خالدون في سبيل البعث
من سجل النضال القومي المجيد
حزب البعثُ العربي الاشتراكي هو حزبٌ قوميٌّ وُلِدَ من رحم معاناة الامة من أجل تحقيق وحدتها وحريتها ونهضتها، لتمارس دورها الحضاري بين الأمم بما يَليق بمكانَتِها الكبيرة وإمكاناتها الهائِلة وتأريخها المجيد. وهو فِكرٌ رَصينٌ وراسخٌ، ونَهجٌ ناضجٌ ومُتقدمٌ ينير درب مناضليه وجماهيرَه في كفاحهم لتحقيق أهدافه الاستراتيجية الكبرى في الوحدة والحرية والاشتراكية. وحزبٌ هكذا هي أهدافه، قومية تقدمية انسانية، لا ينهض برسالَتِه الحضارية العِملاقة في بعث أمة بكاملها، الاّ نوعية خاصة من أبناء الأمة المناضلين في صفوفِه، من الذين آمنوا بحقِّ أمتهم في النهضة والتقدُّم لتحتَّل مكانتها الكبرى بين الامم ، فوهبوا حياتهم لتحقيق رسالته، خائضين في سبيل ذلك نضالاً ضروساً وتضحيات جسام لتأصيل الأهداف النبيلة للبعث، وقيمه ومبادئه السامية. انَّهم صُنَّاع الحياة ومستقبل الامة، ورجال العطاء والفداء من أجل تحقيق وحدة أمتهم العربية المجيدة. هكذا هُم مناضلو البعث على امتداد وطنهم العربي الكبير من المحيط الى الخليج.
يسعى هذا الباب الى القاء الضوء على محطات من السجلّ الخالد لمناضلي البعث في الوطن العربي ، الذين شكَّلوا رايات عالية ستبقى تنير درب أجيال وأجيال من ابناء الامة في نزوعها نحو الوحدة والحرية والتقدم. ومن تلك الرايات الرفيق الشهيد محمد الشراعي من اليمن .
محمدالشراعي
اول شهداء ثورة سبتمبر من ضباط البعث في اليمن
يحي محمد سيف
الرفيق الشهيد الملازم البطل محمد الشراعي ، هواول ضابط من ابطال البعث في تنظيم الضباط الاحرار ينال شرف الاستشهاد صبيحة يوم تفجير
الثورة اليمنية الخالدة في 26سبتمبر عام 1962م ، وهو على رأس قيادة قوة الاقتحام الثانية لقصر الامام المخلوع محمد البدر.
جدير بالذكر هنا في مستهل الحديث عن هذا الشهيد والبطل البعثي ان نوضح ان معظم قادة قوات الاقتحام لكل المرافق الحيوية والمؤسسات والمقرات الرسمية المدنية والعسكرية عشية تفجير ثورة 26سبتمر كانوا ضباط بعثيون وفقا للعديد من الوثائق والدراسات التاريخية والحقائق والشهادات المنصفة وهذه الحقيقة قد وثقتها المصادر ومنها كتاب الباحث والمفكر الاستاذ قادري احمد حيدر (الاحزاب القومية في اليمن – النشأة والتطور – والمصير) . اما الشهيد الملازم محمد الشراعي فتشير اوراقه الشخصية ومواقفه النضالية الى ما يلي :
– التحق بمدرسة الايتام بمدينة صنعاء ، وانهى دراسته الاساسية والثانوية العامة سنة 1958 .
–التحق بحزب البعث العربي الاشتراكي ضمن الخلايا التنظيمية للقطاع الطلابي للحزب والتي عرفت (بالاكواخ) في المدرسة الثانوية في اواخر الخمسينيات من القرن الماضي، و التي بدأت تتشكل بالمدرسة الثانوية بمبادرة من الرفيق القائد الشهيد الملازم علي عبد المغني قائد ثورة 26سبتمبر لتنتشر في المدارس الاخرى في العاصمة صنعاء، حيث كان كل كوخ عبارة عن حلقة او خلية لا يقل عدد اعضائها عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة وكان الرفيق الشهيد الملازم محمد الشراعي مؤطرا ( في الخلية / الكوخ الذي كان مسؤله التنظيمي (زيد الشامي) والذي كان يضم كل من الرفاق :
– محمد الشراعي
– علي بن علي الحيمي
– محمد فائع
– علي بن علي الجائفي
– علي الهيلمه
واخرين (1)
–التحق بالكلية الحربية عام 1958م ضمن الدفعة الثانية وهي دفعة الشهيد الخالد على عبد المغني. وتخرج عام 1961م برتبة ملازم ثاني. وقد اوضح الضباط الاحرار في وثيقتهم التاريخية ان (عددا من طلاب المدرسة الثانوية كانوا قد اعتنقوا مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي قبل ان يلتحقوا بالكلية الحربية .
