في اجتماع أربيل المُسخ للتطبيع
مُحاوَلاتٌ خَبيثَةٌ،غَايَتُها المَسَـاسُ
بقِيَمِ ومَبادِيءِ ومَفاهِيمِ العِرَاقِيِّين الثَابِتَةَ
د.عباس العزَّاوي
بالأمسِ انعقدَ اجتماعٌ مُسخٌ لبعضِ المُتَسَّكعينَ من العُملاء والخَوَنة من الذينَ باعوا شرفهم الوطني وأنفسهم للصهاينة، في محاولةٍ خبيثةٍ منهم للمَساس والمزايدة على تاريخ العراقيين وانتمائهم وعروبتهم لصالح الكيان الصهيوني الغاصب. داعين الى تطبيع العلاقات الشعبية مع أبناء صهيون!.
وهنا فقد وجدناهم يدعون دعوة خبيثة لعولمة (الإبراهيمية) والانتقال منها بعد ذلك الى (الهيمنة) الصهيونية على العراق والأمة العربية. وعليه فهذه الأصوات النشاز والنكرة تُريد أن تجعل من الغاصب المحتلّ، وكأنَّه المُحرِّر والمُخلّص، كما يزعمون، من التغوّل الفارسي في العراق والوطن العربي، لذا فهم كالذي يستجير بالرَمضاء من النار!.
عَولَمة الإبراهيميَّة أم الهَيمَنة الصُهيونيَّة
قبل كل شيء نتعرَّف سريعاً على معنى الإبراهيمية التي يتبنَّاها الأمريكان والصهاينة، والتي أوكلوا مهمة تحقيقها لبابا الفاتيكان بدايةً، ثم دفعوا بعض المنحدرين والمتسولين من الذي ينتسبون للعراق والعروبة ليكونوا البوق النافخ لهذا الهدف الشرِّير، ومنهم بعض المنبوذين والنكرات الذين هانت عليهم أنفسهم، ورَخُص عندهم الشرَف الوطني، فراحوا يزعقون وينعقون بأقوالٍ مُفتراةٍ، وحُجج زائفة لا أساس لها من المنطق والعقلانية والتعقل ذرة من شيء. فانبروا يُطالبون برأب الصدع، والحوار والتحاور مع عدو الأمة والانسانية، الكيان الصهيوني. في دعوة مفضوحة الى الحوار بين العراقيين وأبناء صهيون!، وفتح الأبواب على مصراعَيها لما اسموه (الصلح والمصالحة) بين العراقيين والصهاينة،تحت دعوى نشر الابراهيمية.
والإبراهيمية هي مصطلحٌ فضفاضٌ غامض، ذو طابع سياسي مُغلَّف بالدين. يجري توظيفه اليوم، لتنفيذ سياسات الهيمنة الأمريكية الصهيونية في الوطن العربي والمنطقة، وبحُجج الديانات الإبراهيمية، كاليهودية والمسيحية والإسلامية، وحوار الأديان كما يزعمون.
والإبراهيمية في ظاهرها دعوةٌ لنبذ الخلافات بين الأديان السماوية الثلاث، والبحث عن المشتركات (الفرضية) من أجل تجسيد قيم التسامح الديني والتعايش بين اليهود الصهاينة وطرف ثانٍ مغلوب على أمره، غايتها القبول(الاجباري) المفروض بشتى السبل على الطرف الضعيف(العرب)، بدولة الصهاينة في فلسطين والتعايش معها.
والحقيقة لم يُصَب أي عراقي غيور بالصدمة والاستغراب من هذه الأصوات النشاز ودعواتهم. ذلك لأنَّ مَن تُسَوِّل له نفسه خيانة وطنه وشعبه على رؤوس الأشهاد، تهون عنده عملية التَسوّل والاستجداء من أعدى اعداء الله والانسانية، فالوطنية خيط رفيع من الحرير، فإن قُطِع، فلا غرابة فيما يأتيه هذا الخائن أو ذاك، فالحياء الوطني جزء مهم من الهوية الوطنية، ومَن يبيعها فقد انقطع عنه الحياء والاستحياء، لذلك قال رسولنا الأكرم (إذا لم تستحِ فاصنع ماشئت) رواه البخاري.
