم من القوميات الأخرى، وقد استخدمها الفرس في فترات تاريخية لأسباب سياسية وعرقية، كما يوجد الكثير من الأمثلة الواضحة للعنصرية والدالة عليها في التاريخ والأدب والثقافة الفارسية.
إن اختلاف العنصرية في إيران عنها في أوروبا أو دول أخرى يعتبر اختلافاً جوهرياً، فالعنصرية في أوروبا تتركز في الطبقات الدنيا والأقل تعليماً في المجتمع، وهي إضافة إلى ارتباطها بمفكري الطبقات المتوسطة والمتعلمة في المجتمع، فهي مرتبطة أيضاً بدور الدولة ومؤسساتها المدنية والحقوقية، وتكون هنا عنصرية قبيحة وغير أخلاقية وتتعارض مع الثقافة والحضارة.
ولكن العنصرية في إيران تنتشر كظاهرة معادية للإسلام والعرب بين مختلف طبقات المجتمع، والكُتّاب والشعراء والساسة، وحتى رجال الدين الذين يظهرون بشكل جليّ عداءهم للعرب.
وتوضح الدراسة أن الدستور الإيراني يجرم إهانة المسؤولين السياسيين والدينيين، ولكنه يغفل عن أي ذكرٍ للعنصرية أو إهانة الأعراق أو اللغات أو الأقوام. أن الطبقة المتوسطة والمتعلمة في إيران ولأسباب سياسية وعرقية قامت بإضفاء طابع مؤسسي على معاداة العرب والإسلام في الثقافة الإيرانية، فجعلوا العرب في مواجهة العجم، حيث أن معاداة العرب والإسلام في إيران تستند إلى اتهامات كاذبة، لأن جهل وتخلف إيران مرتبط بمشكلات البنية الاجتماعية والثقافية وسوء الإدارة في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمع، وليس مرتبطاً بالعرب والإسلام.
ورغم تأثير الإسلام والعرب في أوروبا، ومساهمتهم في حضارتها باعتراف الأوربيين أنفسهم، ولكن في إيران ورغم عدم تجاهل تأثير اللغة العربية والثقافة الإسلامية في اللغة والأدب والفلسفة، الا انه ألقى العديد من الكتاب الفرس باللوم على الإسلام في تخلف إيران.
في حين أن اللغة العربية تسببت في نمو وازدهار اللغة الفارسية ومهدت الطريق لظهور الأدب والشعر الفارسيين، وأيضاً ظهور وانتشار الفلسفة والفن والعمارة والطب والشعر والأدب الذي كان عصره الذهبي في مرحلة الحضارة الإسلامية، عندما كانت إيران جزءاً من العالم الإسلامي.
يحاول المؤلفون فهم ظاهرة العنصرية القبيحة في المجتمع الإيراني من الماضي إلى الحاضر، ومن الفكر إلى السياسة والممارسة، فتم تقسيم ذلك إلى عدة محاور:
• التاريخ الفكري للعنصرية.
• تاريخ معاداة العرب في إيران.
• الخطط العنصرية للحكومة المركزية (العنصرية المؤسسية).
• العنصرية في السينما والإذاعة والتلفزيون.
• العنصرية في الرياضة.
وتعرف العنصرية على انها شكل من أشكال إطلاق الأحكام المسبقة والتمييز على أساس الاختلافات العرقية الناتجة عن الاختلافات الجسدية الظاهرة، وكذلك الاختلافات الثقافية الناشئة عن اللغة والعادات والدين والتاريخ وما شابه.
ومنها أيضاً فكرة أن لعرق محدد مزايا وقدرات معينة يفتقر اليها الآخرون، إن هذا النوع من النظرة للبشر يعتبر أيضاً عنصرية، كالرأي القائل بأن الفن ملك للإيرانيين فقط، وهذه تعتبر وجهة نظر عنصرية. أو أن العرب عنيفون وعديمو الأخلاق ، هذه أيضاً فكرة عنصرية.
العنصرية المؤسَّسِية و المنهَجيّة:
هذه العنصرية هي نظام من الممارسات والأنماط في جميع مجالات الحياة، كالتعليم والإسكان والتوظيف، والجمعيات المهنية والدين والإعلام. ويشير المؤلفون الى أن إضفاء الطابع المؤسسي على هذه الممارسات والأنماط جاء بهدف الحفاظ على السلطة والنفوذ واستمرارها لصالح مجموعة واحدة على حساب مجموعات مجتمعية أخرى.
هذه العنصرية متجذرة في أنشطة القوى القائمة التي تتمتع بمكانة خاصة في المجتمع، وتلقى إدانة أقل من العنصرية الفردية، علماً أن خطورتها ومداها أعظم بكثير من العنصرية الفردية، لأنها تفتقر إلى الوضوح وهو ما يعني عدم وجود احتجاج معين ضدها.
أن من الأمثلة الواضحة الجلية على العنصرية المؤسسية في إيران في مجال الثقافة مثلاً، هو تمتع الشعب الفارسي بنسبة مائة بالمائة بالمزايا والفرص التي تخص المجتمع الثقافي كاملاً (إذاعة وتلفزيون وصحف وسينما وتعليم وجامعات ومؤسسات ثقافية وفنية) بينما الشعوب العربية والتركية وغيرها من القوميات الأخرى محرومة من هذه المرافق، أو أن تمتعها بهذه المرافق ليس كثيراً. وهذا مثال واحد فقط على المنهجية المؤسسية.
فالتلفزيون والإعلام الإيراني المركزي يقوم على مفهوم الثقافة الأحادية، وهي الثقافة الفارسية، ولا يحمل في مضمونه أي عادات وتقاليد ثقافية لغوية مختلفة عنها، باعتبارها تعود لأقوام متخلفة ثقافياً ولغوياً بعكس الثقافة الفارسية التي ترى نفسها في قمة التحضر والرقي.
أن العنصرية المؤسسية تدمر الفرص وتمنع ظهور المواهب في مختلف المجالات في المجتمعات المستهدفة، فضياع المواهب الثقافية والفنية لغير الفارسيين في إيران هو عدم توفر المرافق، وأيضاً وجود عدد قليل جداً من الكتاب والفنانين غير الفارسيين بسبب التضييق عليهم، مقارنة مع الفرس.
يتطرق المؤلفون الى مفهوم التمييز العنصري وفقاً للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري، حيث أن التمييز العنصري يقوم على أي تمييز أو حظر أو تقييد أو تفضيل على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثنية، والغرض من التمييز العنصري هو تضييع حقوق الإنسان والحريات الأساسية في جميع المجالات.
بمعنى آخر هو معاملة شخص أو مجموعة من الأشخاص على أساس العرق أو الإثنية أو لون البشرة أو الجنس. فإذا رفض مدير مصنع في الأحواز توظيف العرب لأنهم عرب، فهذا تمييز عنصري وفقاً للتعريف الدولي.
يتبع لطفا…