وفي الكلية الحربية انتقلت البيئة المدرسية والفكرية الى الساحة العسكرية، حيث تواجدت فيها نواة منتمية ومتطلعة الى العطاء الفكري الجديد ، و استطاع حزب البعث التأثير على مجموعة من ضباط الكلية الحربية الذين اصبحوا بعد ذلك ضباطا في الجيش اليمني ) ( 2) في اشارة الى طلاب الدفعة الاولى بالكلية الحربية التي تم استقطاب اغلب الاعضاء فيها للحزب من قبل الكوادر البعثية في الدفعة الثانية .
–التحق الرفيق محمد الشراعي بمدرسة الاسلحة وتخصص في سلاح المدرعات (فرع الدبابات) وبعد ان تخرج منها التحق بجناح الدبابات في قوات فوج البدر(ولي العهد انذاك(.
–انتسب الى تنظيم الضباط الاحرار مطلع عام 1962م كعضو في احدى الخلايا الاساسية التي كونها وكان مسؤول عنها الشهيد العظيم علي عبد المغني(3) وهي الخلية (أ) والتي كانت تضم كل من :
– الملازم محمد الشراعي
–الملازم علي بن علي الحيمي
–الملازم يحي الحياسي (4 (
وكان الرفيق محمد الشراعي عضواً فاعلاً ونشيطاً في خليته بشكل خاص وفي التنظيم بشكل عام ، كما كان له شرف الاسهام الى جانب رفاقه الضباط الاحرار في التهيئة والاعداد لثورة 26سبتمبر الخالدة عام 1962م .
وفي ليلة الخميس 25سبتمبر وهي ليلة تفجير الثورة المباركة ، تولي قيادة الدبابة الثانية من قوة الاقتحام لقصر البشائر (قصر الامام المخلوع البدر ) وفقا لخطة الهجوم والى جانبه طاقمها المكون من رفيقه الشهيد الملازم عبد الرحمن المحبشي والشهيد العريف احمد الجاكي ومجموعة اقتحام اخرى . وكان موقع دار البشائر محاطاً بمنازل عديدة ، وشوارع ضيقة لاتساعد على المناورة والتحرك السريع ، ولما كانت حالة الطوارئ مازالت قائمة في قصر البدر(دار البشائر ) فقد استطاع الحرس الملكي (العكفة ) ان يستخدم اغلب الاسلحة التي كانت جاهزة للاستخدام ، وحينما ظهرت أول دبابة امام مدخل القصر قام افراد الحرس باغلاق البوابة مباشرة وفتحت نيران كثيفة من القصر على القوة المهاجمة المكونة من ست دبابات ، بينما كانت نية الثوار تحاشي البدء بالقصف حتى يتم تسليم اعلان اﻹنذار الموجه الى الامام البدر ، والنداء الموجه الى افراد الحرس الملكي ، بهدف حقن الدماء ، وقد ابدت القيادة في إنذارها الموجه إلى البدر استعدادها لترحيله على طائرة خاصة تنقله الى اي مكان يريده خارج البلاد كما طالبت القيادة في ندائها الى الحرس الملكي بان يقف مع الثورة الى جانب الجيش والشعب اللذان صمما على التخلص من حكم الامامة .
وقد دعت القوة المهاجمة الحرس لأن يوقفوا اطلاق النار غير أن ذلك لم يجدي ، فباشرت الدبابات بإطلاق النار، وانتشرت الدبابات على مواقع متعددة حول القصر واستمر القصف المتقطع حتى الفجر.