وكلنا ثقة من ان الشعب العربي في كل مكان عصيٌّ على أن تخترقه الثقافة الصهيونية، فالثقافة العربية هي ثقافة امة عريقة في حضارتها، وهي ايضاً ثقافة القرآن الكريم، ومَن كانت ثقافته نابعة من ذلك الارث الحضاري ، ومن كتاب الله العزيز، فلن يُخشى عليه من ثقافةٍ عقيمة منعزلة ومنكفئة على نفسها وهي الثقافة الصهيونية. من هنا وجدنا شعبنا العربي الابي في مصر يأبى بِشَمَم أنْ يُطبّع علاقاته مع الصهاينة في فلسطين على الرغم من مرور أكثر من خمسين عاماً على اتفاقية كامب ديفيد.
وقبل أن نسلط الضوء على قضية هؤلاء النفر الضَّال من المتهافتين على موائد ودولارات الصهاينة، نقول أنَّنا منذ البداية قد أوضحنا بأنَّ زيارة بابا الفاتيكان الى مدينة أور الأثرية، لم تكن في نواياها وأهدافها الباطنة مجرد زيارة دينية، وبحسن نيَّة، ولم تكن زيارة اعتباطيةً. بل هي زيارة مخطَط لها والنيَّة فيها مبيَّتة، وتحمل في ثناياها، دعوة لعولمة إبراهيميَّة، تتبعها الهيمنة الأمريكية والصهيونية على الوطن العربي.
لقد كان الأجدر بهؤلاء المُنحرفين أنْ يبحثوا في ضرورة الحوار والتحاور بين العراقيين أنفسهم، لتحقيق وحدتهم وتآلفهم الوطني ضدّ حكومة الفاسدين المجرمة وأحزابها الولائية، وكيفية تحرير العراق من براثن ورجس الاحتلال الفارسي الغاشم لأرض الرافدين.
انَّ ما يزعمه هؤلاء الأدعياء المحسوبون على شعبنا العراقي، انَّما هو دعوة عرجاء باطلة، وآراء جوفاء عقيمة، تتجاوز حدود الشرف والأخلاق. وهي تمثل تزوير بائس لتاريخ العراقيين والعرب، وتزوير للحقائق لصالح أسيادهم الصهاينة والأمريكان. وما يقولونه من تبريرات وحُجَج، تدفعهم لفعلتهم الشنعاء وتبريرها بالتَغوّل الفارسي، واحتلال الصفويين أرض الرافدين، وبالتَّالي هُم يزعمون أنَّ التطبيع مع الصهاينة واستجلابهم الى العراق، سيكون وسيلة للخلاص من الفرس وتغوّلهم في العراق!، متناسين ان المشروع الايراني هو اليد الضاربة للمشروع الصهيوني في العراق والوطن العربي ، فالصهاينة والفرس وجهان قبيحان لعملة واحدة صدأة.
ثم هل يُعقَل أنَّ العدو الصهيوني هو أكثر رأفة ورحمة وانسانية من نظام الملالي المجرم في طهران؟!، وعليه هل يمكن أن يكون هذا الكيان المغتصب لأرض فلسطين والأراضي العربية المحتلة، حامٍ لحقوق الانسان، وهل له تاريخ في اقامة الحق والعدل، كيما نستعين بهم على عدونا الفارسي الصفوي الذي ينفذ بنفسه الاجندة الصهيونية بالنيابة وبكل دقة؟!.ألَم يسوموا شعبنا العربي في فلسطين سوء العذاب منذ العام 1917م، ويقتلوا الآلاف، ويعتقلوا المئات، لا يُفرِّقون بين طفل وإمرأة وشيخٍ مُسِنّ، بعد وعد بلفور المشؤوم وحتى يومنا هذا؟!.
اصطنعوا من الخيانة بطولة، ومن المُحتَلّ الغاصِب مُنقِذ ومُخَلِّص!
وبعد ذلك نقول، انكم تعطون الحقَّ الذي لا تملكونه الى الذين لا يملكون الحقَّ في أرض فلسطين!، انَّها خيانةٌ عظمى ارتكبها هؤلاء بحق العراق وشعبه والأمة العربية كلّها. انَّ هؤلاء الخائنين لا ينتمون بأي شكل من الأشكال الى العراق والعروبة. ولا يُمثّلون الشعب العراقي العظيم، فشرايينهم لا يجري فيها الدم العراقي واليعربي الأصيل. ومع ذلك وبكل صَلَف وعَنَت ووقاحة غير مسبوقة، يُطالبون العراقيين بالتحاور مع الصهاينة لانقاذ العراق من خطر الفرس الداهم!.