اما بالنسبة لمجموعة الاقتحام فعلى الرغم من التحديات التي واجهتها فقد بقيت الدبابات تتحرك من مكان الى اخر لاحكام الحصار على القصر من الجهات الممكنة ، وتسديد الضربات المؤثرة، واستنزاف قدرات الحرس في الصمود والمقاومة، ورغم انها كانت تفتقد المساندة والحماية، فقد استطاعت فرض السيطرة الكاملة على محيط القصر ومواجهة الاشتباكات مع الحراسة التي كانت تمتلك الكثير من الاسلحة الخفيفة وذخائرها ، واثناء المعركة، انفجرت اجهزة الرجوع واﻹعادة لمدفع دبابة الاقتحام الثانية بعد
اطلاق القذيفة الاولى، وخرج الزيت منها، فقرر قائدها الملازم محمد الشراعي التراجع بها الى ميدان شرارة (ميدان التحرير حاليا) ونادى على دبابة اخرى بالاقتراب منه لتفريغ مابقى من الذخيرة إليها، وبعد ذلك توجه إلى ثكنة العرضي مقر فوج البدر واستبدل الدبابة بدبابة اخرى، وعاد بها إلى قصر البشائر لمواصلة المعركة، بعد ان تزود بكميات جديدة من الذخيرة التي توفرت بعد فتح مخازن السلاح، واثناء المعركة ولحدوث مشاكل غير متوقعة لدبابة الاقتحام الاولى لقصر البشائر بقيادة الرفيق الملازم اول عبد الله عبد السلام صبرة، فقد حلت محلها دبابة الاقتحام الثانية بقيادة الرفيق الملازم محمد الشراعي، وعند تقدمها لم تتمكن من اجتياز الباب الشرقي لساحة القصر بسبب انحشارها فيه، مماجعل تحركها للخلف متعذرا بقوة محركها(5)، فتعرضت الى هجوم ادى الى احتراقها، واستشهاد كل من بداخلها، وهم الشهيد الملازم محمد الشراعي ورفيقه الشهيد الملازم عبد الرحمن المحبشي وضابط الصف الشهيد احمد الجاكي.
وعلى اثر ذلك هرعت دبابة الاقتحام الاولى بقيادة الملازم اول عبدالله عبد السلام صبرة وسحبت الدبابة المحترقة للخلف رغم كثافة النيران المنهمرة من داخل القصر ومن ثم أخراج جثث الشهداء ودفنها في منطقة باب السلام الحالي (6) لينالوا شرف السبق في الاستشهاد من بين قافلة شهداء ابطال البعث وتنظيم الضباط الاحرار والجيش اليمني عموماً، وذلك في صبيحة يوم تفجير ثورة 26من سبتمبر عام 1962 م وقيام النظام الجمهوري ، وايديهم على زناد مدافعهم وبنادقهم ، رحمهم الله جميعا واسكنهم فسيح جناته .
سيبقى اسم الرفيق الشهيد محمد الشراعي خالداً في نفوس الرفاق ومنارة تهتدي بها اجيال البعث ومثل اعلى في الشجاعة والاقدام والروح الاقتحامية والتضحية في سبيل البعث وتحقيق نهضة الامة وتقدمها وتحررها .
المصادر :
- عبدالوارث سعيد عبد المغني – قصة بطل في طريق ثورة سبتمبر الخالدة – دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع دمشق- الطبعة الاولى 1986صفحة (22-23).
- اسرار ووثائق الثورة اليمنية ) اعداد لجنة من تنظيم الضباط الاحرار مكونة من ؛ مقدم احمد الرحومي – مقدم عبد الله محسن المؤيد – مقدم صالح الاشول – مقدم ناجي على الاشول – مقدم محمد الخاوي – مقدم عبد الله عبد السلام صبره – دار العودة بيروت – دار الكلمة بيروت صنعاء -1-6-1978م صفحة (100-101).
- صالح الاشول – حقائق ثورة سبتمبر اليمنية – نشر بمشاركة مؤسسة العفيف الثقافية (بدون تاريخ ) صفحة (289).
- اسرار ووثائق الثورة اليمنية المصدر السابق صفحة (111).
- اسرار ووثائق الثورة اليمنية مصدر سابق راجع صفحات(170-171-172-173(.
- عبد الكافي الرحبي – من تاريخ النضال الوطني – (ثورة 26سبتمر دراسات وشهادات للتاريخ ) الكتاب الثالث – اعداد مركز الدراسات والبحوث اليمني صنعاء -طبعة اولى 1993م