هؤلاء يريدون من العراقيين أن يتبعوا بني صهيون، ويجعلون منهم أولياء، والله سبحانه يحذّر عباده من ذلك بقوله (ومَن يَتَولهم منكم فإنَّه مِنهُم)المائدة51. والوَلاية هنا ضدّ العداوة، وتعني النُصرة، وتوَّلاه أي اتَّبعه
واتَّخذه وليَّاً. فإنَّ مَن والى الصهاينة المجرمين، المغتصبين لديار العرب واتَّخذهم أصدقاءً، فهو منهم، وهو مرتدّ عن العروبة والدين القيِّم. كلّ هذا مقابل ثمن بخس، من الدولارات لا تساوي قطرة حياء واحدة من جبين عراقي ماجد، ولا تزن قطرة دمٍ من شهداء العراق والأمة الذين قضوا في الدفاع عن العراق وفلسطين العربية. وهي معصيةٌ لله تعالى وخروج عن الدين والمِلَّة. وبالتَّالي فالاستعانة بالصهاينة لأي سبب كان وفي أي ظرف وحال، هو تمكينٌ لهم على حساب الأمة.
يَتَهافتونَ لتَسويغ مشروع بايدن سيّء الصيت
انَّ هؤلاء النفر الضَّال قد سوَّغوا لأنفسهم ما لم يسوّغه غيرهم، انَّما لهم أهدافاً خبيثة ينوون تحقيقها، ونوايا شريرة يبغون مرامها، فقد أعلنوا صراحة عن دعوتهم النكراء لتجزئة العراق الواحد الى أقاليم، وهذا يتطابق مع خطة أو مشروع بايدن سيء الصيت لتقسيم العراق الى ثلاثة أقسام أو دويلات او اكثر و التي طرحها قبل عدة سنوات مضت. وان هذا التقسيم هو الهدف الاعلى للكيان الصهيوني لتحقيق اندفاعه في الوطن العربي .
هذا الكيان الذي قتل الفلسطينيين وردهم وغَمَط حقوقهم ، فكيف يمكن أنْ يثق بهم العراقيون ؟!. وهؤلاء الصهاينة كيف سيكون موقفهم من العراقيين، و هُم مَن قاتلهم في فلسطين المحتلة في عام 1948م، ولقَّنوهم دروساً لن ينسوها في الشجاعة والاقدام والتضحية، والعراقيون مَن أضاعوا عليهم فرصتهم التاريخية في احتلال دمشق في حرب تشرين ، وأخيراً وليس آخراً، فقد دكَّ العراقيون، أحفاد أولئك الرجال الأفذاذ، تل أبيب برشقات من الصواريخ تعدت 39صاروخاً. وبعد ذلك أليسوا هُم اليوم مَن استطاعوا أنْ يثبتوا بهتان وسذاجة وسماجة دعوة هؤلاء العقيمة للتطبيع مع الصهاينة بمزاعم واهية تدَّعي الوقوف بوجه بني فارس وأذنابهم، بينما كانت ثورة العراقيين في تشرين الأول قبل عامين من الآن، هي الرَّد الجبَّار والصاعق على حكومة الاحتلال، وأحزابها المجرمة، وفي سبيل تحريرالعراق من دنَس الفرس الصفويين؟!. فالشعب قال كلمته، وقدَّم مئات الشهداء في سبيل تحرير أرضه من وطأة أقدام المحتل الفارسي.
سيُقاتل العراقيون أيُّها المُرجفون الخونة، بسيفٍ يَعقَل ويُبصر وينطق، قريباً، قريباً ان شاء الله تعالى. فلا تتباكوا على شعبنا الأبيّ، وتذرفوا دموعاً كالتماسيح، فهو يعرف جيداً طريق النصر، والتحرير، فلا تدنِّسوا أرض الفراتين الزكيَّة، أرض الأنبياء والأولياء والصالحين.